أول انتخابات للرئاسة المصرية .. الاختبار الصعب
في مشهد غير مألوف في الحياة السياسية المصرية، انطلقت أول حملة انتخابية رئاسية تنافسية تعددية في تاريخ مصر الحديث كله.
لكن المنافسة الفعلية تنحصر بين مرشح الحزب الوطني الحاكم الرئيس حسني مبارك، ومرشح حزب الوفد ذو الخلفية التاريخية العريقة نعمان جمعة، وأيمن نور مرشح حزب الغد.
يتنافس في الانتخابات الرئاسية المصرية عشرة مرشحين، ينتمون إلى عشرة أحزاب قانونية، منها ثلاثة أحزاب هي الأعلى صوتا، والباقون مجرد أحزاب صغيرة يكاد لا يعرفها أحد سوى أصحابها.
ولذلك تنحصر المنافسة الفعلية بين مرشح الحزب الوطني الحاكم الرئيس مبارك، ومرشح حزب الوفد ذو الخلفية التاريخية العريقة نعمان جمعة، وأيمن نور مرشح حزب الغد، وهو أحدث الأحزاب قاطبة وأصغرها عمراً، ولكنه ذو صوت عال مقارنة بالآخرين.
مناخ انـتـقـالي
انطلقت الحملة الانتخابية الرئاسية في ظل مناخ انتقالي، تتكاثر فيه الإشارات المتضاربة. فحيث يوجد تفاؤل بالمستقبل يوجد أيضا نزوع نحو اللا يقين والخوف من مجهول قد يعصف بالبلاد.
ويصاحب ذلك شعور قطاع كبير من المواطنين بأن ما يجرى ليس سوى تمثيلية مُحكمة الإخراج، وأنها لن تغير من الواقع شيئا. ويسند ذلك دعوات أحزاب عريقة كالتجمع والناصري وحركة كفاية، تنادى بمقاطعة الانتخابات الرئاسية باعتبارها فاقدة الجدية والشرعية، وأن المشاركة فيها تعنى إسباغ شرعية على التعديل الدستوري الذي سمح بالانتخابات الرئاسية التعددية، ولكنه جاء مُجحفا بحق المستقلين والمنتمين إلى حركات شعبية لها جذورها في الشارع. ويضيف البعض أن مرشح الحزب الحاكم أي الرئيس مبارك مقدر له الفوز له مـُسبقا، فلماذا المشاركة إذا؟
دعوات المقاطعة والتشكيك في وجود عملية تغيير سياسي تحدث بالفعل في البلاد، تسير جنبا إلى جنب بتأكيدات بأن زمن الاستفتاءات على مرشح واحد، التي حكمت البلاد لمدة ستة عقود لاختيار رئيس البلاد، قد انتهى عمرها وولى زمنها، وأن الأمور قابلة للتطور بما في ذلك حدوث مفاجآت من النوع الثقيل.
من الانحياز إلى الحياد
ويتجسد المناخ الانتقالي أيضا في غياب الرؤية بشأن سلوكيات اعتادت عليها المؤسسات المختلفة وكانت تعد من طبائع الأمور. فالمبايعات المعلبة والمجهزة دائما، والتي كان الوزراء أكثر من يحترفها ورجال الأعمال، وتدخلات المحافظين السافرة والقيادات الأمنية والصحف القومية ووسائل الإعلام المملوكة عمليا للدولة والخاضعة للحكومة، باتت محل مراقبة ومتابعة من لجنة الانتخابات الرئاسية التي تشكلت بحكم الدستور، والتي عليها أن تراقب حياد كل هذه المؤسسات ومدى استقلاليتها عن مرشح الحزب الحاكم تحديدا، الذي هو في الآن نفسه رئيس البلاد. وهى مهمة تبدو عسيرة بعض الشئ نظرا لغياب المحددات الواضحة لمعنى الحياد المطلوب من كل هذه المؤسسات.
