إيران تُواجه تحدي إدارة ‘الفوضى العراقية’..
أكدت الزيارة "التاريخية" التي قام بها الرئيس أحمدي نجاد مؤخرا إلى بغداد أن النفوذ الإيراني في العراق، مسألة قد لا تحتاج إلى دلائل أو إثباتات، بقدر ما تبدو أمراً طبيعياً ومتوقعاً.
وبغض النظر عن التفاصيل والمعلومات، فإن المصالح الحيوية والأمنية لبلد بحجم إيران يعتبر نفسه قوة إقليمية صاعدة في منطقة تتشابك فيها المصالح القومية والإقليمية والدولية تفرض على أصحاب القرار في طهران الحضور – وبقوة – في المشهد العراقي.
بعيداً عن المنظور الأمني ومقدار المعلومات المتوافرة حول النفوذ الإيراني؛ فإنّ المصالح الحيوية والأمنية الإيرانية تدفع إلى حضور إيراني كبير ومؤثر في المشهد العراقي، ليس لأنّ العراق هو دولة ملاصقة لإيران ممتدة على حدودها الغربية فحسب، ولا فقط لأنّ العراق يضم نسبة كبيرة من المواطنين الشيعة، حيث تمثل إيران حاضرة التشيع السياسي والديني في العالم اليوم، بل لأنّ العراق – أيضاًَ- هو إحدى أبرز أوراق اللعبة بين إيران والولايات المتحدة في المنطقة، في سياق حالة الاستقطاب الإقليمي الناجمة عن تنامي قوة إيران في المنطقة وبروز أزمة برنامجها النووي وبناء تحالفات وتفاهمات بين أطراف دولية وإقليمية تضم الولايات المتحدة الأميركية ودولاً عربية محورية في مواجهة ما يُعتبر صعوداً إيرانياً- شيعياً مقلقاً في المنطقة.
جدليات وإشكاليات مطروحة
تكمُـن معضلة النفوذ الإيراني في العراق في التناقض البادي بين حِـرص القِـوى الشيعية الرئيسية على عقْـد تفاهمات وصفَـقات مع الاحتلال الأمريكي، وعدم إثارة الفوضى والصِّـراع، وبين ولاء كثير من القيادات السياسية والدِّينية الشيعية لإيران.
فهل يعكس موقف هذه القِـوى أزمة إستراتيجية لها في تفضيل العلاقة مع أحد حليفين رئيسيين (إيران والولايات المتحدة) أم أنّ ذلك يمثل نوعاً من البراغماتية السياسية في التعامل مع الولايات المتحدة، وصولاً إلى تحقيق أهداف هذه القِـوى وإيران من ورائها من خلال اللّـعبة السياسية نفسها؟
إذا كان الأمر كذلك، فأين يُـمكن أن تُدرج مواقف مقتدى الصدر، الزعيم الشيعي الشاب الذي يقود أحد أقوى التيارات الشيعية وتمتاز مواقفه السياسية بالاضطراب، بينما تصل حالة التوتر بينه وبين الولايات المتحدة إلى الصراعات المسلّحة في أحيان متعدّدة، كما حصل في النجف (أغسطس 2004) وغيرها من مواجهات مسلّـحة متقطّـعة؟
فهل هنالك انقسام داخل إيران، إزاء القوى الشيعية العراقية، فتدعم مؤسسات إيرانية تياراً دون الآخر؟ أم أنّنا أمام عملية توزيع أدوار لقوى موالية لإيران؟ أم أنّ هنالك قوى شيعية مع إيران وقوى ضدها؟
النفوذ الإيراني.. مستويات ووقائع
في الإجابة على تساؤلات وجدليات النفوذ الإيراني في العراق، يقدّم الدكتور محجوب الزويري، الخبير الاستراتيجي الأردني بالشأن العراقي في مركز الدراسات الإستراتيجية بالجامعة الأردنية، في حوار خاص مع سويس انفو، مداخل النفوذ الإيراني في العراق ومستوياته، موضِّـحاً ابتداءً، أنّ مجلس الأمن القومي الإيراني قد عرّف العراق على أنّه ‘الحديقة الخلفية لإيران’، بمعنى أنّ إيران لن تترك العراق دون نفوذ وحضور قوي وفاعل.
ويرى الزويري أن المستوى الأول من التدخل الإيراني يتعلق بالقِـوى الدّينية الشيعية، سواء كان ذلك على مستوى الأحزاب السياسية أو المراجع الدينية.
