“نساء مسلوبات الحرية ومُراقبات بشكل لصيق”
تعدّ سويسرا من البلدان التي تتجه إليها ظاهرة تهريب النساء والقصر والإتجار بالبشر عموما، لذلك تسعى السلطات الأمنية إلى الكشف عن المسؤولين عن شبكات التهريب الإجرامية بالإعتماد أيضا على التعاون الدولي.
وفي محاولة لفهم خلفية هذه الظاهرة، حاورت swissinfo.ch شرطية رومانية خلال زيارة عمل قامت بها إلى سويسرا مؤخرا.
في بداية شهر أكتوبر 2012، أطلقت الحكومة السويسرية خطة عمل على المستوى الوطني من أجل مكافحة الظاهرة، كما كثفت من تعاونها على المستوى الدولي وخاصة مع بلدان شرق أوروبا.
وفي هذا الإطار، قضى عونا أمن قدما من رومانيا أسبوعا رفقة زملاء سويسريين من فرقة الآداب في كانتوني تيتشينو وزيورخ بهدف تشكيل فكرة أدق عن الواقع السويسري.
swissinfo.ch التقت إحداهما، سنسميها فيما يلي “سونيا” (*) احتراما لطلبها عدم الكشف عن هويتها، وهي مسألة ضرورية لضمان نجاعة عملها في مجال التحقيق.
swissinfo.ch: أنت تعملين في مجال التحقيق في قضايا الإتجار بالبشر في رومانيا وإحالتها إلى القضاء. ما هو حجم الظاهرة؟
سونيا: تعتبر رومانيا حوضا مهما للإتجار في البشر: فهو بلد مصدر كما أنه معبر للقادمين من مولدافيا. أما الضحايا ومعظمهن نساء فيتم إرغامهن على ممارسة الدعارة أو على العمل في بيوت أو فنادق أو مطاعم. وفي بعض الأحيان، يتم إرسال الرجال إلى المزارع ودفع القُصّر للتسول في الشوارع. أما الوجهات المفضلة فهي إسبانيا وإيطاليا بسبب القرب اللغوي (من اللغة الرومانية – التحرير) ووجود تشريعات أقل صرامة أو يجري تطبيقها بقدر أكبر من التساهل.
ما هي مواصفات الضحايا؟
سونيا: هن في معظم الأحيان نساء تتراوح أعمارهن ما بين 18 و30 عاما. بعضهن يقدمن من مناطق ريفية حيث يعشن في ظروف تتسم بالفقر الشديد بل تفتقر في بعض الحالات للماء الشروب والمرافق الصحية.
البعض الآخر منهن يتوفر على مستوى تكوين أرفع ويقطن في مراكز حضرية كبرى لكن مداخيلهن متدنية جدا. فالعديد منهن أمهات بعدُ ويخضعن في حياتهن لـ (ضغوط) العشيرة العائلية.
في رومانيا، تكسب معلمة في مدرسة ابتدائية وحائزة على شهادة في المتوسط على 200 يورو في الشهر. في المقابل، يمكن لمن تمارس الدعارة على قارعة الطريق أن تحصل على مبلغ 10 يورو عن كل حريف.
ماهي الطريقة التي يتم انتدابهن بها؟
سونيا: في السنوات الأخيرة، تغيّرت أساليب استغلالهن جذريا. فلم نعد بمواجهة مجموعات مافيوزية تسيطر على عشرات الفتيات، تعنفهن وتسرق جوازات سفرهن. اليوم، يجري “إغراء” الضحايا من طرف رجل ينتمي في معظم الأحيان إلى محيطهن الإجتماعي، وهو ما يُصطلح على تسميته باستراتيجية “الولد العاشق” (Loverboy).
وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 60% من ممارسي هذا الصنف من الإتجار عادة ما يكون شخصا معروفا من قبل الضحية، وعادة ما تستجيب النساء إلى “سحر” الوعود الكاذبة دون معرفة مآلهن أو الظروف التي سيتوجب عليهن العمل فيها.
في معظم الحالات، ينقل هؤلاء المهربون الضحايا في بادئ الأمر إلى مراكز حضرية (داخل رومانيا) ثم يُرحّلْن إلى الخارج حيث يقومون ببيعهن إلى “قوادين” آخرين أو يواصلون التحكم فيهن عبر شبكات من الأقارب.
ما الذي يحصل لهؤلاء النسوة بعد ترحيلهن إلى الخارج؟
سونيا: تُرغم النساء على ممارسة الدعارة على قارعة الطريق وفي بيوت الدعارة أو في الشقق كما يُسلبن من أي حرية وتتم مراقبتهن بشكل لصيق. يُسدد المُهرّبون مُسبقا تكلفة السفر ويقومون بإيهامهن بأن تكلفة ترخيص الإقامة في إيطاليا وإسبانيا تبلغ 1000 يورو. الأموال التي يحصلن عليها من ممارسة الدعارة تؤول إلى أيدي من يُلقّبون بـ “الحُماة” فيما تحتاج الضحايا إلى العديد من السنوات لتسديد هذا الدين الذي يتضاعف في معظم الأحيان ثلاث مرات باحتساب الفوائد.
خلال هذا الأسبوع التدريبي، ما هو الإنطباع الذي حصُل لديكِ عن الواقع السويسري؟
سونيا: لقد كان من المثير بالنسبة لي زيارة بلد مثل سويسرا يُضفي الشرعية على ممارسة الدعارة. فهي ليست مجرد جريمة في رومانيا، بل يُنظر إليها باستياء شديد من طرف السكان. لقد حاولنا في العديد من المرات تقنينها لكن ذلك كان مستحيلا، حيث عارضت الكنيسة ذلك باستمرار.