لكن يذكر هنا أن هناك تعليمات رئاسية واضحة وجهت للوزراء والمؤسسات التنفيذية بالتوقف عن مثل هذه السلوكيات. لكن الأمر اللافت للنظر هنا دخول مؤسسات دينية كبرى على خط مبايعة وتأييد مرشح الحزب الحاكم، وهو ما فعلته الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والبابا شنودة الذي أيد الرئيس مبارك رئيسا للبلاد للسنوات الست المقبلة، وكذلك فعلت رئاسة الحركة الصوفية في مصر، والتي ذكرت أن أعضاءها الستة ملايين يؤيدون مبارك بلا تحفظ. وهناك أخبار تروجها صحف معارضة بأن وزارة الأوقاف التي تشرف على خطباء المساجد، وجهت تعليمات لهم بالترويج للرئيس، وكذلك فعل الأزهر.
هذه الظواهر وغيرها تعنى أن التخلي التام عن القديم مسألة مشكوك فيها، فبعضه سيظل حاضرا أيا كانت التوجيهات والتعليمات. كما أن الجديد متمثل في الحيادية المطلقة من قبل الأجهزة التنفيذية والأمنية، والتنافسية الحقة بين المرشحين لن تكون قابلة للتطبيق التام على الأقل في هذه الانتخابات الرئاسية التعددية الأولى في مصر، والتي تعد بمثابة حقل اختبار، أو بالأحرى امتحان صعب يجب تجاوزه، والعبرة بما ستكون عليه النتيجة في النهاية.
أشكال من التنافس
ما دامت هناك تعددية ومرشحين من أحزاب مختلفة، فمعنى التنافس موجود على الأقل شكلا، وتلك بدورها حالة لم يعتادها المواطن المصري من قبل. والتعددية ظهرت أيضا في وجود برامج مختلفة للمرشحين، وتلك أيضا جديدة من الناحية الشكلية. أما طرق إدارة الحملات الانتخابية فباتت هي الأخرى مجالا رحبا للتنافس بين الأحزاب والمرشحين العشرة، فهناك الملصقات والأفلام التسجيلية وتجيير الجرائد الحزبية والمطبوعات والاجتماعات والمؤتمرات الحزبية. والاهم من ذلك وجود فرق ظاهرة وأخرى خفية تدير تلك الحملات لكل حزب على حدة. مع اختلاف كبير في قدرات كل حزب على الوفاء بمتطلبات مثل هذه الحملات، التي يفترض أن تغطى مصر من شمالها إلى جنوبها في مدى 21 يوما وحسب.
وربما تتضح بعض معالم التنافسية مقرونة بالحيادية في تلك المدد الزمنية المخصصة للمرشحين العشرة، وفى حدود 19 ساعة لكل منهم، تنقل على الهواء مباشرة في التليفزيون الرسمي للدولة. وهي خطوة ستشكل نقلة في التغطية الإعلامية إذا طبقت دون أن تخضع لرقابة حكومية أو مماحكات فنية تبرع فيها الأجهزة الرقابية.
وإذا تركت تلك الساعات لكل مرشح ليعلن فيها عن نفسه وعن برنامجه بكل حرية، فسوف يوفر ذلك مجالا للقول بجدية نوايا الإصلاح السياسي المعلنة من قبل الحزب الحاكم، وإذا حدث العكس فسوف يشكل ذلك انتكاسة كبرى بكل المقاييس.
برامج حزبية متشابكة
مع انطلاق الحملة الانتخابية رسميا، كان على كل المرشحين أن يعلنوا برامجهم الانتخابية التي امتلأت بوعود إصلاحية وديمقراطية يكفى جزء منها لتحويل مصر إلى حالة خاصة في الانتقال السلمي نحو ديمقراطية حقيقية. ويلفت النظر أن ثلاثة برامج، وهى للحزب الوطني الحاكم وحزب الوفد وحزب الغد، جاءت مفصلة إلى حد كبير وغطت القضايا الكبرى ووعدت بتغييرات كبرى.
