لا مجال لمحاكمة المجرمين في غياب الإتفاق حول محكمة دولية
كارلا دلي بونتي العضوة السويسرية في لجنة التحقيق في جرائم الأزمة السورية، والمدعية العامة السابقة في المحكمة الجنائية لجرائم يوغسلافيا سابقا،عبرت عن صدمتها "لحجم الجرائم المرتكبة في سوريا، ولنوعيتها البشعة خاصة تلك المرتكبة من قبل المجموعات الإرهابية.
وكشفت أثناء حديثها ل swissinfo.ch عن لقاء تم مع السفير السوري الجديد وعبّرت عن أملها في رؤية الحكومة السورية تفتح الباب امام تعاون مع اللجنة واجراء تحقيق من داخل سوريا، لكنها تأسف لعدم اتفاق المجموعة الدولية على إقامة محكمة لمتابعة مرتكبي الجرائم في سوريا.
ما يلفت الانتباه في التقرير الثامن للجنة التحقيق في الجرائم المرتكبة في الصراع السوريرابط خارجي والمنبثقة عن مجلس حقوق الإنسانرابط خارجي، هو ما أدلى به رئيسها الارجنتيني باولو بينهايرو عندما قال أمام المجلس يوم 17 سبتمبر “لم يعد لدي استعداد لتكرار احصائيات هذه الحرب، ولم يعد لدي إيمان بأن تعداد آلاف القتلى والمرحلين قد يدفعكم للتحرك… لقد شخصنا طبيعة الصراع وصولا الى حقيقة ما وصل إليه اليوم، وناشدنا الأطراف المتصارعة، والدول التي لديها نفوذ عليها من أجل العمل على إيجاد حل سلمي. وطلبنا من مجلس الأمن الدولي تقديم الملف السوري الى المحكمة الجنائية الدولية . ولكننا وُوجهنا بجمود وعدم تحرك. هذا الجمود هو الذي يشجع الأطراف المتصارعة على الاستمرار في ارتكاب جرائمها بدون حساب او عقاب، وهو العنف الذي قضى على سوريا. وإن آخر من استفاد من هذه الوضعية هي جماعة الدولة الإسلامية”.
بعد هذا الخطاب التقينا بالعضوة السويسرية في لجنة التحقيق القاضية كارلا ديلبونتي وكان هذا الحوار:
Swissinfo.ch: أثناء تقديمه للتقرير الثامن أمام مجلس حقوق الإنسان تحدث رئيس لجنة التحقيق السيد باولو بينهايرو بمرارة وبصرخة يأس تجاه جمود المجموعة الدولية وعدم تحركها لإيجاد مخرج للأزمة السورية. ما الذي صدمك أنت أكثر أثناء تحضير هذا التقرير الثامن؟
كارلا ديل بونتي:إن ما صدمني هو كثافة الجرائم المرتكبة من مختلف الأطراف، ونوعيتها، خصوصا تلك التي ارتكبتها المجموعات الإرهابية مثل الدولة الإسلامية او جبهة النصرة وغيرها. وما صدمني بالطبع أكثر هو جمود المجموعة الدولية، وعدم تدخلها. لذلك لا يمكن الشروع في تحضير الاتهامات الموجهة الى المسؤولين السياسيين والعسكريين المورطين في ارتكاب هذه الجرائم.
وبما أن الحكومة السورية لا تتعاون معنا، فإن ذلك يعقد مهمتنا أكثر فاكثر. فقد تحدثت صباح اليوم (الثلاثاء 16 سبتمبر 2014) مع السفير السوري الجديد (حسام الدين علاء)،وشددت على ضرورة وجود تعاون مع اللجنة. لكن يبدو أن ذلك غير ممكن لأنهم (الحكومة السورية) يعتبرون بأن اللجنة غير مستقلة، وأننا نشير الى الجرائم المرتكبة من قبل الحكومة. وقد قُلتُ لهم إن الوضع اليوم تغير نوعا ما، وأن هناك جرائم كثيرة ترتكب من الطرف الآخر. لذلك ننتظر ونأمل في أن تتفهم الحكومة السورية لضرورة التعاون معنا، خصوصا فيما يتعلق بتحديد الجرائم المرتكبة من الطرف الآخر.
