صحيفة سويسرية: 20 ألف دولار لـ 20 دقيقة.. أم باعت منزلها لرؤية ابنها في سجون الأسد
تفاعلت الصحف السويسرية بقوة مع تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حول إخلاء قطاع غزة من سكانه وتحويله إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”. كما تناولت صحيفة تاغيس أنتسايغير قصة طيار سوري زُج به في السجن شابًا وظل معتقلًا لمدة 43 عامًا بسبب رفضه قصف المدنيين.
المزيد
نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية
سلطت الصحف السويسرية الضوء على ردود الفعل الدولية والعربية التي وصفت الفكرة بأنها “عجيبة” و”صادمة” وصادرة عن “رجل فقد عقله”
فقد أشارت صحيفة 20 دقيقة رابط خارجيإلى أن مقترح ترامب أثار ردود فعل غاضبة عربيًا ودوليًا. فقد وصف السيناتور الأمريكي كريس ميرفي الفكرة بأنها “جنون تام”، محذرًا من أن غزو غزة سيؤدي إلى مقتل آلاف الجنود الأمريكيين، ويقحم المنطقة في حروب لعقود.
بينما سخر عضو الكونغرس الديمقراطي إريك سوالويل من المشروع، قائلاً “هذا أشبه بنكتة سيئة ومريضة.” وكتب سوالويل: “ماذا؟ الولايات المتحدة تحتل غزة؟ لقد وُعدنا بنهاية الحروب التي لا تنتهي. إذا كنت أحسب بشكل صحيح، فنحن سنسيطر على غرينلاند، وكندا، وقناة بنما، والآن غزة؟”.
ورفض الفلسطينيون.ات الخطة باعتبارها تهجيرًا قسريًا، واعتبرت حركة حماس المسلحة تصريحات ترامب “عنصرية”.
من جانبه أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن دعمه لخطط الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب بشأن مستقبل غزة. حيث قال نتنياهو: “يرى (ترامب) مستقبلاً مختلفًا لهذا الجزء من الأرض، الذي كان مصدرًا لكثير من الإرهاب”.
وأضافت الصحيفة أن الخطة أثارت تساؤلات حول دور جاريد كوشنر، صهر ترامب، الذي سبق أن وصف غزة بأنها “منطقة ذات قيمة عقارية عالية”، مما عزز التكهنات بوجود مصالح اقتصادية شخصية وراء الاقتراح.
أما صحيفة لوتونرابط خارجي، فوصفت المقترح بغير المسبوق والصادم وأوضحت أن ترامب دعا مصر والأردن لاستقبال اللاجئات و اللاجئين الفلسطينيين، لكن البلديْن رفضا ذلك بشدة، خوفًا من زعزعة استقرارهما الداخلي.
وأشارت الصحيفة في الوقت نفسه، إلى أن البلدين يعتمدان بشكل كبير على المساعدات الأمريكية، مما يضعهما تحت ضغط سياسي واقتصادي متزايد. ورأت أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض أحدثت تغييرًا جذريًا في السياسة الأمريكية، حيث ألغى العقوبات على المستوطنين الإسرائيليين، وزوّد الجيش الإسرائيلي بالقنابل الثقيلة، مما عزز موقف بنيامين نتنياهو، الذي وصف مقترح ترامب بأنه “يستحق الاهتمام”.
ترامب يريد غزة للعالم.. ولكن دون الفلسطينيين
من جهته، اعتبر موقع الإذاعة والتلفزة السويسرية الناطق بالألمانية رابط خارجي(SRF ) أن خطة ترامب تعكس تجاهلًا للتاريخ وتشبه مشاريع الاستعمار الغربي. وأوضح الموقع أن دونالد ترامب إما يتجاهل التاريخ عمدًا أو لا يأبه له، إذ يعيد خطابه حول إخلاء غزة إلى الأذهان ذكريات الاستعمار الغربي، عندما رسمت القوى العظمى حدود الشرق الأوسط دون مراعاة مصالح شعوبه.
