أمريكا: من محاورة الأنظمة إلى توجيه رسائل للإسلاميين!
احتضنت العاصمة القطرية اللقاء الثاني لمنتدى أمريكا والعالم الإسلامي من 10 إلى 12 أبريل الجاري.
ويحظى المنتدى، الذي دعا إليه مركز “سابان” لدراسات الشرق الأوسط (بروكينغز) ويرأسه مارتن انديك، بدعم سياسي ومالي من أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني.
بالرغم من غياب بعض الوجوه التي دعيت واعتذرت في آخر لحظة، مثل المفكر المسلم السويسري طارق رمضان، والشيخ يوسف القرضاوي، ووزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر، إلا أن ذلك لم يقلل من أهمية اللقاء أو يحجب دلالاته السياسية.
وإذا كان اللقاءان السابقان قد أكّـدا على أهمية التحاور بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، فإن القائمين على المنتدى دفعوا هذه المرة المشاركين في اتجاه البحث عن مستقبل العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي.
وهنا، بدا واضحا بأن الطرف الأمريكي أصبح أكثر رغبة في الاستماع إلى مواقف الأطراف الإسلامية، وترجمة ذلك في صيغ عملية وبرامج مشتركة وضبط سياسات مستقبلية. في حين أن العديد ممن مثّـلوا الجانب الإسلامي، بقوا في الغالب حذرين ومنتقدين للسياسات الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بفلسطين والعراق.
وإذ تعدّدت محاور الجلسات المفتوحة والورشات المغلقة، حيث تم تناول مواضيع السلام والأمن في الشرق الأوسط، والعلوم والتكنولوجيا، والتنمية البشرية، والقادة والاقتصاد، ودور وسائل الإعلام، إلا أن قضية الإصلاح السياسي قد سيطرت، مثلما كان متوقعا، على النقاشات وأجواء المنتدى.
وبالرغم مما قيل في الكواليس بأن الجهة المبادرة بتنظيم المنتدى (مركز سابان ومعهد بروكينغز) مستقلان عن الإدارة الأمريكية الجمهورية الحالية، وقريبان من الحزب الديمقراطي، إلا أنهما على اتفاق وتعاون فيما يتعلق بملف الإصلاح السياسي في العالم الإسلامي عامة، والعربي خاصة.
فتح الحوار مع الإسلاميين
الجديد هذه المرة، يتمثل في وجود رغبة متزايدة لدى أطراف أمريكية عديدة في معالجة موضوع العلاقة مع الحركات الإسلامية بمنظور مستقل عن أجواء وتداعيات أحداث 11 سبتمبر.
فبعد موقف الرفض وإدانة ظاهرة الإسلام السياسي بكل مكوناتها، واعتبارها “كتلة متجانسة ومعادية”، أخذت تتعالى أصوات أمريكية هنا وهناك تُـحذر من الاستمرار في استهداف جميع الحركات الإسلامية، وضرورة التمييز بين “متطرفيها” و”معتدليها”، وبينت تدخلات العديد من المشاركين الأمريكيين بأن الداعين إلى فتح حوار مع هذه الحركات يستندون إلى ثقلها السياسي، وتأثيرها الهام على الرأي العام المحلي.
هذا الموقف، تجاوز مجرد الدعوة إلى ضرورة فتح الحوار مع الإسلاميين، وانتقل إلى الإعلان صراحة عن ضرورة تشريكهم في الحياة السياسية، بما في ذلك السماح لهم بخوض الانتخابات بصفتهم أحزابا سياسية.
وعندما سأل سعد الدين إبراهيم، سكوت كاربنتر، نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمال، والمكلف بمبادرة نشر الديمقراطية في العالم العربي والشرق الأوسط، حول ما إذا كانت الإدارة الأمريكية مستعدة لقبول النتائج السياسية، التي قد تترتب عن الإصلاح الديمقراطي بما في ذلك احتمال وصول حركات الإسلام السياسي إلى السلطة، أجاب المسؤول الأمريكي “نعم، حكومته مستعدة للاعتراف بتلك النتائج مهما كانت”.
وقد سبق لوزيرة الخارجية كوندوليزا رايس أن اعتبرت في تصريح لها مؤخرا بأن وصول الإسلاميين إلى السلطة احتمال غير مرغوب فيه، غير أنها أضافت بأن “الشيء الوحيد الذي يمكن للولايات المتحدة أن تقوم به، في حال تحقق مثل هذا السيناريو، هو التحدث من أجل القيم الغائبة، مثل التحرر والحرية، وأن يتعين أن تأخذ طريقها”.
