أي مستقبل للغة الإيطالية في سويسرا؟
ما هو وضع اللغة الإيطالية في سويسرا؟ هل يُمكن وقف التراجع المسجل في استعمالها؟ وما هو دور المهاجرين الإيطاليين في ترسيخها؟
سويس إنفو استطلعت إجابات برونو موراتي عالم الألسنية الإيطالية في مناسبة “أسبوع اللغة الإيطالية في العالم” الذي نظم للمرة الثالثة في موفى أكتوبر.
يعزو البعض انتشار اللغة الإيطالية في عدة مناطق من العالم إلى ما انطبع في الأذهان بوجود علاقة حميمة بينها وبين الثقافة والموسيقى والموضة وكرة القدم.
وعلى الرغم من صحة هذا الرأي إلا أن هجرة مئات الآلاف من الإيطاليين إلى شتى بقاع الأرض بحثا عن الرزق والإستقرار منذ بدايات القرن التاسع عشر وإلى حدود السبعينيات من القرن الماضي تعتبر العامل الرئيسي في وصول لغة لا يتكلمها إلا سكان شبه الجزيرة الإيطالية إلى أقاصي الكرة الأرضية.
ويبدو أن السلطات الإيطالية استوعبت في السنوات القليلة الماضية الأهمية الثقافية والسياسية والإقتصادية التي تعنيها الحفاظ على المواقع التي اكتسبتها لغة بلادهم في دول الجوار الأوروبي وفي أستراليا والولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية وفي عدد من بلدان المنطقة العربية فبدأت في عام 2001 في تنظيم أسبوع دولي للغة الإيطالية في العالم وهو أشبه شيء بـ “حملة علاقات عامة” لهذه اللغة.
وضع خاص ومخاوف
وتحظى اللغة الإيطالية في سويسرا بوضع مميز. فهي ليست لغة مستوردة أو وافدة بل هي لغة رسمية يتحدث بها سكان كانتون تيشينو الجنوبي والمقيمون في بعض الأنحاء من كانتون غراوبوندن الجنوبي الشرقي.
في المقابل، يرى برونو موريتي أستاذ الألسنية الإيطالية في جامعة برن أن أهمية تنظيم مثل هذه الأسبوع في سويسرا تكمن أيضا في إشعار السويسريين المتحدثين باللغة الإيطالية بأنهم يتكلمون لغة إيطالية سليمة وتجاوز الشعور بالنقص الذي يتملك الكثيرين منهم تُجاه “إيطاليي إيطاليا”.
ويضيف موريتي أن هذه المناسبة تمثل فرصة إيجابية جدا لأبناء الجيل الثاني من المهاجرين الإيطاليين الذين استقدمتهم سويسرا في منتصف القرن الماضي نظرا لما تضفيه من قيمة إيجابية على جذورهم الثقافية.
ويلفت الأستاذ في جامعة برن إلى حقيقة أن الهجرة الإيطالية إلى سويسرا في العشريات الماضية تمكنت من “مضاعفة المستوى الديمغرافي لتواجد اللغة الإيطالية فوق الأراضي السويسرية”، لكنه أردف بالإشارة إلى مؤشرات تراجع حضور اللغة الإيطالية خارج المناطق المتحدثة بها التي كشف عنها الإحصاء الفدرالي الأخير.
فهل يعني ذلك أم الأجيال الجديدة من أبناء المهاجرين الإيطاليين قد اندمجوا في المجتمع إلى حد اعتمادهم التحدث بالألمانية والفرنسية والتخلي عن لغة الآباء؟ يُجيب برونو موريتي بأن “الوضع غير واضح” ومع إقراره بتراجع حجم المستعملين للإيطالية كلغة رئيسية إلا أن ذلك “لا يعني بالضرورة أن المعنيين تخلوا عن الحديث بالإيطالية”.
سياسة لغوية برأسين!
وفيما أظهرت العديد من الدراسات التي أجريت في السنوات الأخيرة أن اللغة الإيطالية قد انتقلت بشكل جيد إلى الجيل الثاني من أبناء المهاجرين لكن التساؤل يُطرح بحدة اليوم حول وضع الجيل الثالث في ظل تحول الوسط العائلي إلى “الموقع الرئيسي للكفاح من أجل الدفاع عن اللغة الإيطالية” في الأنحاء المتحدثة بالفرنسية والألمانية من البلاد.
ومع أن الحضور العام للغة الإيطالية لا زال جيدا في سويسرا إلا أنها تظل لغة أقلية أي أنها تحظى – طبقا لمبدإ الإختصاص الترابي الأثير في الكونفدرالية – بكل الحظوة والإهتمام في التيشينو والمناطق المتحدثة بها من كانتون غراوبوندن لكنها لا تتمتع بأية عناية خاصة في بقية أنحاء البلاد.
ويشدد أستاذ الألسنية الإيطالية في جامعة برن على أنه “إذا ما نظرنا إلى الإيطالية باعتبارها لغة أقلية في دولة قومية فيمكننا القول بدون أي تردد بأن الإيطالية في سويسرا تمثل واحدة من لغات الأقليات الأكثر رعاية في العالم.” وتكفي الإشارة في هذا السياق إلى الإستثمارات العمومية الضخمة في توفير وسائل الإعلام السمعية والبصرية في الأنحاء المتحدثة باللغة الإيطالية من البلاد.
“مشكل كبير”
في المقابل، يثير التراجع الكبير في موقع اللغة الإيطالية داخل المؤسسات التعليمية في المناطق اللغوية الأخرى في البلاد انشغالا حقيقيا لدى برونو موريتي.
ففي مجال الخيارات المدرسية المتاحة لتعلم اللغات، توضع اللغة الإيطالية على نفس مستوى بقية اللغات الأجنبية وهو ما أدى إلى تجاوز الإنجليزية والإسبانية بأشواط كبيرة للإيطالية في اختيارات التلاميذ.
لذلك يحذر موريتي من هذا التطور السلبي لأن “تحول الإنجليزية إلى لغة ثانية للجميع قد يلحق ضررا فادحا بالمثال التفاعلي السويسري بين مختلف المكونات اللغوية للبلد، وهو أنموذج عمل بشكل جيد إلى وقت قريب” حسب قوله.
ويوجد إقرار عام بأن السياسات اللغوية في سويسرا تتميز بتصادم بين مفهومي “اللغة ضمن الحدود الترابية” واللغة “خارجها”، أي أن اللغات الوطنية الأربعة (الألمانية والفرنسية والإيطالية والرومانش) تحيا وتحظى بالرعاية التامة داخل “أراضيها” فحسب.
لذلك لا يهتم أحد بأوضاع اللغة الإيطالية خارج المناطق المتحدثة بها وهذا “هو أساس المشكل الكبير” على حد قول برونو موريتي.
سويس إنفو
في إحصاء عام 2000 أشار 470 ألف شخص (أي 6،5% من سكان سويسرا) يقيم نصفهم في الأنحاء الإيطالية من البلاد إلى اللغة الإيطالية كلغة رئيسية
64% من سكان سويسرا صرحوا بأن لغتهم الرئيسية هي الألمانية مقابل 19،5% قالوا إنها الفرنسية
0،5% من السكان يتحدثون الرومانش (اللغة الرسمية الرابعة في سويسرا)
9،5% من إجمالي السكان المقيمين في سويسرا يتحدثون لغات أخرى
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.