إخوان مصر والحكومة.. الرهانات المتضاربة
ماذا ستفعل حركة الإخوان المحظورة "قانونا" بعد إقدام السلطات المصرية على اعتقال أعضاء بارزين في الحركة في عدد من المحافظات؟
الحركة تنفي التوجه إلى التصعيد لكن هذا التساؤل يلخّـص تحديات جديدة تفرض نفسها بقوة على الساحة السياسية المصرية التي تعج بالكثير من مصادر التوتر والقلق والإحباط أيضا.
واحد من أهم التساؤلات التي تفرض نفسها الآن في أي حوار سياسي، هو ماذا ستفعل حركة الإخوان المحظورة “قانونا” بعد إقدام السلطات الأمنية على اعتقال أعضاء وناشطين بارزين في الحركة في عدد من المحافظات، شمالا وجنوبا، إثر قيامها بعدد من المظاهرات الكبرى؟
تساؤل يلخّـص أحد القضايا الأساسية، التي تفرض نفسها بقوة على الساحة السياسية، والتي تعج بالكثير من مصادر التوتر والقلق والإحباط أيضا، على الأقل لدى البعض.
ويكتسب التساؤل أهميته في ضوء تصريحات المرشد العام للحركة بعد يوم واحد من بدء الاعتقالات في صفوف الجماعة، والتي تضمّـنت استعداد الحركة ولكنه مشروط الذهاب إلى حد العصيان المدني، إذا كان ذلك سيحقق الحرية والإنصاف، وهو التعبير الذي يعني أن الحركة مؤهلة للقيام بنوع من التصعيد مستقبلا، إذا اضطرتها الظروف لذلك، لتحقيق ما تراه عدلا وإنصافا.
فرصة مفترضة
الاهتمام بمستقبل العلاقة بين الحركة والحكومة في هذه الآونة، يرجع إلى عدة عوامل تكثفت معا في لحظة تاريخية واحدة. فهناك أولا ضغوط معروفة تمارَس بأشكال شتّـى على النظام المصري لغرض اتخاذ خطوات إصلاحية على الصعيد السياسي، وهو ما تتعدد بشأنه القراءات السياسية بين مُؤيد ومُتحفظ ومعارض، ومع ذلك، يوجد قاسم مشترك صغير ولكنه مؤثر، وهو أن الحكومة مُكرهة بقدرٍ ما على إحداث تعديلات مهمّـة في الحياة السياسية، وهو ما يُـدركه العاملون بالشأن السياسي، على أن ثمّـة فرصة يجب عدم تفويتها لدفع إصلاحات حقيقية في بنية النظام.
وبالنسبة للإخوان، فتلك الفرصة المفترضة تعني في أقل تقدير، التحول من حالة جماعة محظورة قانونيا، إلى حالة جماعة تتشح بالشرعية القانونية. أما في التقدير الأعلى، فيعني ذلك الاعتراف المباشر بالجماعة وبحقها بالعمل كحزب سياسي يتنافس أو يتصارع على السلطة، ولكن ضمن المؤسسات الدستورية القائمة، حسب تعبير القيادي عصام العريان المعتقل أخيرا.
وهناك ثانيا، حالة احتقان سياسي عام، ونوع من الإحباط لدى الأحزاب السياسية المعارضة بسبب الطريقة التي تم بها التعامل مع التعديل الدستوري الخاص بانتخاب رئيس البلاد، بدلا من الاستفتاء، حيث تتفق أحزاب المعارضة على أن الحزب الحاكم أدار العملية برمّـتها دون اكتراث حقيقي بما طرحته الأحزاب المعارضة من أفكار، كانت ترمي إلى إثراء العملية السياسية عبر إتاحة الفرصة لعدد مناسب من المرشحين للتنافس على منصب الرئيس، وبأقل القيود الممكنة، وهو ما لم يوافق عليه الحزب الحاكم، وبالتالي، لم يتحقق.
وثالثا، هناك استحقاق برلماني مهم بعد أقل من خمسة أشهر، والذي بناء عليه، سيتشكل البرلمان الجديد، بما في ذلك بلورة فرصة الحزب ـ أي حزب ـ في المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2011، إذا ما حقق نسبة 5% من عدد أعضاء البرلمان، أي 23 عضوا تقريبا، وهي نسبة عالية قياسا للدور المهيمن للحزب الوطني الحاكم، مقارنة بإمكانات الأحزاب الأخرى المحدودة جدا.
الدعوات الأمريكية
وإذا كانت هذه العوامل قد حفزت كل القوى السياسية والتيارات للعمل المكثف في هذه اللحظة التاريخية، وذلك بُـغية إثبات الذات واستقطاب قدر من التأييد الجماهيري يعينها في تخطّـي الأبواب المنغلقة، فإن الوضع بالنسبة لحركة الإخوان اكتسب طابعا خاصا.
فالشعور السائد لدى الحركة المحظورة، أنها الأكثر انتشارا والأكثر قواعد بين الجماهير، ومن ثم فهي صاحبة شرعية جماهيرية لا تتوافر لأية قوة سياسية أخرى، إضافة إلى قناعتها بأن لديها تصورا وطرحا مقبولا من شريحة كبيرة من المواطنين، وقدرة على إحداث إصلاح حقيقي في المجتمع والمؤسسات معا. ولذلك، فإن إثبات الذات لا تمثل مُـعضلة للحركة، وإنما اقتناص فرصة تاريخية قد لا تُـعوّض قريبا للانتقال من العمل السري أو شبه السري إلى العلني والشرعي.
