مجلس النواب يُـقـرّ لأبناء المقيمين غير الشرعيين بالحق في التأهيل المهني
رغم أن الجدل في سويسرا حول تحسين أوضاع المقيمين بطريقة غير شرعية وإدماج أبنائهم ليس جديدا، إلا أن إعلان كانتون فو أخيرا استعداده لمنح هذه الفئة المزيد من الحقوق، أوقد من جديد شرارة هذا الجدل، وجعل من المسألة قضية وطنية ملحة ومستعجلة.
وقد أدى قرار اتخذته بلدية لوزان هذا الأسبوع يتمثل في انتداب بعض الشبان المقيمين بطريقة غير شرعية في وظائف إدارية لأغراض تأهيلية إلى تصاعد وتيرة الصراع حول هذا الموضوع بين معسكري اليمين واليسار، وتزامن ذلك مع عقد مجلس النواب الفدرالي جلسة طارئة يوم الإربعاء 3 مارس 2010، للنظر في قضايا الهجرة، ومناقشة ثلاثة مشروعات مقدمة بهذا الشأن.
توسّع “بقعة الزيت”
قرار بلدية لوزان واجه اعتراضات شديدة، على المستوى القانوني على الأقل، من أحزاب اليمين، لكنه لقي إشادة من الكثير من المراقبين، لأنه اتسم بجرأة في طرح قضية تتجنّب النخبة السياسية الخوض فيها عادة رغم أنها تمس فئة واسعة من المقيمين في البلاد تريتراوح عددها بين 10.000 و30.000 شاب يعيشون في سويسرا بدون تراخيص إقامة، وقادت على حد رأي البعض إلى توسع دائرة الجدل إلى جميع مناطق البلاد مما مهّد الطريق لمناقشة الغرفة السفلى من البرلمان الفدرالي لمشروعات أو التماسات سابقة تدعو إلى تغيير أوضاع هؤلاء الشباب ظلت على الرف لأشهر عدة.
ويدرك الجميع، مؤيّدين أو معارضين، أن إصلاح هذا الوضع يتطلب حتما إدخال تعديلات قانونية هامة على القانون الفدرالي للأجانب الذي يحجب التأهيل المهني عن أبناء المهاجرين الغير الشرعيين، خصوصا وأن من يخضع لتأهيل مهني، يُفترض أن ينخرط لاحقا في سوق العمل، في حين أن كل عقد عمل قانوني في سويسرا يشترط مسبقا ان يكون بحوزة صاحبه رخصة إقامة.
تعديلات مطلوبة
للخروج من هذا الوضع، انكب البرلمان الفدرالي يوم الأربعاء 3 مارس 2010، على مناقشة ثلاثة مشروعات قّدمت له بداية عام 2009، وتدعو جميعها إلى تعديل القوانين بما يفتح آفاق التدريب المهني أمام هذه الفئة من السكان، وإلى تسوية الوضع القانوني لهؤلاء الشباب ومنحهم الجنسية السويسرية في نهاية المطاف، وإلزام الحكومة السويسرية باحترام بنود اتفاقية الأمم المتحدة بشان حماية الطفولة وخاصة مادتها الثانية التي تمنع تحوّل الأطفال إلى ضحايا بسبب الوضع القانوني الذي يكون عليه أولياء أمورهم.
وفي نهاية جلسة ساخنة شهدت تدخل أزيد من 100 نائب، صوت البرلمان بأغلبية مريحة لفائدة المشروعين اللذين يدعوان للسماح لهذه الفئة من الشباب بالحصول على التدريب المهني المطلوب، لكن النواب رفضوا بأغلبية ايضا تقنين أوضاع المهاجرين السريين (تتحدث تقديرات غير رسمية أن تعدادهم يناهز 200 ألف شخص على الأقل)، كما جاء في مقترح النائب كريستيان فان سينغر من حزب الخضر بكانتون فو.
