أيُّ أوبـامـا لأيّ أمـريـكــــا؟
سؤالان متلازمان طرحهما فوز باراك أوباما بترشيح الحزب الديممقراطي للرئاسة، وأيضاً لإحتمال وصوله إلى البيت الأبيض كما ترجّح إستطلاعات الرأي (حتى الآن)..
ماذا يعني وصول رجل أسود، أو نصفه على الأقل أسود، إلى هذا الموقع، في بلد شهد قرنين من الحروب الاهلية الساخنة والباردة مع الهنود الحمر والأفارقة؟
هل يعني ذلك أن ثمة تحولاً كبيراً في العلاقات العنصرية في أمريكا؟ وهل يمكن أن يسحب هذا الأمر نفسه على سياسات الشرق الأوسط حيث الوجه الآخر من العنصرية ضد العرب والمسلمين؟
ثم: هل فوز أوباما بالترشيح هو، كما يقول البعض، بمثابة “إنقلاب الأمة الأمريكية على المؤسسة”؟ وماذا يعني هذا الفوز في إطار الصراع الراهن بين القومية الأمريكية وبين ظاهرة العولمة؟
نبدأ بالسؤال الاول..
تحّول كبير
أجل, إنتصار أوباما سجّل تحولاً حقيقياُ في مواقف المجتمع الأمريكي، أو نصفه الديمقراطي على الأقل، بعد ثلاثة قرون لعب فيها النظام الرأسمالي الأمريكي دوراً بارزاً في إبقاء الأفارقة الأمريكيين في الوضع الدوني الذي عانوا منه طويلاً إقتصادياُ وسياسياً وثقافياُ.
ففي كل مرحلة من التاريخ الأمريكي، كان للشركات ورجال الأعمال والمؤسسات والكنسية “البيضاء” مساهمات قوية في إبقاء العنصرية في أمريكا وتعزيزها. لا بل يقول المفكر الأمريكي دان لابوتز إن “قيود الأفارقة الأمريكيين صُـكـّت في مصانع الحديد الرأسمالية في شمال أمريكا كما في جنوبها، وأن العمال الأفارقة في مزارع العبودية في الجنوب إنبثقت من صناعة الأقمشة في إنكلترا وإنكلترا الجديدة”.
تحويل الأفارقة إلى عمال نظافة وبوابين (أي الأعمال الدونية) كانت هي سياسة الشركات الرأسمالية الأمريكية طيلة مائة عام. وإجبارهم على العيش في غيتوهات كانت من صنع الكتل المصرفية الكبيرة وشركات العقارات، أما نقابات العمال “البيضاء”، فقد تكفلّت في قسمة الطبقة العمالية عنصرياً لصالح الشركات.
خطاب أوباما الشهير، والبعض يقول التاريخي، حول المسألة العنصرية في أمريكا، ذكّر الأميركيين بتجربة الأفارقة في العبودية وبالتاريخ الطويل من التمييز العنصري. لا أحد من السياسيين الأمريكيين كانت له الشجاعة طيلة المائة سنة الماضية أن يناقش بصراحة قضية العنصرية كما فعل أوباما، حين تحدّث عن تجربة الأفارقة السود مع العنصرية البيضاء، وعن قلق وامتعاض البيض من السود. وبهذا المعنى، كان هذا الخطاب شخصياُ مباشراُ، وفكرياً متطوراً في آن، مما جعله يحتل مرتبة عالية في تاريخ السياسات الأمريكية.
المرشح الشاب شرح في خطابه تفاصيل التمييز العنصري في السكن، والوظائف، ونقابات العمال، والشركات، كما تحدّث بتعاطف عن مخاوف العمال البيض من طردهم من العمل، وعن إحباطات وقلق المرأة البيضاء. وهو شرح للبيض كيف أن السود لم يحظوا أبداً بفرص متساوية معهم، كما قال للسود بأن الطبقتين العاملة والوسطى البيضاويتين لا تشعران بأنهما متميزتان في المجتمع وتعانيان هما أيضاً من الفقر والبطالة وفقدان الرعاية الصحية والتعليم.
