مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أصداء مغربية لتفجيرات مدريد

وزيرة الخارجية الإسبانية آنا بالاثيو تتحادث مع رئيس الوزراء المغربي إدريس جطو على هامش حفل ديني أقيم يوم 16 مارس في كنيسة كاثوليكية في الرباط ترحما على ضحايا تفجيرات 11 مارس في مدريد Keystone

لم تتوقف أصداء التفجيرات الإرهابية التي هزت العاصمة الإسبانية يوم 11 مارس الماضي عن التفاعل داخليا وخارجيا وإقليميا.

ففيما أطاح الناخبون الإسبان بحكومة اليمين، يجتهد المحققون الإسبان بالتعاون مع نظراءهم المغاربة في الكشف عن خيوط العملية الإرهابية التي اهتزت لها إسبانيا وأوربا.

الحضور المغربي في المشهد السياسي الاسباني اكبر من الجغرافيا وقدرها او التاريخ واحكامه. فالتداخل بين التاريخ والجغرافيا خلق وضعا متميزا في علاقات البلدين ليكون كل منهما مدخل الاخر نحو قارة له فيها مصالح استراتيجية تشكل اساس استمراره واستقراره وامنه.

كان الحضور المغربي في المشهد الاسباني اكثر كثافة في الاسبوع الذي مضى بكل حمولاته الاسبانية، من هجمات على محطة القطارات في العاصمة مدريد سقط فيها ثلاثة مغاربة قتلى وثمانية جرحى، الى انتخابات تشريعية ابعدت حزبا عن الحكم واتت بحزب آخر الى الحكم.

منذ اللحظات الاولى التي اعقبت انفجارات الخميس في محطة القطارات في مدريد، بدأ العرب والمسلمون في إسبانيا (والمغاربة اكثرهم)، يتلمسون رؤوسهم ورقابهم ويعدون لكيفية التعاطي مع رد الفعل الشعبي الاسباني على الهجمات، اذا ما تبين ان لاطراف عربية او جماعات اصولية اسلامية علاقة بهذه الهجمات.

تضامن

كان المسؤول المغربي يريد ان يسبق اي رد فعل تجاه الجالية المغربية في الديار الاسبانية. فالاتصالات الهاتفية لم تتوقف بين العاهل المغربي الملك محمد السادس وكل من العاهل الاسباني خوان كارلوس ورئيس الحكومة خوسي ماريا ازنار، وبرقيات وبيانات الادانة والاستنكار والشجب المغربية للعملية وفاعليها لم تتوقف منذ بدأت باحة السفارة الاسبانية بالرباط تستقبل ممثلين عن الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني المغربية لتعبر عن تضامنها مع الشعب الاسباني.

بات الحضور المغربي مؤكدا. فبعد القتلى والجرحى، جاءت انباء عن اعتقال ثلاثة مواطنين مغاربة على خلفية الهجمات، وبعد ذلك وجه الاتهام لستة مغاربة وبدأ الربط بين هجمات مدريد والهجمات الانتحارية التي عرفتها الدار البيضاء في 16 مايو الماضي. لذا، ارسلت بعثة امنية مغربية على مستوى عال الى مدريد للمشاركة في التحقيقات، ووصلت بعثة امنية اسبانية الى المغرب للتحقيق مع عائلات واقارب المغاربة الذين وجهت لهم الاتهامات.

واذا كانت الانباء لم تتحدث عن اعتداءات تعرض لها مغاربة او عرب في اسبانيا، بإستثناء اعتداء على شاب مغربي في برشلونة، فإن المسؤولين المغاربة والشرطة الاسبانية سارعوا لنفي اي ربط بين هذا الاعتداء وهجمات محطة القطارات.

حضور مغربي

كان المغاربة، لحسابات مختلفة، وكانت حكومة خوسي ماريا ازنار وحزبه “التحالف الشعبي” الحاكم، يدفعون باتجاه تحميل منظمة ايتا الانفصالية الباسكية مسؤولية الهجمات التي ذهب ضحيتها مائتي قتيل واكثر من 1500 جريح. لكن الرياح جرت بما لم تشته سفنهم. فمنظمة الايتا واصلت نفي علاقتها بالعملية وأحد اطراف منظمة القاعدة التي يتزعمها المعارض السعودي اسامة بن لادن تبنت العملية، وفيما بعد تأكدت.