وفي مورد الدفاع عن مقترحه يقول فان سينغر: “هؤلاء الشباب لم يرتكبوا ذنبا حتى يجدوا أنفسهم في هذا الوضع الغامض، وأغلبهم ولدوا في سويسرا، ولا يعرفون البلد الذي ينحدر منه آبائهم أو اللغة التي يتكلمون بها”.
ويضيف كريستيان فان سينغر في النص الذي اقترحه على زملائه البرلمانيين، والذي قابلوه بالرفض: “إذا أكمل هؤلاء الشباب مرحلة التعليم الإجباري بنجاح، يجب أن يُفسح لهم المجال لتلقي تدريب مهني وفي نهاية مشوارهم التعليمي، لابد أن يمنحوا الجنسية السويسرية”.
لكن هذه المشروعات والمقترحات سبق أن أوصت الحكومة الفدرالية برفضها، مقترحة في الوقت نفسه الإلتزام بالقوانين السارية التي تنظم الهجرة وإقامة الأجانب، وتسوية حالات المقيمين غير الشرعيين حالة بحالة، وفي ظروف واشتراطات يحددها القانون بدقة متناهية.
ومنذ سنوات ينفّذ المكتب الفدرالي للهجرة واللجوء سياسة تهدف إلى تحفيز المهاجرين على العودة إلى بلدانهم الأصلية، والتفكير في مستقبلهم الشخصي والمهني هناك، ولتشجيعهم على ذلك رصد مكافأة تتراوح بين 3000 و6000 فرنك لكل أسرة تغادر البلاد طوعا، وأسندت الحكومة منحا ودعما لعدة منظمات وجمعيات أهلية نشطة في مجال مساعدة اللاجئين والمهاجرين لتنظيم برامج تكوينية ليس الهدف منها كما يؤكد عفيف الغانمي، المسؤول بقسم التكوين بإحدى هذه الهيئات بكانتون فو: “تاهيل هؤلاء الأشخاص للإنخراط في سوق العمل السويسرية، بل لإعادة الاندماج بعد العودة إلى بلدانهم الأصلية، وهو ما لا يحدث في أغلب الأحوال” حسب تأكيده.
ويضيف الغانمي متحدثا عن أوضاع هذه الفئة من المهاجرين: “وصول هؤلاء الأفراد، وعائلاتهم إلى سويسرا يكون عادة بعد ان دفعوا مبالغ مالية طائلة لمهربيهم، ولا يرغبون بأي حال أن يعودوا من حيث أتوا، وهم يفضلون الإكتفاء بلقمة عيش توفرها لهم منظمات إنسانية طوعية، او العمل في السوق السوداء، أو المتاجرة في الممنوعات، على الرجوع إلى بلدانهم الأصلية”.
انقسام وتباين
وفي واقع الأمر، تخشى الحكومة السويسرية من أن يبعث فتح الباب لتسوية هذا الملف “إشارة خاطئة بكونها متساهلة مع المقيمين غير الشرعيين”، أو أن يظهر ذلك كما لو أنه “مكافأة لأناس اختاروا انتهاك قوانين البلاد”.
أمام هذا التشدد الحكومي، كان من الصعب إيجاد أغلبية على مستوى البرلمان الفدرالي بغرفتيْه (مجلس الشيوخ ومجلس النواب)، لدعم مطلب تقنين أوضاع هذا الصنف من المهاجرين على الرغم من إعراب بعض نواب يمين الوسط (ليبراليون راديكاليون، أو مسيحيون ديمقراطيون) عن تعاطفهم مع قضية المهاجرين غير الشرعيين عموما.
ويبرهن النقاش الدائر حاليا في كانتون فو على مدى الإنقسام الذي تعاني منه جبهة اليمين حول هذا الموضوع. وفي الوقت الذي لا يريد فيه الليبراليون الراديكاليون ركوب موجة حزب الشعب (يمين متشدد) المعادية للمهاجرين، يتمسكون رغم ذلك برفضهم السماح للمقيمين بطريقة غير شرعية الحصول على تأهيل مهني، أو الإنخراط في سوق الشغل حتى وإن أقر أوليفي فرانسوا، أحد وجوههم في كانتو فو بأنه “من الصعب تبرير ذلك على المستوى الإنساني”.