أوباما فتح الجرح العنصري ليس بهدف إعادة إنتاج الماضي، بل لبلورة مستقبل مختلف. مستقبل: “ليس فيه أمريكا سوداء وأمريكا بيضاء وأمريكا لاتينية وأمريكا آسيوية. فيه فقط الولايات المتحدة الامريكية”، على حد تعبيره.
نقلة نوعية ولكن..
لكن ليس هذا ما يراه منافسوه الحاليون والسابقون. فهيلاري كلينتون لم تترك فرصة واحدة خلال حملتها الإنتخابية من دون محاولة تحريك المشاعر العنصرية ضده. وهذا، على أي حال، ما كان يحدث دوماً في الحملات الإنتخابية الأمريكية. فالعنصرية كانت في أساس “الإستراتيجية الجنوبية” التي وضعها مرشح الرئاسة نيكسون في عام 1968، والتي إعتبرت السود “جذر كل مشاكل الولايات المتحدة”. ورونالد ريغان دشّن العام 1980 حملته الإنتخابية بإعلان وقوفه إلى جانب الولايات الجنوبية ضد السود المطالبين بالحقوق المدنية. وبيل كلينتون (الديمقراطي) دعم حكم الإعدام ضد مواطن أسود متخلف عقلياً، وأعلن أنه يتعيّن على السود “تحّمل المسؤولية الشخصية عن أعمالهم”!
كل هذه المعطيات توضح النقلة النوعية التي أحدثها أوباما حين نقل المسألة العنصرية، من موقع الإستخدامات المصلحية السياسية إلى موقع الإستخدامات القومية العليا. بيد أن هذا لا يعني أن الصراعات العنصرية ستختفي أو تحل. العكس هو الصحيح، حيث ينتظر أن تستخدم الورقة العنصرية بكثافة في المعركة بين أوباما وبين جون ماكين، خاصة في الولايات الجنوبية حيث لا يتمتع أوباما سوى بدعم 20% من سكانها.
هذه نقطة. وثمة نقطة لا تقل أهمية تتعلق هذه المرة بمدى صدقية أوباما في رفضه للعنصرية بكل أشكالها، وليس فقط في شكلها الأمريكي المحدد.
هذه النقطة برزت حين تنصّل أوباما من نص كان أورده كاهنه السابق الأب جيريمياه رايت أدان فيه صلف السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، معلناً أن هذا الصلف، مضافاً إليه إستمرار الممارسات العنصرية في أمريكا، كان أحد أسباب أحداث 11 سبتمبر 2001. أوباما لم يكتف بالتنصل بل أضاف إليه القول إن “صراعات الشرق الأوسط تعود أساساُ إلى إيديولوجية الكراهية في الإسلام الراديكالي”، ثم توجّ ذلك بالدفاع عن “يهودية إسرائيل” وعن ضرورة بقاء القدس “عاصمة موّحدة إلى الأبد لدولة إسرائيل”.
كيف أمكن للمرشح الأسود أن يهاجم العنصرية الأمريكية ويدافع عن العنصرية الإسرائيلية في آن؟ هذا السؤال سيبقى معلقاً فوق رأس أوباما طيلة عهده المحتمل في البيت الأبيض، وسيثير بشكل مشروع مخاوف كل العرب والمسلمين من أن الرجل قد يتطرف في عدائه لـ “الآخر” العربي والإسلامي لتثبيت هويته الأمريكية “الشاملة”.
أوباما والمؤسسة
هذا عن المسألة العنصرية. أما عن علاقة، أو لا علاقة، أوباما بالمؤسسة الحاكمة الامريكية، فهي طُرحت فقط لأن لون جلد أوباما أسود، وليس لأن عقله مزركش بغير ألوان وسياسات وإيديولوجيات هذه المؤسسة.
