إسرائيل الغائبة حدّدت مصير المؤتمر
بعد ما أنهى وزير الخارجية الإيطالي ماسيمو داليما إلقاء الكلمة التمهيدية للمؤتمر الصحفي الذي عقده في روما، بالاشتراك مع نظيرته كوندوليزا رايس في ختام مؤتمر روما الخاص بلبنان، اتّـضحت الصورة..
فسرعان ما أدرك الصحفيون الذين كانوا يتابعون المؤتمر، أنه أخفق في تحقيق الهدف الرئيسي من عقده، وهو وقف إطلاق النار.
بعدما أنهى وزير الخارجية الإيطالي ماسيمو داليما إلقاء الكلمة التمهيدية للمؤتمر الصحفي الذي عقده في روما، بالاشتراك مع نظيرته كوندوليزا رايس في ختام مؤتمر روما الخاص بلبنان، أدرك الصحفيون الذين كانوا يتابعون المؤتمر، أنه أخفق في تحقيق الهدف الرئيسي من عقده، وهو وقف إطلاق النار.
ومع أن غالبية الدول الخمس عشر المشاركة، بالإضافة لثلاث منظمات دولية، كانت تسعى قبل كل شيء لتجنيب لبنان مزيدا من الدمار، مع التخطيط في الوقت ذاته لإرسال قوات دولية إلى الجنوب، استطاعت الولايات المتحدة (بالتنسيق مع إسرائيل) فرض أجندتها على المؤتمر واستطرادا على منظمة الأمم المتحدة.
عندما دخل وزراء خارجية البلدان المشاركة إلى قاعة المؤتمر، كانت هناك ثلاث خُـطط لمجابهة الوضع المشتعل في لبنان. الأولى، أمريكية. والثانية، فرنسية. والثالثة، وضعها الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان.
وكانت الأطراف الثلاثة مهّـدت لصوغ خططها بإرسال مسؤولين كبارا إلى المنطقة لمحاورة الأطراف الرئيسية. فباريس أوفدت وزير خارجيتها فيليب دوستو بلازي، ثم وصلت إلى المنطقة الوزيرة رايس، فيما أرسل أنان وفدا ثلاثيا برئاسة فيجاي نامبير، إلا أنه أثار إشكالا حادّا مع سوريا التي رفضت استقبال عضو الوفد تيري ورود لارسن، الممثل الخاص للأمين العام المكلف بتنفيذ القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن عام 2004، والذي دعا لحل “الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع أسلحتها”، لكن الوفد دُعي للعودة إلى نيويورك بشكل مستعجل قبل أن يصبح الخلاف مع سوريا مطروحا على الصعيد العملي.
رؤى ثلاث
ومن خلال زيارات بلازي ورايس ونامبير، تبلورت رؤى ثلاث كانت الخلفية السياسية للتباعد الذي تكرّس في مؤتمر روما، بين من تعجّـل وقف إطلاق النار (فرنسا والأمم المتحدة والدول العربية)، ومن رأى أن الوقت لم يحن بعدُ لمثل هذه الخطوة، طالما لم يتم تدمير البنية التحتية لحزب الله.
مع ذلك، كان هناك اتفاق على نقاط جوهرية. ففرنسا، التي ترأس مجلس الأمن خلال الشهر الحالي مُـصرة على سيطرة الجيش اللبناني على مناطق الجنوب وإرسال قوات دولية لمراقبة الحدود الدولية، وبالتالي، منع قصف إسرائيل في المستقبل، انطلاقا من جنوب لبنان، غير أنها تختلف مع واشنطن حول الجهة التي ينبغي أن تشكل القوات الدولية وتقودها، فهي تتحفظ على تولي الحلف الأطلسي هذه المهمة، لأن ذلك يعني عمليا تسليم زمام الأمور بأيدي الأمريكيين، لكنها خائفة أيضا من إرسال قواتها إلى منطقة شديدة الخطر، ولذلك، اقترحت باريس أن تقوم قوات ألمانية بمهمة الفصل في جنوب لبنان، فيما أصَـرّ الألمان على أن الفرنسيين هم الأقدر على القيام بالمهمة.
وهناك من سعى لحسم الموضوع من خلال اقتراح إرسال جنود أتراك لتولي المهمة، ونوقشت في هذا الإطار أيضا فكرة إرسال قوات من الدول العربية المشاركة في المؤتمر، وخاصة مصر.
“الغائبة كانت الأقوى”
ووصف عضو في الوفد الإيطالي في اتصال هاتفي مع سويس أنفو الجدل الذي كان دائرا في المؤتمر بشأن هذه النقطة المعقّـدة بكونه “أشبه بمن كانوا يتقاذفون الكرة، لكنها كرة من النوع الذي يسعى كل لاعب للتخلّـص منها بأسرع وقت”، ولهذا السبب، لم يخرج المؤتمر بأي نتيجة على هذا الصعيد، إذ بقيت الأطراف الثلاثة أو بالأحرى الطرفان، الفرنسي والأمريكي، على مواقفهما من هذه القضية.
