أزمة دارفور: مبالغة أممية أم تقصير سواداني؟
يرى وزير العدل السوداني السيد علي محمد عثمان يس أن الأمم المتحدة بالغت في تهويل ملف دارفور اعتمادا على تقارير غير موضوعية ونتيجة لتدخل مصالح اجنبية.
ولئن اعتبر تصريحات نائب الامين العام يان إيغلاند الأخيرة عودة إلى الموضوعية، فإنه لم ينف وقوع تجاوزات وانتهاكات يجب معاقبتها، لكن أمام قضاء سوداني او افريقي.
في الوقت الذي ينظر فيه مجلس الأمن الدولي في كيفية فرض عقوبات ضد السودان بخصوص مشكلة دارفور، صرح نائب الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة المكلف بالقضايا الإنسانية يان إيجلاند في جنيف بأن “أزمة دارفور ليست الأزمة الإنسانية الأكثر حدة في العالم”. وهو تصريح اعتبره وزير العدل السوداني السيد علي محمد عثمان يس، “تحولا عن تصريحات مبالغ فيها بخصوص دارفور”.
في حديث خص به سويس إنفو، على هامش اجتماع الدورة الحادية والستين للجنة حقوق الإنسان في جنيف، تحدث السيد الوزير عن نظرة الحكومة السودانية لأزمة دارفور، والتدخلات الأجنبية وعن الأخطاء التي ارتكبت في الأسلوب الذي تمت به معالجة هذه المشكلة. كما تطرق إلى الحلول الممكنة في الوقت الحاضر.
سويس إنفو: معالي الوزير ما هي الرسالة التي ترغبون في إيصالها للمجموعة الدولية من خلال تدخلكم أمام الدورة الحادية والستين للجنة حقوق الإنسان؟
الوزير علي محمد عثمان يس: منذ أكثر من عشرة أعوام وأشغال هذه اللجنة تصب في ضغط سياسي على السودان وفقا لبرامج سياسية كانت معلومة. ونتيجة للخط المستقل الذي انتهجه السودان، تعرض لبعض المشاكل. فبعد الحديث عن مشكلة السودان (…) حسبنا أن بعد نهاية الحرب وتوقيع اتفاقية السلام مع الحركة الشعبية في الجنوب، يستطيع السودان أن ينطلق إلى الأمام بموارده الزاخرة. ولكن لسوء الحظ، فوجئنا بأن هناك مشكلة أيضا ظهرت في غرب السودان أي في منطقة دارفور.
دارفور لم تكن في الحقيقة إلا جزء من شمال السودان، ولم تكن تعرف بأنها منطقة تمرد (…) ولها إسهامات واضحة في حركات التحرر الوطنية. وأهالي دارفور يشاركون في حكومة السودان جنبا منذ الاستقلال.
لكن كانت هناك بعض المشاكل بين القبائل الرعوية وقبائل المزارعين أحيانا على الكلأ والماء والموارد الشحيحة جدا في المنطقة المعروفة بظاهرة التصحر. وكانت الحكومة تتدخل عموما بين القبائل للصلح ولدفع التعويضات. ولكن هذه المرة تطورت الأحداث بصورة مذهلة جعلت الحكومة في حيرة من أمرها لم تتوقع أن تأخذ القضية هذه الأبعاد المزعجة.
وما يتردد من ادعاء من أن هناك قبائل عربية تعتدي على قبائل زنجية مضطهدة وليست لها حقوق، هي ادعاءات غير صحيحة لأن كل القبائل بالنسبة لنا في تلك المنطقة هي قبائل تشارك بعضها البعض في كثير من الثقافات والتوجه وكلهم مسلمون بنسبة 100%.
وعلى عكس ما يقولون، لم تستهدف القبائل المتمردة القبائل العربية، بل استهدفت الحكومة فأبادت وحرقت وحطمت إلى حد الإستيلاء على المطار الرئيسي في دارفور وحرقت جميع الطائرات الموجودة فيه، إضافة إلى حرق المدارس ونقاط الشرطة وغيرها، وقتل حوالي 1000 رجل من رجال الجيش.