أوباما في الواقع “إبن بار” لهذه المؤسسة. وهذا واضح من خلال تجربته طيلة أربع سنوات في مجلس الشيوخ التي لم يخالف خلالها الرجل أي أمر من أمور الحزب الديمقراطي، على عكس منافسه ماكين الذي إشتهر بالتصدي بقوة لسياسات حزبه الجمهوري في مجال تقييد بيع الأسلحة، وإصلاح قوانين الهجرة، وخفض معدلات الدفيئة.
ماكين اليميني المحافظ فعل كل ذلك، فيما أوباما اليساري الليبرالي إتخذ مواقف مترددة في أحسن الأحوال حيال العديد من القضايا الإجتماعية (عدا العنصرية) والثقافية والفكرية، وملتبسة حيال المسألة الأهم وهي الإقتصاد، بما في ذلك “إقتصاد السود”.
الأفارقة الأمريكيون، كما هو معروف، مندمجون بعمق في النظام الرأسمالي، لكنهم في الوقت ذاته مستبعدون عنه. اليوم 35% من العائلات البيضاء وفقط 16% من العائلات السوداء لها دخل يفوق الـ 75 ألف دولار. البطالة البيضاء تبلغ 5%، فيما البطالة السوداء 11%.
أوباما وعد بمعالجة هذا الوضع. لكن، كيف يمكن النهوض بالسود من الفقر بدون تعريض الوضع الإقتصادي للطبقة الوسطى البيضاء إلى الخطر؟ لكي يفعل، يجب أن يأخذ الأموال من الشركات العملاقة ليضعها بين أيدي العمال والطبقة الوسطى من البيض والسود معاً. لكن هذا لن يكون وارداً، طالما أن أوباما ملتزم بما يلتزم به حزبه الديمقراطي من ولاء تام للقوى الرأسمالية الأميركية، خاصة في سياقها المتعلوم الراهن.
لقد حاول الديمقراطيان جون كينيدي في “الحدود الجديدة” وليندون جونسون في “المجتمع العظيم” شن الحرب على الفقر، لكنهما فشلا فشلاً ذريعاً في تحسين أوضاع السود ولم يفلحا في إنقاذ البيض من الفقر، لأنهما لم يوقفا سيطرة الشركات الرأسمالية على المجتمع الأميركي.
وحين وصل الديمقراطي الآخر كلينتون إلى البيت الأبيض مع الصعود المظّفر للعولمة وبدء خضوع القومية الأميركية لمستلزماتها، تم الإنقلاب الكامل الديمقراطي على المشاريع الإجتماعية ومعه تم تبني خطط المحافظين النيوليبرالية “المتوحشة”. واليوم، ومع مشاكل المنافسة والإنتاجية والربحية التي يعاني منها النظام الرأسمالي الأمريكي، سيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، على أي رئيس أن يطرح برامج إجتماعية ديمقراطية.
لكن، ماذا لو ركب أوباما رأسه وقرر التصدي للشركات الكبرى؟ حينها سيلقى على الأرجح مصير جون وروبرت كينيدي، وأيضاً بطله مارتن لوثر كينغ الذي قد لا يعلم الكثيرون أنه إغتيل لانه بدأ يفكر بالدعوة إلى إقامة نظام إشتراكي ديمقراطي في الولايات المتحدة.
ماذا تعني كل هذه المعطيات المتناقضة؟
أمر واحد: صعود باراك أوباما سيحدث الكثير من خلط الأوراق في أمريكا، وإن ليس بالضرورة في العالم. وبرغم أن هذا الصعود سجل نقطة بيضاء ناصعة في تاريخ الديمقراطية الأمريكية، إلا أن هذا لن يعني أن عهد أوباما (في حال فوزه) سيكون كله نقاطاً ناصعة!