Swissinfo.ch: كيف يمكن للحكومة السورية الانتقاد في الوقت الذي تغلق فيه الباب أمام عمل لجنة التحقيق؟
كارلا ديل بونتي: إنهم ينتقدون كوننا نعتمد على شهادات بخصوص جرائم تُرتكب فقط من قبل الحكومة. لذلك قلبت طريقة الحديث بقولي لهم : إن رفضكم الترخيص لنا بالدخول للقيام بالتحقيق هو الذي يعرقل إمكانية توثيقنا للجرائم المرتكبة من قبل الطرف الاخر. وهذا ما سنرى الى ماذا سيفضي.
شهادات
تتضمن الشهادات ال 12 من بين 3200 شهادة التي حصلت عليها لجنة التحقيق، شهادة صحفي سوري معارض للنظام ، والذي نجا من عملية اعتقال في سجون الدولة الإسلامية في حلب.
فهذا الصحفي الذي اعتقل ثلاث مرات من قبل النظام وتعرض للتعذيب في عام 2011 و 2012، تعرض ايضا للإعتقال في بلدته في عام 2013 على يد خمسة افراد من مقاتلي الدولة الإسلامية وذلك بسبب كتاباته ضد الجهاديين.
وقد تم اعتقاله في زنزانة تحت الأرض في مستشفى قديم في بلدة القاضي عسكر. وكان في مركز الاعتقال 12 زنزانة تحتوي كل منها على ما بين 40 او 50 شخصا ممن يعتبرون معارضين للدولة الإسلامية. والذين كانوا يتعرضون للضرب او للإعدام.
خلال الثلاثة ايام الأخيرة من اعتقاله، كانت زنزانته تحتوي على 27 معتقلا. وفي يوم من الأيام تم اعدام 19 منهم. وفي اليوم الأخير، تمت مناداته مع معتقل آخر لاعدامهما.
لكن وقوع هجوم على البناية من قبل مجموعة مسلحة من المعارضة السورية، اضطرهم لإعادته لزنزانته، قبل أن يتم تحريره من قبل المجموعة المعارضة التي قامت بتصوير جثث 45 أسيرا تم اعدامهم بطلقة في الرأس.
(المصدر: وكالة الانباء السويسرية يوم الثلاثاء 16 سبتمبر 2014)
Swissinfo.ch: عندما تقولين سنرى، هل معنى ذلك أن هناك أمل في العدول عن رفض دخول اللجنة الى سوريا للقيام بتحقيقها؟
كارلا ديل بونتي: هناك أمل من منظور أن حديثي مع السفير سمح بالتوضيح بأن الوقت قد حان، بالنسبة لسوريا التي ترغب في محاربة المجموعات امتطرفة، أن تشرع في التعاون معنا. وأن أحسن طريقة لمحاربة هذه المجموعات الإرهابية هي السماح لنا بالقيام بتحقيقنا على أحسن وجه. إذن سنرى؟
Swissinfo.ch: خصص التقرير فقرة مطولة لجرائم الدولة الإسلامية، وباقي المجموعات المسلحة المورطة في هذه الطريقة الجديدة لممارسة الإرهاب، والتي تهدد المنطقة بأكملها، بما في ذلك إعدام رهائن غربيين. هل ستصبح مسألة التحقيق في جرائم داعش او الدولة الإسلامية من مهام لجنتكم؟
كارلا ديل بونتي: أكيد فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة فوق التراب السوري. إذ سنولي خلال الأيام القادمة مزيدا من الاهتمام لهذه الجرائم. لأنه كما ترون إنهم يقومون بممارسة الدعاية لجرائمهم البشعة، ولعمليات التعذيب الجماعي والقتل الجماعي. لذلك ننتظر قرار المجلس الذي ينظر في إمكانية منحنا مهمة خاصة بالجرائم التي ترتكبها عناصر الدولة الإسلامية.