سويس إنفو: لكن هل حاولت الحكومة السودانية حل هذه المشاكل بنفسها أو على الأقل الحد من تدهور الوضع؟
الوزير علي محمد عثمان يس: الحكومة لم تتباطأ ولكن كما ذكرت فوجئت بسرعة انتشار هذه المشكلة بشكل غير معهود. فقد كونت الحكومة لجانا كثيرة وأوفدت أبناء تلك المنطقة من حكام الولايات لاحتواء المشكلة، ولكن مع الأسف الشديد أصبحت المشكلة مسيسة تسييسا كاملا.
والآن رغم جلوسنا مع المتمردين في تشاد وفي أبوجا واتفاق الحكومة معهم على المسال الأمنية والاجتماعية والإغاثة وشؤون النازحين، مازالت المشكلة قائمة لأن المشكلة السياسية لم تحل بعد. وسوف لن تهدأ الأوضاع في تلك المنطقة ما لم تحل المشكلة سياسيا من وجهة نظري الشخصية، لأن اتفاقية الجنوب التي أعطت أبناء الجنوب حكما ذاتيا في انتظار الاستفتاء، شجعت تلك القبائل أن تطالب بمطالب مماثلة.
لذلك أعتقد أنه لا بد أن نستفيد من اتفاقية السلام مع الجنوب وأن نطبق المبادئ الهادئة والمرشدة في اتفاقية السلام في كل بقاع السودان، سواء في الشمال أو غربا او شرقا. وتحاول الحكومة حاليا تطبيق بنود اتفاق السلام مع الجنوب على باقي مناطق التمرد الأخرى حتى يستطيع المواطنون حكم أنفسهم بأنفسهم في إطار حكم ذاتي مقبول في إطار الفدرالية التي ألتزم بها السودان.
لكن هذا الملف سيضل مفتوحا ما لم تحل المشكلة سياسيا، لأن هناك أطرافا خارجية كثيرة وأيدي خفية لها مصلحة في تلك المنطقة التي عرفت بأن بها مخزنا كبيرا من البترول وفيها الذهب والنحاس. يضاف إلى ذلك أن الحدود مع دول الجوار مفتوحة ويسهل تهريب الأسلحة عبرها. وعلى الرغم من محاولات جمع السلاح ووقف الاعتداءات لم تتوقف قوى التمرد عن ارتكاب الخروقات.
سويس إنفو: هل يمكن القول أن مشكلة دارفور أصبحت خارج نطاق حل سوداني سوداني؟
الوزير علي محمد عثمان يس: نعم لقد دولت المشكلة، وكما تعلم هناك تقارير أمام مجلس الأمن عن الانتهاكات التي حدثت في تلك المناطق. وقد أعلنت حكومة السودان مرارا وتكرارا أنها لن تتسامح مع الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب، وأنها ستقدمهم إلى محاكمات عادلة في اراضيها وأمام القضاء السوداني.
والخلاف الذي بيننا وبين المجتمع الدولي والأمم المتحدة، أن أوروبا ترى تقديم مرتكبي هذه الجرائم إلى المحكمة الجنائية الدولية، بينما ترى الولايات المتحدة الأمريكية أن لا بد أن تكون محكمة خاصة.
سويس إنفو: وما هو موقف السودان؟
الوزير علي محمد عثمان يس: السودان يتفق مع الاتحاد الإفريقي الذي جاء باقتراح تبنته نيجيريا بأن تكون هناك محكمة تصالحية إفريقية فيها قضاء جنائي وصلح قبلي أفريقي. وأعتقد أن ذلك أقرب إلى حل هذا النوع من المشاكل، ونحن نوافق على ذلك ونؤيده ولا حماية ولا حصانة لأي شخص ارتكب جريمة.