نفس الموقف تقريبا عبّر عنه لورانت فافر، وهو لبيرالي راديكالي آخر من نوشاتيل، حيث نقلت عنه صحيفة “لا ليبرتي” الصادرة بفريبورغ في عددها ليوم 3 مارس 2010 قوله: “لم أستقر على رأي، رغم أنه من المفترض إذا سُمِح لهم بالدراسة فلابد أن يُسمح لهم بالتأهيل المهني. إنها قضية مبدأ”.
التيارات اليسارية، والنقابات القريبة منها، التي تمكنت يوم الأربعاء من تحقيق نصر نسبي حاولت – من أجل كسب المعركة – الإلتفاف على هذه المعادلة التي ليست في صالحها، وذلك بتقديم مقترحات أكثر واقعية، منها إلحاق الحق في التأهيل المهني بمحور التعليم والتكوين، بما يسمح بتجاوز شرط الحصول على رخصة إقامة شرعية بالبلاد، أو السماح لأبناء المهاجرين غير الشرعيين بالإلتحاق بالمدارس المهنية منذ مرحلة التعليم الإجباري.
على مستوى الدوائر الاقتصادية وأرباب العمل، وبالرغم من أن الأزمة المالية أدت إلى ارتفاع نسبة البطالة في سويسرا إلى مستويات قياسية، ساند بيتر مالاما، رئيس رابطة الأعراف في كانتون بازل (التي تمثل الآلاف من المؤسسات الصغرى والمتوسطة) بشدة فتح سوق العمل والتأهيل المهني بوجه الشباب المقيمين بطريقة غير شرعية.
ويرى مالاما أنه “من غير المعقول أن يُسمح لهم بالدراسة في مرحلة التعليم الإجباري، ثم تغلق أبواب التأهيل المهني والوظيفة أمامهم، في وقت أشد ما تكون حاجة الإقتصاد السويسري لهم”. كما كان بيتر مالاما يأمل قبل التصويت أن يقر البرلمان المشاريع الثلاث المقدمة له بهذا الشأن، وأن توحّـد الكانتونات السويسرية سياساتها تجاه المقيمين غير الشرعيين.
المزيد
مجلس النواب، عضو مجلس النواب
حيرة.. انتظار..ترقب
بين دعاة الإندماج الكامل، وأنصار الطرد الشامل، يبقى مصير آلاف الشباب الأجانب الذين وُلدوا في سويسرا وكبروا وترعرعوا فيها معلقا بتطوّر الأوضاع والتوازنات السياسية في الكنفدرالية. وفي الانتظار، يتواصل شعور هذه الشريحة الواسعة من الشباب بالإقصاء والتهميش وعدم الإعتراف.
هذا الأمر يطرح مشكلة بالنسبة لهذه الفئة على مستويين بحسب مهدي المسعدي، خبير ومستشار في شؤون شباب الضواحي لدى المجلس الأوروبي الذي يقول: “من جهة يحرمهم من سلاح المعرفة والخيرة، ومن جهة أخرى يتركهم فريسة للفراغ وعرضة لأخطار الانحراف والشذوذ في مرحلة عمرية تكون فيها شخصيتهم هشة، وضعيفة”. ويضيف هذا الخبير الميداني أنه “من الصعب جدا إبقاء شعلة الأمل في المستقبل أو الحفاظ على الروح الإيجابية لديهم، لأن كل الأبواب موصدة أمامهم”.
وعن هذه الفئة من الشبان، يضيف المسعدي: “رغم أن أصولهم أجنبية، هؤلاء الشباب فخورون بوجودهم في سويسرا، حيث ولدوا وتعلموا. وفي الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن اندماج الأجانب، لا يفهم هؤلاء الضحايا وجودهم في هذا الوضع الصعب”.