فهذه القوى، وإن كان يصعب إثبات علاقتها بإيران امبريقياً (أي بطريقة عِـلمية وملموسة لا يُـمكن التشكيك فيها)، إلاّ أن هنالك مؤشرات عديدة تتجمع من مواقفها وأدائها وتصريحات زعمائها، تدل على وجود علاقة وثيقة بطهران، تشكل من خلالها هذه القوى ‘إحدى أبرز أدوات النفوذ الإيراني’.
المستوى الثاني، يتعلق بالنخبة السياسية الحاكمة من خلال إقامة علاقات وصِـلات معها، ويشير الزويري إلى أنّ أغلب الطبقة السياسية العراقية الجديدة هي من المهجر، وجزء كبير منها أقام في إيران وحظي بدعم إيراني سابق، ما يعني أنّ لها علاقة وطيدة بأجهزة إيرانية، ولعلّ أحد أبرز الأمثلة على ذلك، المعارض الشيعي العلماني المعروف أحمد الجلبي.
أمّا المستوى الثالث، فهو الاختراق الأمني الإيراني في العراق، فيحدث من خلال الخلايا المسلّحة، إذ تتمتع إيران بنفوذ وحضور قوي داخل هذه الخلايا، بخاصة فيلق بَـدر، التابع للمجلس الأعلى الإسلامي في العراق (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق سابقاً).
يقول الزويري: ‘هنالك مجموعات شيعية تمّ تشكيلها لحماية المناطق والمؤسسات الشيعية، لكن من الصعوبة تحديد عدد المتسللين إلى العراق في ظل حالة الفوضى التي تسود جنوب العراق وعدم القدرة على السيطرة على الحدود مع إيران’، ولا يستبعد الزويري أن تدعم إيران مجموعات مسلّحة، حتى من السنة (ومنظمة كالقاعدة)، لزيادة تدهور الأوضاع وجعل مهمة الولايات المتحدة أشدّ صعوبة.
المستوى الرابع من التدخل الإيراني، يأتي في مجال المساعدات الاقتصادية. فقد وعدت الحكومة الإيرانية في المساهمة بإعمار العراق بمبلغ مائة مليون دولار، بشرط أن يصرف أغلب المبلغ على البنية التحتية في النجف وكربلاء، وفي يناير 2006 وقّعت إيران اتفاقية تتضمّـن دفع مبلغ مليار دولار للعراق، يصرف جزء منها لدعم ميزانية الحكومة العراقية، لكن الجزء الأكبر يُـصرف على قطاعات متعدّدة، تشمل تدريب موظفين عراقيين في إيران، إذ تلقّـت إيران بالفعل آلاف المتدرّبين العراقيين في مجالات مختلفة.
المصلحة الإيرانية: الفوضى لا الاستقرار!
إذن، يتفق الدكتور الزويري مع رؤية عدد كبير من قيادات السُـنة على أنّ إيران تمتلك اليد الطويلة في ‘عراق ما بعد الاحتلال’ وأنّها تعتبره مساحة رئيسية في مجال أمنها القومي، إلاّ أنّ الزويري يؤكِّـد بأنّ المصلحة الحيوية الإيرانية في الواقع العراقي الراهن تتمثل في ‘إدارة الفوضى، لا في عراق مستقر وآمن’.
يفسر الزويري ذلك بأنّ ظروف الصِّـراع والاستقطاب الإقليمي الحادّ بين الولايات المتحدة وإيران على خلفية البرنامج النووي الإيراني تفرض معادلات إستراتيجية رئيسية وتجعل من العراق إحدى ساحات الصِّـراع الحيوية، لذلك، تبدو المصلحة الإيرانية في تعميق الأزمة الأمريكية في العراق ورفع مستوى التحدّيات وإبقاء العراق، جزءاً من الحوار أو الصِّراع بين الطرفين.
ويرفض الزويري فرضية أن يكون هنالك صراع مراكِـز قوى داخل إيران، ينعكس على دعم كل مؤسسة لطرف شيعي عراقي، بل يذهب إلى أنّ هنالك إجماعا إيرانيا على زوايا رؤية المشهد العراقي، إنّما ما يحدث هو عملية توزيع أدوار ومواقف بين القوى الشيعية الموالية لإيران، بحسب المستويات السياسية والدينية والأمنية والاقتصادية.
فيما يتعلّق بمقتدى الصّدر، الذي أثار قراره مؤخراً بالاعتزال، جدلاً واسعاً، فيرى الزويري أنّ مواقفه في بداية الاحتلال وضعت إيران أمام خيارين: الخيار الأول يتمثل في مواجهته، لكن ذلك سيؤدي إلى خسارة جزء من الطيف الشيعي ويخلق مشكلات متعددة، أمّا الخيار الثاني، فهو احتواء الصدر، ما يوفر أداة جديدة بيد السياسة الإيرانية من ناحية، ويمنح إيران – من ناحية أخرى- وسائل قوية ومؤثرة للضغط على عبد العزيز الحكيم وحلفائها الآخرين.