سويس إنفو: هناك اتهامات تتكرر بخصوص عدم قيام الحكومة السودانية بما يعمل على كبح جماح جماعات الجنجويد؟
الوزير علي محمد عثمان يس: الحقيقة أن كلمة الجنجويد وسعت لتشمل كل من يرتكب مخالفات في المنطقة سواء من القبائل العربية أو غير العربية إلى درجة أصبحت لا تسمح بتحديد من هم الجنجويد. وهو ما يجعل من الصعب على الحكومة السيطرة على الموقف سيطرة كاملة لأن كل الذين يحملون السلاح اليوم هم من الجنجويد بالمعنى الأوسع.
إذا كان المقصود بالجنجويد القبائل التي لم تحارب الحكومة وإنما حاربت قبائل أخرى، فتلك القبائل حقيقة كانت لها صداقات مع الحكومة. ولكن الحكومة لا تقبل أن تتجاوز تلك القبائل القانون أو أن ترتكب جرائم ضد الإنسانية. وهناك أيضا قبائل تحارب الحكومة وتحارب القبائل الأخرى. وسواء من هؤلاء أو أولائك نحن لا نقبل أن يرتكب أي نوع من الجرائم ضد الإنسانية.
سويس إنفو: كون أن هناك مصالح اقليمية أو دولية تنعكس على أزمة دارفور، هذا أمر قد نفهمه، ولكن تركيز الأمم المتحدة على أزمة دارفور بشكل لا نشاهده في أزمات أخرى. كيف تفسرون ذلك؟
الوزير علي محمد عثمان يس: أعتقد لأسباب عديدة. أولا، ظهرت تقارير أولية من منظمات غير حكومية لها سوابق مع حكومة السودان لم تكن محايدة أثرت بشكل كبير على مواقف دول كبرى. وقد ذهب في هذا الخط الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة الذي تأثر كثيرا بتلك التقارير وصرح على الهواء وشبه الوضع في السودان كرواندا قبل تكوين لجنة تقصي الحقائق. لذلك تأثر كل الناس بهذه التصريحات من بينهم بعض الأخوة الأفارقة أيضا.
فتحنا السودان لكل من يريد أن يقف على حقيقة الأمر. وأعتقد أن الوضع الآن يتحسن لأن الصورة الآن أصبحت جلية أكثر. لكن التأثيرات التي حدثت من جراء التصريحات وحملات الإعلام المكثفة لم نخرج منها لحد الآن، خصوصا تصريحات وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولين باول الذي تحدث عن عملية تطهير عرقي وإبادة الجماعية. وكما تعلم أن لجنة التحقيق الدولية جاءت بخلاصات أنه لم تكن هناك عمليات إبادة جماعية منظمة. ثم كوننا نحن لجان تحقيق وطنية جاءت بتقرير مشابه للتقرير اللجنة الدولية رغم الاختلاف في المنهج.
وقد توصلت إلى أن هناك عمليات اغتصاب ولكنها لم تكن منهجية مثلما وقع في البوسنة والهرسك. وما وقع في جنوب السودان أسوء مما وقع في الدارفور لأنه كان هناك القتل والتشريد والإغتصاب، وكل ذلك يحدث في مناطق الحرب (…).
وأقول صدقا أن الإعلام الخارجي كان له أثر سلبي على حكومة السودان في أنها لم تستطع أن ترد بالواقع. لكن الحكومة كانت صادقة مع نفسها حينما فتحت الباب للاتحاد الافريقي وسمحت لقوات افريقية بأن تنتشر إلى حدود عشرة آلاف جندي، إضافة إلى مراقبين لحقوق الإنسان من الأمم المتحدة.
ومن التهم الموجهة اليوم للحكومة أنها “أهملت” معالجة مشكلة دارفور. وهذا الإدعاء يحتاج إلى برهان ودليل لأن الحكومة بدلت ما في وسعها وبإمكانياتها المحدودة.