كان المغاربة يدفعون بإتجاه الايتا حماية لوجودهم وجاليتهم التي تتجاوز النصف مليون نسمة من ردود الفعل الرسمية والشعبية الاسبانية، وكانت حكومة ازنار وحزبه يدفعون بنفس الاتجاه، حتى لا يربط الاسبان بين هجمات مدريد والمشاركة الاسبانية في الحرب على العراق والتي وقف ضدها الحزب العمالي الاشتراكي الذي يتزعمه خوسيه زاباتيرو ومعه اكثرية الشعب الاسباني التي عبرت عن موقفها بإستطلاعات الرأي او المظاهرات الضخمة التي شهدتها شوارع المدن الاسبانية قبل واثناء الحرب خلال العام الماضي.

كانت المؤشرات تؤكد مسؤولية القاعدة، وازنار ووزراؤه ينفون ذلك ثم يستبعدونه ويرجحون مسؤولية ايتا، مما جعل الناخب الاسباني يشعر بخداع مقصود يمارسه ازنار ووزراؤه وحزبه، فقرر معاقبته بالهتاف ضده يوم الاحد، يوم الاقتراع، والتصويت لمنافسيه ليتوج زباتيرو رئيسا للحكومة ويعود الاشتراكيون الى مقاعد حكم افتقدتهم ثمان سنوات.

وهنا ايضا كان المغرب حاضرا في المشهد الاسباني، وتذكر المسؤول المغربي سنوات طويلة من التوتر بين مدريد والرباط والتي كادت صيف 2002 ان تنفجر حربا ابان ازمة جزيرة ليلى وارسال ازنار قوات لاحتلالها. وذهب ازنار في استفزازه للمغرب حتى ابان الحملة الانتخابية، حين قرر توشيح الجنود الذين احتلوا جزيرة ليلى وقام بزيارة وهي الاولى من نوعها لكل من مدينتي سبتة ومليلية.

لا مفر من التعاون

تذكر المسؤول المغربي ان ازمات متلاحقة بين البلدين بدأت تظهر مع وصول اليمين الاسباني وخوسي ازنار الى الحكم، وتعرقلت اشكال التعاون المختلفة، وتذكر ان ازنار افتعل ازمات وصعدها، مثل ازمة الصيد البحري والهجرة السرية وتهريب المخدرات. وتذكر انه خلال هذه الازمات كان الاشتراكي زباتيرو يقوم بدور الوسيط الاقرب للمغرب. لذا، شعر بإرتياح حين اكد زباتيرو في اول ندوة صحفية رغبته في علاقات تعاون متميزة مع المغرب، وعلمت سويس انفو ان المغرب سيكون اول دولة يزورها زباتيرو بعد تنصيبه رئيسا للحكومة.

والعلاقات المغربية الاسبانية في ظل الاشتراكيين الاسبان، وان كانت مرت بأزهى عهودها، الا انها لم تكن كلها وردية، والملف الاكثر حساسية بالنسبة للمغرب هو ملف النزاع الصحراوي، ةهو موضع الاختلاف بين المغرب والاشتراكيين الاسبان، ان كانوا في السلطة او خارجها.

وموقف الاشتراكيين الاسبان من النزاع الصحراوي اقرب الى موقف جبهة البوليزاريو التي تسعى لانفصال الصحراء الغربية عن المغرب، واحدى مظاهر الازمة بين المغرب وحكومة خوسي ازنار اليمنية النشاطات المكثفة التي كان يقوم بها نشطاء الحزب العمالي الاشتراكي الاسباني دعما لجبهة البوليزاريو.

ولعل تطورات سياسية تعرفها تسوية النزاع الصحراوي في اروقة الامم المتحدة، وضرورة اعادة حيوية التعاون، والامن تحديدا، بين مدريد والرباط تساعد كلا منهما على تقدير موقف الطرف الاخر وتقليص الحساسية تجاه هذا الموقف او ذاك، وعدم الذهاب بعيدا والتصعيد اذا ما صدر موقف غير مريح، خاصة وان الحضور المغربي في هجمات محطة القطارات يفرض مثل هذا التعاون.

محمود معروف – الرباط

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية