لماذا أثارت مبادرة “حظر النقاب” كل هذه الضجة الإعلامية؟
رغم أن حظر ارتداء النقاب والبرقع في سويسرا لن يؤثر إلا على عدد محدود من النساء، إلا أن مبادرة حظر تغطية الوجه في الماكن العامة أحدثت ضجة إعلامية وأثارت نقاشاً ساخناً في الكنفدرالية. وهو أمر متوقع، لأن النقاب ليس جوهر المشكلة على الإطلاق، كما توضح باحثتان لـ swissinfo.ch.
هل البرقع والنقاب إهانة للمرأة ورمز لإسلام لا يُقرّ بالديمقراطية وقيمها الليبرالية؟ أم أن حظره يمثل على العكس من ذلك نوعا من التعصّب وتعدّيا على الخصوصية والحرية الدينية ولا يهدف إلا للدعاية الإعلامية والتعبئة السياسية؟
هذه الحجج تصدرت النقاشات الطويلة والمحتدمة قبل التصويت الشعبي يوم الأحد 7 مارس الجاري على حظر ارتداء النقاب في سويسرا. في الوقت نفسه، يطرح هذا الجدل تساؤلات عن أسباب الاستقطاب الشديد والضجة الإعلامية الواسعة المثارة حول موضوع لا يمسّ إلا فئة محدودة جداً، كما يؤكد العديد من المراقبين والمراقبات.
“المرأة والجنس موضوع شيّق، حتى في السياسة”
آنا أنتوناكيس، أستاذة الصحافة في جامعة برلين الحرة بألمانيا، توضح أن الجدل حول جسد المرأة والجنس بشكل عام محل الكثير من الاهتمام وتنوه إلى أن “هذه النقاشات نادرًا ما يتم إجراؤها بطريقة نقدية ولكنها تعتمد صراحة أو ضمنيًا على الصور النمطية: المرأة المضطهدة مقابل الحرة، المواطن الغربي مقابل الأجنبي، فالمجتمعات ترسخ هويتها عبر رسم الحدود للتميز عن الآخر والجسد الأنثوي وستره وكشفه هي وسيلة للتمايز وبالتالي فهو موضوع مثير للاستقطاب”.
كما أن قضايا ضعف العدالة الاجتماعية والاقتصادية غالبًا ما يتم تناولها من خلال مواضيع أكثر رمزية، ذلك أن «المشاكل الفعلية لعدم المساواة الاجتماعية، والتي تجلت أكثر خلال أزمة وباء كوفيد – 19، يتم تمويهها وإبعادها عن الصدارة والتركيز على موضوع رمزي جداً لا يؤثر على معظم الناس في حياتهم اليومية”، وفق أنتوناكيس.
جانين داهيندن، أستاذة منهج عبر الحدودية في جامعة نوشاتيل تشاطر هذا الرأي وتقول: “كان الجدل حول البرقع في الواقع جدلاً حول الهجرة والإسلام وكلاهما منذ فترة طويلة قضايا مشحونة”، وتضيف أنه “منذ بداية القرن العشرين، أثارت الأحزاب اليمينية مرارًا وتكرارًا موضوع تغلغل الأجانب في سويسرا، مع الإشارة إلى أن فكرة الآخر، الذي من المُفترض أنه يمثل خطرًا على سويسرا، متغير دائمًا. فبعد الحرب العالمية الثانية، كان الآخر الإيطاليين أو المهاجرات القادمات من يوغوسلافيا السابقة، أما اليوم فهم المسلمون والمهاجرات من خارج الاتحاد الأوروبي وذوي البشرة الداكنة”.
“منذ بداية القرن العشرين والأحزاب اليمينية تثير مرارًا وتكرارًا قضية التغلغل الأجنبي في سويسرا”
جانين داهيندن، أستاذة في جامعة نوشاتيل
فقضايا الهجرة هي أحد دعائم الإيدلوجيا القومية بهدف تحديد وتفعيل مفهوم الانتماء، كما توضح داهيندن: “القضية هي بالأساس مرتبطة بفكرة ترسيم الحدود ومفهوم الانتماء، ومع ذلك فهذه السياسة لا تعتمد على المنطق، فالحدود يتم إعادة رسمها باستمرار و الآخر يتغيّر حسب السياق”.
جسد المرأة كساحة سياسية
تاريخياً، فإن تسيس الجسد الأنثوي ليس بالظاهرة الجديدة: “لطالما كان الجندر والجنس محوريْن هامّيْن في الفكر القومي، وهما مرتبطان بخطاب الاستغراب”. وهذه الظاهرة قائمة على أساس التحيّز الجنسي ضد المرأة “فهي تلعب دوراُ في تكاثر الأمة وهي مكلفة بدور مركزي كحامية للأمة، لأنها تلد الأطفال وتربي هؤلاء المواطنين والمواطنات الجدد”. وهذا يعني “ضرورة حمايتها”، وفق داهيندن.
هذا الجدل ليس حصراً على سويسرا، ولكنه منتشر في جميع أنحاء أوروبا “إنها فكرة بسيطة للغاية ويتم إعادة إنتاجها في كل مكان، حيث يتم تضخيم فكرة المساواة وإعلائها كقيمة أخلاقية أوروبية. مبدأ احترام حقوق المرأة يتم ترويجه كقيمة أوروبية مقابل قيم المسلمين أو غير الأوربيين، الذين يُنظر إليهم على أنهم متخلفون في هذا الصدد”. وتصف داهيندن هذه الظاهرة “بالجنسانية الأصلية”رابط خارجي، أي أن قومية معينة تعتقد بأنها أكثر تطوراً في مجال المساواة بين الجنسين. وهذا “لا علاقة له بالواقع، لأننا نعلم أن المساواة لا تزال بعيدة المنال في سويسرا”، كما توضح داهيندن.
“الحجاب في تونس.. من رمز الثورة إلى رمز البؤس”
حضور الأقليات بشكل قوي للغاية (ولا سيما في الإعلام) وغيابها في ذات الوقت عن المشاركة في التعبير عن نفسها وصياغة الخطاب الإعلامي حولها، ظاهرة تُعرف بـ”الحضور الفائق”
آنا أنتوناكيس، أستاذة في جامعة برلين الحرة بألمانيا
آنا أنتوناكيس، التي تناولت في بحث لها “إعادة التفاوض على الدولة والجندر في تونس ما بعد الثورة”، تشير إلى أوجه الشبه في مجتمعات أخرى، مثل تونس “بالنسبة للحبيب بورقيبة، أول رئيس دولة في تونس، كان الحجاب التقليدي رمزًا لثورة التحرير ضد الحكم الاستعماري وللهوية التونسية، ليقوم بعدها بمنعه من المؤسسات الحكومية باعتباره “قطعة قماش بائسة (“misérable chiffon”) وذلك بعد قيام الدولة الاستبدادية الحديثة في تونس”..
وبالتالي، فإن النضال لتحديد مظهر الجسد الأنثوي ليس مجرد مجال صراع بين الثقافات المختلفة، ولكنه ظاهرة عالمية. ففي نهاية المطاف، يتعلق الأمر دائمًا بتقليص الحريات وتحديد كيفية ظهور المرأة في المجال العام وهويتها الدينية أو ميولها وهويتها الجنسانية. فهذه الخصائص وفق هذا المنطق بمثابة قضية رأي عام، يُمكن للجميع مناقشتها والحكم عليها، وهذه السياسة “متشابهة في الدول الإسلامية والأوروبية”، حسب أستاذة الصحافة في ألمانيا.
معضلة الدولة الدستورية الليبرالية
لكن التصويت على الحريات التي تثير مثل هذا الاستقطاب يمثل إشكالية للدولة الدستورية المكلفة بحماية الحريات الدينية وحرية ممارسة الأديان، بما في ذلك حريات الأقليات، فنادرا ما يتم ذكر موقف النساء المعنيات. وهي ظاهرة تسمى بـ “الحضور الفائق”، أي أن “أقلية ما، ليس لديها المجال للحديث عن نفسها، لكنها حاضرة بقوة في الخطاب العام”، كما تشرح أستاذة الصحافة أنتوناكيس.
وتنوه داهيندن إلى أن المسلمات (المهاجرات) لم تكنّ غائبات عن المشاركة في هذا النقاش فحسب، بل حُرمن بشكل أساسي من اعتبارهن مواطنات فاعلات يملكن حق الحرية الفردية، وهذا ينتهك مبدأ أساسيًا للديمقراطية الليبرالية. وهي تأمل في طرح خطاب ليبرالي جديد يسمح للمهاجرات والمسلمات بأن يُعامَلْنَ كفاعلات سياسيات وكمواطنات متساويات.
وفقًا للدراسة التحليليةرابط خارجي التي أجراها مركز أبحاث المجتمع والجمهور في جامعة زيورخ، فإن جميع وسائل الإعلام تقريبًا ركزت في تغطيتها الإعلامية على مبادرة حظر تغطية الوجه في الأماكن العامة بشكل أكبر بكثير من مبادرتيْ الهوية الرقمية واتفاقية التجارة الحرة مع إندونيسيا.
تركز النقاش الإعلامي حول منع تغطية الوجه بشكل شبه حصري على ارتداء النقاب كرمز ديني متمثل في النقاب والبرقع “مما يوضح أن النقاش الحالي يدور بالدرجة الأولى حول الإسلام (السياسي) ومسألة حقوق المرأة”، بحسب الدراسة.
يُظهر التحليل الذي أجراه مركز الأبحاث التابع لجامعة زيورخ حجم التغطية الإعلامية والأسلوب اللغوي (إيجابي /سلبي) المستخدم في المقالات المختلفة التي نُشرت في وسائل الإعلام السويسرية في الفترة التي سبقت التصويت على المبادرة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.