أولُ مؤسسة ثقافية دولية في بغداد
"بـلاد النهرين الثقافية - غاليري بغداد"، هوُ إسم أول مؤسسة ثقافية عربية دولية في العاصمة العراقية. أما صاحب المشروع فهو المركز الثقافي العربي السويسري بزيورخ.
“سويس إنفو” أجرت حوارا مع الشاعر العراقي علي الشلاه، المدير العام لمركز زيورخ والذي سيتولى أيضا الإدارة العامة للمؤسسة الجديدة في بغداد.
بجوار أكاديمية الفـُنون الجميلة وكلية الآداب ومُقابلَ مسرح الطليعة بحي الوزيرية وسط بـغداد، سيـَفتَتِحُ المركزُ الثقـافي العربي السويسري في مُنتصف شهر أغسطس القادم أولَ مُؤسسة ثقافية عراقية عربية دولية. واختير للمولود الجديد إسمُ “بـلاد النهرين الثقافية – غاليري بغداد”.
فكرة إنشاء مؤسسةٍ رديفة في العالم العربي ليست وليدة اليوم بل شغلت المُشرفين على المركز الثقافي العربي السويسري بزيورخ منذ سنوات. غير أن مصاعب إدارية وقانونية عدة اعترضت محاولاته لإقامة المؤسسة في دمشق أو القاهرة. وظل المركز ينتظر رخصة قانونية من سلطات دمشق أكثر من عام رغم تشجيع وزيرة الثقافة السورية للمشروع وتقديمها مذكرة توصي بدعمه.
لكن الإطاحة بنظام صدام حسين وما أحدثته من تغييرات في الواقع العراقي غيرت وِجهة طُموحات المركز الثقافي العربي السويسري لتحُطَّ بها في بـغداد في نهاية المطاف. ويقول مدير المركز الشاعر العراقي علي الشلاه في حديث لـ”سويس انفو”: “مع التغيير الذي حصل في العراق وحالة العوز إلى الثقافة التي نشأت بعد زوال نظام ديكتاتوري…سيَّس الخطاب الثقافي لصالحه…كان لا بد أن نقوم بشيء”.
طموحات كبيرة
في البداية كانت الفكرة تقـتصرُ على إنشاء مؤسسة صغيرة تشمل قاعة للندوات وصالة لعرض اللوحات الفنية، لكن سـُرعان ما تطوَّرت الفكرةُ إلى إقامة مُؤسسة ثقافية مُتكاملة في بغداد تهتم بالتعريف بالثقافة والمثقـفين العراقيين ونسج خيوط التواصل بينهم وبين المبدعين العرب والعالميين.
لكن طموحات مؤسسة “بلاد النهرين الثقافية – غاليري بغداد” لا تقف عند هذا الحد، بل تعتزم إيلاء اهتمام خاص بالمثقـفين العراقيـين من أجل مساعدتهم على إيجاد فرص عمل ثقافية داخل البلاد بعد سنوات المعاناة الطويلة التي قضوها تحت الحصار ونظام صدام حسين.
وستحاول المؤسسة، مثلما أوضح الشاعر علي الشلاه، الحصول على تكليفات لمثقفين عراقيين للعمل لحساب مؤسسات ثقافية عالمية أو سويسرية تدفعُ لهم مُقابلا مُحترما يُساعدهم على إعادة بناء ما دُمِّر من بُنى أساسية لأسرهم. ويُذَكِّر الشاعر العراقي في هذا السياق أن جُلَّ المُثقـفين العراقيين باعوا حتى مكتباتهم المنزلية لإعالة أسرهم، مُشددا على أن إعادةَ المَكتبات إلى بُيوتها وإلى المُثـقفين هو جزءٌ آخر من عمَل مؤسسة “بلاد النهرين”.
أفكار جديدة.. من سويسرا
ومن ضمن الأفكار التي ستتبناها مؤسسة “بلاد النهرين الثقافية – غاليري بغداد” احتراما للمثقف وحقوقه، منحُ مكافآت على الندوات الناجحة ودفعُ مُقابل للمثقفين العراقيين لدى قراءة إبداعاتهم خلال الأمسيات الفكرية مثلما يحصل في سويسرا. ويوضح الشاعر الشلاه أن المبلغ الذي سيقدم إليهم قد يساعدهم على سد حاجياتهم اليومية لمدة شهر على الأقل في الظروف المعيشية الراهنة في العراق.
كما ستعمل المؤسسة على خلق نشاطات ثقافية كبيرة تفتح باب الرزق أمام المثقفين العراقيين ولو لفترة محددة. وتنوي المؤسسة في هذا الصدد إصدار مجلة ثقافية كل شهرين ابتداء من مطلع العام القادم باللغة العربية ولغة ثانية لم تحدَّد بعد، قد تكون الإنجليزية أو الألمانية أو الفرنسية.
نشاط المثقفين العراقيين لن يقتصر على المساهمة في إعداد هذه المجلة فحسب، بل يفكر المسؤولون عن المشروع في تكليفهم بإنجاز أفلام قصيرة عن بعض المثقفين. وبطبيعة الحال ستتطلب الفكرة تشغيل مخرج وكاتب سيناريو والمبدع نفسه، وهذا يعني خلق مواطن عمل جديدة.
وفي حدود ما تسمح به إمكانياتهم الحالية، سيحاول المشرفون على المشروع تجهيز المؤسسة بوسائل اتصال حديثة وذات تقنية عالية لخدمة المثقفين العراقيين. وستتوفر المؤسسة، في مرحلة أولى، على ثلاثة أجهزة كمبيوتر قد يتم توصيلها بشبكة الإنترنت في أقرب أجل. كما ينوي المسؤولون تصميم موقع للمؤسسة على الإنترنت باللغتين العربية والإنجليزية.