وبالنسبة للفلسطينيين.ات، يعيد هذا الطرح ذكرى النكبة والتهجير القسري عام 1948. ورغم حديثه عن تحويل غزة إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”، فإن سكان القطاع ليسوا جزءًا من خطته، إذ يريد ترامب ترحيلهم بشكل دائم، معتبرًا أن العالم كله يمكنه الاستفادة من غزة، عدا الفلسطينيين.ات أنفسهم.
لكن مقترح ترامب يواجه رفضًا قاطعا من الدول العربية، بينما بدا نتنياهو حذرًا بجانب ترامب، رغم إشادته بـ”رؤيته الفريدة”، فخطة الإخلاء تتعارض مع اتفاق وقف إطلاق النار، الذي ينص على إعادة تأهيل غزة لسكانها، لا إخلائها، وفق الموقع.
باعت والدته منزل العائلة للتمكن من زيارته في سجون الأسد لمدة 20 دقيقة ، أي أن الدقيقة الواحدة كلفت ألف دولار.
تاغيس أنتسايغير
وفي السياق نفسه، اعتبرت صحيفة تاغيس انتسيايغيررابط خارجي أن مقترح ترامب أقرب إلى عقلية رجل عقارات منه إلى رئيس دولة، حيث تحدث عن الإمكانات الاقتصادية لغزة، مشيرًا إلى أنها “تتمتع بموقع رائع”، فيما اعتبرها صهره جاريد كوشنر “أرضًا ذات قيمة عالية”.
لكن في هذه الحالة لا يتعلق الأمر بمانهاتن أو برج ترامب أو ملاعب الجولف، بل بإحدى أكثر المناطق حساسية على وجه الأرض، في ظل وقف إطلاق نار هش للغاية بعد حرب رهيبة، وفق الصحيفة.
رغيد التتري: الطيار الذي قضي 43 عاما في سجون الأسد لأنه رفض قصف المدنيين
قضى الطيار السوري رغيد التتري 43 عامًا وثلاثة أشهر خلف قضبان سجون النظام السوري، بعد أن رفض قصف المدنيين أثناء الاحتجاجات ضد نظام الأسد في الثمانينيات. تعرض خلال هذه العقود لأبشع أنواع التعذيب والحرمان في ثمانية سجون مختلفة، من بينها سجن صيدنايا سيئ السمعة، حيث أمضى 11 عامًا، وسجن طرطوس، حيث سُمح له لأول مرة بممارسة الرسم. اليوم، بعد سقوط بشار الأسد، خرج التتري من السجن ليجد نفسه بطلًا في عيون السوريين، ورمزًا للمقاومة في وجه القمع.
لم يكن التتري مجرد سجين سياسي، بل كان معزولا تمامًا عن العالم الخارجي. عندما أخبره أحد زملائه في السجن عام 1993 أن جدار برلين قد سقط وأن الاتحاد السوفييتي لم يعد موجودًا، ظن أنه يسخر منه. ضحك مع بقية السجناء وسخروا من “الوهم” الذي جاء به، لأنهم اعتقدوا أن الديكتاتوريات لا تسقط، بل تبقى إلى الأبد.
كانت المعلومات القليلة التي تصل إليه نادرة ومتأخرة، حيث كان يُسمح لأحد السجناء بالخروج لتلقي العلاج، ليعود بعد مرور أشهر حاملًا أخبارًا عن العالم الخارجي. كانوا يجتمعون على الأرض للاستماع إليها، لكنهم لم يكونوا يصدقون كل شيء.
عندما تم اعتقال التتري في نوفمبر 1981، كان ضابطًا في سلاح الجو السوري، لكنه رفض قصف المدن السورية خلال المواجهات مع المعارضة في مدينة حماة، وهو ما اعتبره النظام خيانة. بعد محاكمة صورية لم يُسمح له فيها بالدفاع عن نفسه، اتُهم بالتآمر مع الأمريكيين، ثم زُج به في السجن. لاحقًا، أصبحت التهمة الموجهة إليه “تهريب وثائق سرية”.
