أوروبا قد تطالب بالمزيد!
هل ستضطر سويسرا إلى دفع مساهمة مالية معتبرة مقابل استفادتها من توسيع الإتحاد الأوروبي إلى عشر دول جديدة في شرق القارة وجنوبها؟
هذا السؤال يتردد بقوة في برن هذه الأيام بعد أن أعلنت الإذاعة السويسرية الناطقة بالفرنسية أن حجم المساهمة قد يصل إلى مليار من الفرنكات..
يبدو أن توسع الإتحاد الأوروبي العددي الذي أقر رسميا في قمة كوبنهاغن الأخيرة والنمو المتسارع لجاذبيته الإقتصادية والتجارية الهائلة سيؤدي إلى إضفاء المزيد من التعقيدات على علاقة سويسرا – المترددة أصلا – بالمنظومة الأوروبية.
فقد كلف مجلس وزراء مالية دول الإتحاد الأوروبي في الآونة الأخيرة المفوضية الأوروبية (أي الهيئة التنفيذية للإتحاد) بمهمة الحصول على مساهمة مالية من ثلاث دول تنتمي إلى المجال الإقتصادي الأوروبي (الذي يضم إلى جانب دول الإتحاد الخمسة عشر كلا من النرويج وإمارة الليشتنشتاين وإيسلندا) مقابل استفادتهم المرتقبة من انضمام عشر دول جديدة إلى الإتحاد في ربيع عام 2004.
فهذه الدول الثلاث تتمتع – طبقا للقوانين المؤسسة للمجال الإقتصادي الأوروبي – بحق الدخول بحرية تامة إلى أسواق بلدان الإتحاد الأوروبي
و لا يُخفي المسؤولون الأوروبيون أن المساهمة المالية الجديدة ترمي إلى توفير الموارد المالية الضرورية لمجابهة تكاليف توسيع الإتحاد وتمويل الإصلاحات الضرورية للإرتقاء بأداء اقتصاديات دول أوروبا الشرقية التي لم تتعافى تماما من مخلفات الحقبة الشيوعية ولسد الفجوات القائمة بين الأوضاع المتباينة في بلدان مثل تشيكيا وبولونيا ومالطا والمجر وليتوانيا وأستونيا.
وعلى الرغم من أن سويسرا ليست عضوة لا في الإتحاد الأوروبي ولا في المجال الإقتصادي الأوروبي إلا أن ارتباطها ببروكسيل قد تعزز في الأشهر الأخيرة عبر حزمة من الإتفاقيات الثنائية التي بدأ العمل بها رسميا في منتصف العام الجاري. كما أن جولة جديدة من المفاوضات الثنائية قد انطلقت بعدُ بين الطرفين وتشمل قضايا جوهرية مثل الجباية على المدخرات والسرية المصرفية.
نوايا .. وسوابق
في ظل هذه العلاقة المتنامية، لم يكن مستغربا أن تشير بعض المصادر إلى أن سويسرا سيُطلب منها أيضا المساهمة ماليا في عملية توسيع الإتحاد الأوروبي. وفيما قدرت إذاعة سويسرا الروماندية يوم الإثنين مقدار المساهمة بمليار فرنك سويسري، اكتفت مصادر الحكومة الفدرالية في برن بالتعبير عن الإستغراب المشوب بالحذر.
هذه المصادر تؤكد أن نوايا بروكسيل بخصوص هذا الموضوع لم تتضح بعد. كما أنها لا تتوقع أن يتم الإعلان عن مبلغ محدد قبل فصل الربيع القادم. وتضيف مصادر إعلامية طرحت السؤال على جهات أوروبية مطلعة على الملف أن الرقم المتداول (أي مليار فرنك) ناجم عن عملية حسابية تقريبية غير دقيقة وأنه مرتفع جدا وهو نفس ما ذهبت إليه الأوساط الفدرالية التي اعتبرت المبلغ “مفبركا” نافية في الوقت نفسه حصول أي نقاش في الموضوع بين برن وبروكسيل.
وعلى كل حال، تذكر المصادر بأنه لا توجد سوابق مشابهة في العلاقات بين الجانبين بالإضافة إلى أن سويسرا لا تتمتع بحق دخول الأسواق الأوروبية بشكل كامل (على غرار دول المجال الإقتصادي الأوروبي) لذلك فمن غير المتوقع أن يتم التعامل معها بنفس الأسلوب الذي سيُـتبع مع النرويج والليشتنشتاين وإيسلندا.
مصاعب سياسية
من جهة أخرى، قد تستفيد سويسرا بشكل ما من توسيع السوق الأوروبية الموحدة لكنها قد تخسر أيضا. فانضمام الدول الجديدة سيعني بالضرورة إلغاء العديد من اتفاقيات التبادل التجاري الثنائية التي كانت قائمة بينها وبين سويسرا والتحول إلى تطبيق المعاهدات الجديدة بين برن وبروكسيل.
لكن لغة الأرقام والإحصائيات يمكن أن تكشف عن المكاسب التي ستحققها المؤسسات الصناعية والشركات التجارية السويسرية التي سوف تستفيد بشكل أو بآخر من تعميم التسهيلات والإمتيازات الممنوحة لها في الإتفاقيات القطاعية التي بدأ العمل بها بعدُ بين الجانبين.
وفي انتظار إقدام الإتحاد الأوروبي على اتخاذ خطوة باتجاه مطالبة سويسرا بدفع هذه المساهمة المالية، يبدو أن نتائج المفاوضات الثنائية الجارية وخاصة في ما يتعلق بملف الخدمات ستؤثر على مدى استعداد الجانب السويسري للموافقة على الدخول في مباحثات حول هذا الموضوع الذي لن يُـسـوّغ بسهولة لقطاع لا بأس به من الرأي العام الداخلي.
وإذا ما نجحت الجولة الجديدة من المفاوضات الثنائية بين برن وبروكسيل فان ذلك سيعني بالضرورة انتقال سويسرا من موقع الشريك إلى وضع أشبه ما يكون بوضع البلدان الأعضاء في “المجال الإقتصادي الأوروبي” وهو ما من شأنه أن يُـضفي على طلب الإتحاد حينها قدرا كبيرا من المنطقية.
أخيرا، يرى المراقبون في العاصمة الفدرالية أن تعثر المفاوضات حول جباية مدخرات المواطنين الأوروبيين المودعة في سويسرا واقتراب موعد الإنتخابات البرلمانية (أكتوبر 2003) ستجعل من مجرد طرح ملف مساهمة مالية سويسرية في تمويل عملية توسيع الإتحاد الأوروبي محظورا سياسيا لن يجرؤ الكثيرون على مجرد الإقتراب منه.
كمال الضيف – سويس إنفو
أثار اعتزام المفوضية الأوروبية مطالبة الدول الأعضاء في المجال الإقتصادي الأوروبي بالمساهمة ماليا في تمويل عملية توسيع الإتحاد ليضم إليه عشر دول جديدة في ربيع عام 2004 توقعات في برن بسعي بروكسيل للحصول على حوالي مليار فرنك من الكونفدرالية في نفس الإطار.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.