وقد أعرب الشاعر علي الشلاه عن نية المركز الثقافي العربي السويسري، الذي تأسس على يده في منتصف التسعينات في زيورخ، في إدخال أفكار جديدة على المشهد الثقافي العراقي من خلال نشاطات مستوحاة من الفضاء الثقافي السويسري والغربي عموما.
الميزانية هي الجزء الأصعب من العملية!
لكن ترجمة هذه الأفكار الطموحة على أرض الواقع تتطلب بلا شك إمكانيات مادية لا بأس بها. ويقدر الشاعر العراقي علي الشلاه الميزانية الضرورية خلال السنوات الثلاث الأولى من انطلاق المشروع بزهاء ربع مليون دولار.
وقد تعهد المركز الثقافي العربي السويسري بتخصيص خُـمُـس ميزانيته لهذا العام والعام القادم لمؤسسة بغداد، في انتظار الحصول على دعم مؤسسات ثقافية عربية وسويسرية وعالمية. وقد حصل المركز على وعد من وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي راي بدعم مؤسسة بلاد النهرين الثقافية بعد قيامها ومباشرتها بالعمل لمدة معينة وبعد التأكد من أن المشروع أخذ أبعادا جدية.
ويفسر الشاعر العراقي علي الشلاه الموقف السويسري بالقول: “إن القانون في سويسرا لا يدعم مؤسسات وإنما يدعم فعاليات…بكل الأحوال هم سيدعمون فعاليات سويسرية تقام في بغداد”.
ويأمل الشلاه في الحصول على دعم مؤسسات ثقافية لها علاقات وطيدة مع المركز الثقافي العربي السويسري مثل المركز الثقافي العربي الأوروبي الذي أنشئ حديثا بمبادرة مشتركة من الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي، والذي يشارك الشاعر في هيئته الإدارية.
كما يعمل المشرفون على مؤسسة بلاد النهرين الثقافية جاهدين على إقناع منظمات دولية مثل منظمة الأمم المتحدة للثقافة والتربية والعلوم “يونسكو” بمد يد المساعدة.
الرغيف والكتابة معا!
وبينما يترقب المشرفون على المشروع موعد 15 أغسطس القادم لتدشين مبنى مؤسسة “بلاد النهرين الثقافية – غاليري بغداد” بحضور أسماء لامعة في سماء الثقافة العراقية والعربية والدولية، قد يتساءل المرء كيف تمكن المركز الثقافي العربي السويسري من اجتياز العقبات الإدارية والقانونية لإيجاد مقر للمؤسسة الجديدة وافتتاحها في ظل الظروف الحالية في العراق التي لا تمت للأمن والاستقرار بصلة؟
جاءت الإجابة واضحة عن هذا السؤال على لسان الشاعر العراقي علي الشلاه الذي سيتولى أيضا الإدارة العامة للمؤسسة في بغداد. فقد رفض المسؤولون عن المشروع تقديم طلب الرخصة للسفير الإيطالي في العاصمة العراقية الذي أسندت له قوات التحالف مهمة الإشراف على الشؤون الثقافية، بل قصدوا مبنى وزارة الثقافة العراقية في بغداد، أو بالأحرى المؤسسة التي سترثها، وزودوها بكافة المعلومات المتعلقة بمواصفات وأهداف “بلاد النهرين الثقافية”، وبالسيرة الذاتية للمثقفين والأدباء والفنانين التشكيليين والمترجمين العراقيين الذين سيعملون في المؤسسة الجديدة. وأوضح الشاعر العراقي في هذا السياق أن كافة المؤسسات الثقافية التي تفتح أبوابها حاليا في بغداد لم تحصل على رخصة من أي كان.
ولدى سؤال الشاعر علي الشلاه إن كان الشعب العراقي، الذي يتصارع الآن من أجل ضمان لقمة العيش والاستمتاع بالاستقرار، سيولي اهتماما بالمؤسسة الثقافية الدولية الجديدة، قال بثقة وفخر: “قد تستغربين إن قلت لك إن الذي لا يعرفه الأصدقاء هنا هو أن أفضل شيء هذه الأيام في بغداد هو الثقافة، أتصل سبع أو ثمان مرات يوميا بمثقفين هنالك واجد جلهم مشغولا في فعاليات ثقافية”.
واستطرد محاورنا قائلا: “دورنا اليوم هو الإصرار على الثقافة العراقية، فهي جزء من مؤسسة الثقافة الإنسانية…أنا كمثقف عراقي، لن أقبل أن تكون الأولويات في ثقافة بلادي الرغيف ثم الكتابة، أنا أريدهما معا”.
سويس انفو – إصلاح بخات
الإدارة العامة لمؤسسة “بلاد النهرين الثقافية – غاليري بغداد” ستكون إدارة مشتركة بين المركز الثقافي العربي السويسري في زيورخ وثلاث زملاء في بغداد كل حسب اختصاصاته.
تهدف المؤسسة إلى إقامة جسر بين الثقافة العراقية والعربية والعالمية.
المدير العام لمركز زيورخ، الشاعر العراقي علي الشلاه، هو الذي سيتولى أيضا الإدارة العامة لمؤسسة بلاد النهرين الثقافية.
الشاعر الشلاه سيتحول مرتين في السنة إلى بغداد، خلال شهري يونيو وديسمبر لمتابعة أنشطة المؤسسة.
المجلة التي ستصدرها المؤسسة ستُعد بين سويسرا وبغداد والقاهرة والعاصمة السورية دمشق التي ستطبع فيها المجلة.
تقدر التكاليف الضرورية لنشاطات المؤسسة خلال السنوات الثلاث الأولى بربع مليون دولار.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.