ويمكن القول، إن إسرائيل التي لم تحضر المؤتمر، هي التي فرضت وجهة نظرها عن بُعد، لأنها مصرّة على إرسال قوة، قوامها عشرين ألف جندي إلى جنوب لبنان على أن يُعهد للحلف الأطلسي بقيادتها.
ويُعزى غياب الدولة العبرية عن المؤتمر، رغم أن موضوعه يخصّـها بالدرجة الأولى، إلى أن الإطار ليس إطارا مستحدثا لتطويق الحرب الحالية، وإنما هو إعادة للمؤتمر الذي سبق أن عُقد عام 2005 في باريس لبحث إعادة إعمار لبنان.
ومعلوم أن الدول المشاركة فيه هي، فرنسا والسعودية ولبنان وبريطانيا وإيطاليا وروسيا والولايات المتحدة والأردن ومصر وإسبانيا واليونان وقبرص وتركيا والإتحاد الأوروبي وألمانيا، بالإضافة للبنك العالمي والأمم المتحدة.
مع ذلك، كانت الدولة الغائبة هي الأقوى حضورا، إذ لم تدافع الدول العربية الثلاث الحاضرة عن ضرورة وقف الحرب المستمرة منذ أكثر من أسبوعين على لبنان، وأيّـدت بالمقابل، إرسال القوات الدولية إلى الجنوب.
“تـفهـّم” لشعور إسرائيل
كما أن الدول الغربية الرئيسية أبدت “تفهُّـما” لشعور إسرائيل بالخطر من حزب الله، وأيدت “حقها في الدفاع عن النفس”، وإن تحفّـظت على “إفراطها في استخدام القوة” أو اعتبرت ردّ فعلها “غير متناسب مع الوضع”.
كذلك حمّـلت الغالبية، وخاصة الولايات المتحدة وفرنسا، المسؤولية لسوريا في دعم حزب الله ولإيران في تمويله. وبهذا المعنى، شكّـل التركيز على سوريا وإيران قُـطب الرحى في أعمال المؤتمر، وهي الرؤية التي كانت رايس دافعت عنها مع المندوب الأمريكي لدى الأمم المتحدة جون بولتون في اجتماع مجلس الأمن يوم 20 من الشهر الجاري، ومفاد هذا الموقف، الذي كرّرته وزيرة الخارجية حرفيا في روما، هو ضرورة الضغط أولا على مناصري حزب الله (وليس على إسرائيل)، مثل سوريا وإيران للتوقّـف عن إيواء التنظيمات الإرهابية وتوفير الملاذ الآمن لها.
ولم يكن الموقف الفرنسي، الذي عبّــر عنه جان مارك دو لاسابليير، مندوب فرنسا في الأمم المتحدة والرئيس المباشر لمجلس الأمن، مختلفا كثيرا عن هذه الرؤية. فقد حمّـل سوريا وإيران مسؤولية دعم حزب الله أيضا.
لكن الافتراق في الموقفين، تركّـز على مدى الإسراع بوقف إطلاق النار. فرايس عارضت ذلك بوضوح في اجتماعات روما “لأن وقف العمليات العسكرية ما دامت البنية التحتية الإرهابية لم تُـمسّ، غير مقبول”، كما قالت.
وينسجم هذا الموقف مع ما أعلنه الناطق باسم الخارجية الأمريكية شان ماكورماك قبل مؤتمر روما بخمسة أيام من أن “وقف إطلاق النار (الآن) يؤول إلى عودة حزب الله لتجميع قواته ومعاودة تسليح نفسه وتعزيز قواه، ليشكّـل تهديدا أكبر لاستقرار المنطقة”.
القشة التي قصمت ظهر البعير
أما الموقف الفرنسي، فيؤكّـد على ضرورة التعجيل بثلاث خطوات متتابعة هي: بسط سلطة الدولة اللبنانية على جميع الأراضي ووضع حد للعنف على الخط الأزرق (الحدود الدولية) والتأكّـد من أنه لا تتم مهاجمة السكان المدنيين، وهي النقاط الثلاث التي شكّـلت العمود الفقري للورقة التي قدّمتها فرنسا إلى مجلس الأمن.
على هذه الخلفية، تضاربت المبادرات وشكّـل الخلاف على راهنية وقف إطلاق النار، القشّـة التي قصمت ظهر البعير في مؤتمر روما، والظاهر أنه لا مجال في الأفُـق القريب للوصول إلى حلول توفيقية في شأنها، مما يعني أن الحرب ستستمر.
رشيد خشانة – تونس
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.