ويتساءل المهدي المسعدي عن الضريبة الحقيقة التي تدفعها سويسرا بسبب هذه السياسة المتشددة تجاه المهاجرين على العديد من المستويات الاجتماعية والإقتصادية والأمنية، ويقول بثقة تامة: “عندما تدرك النخبة السياسية هذه الحقيقة سوف تغيّر رأيها”. ربما يكون هذا ما دفع مجلس النواب إلى تأييد المشروعيْن اللذيْن قُـدّما له، ولكن التقنين النهائي لأوضاع المهاجرين السريين في سويسرا سيتطلب بلا شك المزيد من الوقت والكثير من الجهد كي ينضج القرار على المستوى السياسي أولا، ويظفر بتأييد قطاع واسع من الرأي العام تاليا.
عبدالحفيظ العبدلي – swissinfo.ch
حقق الداعون إلى منح حق التأهيل المهني للشبان المقيمين بطريقة غير شرعية في البلاد نصرا يوم الأربعاء 3 مارس 2010 خلال جلسة طارئة عقدتها الغرفة السفلى للبرلمان الفدرالي في العاصمة برن.
وبشكل مفاجئ صوّت النواب لصالح التماسين تقدم بهما كل من لوك بارثاسات (من الحزب الديمقراطي المسيحي من جنيف)، وانطونيو هودجرس (من حزب الخضر من جنيف )، يدعوان إلى منح الشبان الذين تابعوا تعليمهم الإجباري في الكنفدرالية حق مواصلة دراستهم أو تأهيلهم المهني، وقد أقر هذان الالتماسان بأغلبية أصوات مريحة.
وفي الوقت الذي لا يزال فيه الجدل على اشده حول هذا الموضوع مستمرا في كانتون فو، يكون مجلس النواب “قد وضع حدا لحالة “النفاق السياسي” السائدة منذ فترة طويلة في سويسرا، على حد تعبير النائب بارثاسات .
ويؤكد هذا النائب أن “هؤلاء الشباب يكلفوننا باهظا عندما يكونوا تائهين في الشوارع أكثر بكثير مما يكلفنا تأهيلهم وتكوينهم”.
في نفس السياق، أقر مجلس النواب مقترحا تقدمت به بيي هايم (اشتراكية من سولوتورن) يدعو إلى تيسير حصول هؤلاء الشباب المقيمين بطريقة غير شرعية على الخدمات الصحية.
في المقابل، رفضت الغرفة السفلى للبرلمان الفدرالي أي حديث عن تسوية الأوضاع القانونية للمقيمين الغير الشرعيين (ما بين 150 و300 ألف شخص). وبإجمالي 101 صوتا مقابل 72 صوتا رفض البرلمان الإلتماس الذي تقدمت به كريستيان فان سينغر وتقترح فيه “منح هؤلاء الشباب رخص إقامة ولم لا جنسية البلاد لاحقا”.
يبلغ عدد الذين يعيشون خارج بلدانهم الأصلية في العالم حوالي 200 مليون نسمة بحسب احصاءات عام 2007.
بين سنة 1950 و2000، هاجر إلى سويسرا 5 ملايين شخص من أجل العمل، بعضهم استقر في البلاد، وبعضهم عاد إلى بلده الأصلي.
33% من السويسريين من أصول أجنبية أو أحد والديهم على الأقل من أصل أجنبي.
40% ممن تتراوح أعمارهم ما بين 20 و40 سنة في سويسرا، هم مهاجرون.
10% من السويسريين يعملون في بلد أجنبي.
حوالي 50% من الأنشطة الاقتصادية في سويسرا، يقوم بها أجانب.
في عام 2006، بلغ تعداد الذين تجاوزت أعمارهم 65 سنة ويسرا، 1.6 مليون نسمة.
تبلغ نسبة اليد العاملة الأجنبية في القطاع الصناعي 32%.
يتأتى رُفبع تمويل صندوق الشيخوخة والتأمين على الحياة في سويسرا من مساهمات المهاجرين.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.