وما يجري حاليا هو تعميق التفكير حول ما يتطلب احتمال من هذا القبيل من سياسات وإجراءات واضحة. وقد سبق لصحيفة “الشرق الأوسط” السعودية أن أشارت (في موفى شهر مارس الماضي) إلى محتوى ورقة عمل لا تزال تُـناقَـش داخل الخارجية الأمريكية حول أهمية وضرورة فتح حوار مباشر مع حركة “الإخوان المسلمين”، وهي الدعوة التي قبلها الإخوان بشرط أن يحضـر ممثل عن وزارة الخارجية المصرية في لقاءات الحوار.
وغالبا ما ردّد الأمريكيون، الذين شاركوا في أعمال المنتدى، أمثلة عديدة حول التعامل مع الإسلاميين، كتركيا، والعراق، والمغرب، وأخيرا حزب الله في لبنان.
المخاطر المحتملة
وقد أشارت جان والس، التي سبق أن عملت في إدارة الرئيس كلنتن، وقبل ذلك في إدارة كارتر، إلى أن الولايات المتحدة قد ضيّـعت فرصا عديدة منذ الرئيس نيكسن وحتى الآن، لإقامة حوار متواصل مع الإسلاميين، مستعرضة أهم المحطات التي ميّـزت هذا المسار.
لكن هذه الرغبة في الانفتاح المحسوب على الحركات الإسلامية، يوازيه في المقابل تخوُّف مما وصفته الباحثة في مركز “سابان” لشؤون الشرق الأوسط، تمارا كوفمان ويتز، بالتكلفة العالية التي يمكن أن تترتب عن عملية الإصلاح، خاصة إذا جاء هذا الإصلاح “ناقصا في مُـناخ لا تتوفر فيه البدائل”، واعتبرت في مداخلتها، أن لكل إصلاح سياسي مخاطره، وأن الإصلاح “يفتح صندوق المفاجآت، ويؤدّي إلى صعود المتطرفين”.
وتساءلت تمارا كوفمان: “كيف نُـدير المخاطر التي قد تترتّـب عن عملية الإصلاح”؟ وأكّـدت في هذا السياق، على أهمية توفير الحريات واحترام حقوق الإنسان، وتحقيق استقلال القضاء، وألحّـت على أن الحقوق السياسية “يجب أن تكون ضمن مؤسسات تحميها”.
ورغم حديث البعض عن “المخاطر المحتملة”، إلا أن هناك رأي يبدو أنه قد أخذ يشُـقّ طريقه بين الكثير من الخبراء وأصحاب القرار في الولايات المتحدة، مفاده بأن قمع الإسلاميين وتهميشهم “لم يكن حلا ناجعا، وأن الديمقراطية قد توفّـر فرصة للحد من تطرُّفهم وتحجم الخطر الذي قد يمثلونه”.
بين محاصرة الأنظمة والمصالح الدولية
وفي مقابل الطرف الأمريكي، يصعب القول أن الشخصيات التي قُـدّمت من 35 دولة عربية وإسلامية، تمثل بشكل واضح وقوي الحركات الإسلامية الرئيسية في المنطقة.
لكن وجود أسماء مثل خورشيد أحمد، نائب رئيس الجماعة الإسلامية في باكستان، وأنور إبراهيم، نائب رئيس وزراء ماليزيا سابقا، وصادق المهدي، رئيس حزب الأمة ورئيس وزراء السودان سابقا، ومفتي البوسنة وغيرهم، قد أثّـر على النقاش ولونه.
القاسم المشترك بين الأصوات الإسلامية في هذا المنتدى، هو نزعة الشك في النوايا الحقيقية للإدارة الأمريكية، وتوجيه انتقادات واضحة لسياستها تجاه العراق وفلسطين، إذ ألحّـت هذه الأطراف على أهمية الحوار مع أمريكا، ومساندتها لكل مبادرة تصُـب في هذا الاتجاه، غير أن الإسلاميين عموما، يفتقرون إلى رؤية واضحة واستراتيجية مدروسة لتحديد أهداف هذا الحوار وسقفه وأدواته، حتى يستفيدون منه، وفي نفس الوقت لا يسقطون في التبعية والتوظيف أو الرفض والتشنج.
فالأمريكيون تقودهم النزعة البراغماتية لتحقيق أهداف استراتيجية قريبة وبعيدة المدى، أما الإسلاميون فقد فوجئوا بهذا التعديل الهام في الاستراتيجية الأمريكية، ووجدوا أنفسهم مرة أخرى بين محاصرة الأنظمة، ولعبة المصالح الدولية، والبحث المضني عن “النقاوة السياسية”.
صلاح الدين الجورشي – الدوحة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.