“لا يجب الإستهانة بدور النساء” في التنظيمات الجهادية
لم تعد "الحرب المقدّسة" لدى الإسلاميين مقتصرة على الرجال وحدهم، بل اتضح أن النساء أيضا، وبعضهن يافعات أو في سن الشباب، يلتحقن بالمجموعات الجهادية المقاتلة في سوريا. في الحوار التالي، تسلط الباحثة الجامعية السويسرية جيرالدين كازوت، الأضواء على هذه الظاهرة التي تنكب على دراستها.
في العاشر من أبريل 2014، اختفت المراهقتان المقيمتان في العاصمة النمساوية فيينا، والمنحدرتان من أصل بوسني: سامرا (16 عاما) وسابينا (15 عاما) وتركتا رسالة وداع لأهلهما، جاء فيها “لقد توجّهنا للجهاد في سبيل الإسلام في سوريا، لقاؤنا في الجنة”.
وفي الآونة الأخيرة، حاولت عدة شابّات فرنسيات الإلتحاق بسوريا، وتمكّن البعض منهن فعلا من ذلك. في المقابل، لم يتم تسليط بعض الضوء على وضعية هذه الفئة من النساء اللواتي ينخرطن في الجهاد، إلا بعد أن تم تناول هذا الموضوع مؤخّرا في وسائل الإعلام.
سيرج غيمي من صحيفة لاليبرتي La Liberté (الصادرة في مدينة فريبورغ باللغة الفرنسية) أجرى حوارا حول الموضوع مع الباحثة الجامعية جيرالدين كازوت، الأستاذة المساعدة في علوم الأديان بجامعة فريبورغ، التي تُعدّ حاليا بحثا حول النساء اللواتي يحُـمن حول الحركات الجهادية على مواقع التواصل الإجتماعي.
swissinfo.ch: أليس الجهاد مسألة خاصة في المقام الأول بالرجال؟
جيرالدين كازوت: لا، على الإطلاق. وحتى ولو أن النساء لا تظهرن علانية أمام الأضواء، فهذا لا يعني أنهن غير موجودات، إذ بإمكانهن أن يقدِّمن الدعم للمجاهدين في كفاح يشاطرنهم فيه، وهذا إما بمرافقتهم إلى سوريا كزوجات أو بالسهر على ترويج الدعاية الجهادية في أوروبا، وبالأخص عبر شبكة الإنترنت.
وإذا كان عدد النساء أقل بكثير من عدد الرجال المنخرطين كمقاتلين أجانب في سوريا، فإنهن موجودات بكثرة على شبكات التواصل الإجتماعي. فإنهن يُـروِّجن للمعلومات التي يتوصَّـلن بها من المجموعات الجهادية في سوريا ويُـعلِّـقن عليها بحماس ويخترن لذلك رموزا معبِّـرة (مثل راية مجموعة جهادية) أو ينتقِـدن الديمقراطيات الغربية وقوانين محاربة ارتداء الحجاب. ولذلك، لا يجب الإستهانة بأهمية ما تقوم به النساء في مجال الجهاد.
swisinfo.ch: هل بإمكان نساء ينخرطن في الجهاد أن يصلن إلى حد حمل السلاح؟
جيرالدين كازوت: نلاحظ عبر مواقع التواصل الإجتماعي، صورا لنساء ترتدين النقاب وفي أيدهن بندقية كلاشينكوف، وتُحرِّضن على الكفاح. ولكن في مجال الجهاد، يبدو أن الدور الأولي للمرأة، ليس القتال، بل البقاء وراء المقاتل الرجل كزوجة أو أم، ودعم للعائلة.
أكيد أن هناك بعض وسائل الإعلام التي أشارت إلى وجود فيالق قتال مكوَّنة فقط من النساء وأطفالهن في المعارك الدائرة في سوريا، وبالأخص في منطقة حلب، ولكن هاته النساء أرامل، وهذا ما يضعهنّ في إطار مختلف.
swissinfo.ch: في الإسلام، هل المرأة مُجبَـرة على الجهاد شأنها في ذلك شأن الرجل؟
جيرالدين كازوت: نعم، إننا نجد على شبكة الإنترنت نداءات للجهاد يتم التوجّه فيها “للإخوة والأخوات”. كما يُنتظر منهن أن لا يُعرقلن توجّه الرجال إلى الجهاد وأن تصبحن من المتشبِّعات بروح الجهاد. كما نلاحظ بكثرة ترديد دعوات لتأسيس عائلة، ينمو ويكبر فيها جيل جديد من المجاهدين، إذا أمكن في سوريا.
swissinfo.ch: كيف يمكن لنساء أن يصل بهن الأمر إلى حد التطرف؟
جيرالدين كازوت: لدي تردّد في قبول استخدام عبارة التطرّف، لأن الرجال والنساء الذين ينخرطون في الجهاد، ليس لديهم اعتقاد بأنهم أصوليون، بل على العكس من ذلك يشعرون بأنهم يقومون بخطوة صادقة لمواجهة حالة ظُـلم. إنهم يشعرون بأنهم يعملون على مساعدة سوريا، التي تخلّى عنها الغرب، ولمساعدة شعب مسلم يقع تحت القمْع، شأنهم في ذلك شأن مَن يقوم بعمل إنساني، وما يفرِّقهم عن الإنسانيين، هو أنهم يخضعون في ذلك لطموحات دينية. وباختصار، إنهم يعتقدون بأنهم يخوضون حربا عادلة.
