أنقرة .. بين الارتياح والارتياب
قبل ثلاثة أشهر من بدء المفاوضات الأوروبية حول فرص انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، نشرت المفوضية الأوروبية تقريرا فنيا يؤكد انطلاق المحادثات في 3 أكتوبر القادم.
وقد أثارت الوثيقة الإطار التي حددت جملة من الشروط الواضحة لتركيا مزيجا من الارتياح والقلق في أنقرة.
أرخى الرفض الفرنسي والهولندي للدستور الأوروبي بظلاله على مسار ترشح تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. فنسبة لا تقل عن 14% من رافضي الدستور من الفرنسيين قالت إنها فعلت ذلك لأنها تعارض انضمام تركيا من دون غيره من الأسباب، أي ما يقارب 8% من الفرنسيين.
ولئن كان وزير الخارجية التركي عبدالله غول قد استبعد تأثيراً سلبياً للرفض الفرنسي والأوروبي على فرص تركيا للانضمام إلى الإتحاد الأوروبي، فإن الأتراك يُـدركون ضِـمناً أن الرياح الحالية لا تتلاءم مع سفينتهم الأوروبية، خصوصاً إذا أضفنا إلى هذا المناخ السلبي احتمال وصول الديمقراطيين المسيحيين بقيادة أنجيلا ميركيل إلى السلطة في ألمانيا في الخريف المقبل، ووصول نيكولا ساركوزي إلى الرئاسة الفرنسية، وكلاهما معارض لانضمام تركيا، بل لتوسيع الإتحاد أصلا بعد عام 2007. حتى أن بعض المحللين الأوروبيين نصح تركيا بالتخلي عن حُـلمها الأوروبي والتفرغ لدينامياتها المحلية ذات الامتداد التركي والإسلامي.
ارتياح جزئي في أنقرة
وقد أعادت المفوضية الأوروبية في التقرير الذي نشرته في 29 يونيو الماضي بعض التوازن والأمل للأتراك، بل حتى للمرة الأولى يُـعلن هذا التقرير في مؤتمر صحفي عقده مسؤول شؤون توسيع الإتحاد أولي رين، كما لو أنه يريد طمأنة الأوروبيين بأن كل ما يتعلق بتركيا سيكون علنياً وشفافاً حتى لا تتداخل الشكوك ببعضها، ولا تستخدم تركيا مادة للإبتزاز أو لزيادة الشعبية في السياسات المحلية لبعض البلدان.
لم يترك رين عبارة (قاسية) إلا استخدمها في مؤتمره الصحافي، إذ وصف المفاوضات مع تركيا بأنها ستكون “صعبة جداً وطويلة جداً”. وطمأن المتخوّفين من الأوروبيين بأن تركيا لن تنضم فوراً، لا اليوم ولا غداً، وأن المهم ليس تشريع القوانين، بل تطبيقها…
باستثناء ذلك، أثارت وثيقة الإطار التي أعلنها أولي رين ارتياح أنقرة لأسباب عدة:
1 ـ أكدت الوثيقة على أن مفاوضات العضوية مع تركيا ستبدأ كما تقرر في قمة بروكسل (17 ديسمبر 2004)، أي يوم 3 أكتوبر من العالم الحالي (2005).
2 ـ حدّدت الوثيقة الهدف النهائي من المفاوضات في (العضوية الكاملة)، وهذا مكسب مهِـم في ظل المستجدّات السلبية في أعقاب الاستفتاءين الفرنسي والهولندي، ودعوات تجميد توسيع الإتحاد، ومطالبة ممثلي فرنسا والنمسا في اجتماع المفوضية حذف هذه العبارة.
3 ـ في المقابل، لم ترِد عبارة “الشراكة المميّـزة” التي كثُـر الحديث عنها كبديل من العضوية الكاملة، وهذا أيضاً مكسب تركي.
4 ـ في العناوين الأساسية للوثيقة، لم يُُـطلّـب من تركيا الاعتراف رسمياً بجمهورية قبرص (اليونانية)، ولم يّـرد كذلك ذكر للمسألة الأرمنية ومطلب الاعتراف بـ”الإبادة” أو حتى تسوية المشكلات الحدودية مع أرمينيا.
سلبيات ومخاوف
أما الجوانب السلبية، بنظر أنقرة، من “وثيقة الإطار”، فيمكن اختصارها فيما يلي:
1 ـ لم تقدم الوثيقة أية ضمانة مسبقة بأن المفاوضات ستنتهي بالعضوية الكاملة، بل أبقت نتائجها مفتوحة على كل الاحتمالات.
2 ـ دعت الوثيقة إلى تعليق المفاوضات في حال حدوث انتهاك جدّي وخطير للقضايا المتّـصلة بحقوق الإنسان والحرية والديمقراطية. وبقدر ما يعني ذلك تحذيراً من الانتهاكات، إلا أنه قد يشجّـع معارضي الخيار الأوروبي داخل تركيا للقيام بانتهاكات واستفزازات تدفع بأوروبا لتجميد المفاوضات، وهو احتمال ليس بمستبعد خاصة وأن أعداء أوروبا داخل تركيا كثر، في مقدمتهم المؤسسة العسكرية وأطراف في جهاز القضاء وشبكات المافيا.
3 ـ استخدام الوثيقة لعبارة “تدابير بنّاءة” بدلاً من “استثناءات بنّاءة” للَـجْـم حرية تنقل العمالة التركية داخل حدود الإتحاد.
لذلك يمكن القول أن الخطوط العريضة لإطار المفاوضات مع تركيا لم تتغير عما وردت عليه في القرار الصادر عن قمة بروكسل التي حدّدت لتركيا موعد بدء المفاوضات. ومقارنة بين الظروف الإيجابية خلال قمة بروكسل، وتلك السلبية التي سبقت إعلان وثيقة الإطار، يمكن القول أن الوثيقة إنجاز لتركيا.
يقول سامي كوهين، المعلق التركي البارز في الشؤون الخارجية، إن المهم هو أن تبدأ المفاوضات، وهو ما أعلنته وثيقة الإطار. فيما يُـلقي محمد علي بيراند المسؤولية على تركيا ويقول “أوروبا وفت بتعهداتها ببدء المفاوضات والكرة الآن بملعب تركيا”. أما جنكيز تشاندار، فيدعو إلى الدعم الكامل لحكومة رجب طيب أردوغان شرط تصميمها السير على هذا الطريق.
ليست طريق تركيا إلى أوروبا بالسهلة، فهي بعد مرور 42 عاماً على بروتوكول أنقرة (1963) تبدو كأنها لا زالت في بدايتها، والتاريخ الذي حدّده أولي رين لضم تركيا بعد عام 2014، هو مجرد موعد مبدئي، فالمعارضون داخل تركيا وداخل أوروبا لهم جذورهم القوية، ولن يكون ممكناً كسرهم إلا بجهود استثنائية لقوى الخيار الأوروبي داخل تركيا وفي صفوف أوروبا.
لقد جاءت وثيقة الإطار لتُـعيد بعض التوازن بين معسكري التأييد والرفض داخل تركيا وداخل أوروبا إلا أن الكرة أصبحت الآن في الملعب التركي، حيث يتطلب من أردوغان أن يبذُل جهوداً استثنائية لترجيح كفّـة التأييد على كفّـة المعارضة، وفي كلا المعسكرين.
د. محمد نورالدين – بيروت
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.