على مدى هذا الأسبوع، قابلت عددا من الفتيات اللواتي قدمن لتسجيل أنفسهن كمُمارسات للدعارة لدى فرقة الآداب التابعة لكانتون تيتشينو. ومن خلال حديثي معهن، اتضح لي أن الأمر يتعلق في معظم الأحيان بنساء لديهن مستوى تكوين جيد وعلى وعي بالنشاط الذي يُمارسن. البعض منهن قلن لي بأنهن غادرن رومانيا وهن على علم بالشيء الذي سيقومون به وبأنهن أقمن في عدد من البلدان الأوروبية. مع ذلك، فإنه من الصعب تحديد ما إذا كانت هذه الفتيات تقلن الحقيقة أم أنهن كن ضحايا بدورهن لوعود زائفة من قبيل العمل كراقصة أو مُرافقة.
مع ذلك، اندهشت من عدد الرومانيات المتواجدات في سويسرا وأعتقد أنه من الضروري تكثيف التعاون من أجل الإبقاء على الظاهرة تحت السيطرة وتجنب سقوط هذه الفتيات في نهاية المطاف بين الأيادي الخطأ.
كم هو عدد الفتيات اللواتي يملكن الشجاعة للكشف عن الجرائم التي تعرّضن إليها؟
سونيا: قليل هو عدد اللواتي يُقدمن على التمرد. إنهن يخشين عمليات الإنتقام ليس عليهن فحسب بل على عائلاتهن. إنهن لا يعلمن بأنهن محميّات من طرف القانون بوصفهن ضحايا. كما يخشين من التعرض للإيداع بالسجن. لنقل أنه بعد قضاء عام واحد في ممارسة الدعارة بشكل غير قانوني، يُصبح من العسير جدا بالنسبة لفتاة الخروج من الدوامة والإبلاغ عن هؤلاء المتاجرين (بالبشر).
“الحُماة” (أو القوادون) ليسوا أغبياء. ففي سياق البحث عن طمأنة العائلات والإيهام بأن الوضع عادي، يسمحون للنساء من حين لآخر بإرسال مبالغ مالية إلى البيت أو بمخابرة الأم أو الأخت والقول بأن كل شيء يسير على أحسن ما يُرام.
عادة ما تتسم التحقيقات حول الإتجار بالبشر بالطول والصعوبة.. ما هو هامش تحقيق النجاح فيها؟
سونيا: ليس بإمكاني تقديم أرقام، فهذه معطيات سرية. في المقابل، يُمكنني التأكيد بأن هذه التحقيقات معقدة ويمكن أن تستمر لفترة قد تصل إلى أربعة أعوام. نحن بحاجة إلى عدة شهادات حتى نتمكن من القبض على أحد المهربين، وبالنظر إلى الكتمان الشديد الذي يسود هذا المجال فإن هذا الأمر ليس سهلا.
في بعض الحالات ننجح في تجنّب هذه المأساة بفضل تدخل من صديقة أو من أم الضحية اللواتي يتصلن منشغلات برقم هاتفنا للنجدة. في صورة ما إذا لم يُغادرن (البلاد) بعدُ، نتدخل بشكل مباشر، وإلا فإننا نقوم بالإتصال بسلطات البلد الذي نقلت إليه هذه الفتيات. إن التعاون الدولي أساسي في هذا الصنف من الجرائم وهو يتم بشكل جيد في الحالات العادية، إلا أن التعقيد الذي تتسم به الهياكل المعنية (بهذا الملف) في بعض البلدان مثل إيطاليا لا يُسهّل العمل بالتأكيد.
في 1 أكتوبر 2012، اعتمدت سويسرا خطة عمل لمكافحة الإتجار بالبشر بالتعاون مع تنسيقية مكافحة الإتجار بالبشر وتهريب المهاجرين (تعرف اختصارا بـ SCOTT)
ترمي هذه الخطة إلى تحقيق أهداف متعددة تشمل:
– تحسيس الرأي العام وإعلامه.
– تسريع الملاحقة الجنائية لمرتكبي الجرائم.
– الترفيع في وتيرة تحديد هوية الضحايا وتقديم مساعدة أكثر نجاعة لهن مع توفير حماية أفضل.
– تحسين التعاون بين الأطراف المعنية داخل سويسرا ومع الجهات الخارجية.
سبق لسويسرا أن أطلقت في شهر نوفمبر 2011 مشروعا للتعاون الثنائي مع رومانيا، إحدى البلدان الأكثر تضررا من هذه الظاهرة في أوروبا.
تحول وفد سويسري برئاسة وزيرة العدل والشرطة سيمونيتا سوماروغا إلى هذا البلد في شرق أوروبا لتشكيل فكرة عن الوضع وعن الآليات المستخدمة من طرف السلطات الرومانية للتصدي لعمليات الإتجار بالنساء والأطفال.
بعد مرور عام على انطلاق المشروع، تم استدعاء عونيْ أمن رومانيين إلى سويسرا لمتابعة سير العمل في فرق الآداب في كانتوني تيتشينو وزيورخ على مدى أسبوع.
ينص القانون الروماني على عقوبات تصل إلى 15 عاما سجنا في جريمة الإتجار بالبشر إلا أن القضايا التي يتم التبليغ عنها ليست سوى غيض من فيض لأنه يعسُر جدا إعطاء إحصائيات مرقمة عن حجم الظاهرة.
طبقا لتقرير صادر عن السفارة الأمريكية في رومانيا، بلغ عدد القضايا التي عالجتها السلطات في عام 2011 حوالي 897 قضية كما نظمت 480 محاكمة وأودعت السجن 276 شخصا.
(نقله من الإيطالية وعالجه: كمال الضيف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.