داخل السجن، تعرض التتري للتعذيب، وعُزل تماما عن العالم الخارجي. وفي عام 1997، سمح النظام لعائلته بزيارته لأول مرة مقابل 20 ألف دولار، فباعت والدته منزل العائلة للتمكن من رؤيته لمدة 20 دقيقة ، أي أن الدقيقة الواحدة كلفت ألف دولار.
وفي 8 ديسمبر 2024، وبعد سقوط نظام بشار الأسد، فتحت أبواب السجون فجأة، ليخرج التتري إلى عالم لم يعد يعرفه. خرج مرتديًا ملابس قديمة، وحاملًا كيسًا صغيرًا، بينما كان السجناء الآخرون يترنحون تحت أشعة الشمس لأول مرة منذ سنوات، ضعفاء ومنهكين، وكأنهم قد عادوا من الموت.
بعد إطلاق سراحه، أول ما فعله التتري هو السفر عبر سوريا، البلد الذي لم يعد يشبه ما عرفه قبل عقود. زار أقاربه في اللاذقية، ثم التقى زملاءه السابقين في السجن في حمص. و في حماة، استُقبل استقبال الأبطال، حيث منحه الأهالي سيفًا ذهبيًا تكريمًا له على موقفه الرافض للمشاركة في مجزرة حماة عام 1982، التي قُتل فيها 10 آلاف شخص، معظمهم من المدنيين.ات.
اليوم، يجلس التتري في أحد مقاهي دمشق، ممسكًا بهاتفه المحمول الجديد، مستكشفًا التكنولوجيا التي غاب عنها لعقود، يتلقى مكالمات من سجناء سابقين، يسألونه: “ماذا نفعل الآن؟ كيف نبدأ حياة جديدة؟” ورغم كل ما مرّ به، يبتسم ويتحدث بحماس، وكأنه لم يقضِ أربعة عقود في العزلة والتعذيب.
لكنه لا يخفي مخاوفه من المستقبل. ، فسوريا لا تزال تعاني من الفوضى. يقول التتري بحذر إنه يخشى أن تكون هذه الحرية مجرد حلم عابر، مضيفاً ” أتمنى الاستقرار في دولة تحترم حقوق الجميع، وإلا فإن كل هذه التضحيات ستكون قد ذهبت سدى.”
(المصدر: تاغيس أنتسايغيررابط خارجي، 3 فبراير 2025، بالألمانية)
ملاحظة: اُختصر المقال مع الحفاظ على بنيته الأساسية وروح المقابلة، والتزام الدقة في نقل المحتوى.
فيما يلي مختارات من مقالاتنا لهذا الأسبوع:
+ جنيف الدولية: صدمة ورعب مع شروع ترامب في تنفيذ وعوده الانتخابية
+ لماذا يختار البعض طريق الاستبداد باسم الحرية؟
+ رحلات الطائرات الخاصة تزيد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في سويسرا
+ سويسرا تستعد لدخول عصر المركبات ذاتية القيادة
+ سويسرا عالقة في خضم سباق العمالقة للسيطرة على الذكاء الاصطناعي
+ صعوبات في توزيع أموال المساعدات… هل يكون البلوك تشين الحل؟
+ جنة للعمل: سويسرية تدرس المحيط في جزيرة سيشل
+ هل يجب إرغام الاقتصاد السويسري على احترام حدود الطبيعة؟
يمكنكم.ن الكتابة لنا عبر هذا العنوان الإلكتروني إذا كان لديكم.ن رأي أو انتقاد أو اقتراح لموضوع ما.
موعدنا الجمعة 21 فبراير مع عرض صحفي جديد.
مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي
للاشتراك في النشرة الإخبارية:
المزيد
نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.