وبينما طرح برنامج الحزب الوطني برنامجه للتحول نحو ديمقراطية كاملة في ست سنوات ـ وهى مدة طويلة نسبيا بالنسبة للذين يطمحون لمصر واقعا ديمقراطيا حقيقيا في مدى زمني مناسب ـ بما في ذلك تعزيز دور البرلمان ونظام انتخابي جديد وتعزيز الصلاحيات التنفيذية والرقابية وإلغاء المجلس الأعلى للهيئات القضائية والمدعى الاشتراكي ومحكمة القيم (وهى مؤسسات ترمز للحقبة الاشتراكية) وسن قانون جديد لمواجهة الإرهاب وإلغاء قانون الطوارئ وتوسيع المشاركة السياسية وحرية الرأي.
وعلى النقيض من ذلك، جاء برنامج المرشح الرئاسي الدكتور أيمن نور، وليس برنامج حزب الغد، ليعد في حال فوزه بالرئاسة بالتحول إلى ديمقراطية كاملة في غضون 24 شهرا وحسب.
خطة طريق ديمقراطية .. ولكن!
وحسب “خطة الطريق نحو الديمقراطية لمرشح حزب الغد”، فسيتم إلغاء قانون الطوارئ وإلغاء حبس الصحفيين والإفراج عن المعتقلين في أكتوبر 2005، وإطلاق حرية إصدار الصحف واستقلال القضاء في الشهر نفسه. أما حرية تكوين الأحزاب بالإخطار ففي يناير 2006، وإعادة هيكلة الصحف القومية لتستقل عن الحكومة في مارس 2006، وكذلك تشكيل لجنة تأسيسية لوضع دستور جديد، على أن يصوت عليه في سبتمبر 2006، وأن تكون هناك رقابة شعبية على السلطة التنفيذية في سبتمبر 2006، وانتخاب العمد والمحافظين في يناير 2007، وانتخابات رئاسية مبكرة 2007.
وهي مواعيد زمنية تبدو أقرب إلى الخيال الجامح منها إلى الواقع الممكن، لاسيما وأن كثيرا من الوعود بحاجة إلى قوانين يجب صدورها عن الهيئة التشريعية، وتلك بدورها سيتم انتخابها في نوفمبر 2005. فكيف سيتم تطبيق تلك الخطوات قبل صدور القوانين التنفيذية؟ سؤال لا إجابة عليه في البرنامج الانتخابي المذكور. والخطة عموما تذكرنا بخطة انتقال السلطة التي طبقت في العراق، ووضعها بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي للعراق في ظل الاحتلال.
أما برنامج حزب الوفد فيقدم رؤية تمزج بين الليبرالية السياسية والاقتصادية وأيضا تتعهد بالوفاء بتقديم الخدمات الضرورية الصحية والتعليمية للفقراء، وزيادة المخصصات المالية للعملية التعليمية وضمان تحسين نوعيتها، وإفساح الحرية لمنظمات المجتمع المدني والنهوض بالصناعة وحل مشكلة الإسكان للفئات غير القادرة، وإعادة النظر في أولويات السياسة الخارجية المصرية.
وبينما حرص برنامج مرشح الغد على استخدام الكثير من التعبيرات باللغة الإنجليزية ليوضح مقصده من التعبيرات العربية المستخدمة، لم تقع برامج الأحزاب الأخرى في هذا الفخ، فخ الترجمة من وثائق أجنبية، وحافظت على روحها المصرية الخالصة.
وهناك الكثير من المقارنات الممكنة، وبما يثير في النفس تساؤلات عن جدية البعض وهزل البعض الآخر. ويبقى انتظار ما ستؤول إليه تطورات المنافسة الرئاسية في الأسابيع القليلة المقبلة، أو بالأحرى نتيجة اختبار التعددية والتنافسية الذي تعيشه مصر الآن.
د. حسن أبوطالب – القاهرة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.