swissinfo.ch: هل تعتقدين بأن الجهاد أمْـر مشروع؟
جيرالدين كازوت: لا يكفي أن يكون المنخرطون في حرب ما مؤمنين بأنها عادلة لكي نتّـفق معهم في ذلك. ولكن حتى في كل الحروب التي تحاول ترجيح كفّة الخير على الشر، أجد أن الصعوبة الأولى التي تواجهني، هي كيفية معرفة ما الذي يريده هذا الشعب الذي تُخاض الحرب باسمه ومن أجل تحريره. وبعبارة أوضح، هل يرغب السوريون فعلا في قيام دولة إسلامية لديهم تطبّـق الشريعة؟ ونفس الشيء يمكن أن نتساءله بخصوص الشعب العراقي، هل يتطلع فعلا إلى نظام ديمقراطي على الطريقة الغربية؟
swissinfo.ch: هل هناك مسار نموذجي يمكن عن طريقه الإنخراط في الجهاد؟
جيرالدين كازوت: من السهل جدا العثور على أدبيات الجهاد عبْـر فيسبوك أو تويتر. كما أنه من السهل أيضا السفر إلى سوريا. ولكن ليس هناك نموذج واحد لكيفية الإلتحاق بالجهاد، كما أنه لا يوجد نموذج موحَّـد لمن تتعاطفن مع الجهاديين. لكن قد نجد بعض الدوافع التي تتكرّر لدى المتعاطفات: إنهن يشعرن في معظم الأحيان أنهن ضحايا لعمليات كُـره للإسلام ولتصرفات مُـهينة، مثل حظر ارتداء النقاب في فرنسا أو ارتداء الحجاب في المدارس.
وفي الواقع، إنهن يشعرن بأن هناك عراقيل تمنعهنّ من العيش بالطريقة التي يحلو لهن العيش بها. ويجب أن نكفّ عن الإعتقاد بأنهن ضحايا لتأثير أزواجهن أو لتأثير الإسلام، لأنهن يخترن ارتداء النقاب بمحض إرادتهن. وحتى لو عبرت العديد من النساء عن الرغبة في الإلتحاق بالجهاد، فإن عدد من تجرّأن على القيام بذلك، يبقى محدودا.
swissinfo..ch: هناك غضب في أوساط الجهاديات في فرنسا، ولكن ماذا عن الوضع في سويسرا؟
جيرالدين كازوت: لا يبدو بوجه عام، أن سويسرا تمثل هدفا مفضلا بالنسبة للجهاديين. وهذا ما استغرب له. لأن مبادرة حظر بناء مآذن جديدة والإقدام مؤخرا على حظر ارتداء البرقع في منطقة تيتشينو (جنوب سويسرا)، كل هذه دلائل قوية على إحساس معاد للإسلام (إسلاموفوبيا).
swissinfo.ch: تتساءلين عما إذا كان تمشي هذه الصنف من النساء متسما بقدر من التوجّهات النّسوية. ما هو جوابك على هذا التساؤل؟
جيرالدين كازوت: لا، مصطلح النسوية ذو دلالة غربية بامتياز ويستبطن رؤية محددة للمرأة لا تتطابق مع تصوراتهن. ذلك أن كل ما من شأنه أن يشجِّع المرأة على الخروج عن الإطار المُحَدَّد لها وانتهاك بعض متطلبات الإحتشام، قد يعمل على زعزعة استقرار المجتمع المسلم. هؤلاء النسوة لا يبحثن عن الإنعتاق بالمعنى الذي تقصده الناشطات في الحركات النسوية (في الغرب). فما الذي يدفعهن لتغيير نظام تعتبرنه مثاليا؟ إنهن لا تبحثن عن المساواة بين الجنسين، التي ترين فيها نوعا من النفاق، بل تفكّرن على اعتبار أنهن مُكمّلات للرجل.
swissinfo.ch: مع ذلك، هل لا ِزلتِ تريْن أن لدى هذه الفئة من النساء نوعا من التطلع للتحرر والإنعتاق؟
جريالدين كازوت: بدل الحديث عن النسوية، يمكنني الحديث عن نزوع نحو “نسوية إسلامية” (Féminislamisme)، وهي طريقة من طرق التحرر (أو الإنعتاق)، ولكن من تأثير المجتمعات الغربية ومن معاييرها الإجتماعية وطريقة اللباس فيها، ومن صورة المرأة في وسائل الدعاية والإشهار. فالتحرر من وجهة نظرهن يجب أن يمس الجماعة المسلمة بأكملها.
هؤلاء النسوة يشعرن بأنهن مكلفات بمهمة إعادة الروح مجددا إلى الأمة الإسلامية المنتشرة عبر العالم، التي تشعر بأنها مضطهدة ومُـجبرة على التبعية والتقليد في كل مكان، لكنهن لا ترغبن في الحلول محل الرجال في الجهاد. ذلك أن المثال الذي يجب أن يُتّبع برأيهن هو أنموذج زوجات الرسول (ص) بالأساس.
(نقله الى العربية وعالجه: محمد شريف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.