Swissinfo.ch: هذه الطريقة في الترويج للجرائم المرتكبة بدل إخفائها، هل هو تراجع وتقهقر لاحترام مبادئ القانون الدولي والقانون الانساني الدولي وحقوق الإنسان التي حاولت المجموعة الدولية تأسيسها طوال مسيرة الستين عاما الماضية؟
كارلا ديل بونتي: هذا بالفعل ما يتم وهي مأساة مهولة. وفي ذلك احتقار وازدراء بحقوق الإنسان، ورفض لها كلية في هذه المنطقة ومن قبل هذه الثقافة المتطرفة. لذلك من الأهمية بمكان تولي هذه اللجنة التحقيق في تلك الجرائم وتوثيقها.
swissinfo.ch:ما ركز عليه هذا التقرير أيضا دور الدول المجاورة التي تدعم المجموعات المسلحة. هل في ذلك رغبة من اللجنة لتوضيح المسؤولية القانونية لهذه الدول من منظور القانون الدولي والقانون الانساني الدولي، وهل بالإمكان القيام بمتابعة قانونية لهذه الدول أيضا؟
كارلا ديلبونتي: لن تكون هناك متابعة او محاكمة ما لم يتم الاتفاق على إقامة محكمة. وما دام ليس هناك اتفاق على إقامة محكمة لمتابعة مرتكبي الجرائم فوق التراب السوري، فلن تكون هناك متابعة للدول التي تدعم هذه المجموعات الإرهابية في ارتكابها لهذه الجرائم. وما هو متاح بالنسبة للجنة تحقيق هو قرع جرس الانذار بالنسبة لهذه الوضعية. وهنا أيضا لن يكون هناك حل ما لم يتم اتخاذ قرار بتقديم مرتكبي الجرائم فوق التراب السوري الى العدالة.
Swissinfo.ch: تقديم مرتكبي الجرائم للعدالة كان من بين اهتمامات سويسرا التي قامت بتحرك في بداية الأزمة السورية لمنع الإفلات من العقاب. إلى اين وصلت تلك الجهود؟
كارلا ديل بونتي: هناك جمود تام، فمجلس الأمن الدولي الذي اتخذ أربع قرارات بخصوص سوريا سواء المتعلقة بالمساعدة الانسانية، أو بالمسؤولية في الجرائم، عرف جمودا فيما يتعلق بتحويل ملف الجرام السورية الى المحكمة الجنائية الدولية. وهنا على المجموعة الدولية أن تبحث عن حل آخر، مثل إقامة محكمة خاصة بدل تحويل الملف للمحكمة الجنائية الدولية إذا ما استطاعت الدول التوافق على ذلك. ولكن لحد الآن لا زالت الأوضاع تشهد جمودا.
Swissinfo.ch: أمام تصاعد حجم الرعب والجرائم في سوريا هل هناك بوادر تحرك حول محكمة خاصة؟
كارلا ديل بونتي: ليست لدي في الوقت الحالي اية معلومات عن ذلك. إننا ننتظر مرور لجنة التحقيق أمام مجلس الأمن الدولي لكي يحاول إيجاد حل او مخرج. وهذا ما قد يتم في شهر اكتوبر القادم.
swissinfo.ch: في إحدى المقابلات الصحفية كنت قد عبرت عن استعدادك لترؤس أية محكمة جنائية يتم تأسيسها لمحاكمة مرتكبي الجرائم في سوريا. هل ما ِزلتِ مستعدة لذلك؟
كارلا ديل بونتي: كنت قد قلت أنني على استعداد لذلك إذا اقتضى الأمر. وكان ذلك بالدرجة الأولى بمثابة استفزاز او للتشجيع على التحرك في هذا الملف. وأنا على استعداد للعودة للقيام بهذه المهمة من جديد، و لكنني اتمنى أن يكون هناك الكثير من النواب العامين الشباب الذين يبدون استعدادا للقيام بذلك.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.