إدانة سياسي تركي بتهمة إنكار عملية إبادة
أدانت محكمة الشرطة في لوزان، رئيس حزب العمال الأتراك الصغير بانتهاك المادة المناهضة للعنصرية وسلطت عليه عقوبة مالية مؤجلة التنفيذ.
بهذا الحكم، يُـصبح دوغو بيرينشيك أول شخصية تُـدان من طرف القضاء لإنكار إبادة الأرمن. والملفت، أن المحكمة سايرت في قرارها مطالب الادعاء.
“90 يوم – غرامة (بقيمة 100 فرنك لليوم الواحد) مؤجلة التنفيذ، وخطية بـ 3000 فرنك”: هذا هو الحكم الصادر صبيحة الجمعة 9 مارس 2007 عن المحكمة، وهو الأول من نوعه الذي انتظرته جمعية سويسرا – أرمينيا منذ زمن طويل.
ففي سويسرا، اعترفت بعض الهيئات السياسية منذ فترة بإبادة الأرمن، لكن القضاء لم يُـصدر أي قرار بهذا الخصوص قبل اليوم.
مواقف متناقضة
على مدى يومين شهدت قاعة المحكمة مواجهة راديكالية بين الرؤى الأكثر تعارضا، حيث أجمع دوغو بيرينشيك ومحاميه والشهود الذين أيدوه على التصريح بأنه من الخطأ الحديث عن إبادة، لأنه لم تحدُث في تركيا عام 1915 عملية مخططة ومنهجية للقضاء على السكان الأرمن.
وخلال جلسات المحاكمة، اعترف المتهم بحدوث مجازر وعمليات تهجير، لكنه رفض وصف الإبادة، فبالنسبة له، لا يزيد الأمر عن “أكذوبة دولية”.
في المقابل، اعتبر المدعي العام والمدافعون عن الأرمن أن الإبادة أمر حدث فعلا بدون أدنى شك.
من جهة أخرى، كان التبرير العنصري لدوغو بيرينشيك واضحا، لأنه أعلن عن تبنيه للإيديولوجية التي أدت إلى مقتل ما بين مليون ومليون ونصف شخص.
وفي مرافعته، استنكر إيريك كوتيي، المدعي العام تصرف رئيس حزب العمال الأتراك، الذي تم لفت نظره إلى وجود قانون سويسري يعاقب إنكار عمليات الإبادة، وندد بما أسماه “عجرفة” الشخص الذي يريد “إعطاء الدروس”.
واعتبر كوتيي أن محاكمة لوزان ليست محاكمة تاريخية، لأن الإبادة الأرمنية “أمر واقع ومعلوم ومعترف به”، على حد قوله، وأشار إلى أن عددا من الهيئات الدولية ومجلسا النواب السويسري وبعض البرلمانات المحلية في الكانتونات قد اعترفت به، لذلك، يرى أنه “أمر اعتُـرف به نهائيا في سويسرا”.
تحقيق غير مكتمل
من جهته، عمل الأستاذ لوران موريون، محامي الدفاع عن الزعيم القومي التركي، على تفنيد هذه الرؤية للأمور وقال “إننا لم نقم بالإحاطة بالمسألة” (أي بقضية إبادة الأرمن)، كما دعا إلى عدم تضييق مجال النقاش التاريخي.
وذهب محامي بيرينشيك إلى أن مأساة الهولوكوست لا يمكن مقارنتها بما حدث للأرمن، الذي لا زال يحتاج إلى مزيد من الحذر، لأن الأدلة على حدوث إبادة غير متوفرة.
وأكّـد المحامي في مرافعته إلى أن موكله لا ينفي حدوث المجازر ولا يُـنكر عمليات التهجير المكثفة للأرمن، لكنه يرفض القبول باعتبارها عملية إبادة، كما أنه “يرفع تحدي تقديم الأدلة على أنه تم التخطيط لمحا حدث”، وشدد المحامي على أن دوغو بيرينشيك “ليس من المنكرين وأنه لا يحمل حقدا تجاه أي كان”.
واعتبر الأستاذ موريون أن سويسرا لم تعترف بالإبادة، ومع أن مجلس النواب قام بذلك، إلا أن مجلس الشيوخ لم يسايره، والأمر نفسه بالنسبة للحكومة الفدرالية التي تفضل أن تقول بأنها لا تدري.
استنادا إلى كل ما سبق، رفض المحامي أهلية محكمة الشرطة في لوزان للإعلان عن حقائق تاريخية، واعتبر أنه “من غير المتصور” أن تتم إدانة موكله.
جدل مؤرخين
وكان قد سبق لفيليب نوردمان، محامي جمعية سويسرا – أرمينيا أن قدّم في بداية المحاكمة صورة مغايرة تماما عن دوغو بيرينشيك، فقد أكّـد أن القومي التركي، عنصري تماما وأنه يشعر بـ “تعاطف” مع مرتكبي عمليات الإبادة في تلك الفترة، وقال “إنه رئيس حزب ومثقف جيد” وهو يعتبر المسؤولين عن المجازر “أبطالا”.
أما بالنسبة لعملية الإبادة، فهي أمر لا شك فيه، حسب ما جاء في مرافعة المحامي نوردمان، الذي شرح بأنه تم وضعها قيد التنفيذ تدريجيا، منوّها إلى أن اندلاع الحرب العالمية الأولى أدى إلى تفجير الموقف، واعتبر أنه بالإمكان إجراء المقارنة بين المحرقة التي تعرض لها اليهود والمصير الذي واجهه الأرمن من خلال جو الكراهية واعتبارهم شعبا مخطئا وإعداد قوائم بأسماء الأشخاص الذين يجب القضاء عليهم.
وفي مداخلته كرر دوغو بيرينشيك نظرياته حول المسألة، مشددا على أن النقاش من اختصاص المؤرخين وليس من أنظار القضاء، واعتبر رئيس العمال الأتراك أن الجدل الذي دار على مدى يومين أمام محكمة الشرطة في لوزان، كان من المفترض أن يتم “في قاعة بإحدى الجامعات”.
وحسب رأي بيرينشيك، فإن القانون الذي يعاقب منكري عمليات الإبادة، لا ينطبق على الحالة الأرمنية، في حين أن ذلك مبرر تماما بخصوص إبادة اليهود من طرف النازيين.
سويس انفو مع الوكالات
أحيل دوغو بيرينشيك، رئيس حزب العمال الأتراك على محكمة الشرطة في لوزان بتهمة انتهاك الفصل المناهض للعنصرية في القانون الجنائي السويسري، بعد أن ألقى في صيف 2005 خطبا في كانتونات فو وزيورخ وبرن حول المسألة الأرمنية، صرح خلالها بأن إبادة الأرمن في عام 1915 كانت “أكذوبة دولية”.
في سويسرا، اعترف مجلس النواب وبرلمانات كانتوني جنيف وفو بإبادة الأرمن، وهو ما أدى إلى تجاذبات دبلوماسية بين سويسرا وتركيا.
تم إقرار الفصل المتعلق بمعاقبة الجرائم العنصرية في القانون الجنائي السويسري من طرف 54،7% من الناخبين في تصويت شعبي أجري عام 1994.
منذ 1 يناير 1995، يحظر الفصل 261 مكرر من القانون الجنائي السويسري التمييز والمسّ من كرامة شخص أو مجموعة من الأشخاص بسبب انتمائهم العرقي أو الإثني أو الديني، كما يعاقب الفصل إنكار أعمال الإبادة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.