وهذا الشعور الكامن لدى الجماعة، قيادة وتنظيما وأعضاء، ربما ولّـد قناعة أخرى بأن التلميحات الأمريكية بالدخول في حوار مع الحركات الإسلامية المعتدلة، ومن بينها الأخوان في مصر، قد يُـسهم في تخفيض حدّة الموقف الحكومي الرافض إسباغ الشرعية على الحركة، خاصة وأن الحركة ذاتها أعلنت رفضها الحوار مع الولايات المتحدة، إلا إذا كان تحت علم وسمع وبصر الجهات الحكومية المصرية نفسها.
وفى الوقت نفسه، عملت الجماعة على النأي بنفسها من الاقتراب الأمريكي لنشر الديمقراطية في المنطقة، باعتباره يختلف جملة وتفصيلا عن نهجها الخاص في الإصلاح. إذ أن الأول يهدف إلى خلق الفوضى وعدم الاستقرار وهدم المؤسسات القائمة، أما نهج الإخوان، فإنه قائم أساسا على الاستقرار وتعزيز المؤسسات الموجودة والعمل السلمي، وأيضا رفض أي تدخل خارجي في شؤون الداخل، ولاسيما العملية الإصلاحية نفسها.
تحدي حركة كفاية
ومن وجهة نظر الحركة، فإن نزولها إلى الشارع لا يعني قرارا بالصدام مع النظام، وإنما يعني بالأساس محاولة لإعادة رسم الخريطة السياسية في الواقع المصري.
فالجميع بات يتحدث عن حركة “كفاية” التي تقوم على أساس قوة دفع شعبية خالصة، تجمع بين كل التيارات دون استثناء، ولكن على أسس فردية، وليست تنظيمية، الأمر الذي أظهر “كفاية”، بعد المظاهرات التي قامت بها في أكثر من محافظة، وكأنها هي التي تقود الشارع، وتحدِّد نبضه السياسي.
ولم يكن أمام الإخوان أي مهرب آخر، سوى النزول إلى الشارع أيضا في مسعى لإعادة تركيب الصورة، وتوجيه رسالة إلى كل من يعنيه الأمر، أن زخم حركة “كفاية” ليس كزخم الإخوان، وأن وجودها في الشارع وفي النقابات أكبر كثيرا، وهي رسالة تراها الحركة سلميّـة وليست تصادمية.
تفسيرات الحكومة ورهاناتها
فما تراه الحركة سلميا وليس تصادميا، ليس كذلك بالنسبة للحكومة. وإذا كان الرئيس مبارك قد طرح أمام الحركة إمكانية العمل الفردي تحت مظلة الأحزاب القائمة، فإن التوجه الرسمي العام ما زال يُـصر على أن الحركة تمثل خطرا على المجتمع وعلى مستقبل مصر السياسي ككل، وأنه نظرا لعدم شرعيتها، فلا أقل من المواجهة الأمنية معها. ومن هنا، جاءت الاعتقالات، ومن ثم، ستحدث المحاكمات قريبا.
نزول الإخوان في الشارع في عُرف الحكومة والقريبين منها، هو نتيجة قراءة خاطئة للواقع المصري ولمدى تماسك المؤسسات القائمة، وقراءة خاطئة أيضا للمعاني التي تضمنتها تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية حول الحوار مع حركات الإسلام السياسي المعتدل، وهو أقرب إلى مغامرة محفوفة المخاطر، ومحاولة لفك عُـزلة الجماعة عن نفسها، والتي برزت مؤخرا في توافق الأحزاب المعارضة على عدم مشاركة الجماعة في أي تحرك حزبي جماعي، وكذلك، فهو مسعى غير حكيم لمنافسة “كفاية” التي سحبت منها البساط.
ولكن، في كل الأحوال، وحسب رؤية هؤلاء، فإن الجماعة هي الخاسرة، لأنه لا تسامح مع الجماعة وسلوكها “الفوضوي”، الذي يمثل تاريخيا أساس العنف الإسلامي في مصر وفي المنطقة، حتى لو اعتقدت أنها في السنوات الماضية قد استطاعت أن تحقق مكاسب كبرى في سياسة التمكين التي سلكتها في التّـغلغل بين ثنايا النقابات المهنية وعدد من الجمعيات الأهلية.
وفي السياق ذاته، تبرز دعوات بأن لا تقتصر المواجهة مع الإخوان المحظورة على الأسلوب الأمني وحسب، بل ضرورة توافق القوى الحزبية الشرعية، بما في ذلك الحزب الوطني الحاكم على مواجهة الإخوان وعزلهم عن التأثير في الحياة السياسية فيما تبقّـى من هذا العام العصيب.
الرؤيتان على هذا النحو متباعدتان جدا، وكما أن الصدام يبدو خيارا محتملا بما يعنيه من الاقتراب من حالة عصيان مدني، حسب تعبير مرشد الجماعة، فإن التراجع حتى تمر العاصفة يبدو أيضا خيارا قائما.
والأكثر ترجيحا، أن تستمر المناوشات بين الحين والآخر، دون قدرة الإجهاز الكامل على الجماعة، وفي المقابل، دون إمكانية الحصول على صكّ الشرعية القانونية.
د. حسن أبوطالب – القاهرة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.