سعد محيو – بيروت
واشنطن (رويترز) – قالت الحملة الانتخابية لباراك أوباما مرشح الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة الأمريكية يوم السبت 28 يونيو 2008 ان أوباما يتطلع الى تعزيز خبرته في السياسة الخارجية وسيسافر الى أوروبا والشرق الأوسط لإجراء مشاورات بشأن قضايا مثل الإرهاب والانتشار النووي.
وسيقوم أوباما بجولته التي تشمل فرنسا وألمانيا وبريطانيا والأردن وإسرائيل قبل مؤتمر الحزب الديمقراطي الذي يعقد في أواخر أغسطس آب والذي سيتم ترشيحه فيه لينافس المرشح الجمهوري جون مكين في انتخابات الرئاسة التي تجري في نوفمبر تشرين الثاني المقبل.
كما يزمع أوباما زيارة العراق وأفغانستان هذا الصيف ضمن وفد من الكونجرس لكن حملته الانتخابية لم تؤكد ان هذه الزيارات ستتم في نفس الجولة ولم تذكر تواريخ محددة لأي زيارات خارجية.
وسيجتمع أوباما السناتور عن ولاية ايلينوي الذي أصبح عضوا للمرة الأولى في مجلس الشيوخ الأمريكي مع زعماء أجانب في محاولة لصنع قاعدة له في مجال السياسة الخارجية بعد انتقادات وجهت اليه بعدم خبرته في هذا المجال من جانب منافسه مكين.
وشكك مكين وهو أسير حرب سابق في فيتنام ومؤيد قوي لحرب العراق في استعداد مكين لتولي منصب القائد العام للقوات المسلحة واستعداده لإجراء محادثات مع زعماء دول أجنبية معادية بدون شروط مسبقة.
وقال أوباما في بيان نشرته حملته الانتخابية “هذه الجولة ستكون فرصة مهمة بالنسبة لي لتقييم الموقف في دول مهمة للأمن القومي الأمريكي وللتشاور مع بعض من أوثق أصدقائنا وحلفائنا بشأن التحديات المشتركة التي نواجهها.”
وقال “وسوف تكون فرصة مهمة لتبادل وجهات النظر مع زعماء في تلك الدول بشأن هذه القضايا وقضايا أخرى أساسية للأمن القومي الأمريكي.. والأمن العالمي.. في القرن الواحد والعشرين”.
وزيارة اسرائيل قد تساعد أوباما على التواصل مع الناخبين اليهود الذين أبدوا فتورا إزاء ترشيحه ورحلته الى أوروبا ستتيح له فرصة ليحاول تحقيق ما وعد به من أسلوب أكثر انفتاحا في الدبلوماسية اذا انتخب ليقيم في البيت الابيض.
وقال أوباما “فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة ركائز رئيسية في التحالف عبر الاطلسي وأسهمت في المهمة في أفغانستان وأنا أتطلع الى بحث الكيفية التي يمكن من خلالها تعزيز شراكتنا في السنوات القادمة”.
وانتقد مكين وحلفاؤه الجمهوريون مرارا أوباما الذي دعا الى سحب القوات المقاتلة الأمريكية من العراق خلال 16 شهرا من توليه الرئاسة وتقاعسه عن زيارة العراق في الآونة الأخيرة ليتعرف على الأحوال هناك بنفسه.
وقام أوباما بالزيارة الوحيدة للعراق في يناير كانون الثاني عام 2006 . وكانت آخر مرة زار فيها مكين عضو مجلس الشيوخ عن ولاية اريزونا في مارس اذار الماضي وزار العراق ثماني مرات.
واجتمع مكين مع الرئيس العراقي جلال الطالباني والرئيسة الفلبينية جلوريا ارويو في واشنطن يوم السبت 28 يونيو ويزمع زيارة المكسيك وكولومبيا في الأسبوع القادم.
وزار أوباما الجنود الأمريكيين الذين أُصيبوا في العراق خلال توقف يوم السبت في مركز وولتر ريد الطبي التابع للجيش الأمريكي في واشنطن.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 28 يونيو 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.