سويس إنفو: كون نائب الأمين العام المكلف بالقضايا الإنسانية يان إيجلاند صرح في جنيف يوم الأربعاء أن أزمة دارفور تعد اقل من أزمات أخرى في المنطقة، هل هو تغيير في هذا التركيز وهذا الحكم على أزمة دارفور؟
الوزير علي محمد عثمان يس: يعني هذه أول مرة أستمع فيها إلى تقرير يكون فيه بعض المصداقية لأن أحيانا التقارير التي تأتي من الأمم المتحدة او الذين يقومون على هذا الملف فيه كثير من المبالغات لأنهم لم يقفوا بأنفسهم على الأوضاع في المنطقة ويعتمدون على تقارير مستقاة من هنا وهناك لذلك يسيرون في نفس الخط المبالغ.
لكن هذه المرة يبدو أنه راجع الأرقام وراجع بصورة واقعية. وأنا أعتقد أنه تقرير مناسب ومعقول، إلا أنني أخذ عليه أنه تحدث عن الاغتصاب في المنطقة وذكر أنه هناك أكثر من 500 إمرأة اغتصبت وكأنه اغتصاب منظم من جهة معينة.
ولكنني أقول أن الاغتصابات التي تحدث، تحدث في كل بلدان العالم ومهما فعلنا فلن نستطيع وقف الجريمة. لكن الشيء الذي لا نسمح به إذا قبضنا على من يرتكب مثل هذه الجرائم يقدم إلى المحاكمة وقوانيننا رادعة جدا في مثل هذه الجرائم التي لا مجال للتسامح فيها. واطلب منه أن يسير بنفس الموضوعية.
سويس إنفو:لكن معالي الوزير إذا سلمنا بأن الحكومة قامت بما تستطيع القيام به ، وأن هناك مصالح وتدخلات وما إلى ذلك. ألا يمكن الإعتراف أيضا بأن حكومة السودان لربما قد أساءت أو أخطأت في إدارة هذه الأزمة؟
الوزير علي محمد عثمان يس: ربما قد يكون هناك خلل في إدارة الأزمة بتقديرات بشرية يمكن أن يكون في الخطأ والصواب، ولكن نحن كقانونيين لا نسند ذلك إلى حسن او سوء النية. إذا كان هناك قصدا سيئا جنائيا فإن ذلك يدمغ الحكومة بأنها متآمرة وارتكبت مخالفة. ولكن إذا كان خطأ في مباشرة هذا الأمر والسيطرة عليه فهذا يحدث في كل العالم. فالولايات المتحدة اخطأت خطأ جسيما في قراءاتها في العراق.
سويس إنفو: وأخيرا ما هي توقعاتكم معالي الوزير حول كيفية معالجة دورة حقوق الإنسان لملف السودان. هل ستسير نحو تخصيص مقرر خاص او مشروع لائحة إدانة أم ماذا ؟
الوزير علي محمد عثمان يس: الحقيقة أن نتائج الدورة مرتبط بما يحدث في مجلس الأمن بحيث أن ملف العقوبات مطروح امام المجلس إضافة إلى قائمة الأشخاص الذين يجب أن يقدموا إلى المحاكمة حسب تقرير لجنة التحقيق الجنائي.
ولكن أقول بصدق أننا نرجع إلى إخواننا في الاتحاد الإفريقي وممثليهم هنا. هم الذين لديهم الملف وقد جاؤوا بمشروع قرار قدموه للاتحاد الأوربي. ولا نمانع في أن يكون ذلك المشروع مشروعا افريقيا يعالج المشكلة بمصداقية ودون تحيز ضد السودان.
سويس إنفو: في أي اتجاه يسير مشروع قرار الاتحاد الافريقي؟
الوزير علي محمد عثمان يس: يسير في اتجاه أنه لا بد أن يحل السلام في تلك المنطقة، ولا بد أن يقدم المتهمون إلى المحاكمة ونحن نوافق على ذلك. كما ينص على أن يكون للاتحاد الإفريقي وجود في الميدان، لذلك نريد أن تحل هذه المشكلة بيد الأفارقة وهم قادرون على حلها مثلما حلوا مشكلة جنوب السودان.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.