لكن الزويري يُـقرّ بقلة المعلومات المتوافرة حول العلاقة بين إيران وقيادات الصف الثاني والثالث في التيار الصدري، ما يمكن الحكم من خلاله على سلوك هذا التيار الشيعي الواسع والعريض في المرحلة القادمة، فيما لو أصرّ زعيمه (مقتدى) على العزلة السياسية.
‘ممانعة شيعية’ لإيران؟
تؤكد بعض المصادر السُـنية على وجود تيار شيعي عريض مُـمانع للسياسة الإيرانية في العراق، وقد تجلّـى ذلك في توقيع مئات الآلاف من الشيعة العراقيين على عريضة تطالب بالحدّ من النفوذ الإيراني، إلاّ أن هذا الاتجاه لا يمتلك – في الوقت الحاضر – النفوذ السياسي ولا القوة العسكرية والمالية، على خلاف القوى الشيعية الرئيسة التي تحظى بدعم كبير من إيران في مختلف المجالات.
ولعلّ أحد الأسباب الرئيسية في ضعف القوى الشيعية الممانعة لإيران، يكمُـن في عدم وجود قنوات متينة وودّية بينها وبين المُـحيط الاستراتيجي العربي للعراق.
ونظراً لوجود أزمات يُـعاني منها إخوانهم الشيعة في العديد من الدول العربية، فإنّ إيران تبدو في المشهد الحالي أقرب إلى الشيعة من العرب، وهي الملاحظة التي يؤكِّـدها الدكتور مهنّـد مبيضين، المتخصّص في التاريخ والثقافة الإسلامية، لكنه يرى أنّ هنالك تأرجُـحاً قائماً بين المشاعر القومية للشيعة العربية وولائهم السياسي لإيران.
ويشدّد مبيضين على صعوبة تصوّر أنّ العلاقة بين إيران والشيعة العرب أضحت بمثابة ‘سمن على عسل’، فهنالك تنافس تاريخي ومشكلات متعدّدة، إنما الظرف السياسي التاريخي الحالي يجعل من إيران مركزاً وحاضنة للتشيع، على الأقل في مجاله السياسي الاستراتيجي.
الأردن – محمد أبو رمان
(رويترز) – وصل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى بغداد يوم الأحد 2 مارس، ليصبح أول رئيس إيراني يزور العراق منذ أن خاض البلَـدان حربا طويلة في الثمانينات، سقط ضحيتها مليون قتيل.
وتنامى نفوذ إيران في بغداد منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للإطاحة بنظام صدام حسين، العدو القديم لإيران، في عام 2003.
فيما يلي تفاصيل العلاقات خلال الأعوام الثلاثين الماضية:
الحرب العراقية الإيرانية
– سبتمبر 1980، اتهم العراق إيران بقصف البلدات الحدودية العراقية من أراض من حق بغداد، وفقا لمعاهدة الجزائر بشأن الحدود وممر شط العرب المائي المبرمة في عام 1975، مزّق صدّام المعاهدة وغزت قواته إيران.
مارس 1988، استولت إيران على بلدة حلبجة بشمال شرق العراق، واتهمت إيران العراق باستخدام أسلحة كيماوية لمعاقبة السكان لعدم مقاومتهم القوات الإيرانية وقتِـل حوالي خمسة آلاف نسمة.
أغسطس 1988، انتهى أطول نزاع مسلح في الشرق الأوسط في العصر الحديث بهدنة تحت رعاية الأمم المتحدة. قُـتل حوالي مليون شخص في النزاع الذي شهد قتالا داخل الخنادق وهجمات بأسلحة كيماوية وهجمات إيرانية على الجبهة بأعداد ضخمة من القوات.
حرب الخليج
أغسطس 1990، غزا العراق الكويت، وبعد أيام أبلغ صدّام إيران أنه سينسحب من الأراضي الإيرانية المحتلة ويبرم تسوية رسمية للحرب بين البلدين، التي دارت رحاها بين عامي 1980 و1988.
يناير 1991، طارت أكثر من 140 طائرة عراقية إلى إيران لتفادي تدميرها في الهجوم الذي قادته الولايات المتحدة، لإجبار القوات العراقية على الانسحاب من الكويت. وفي عام 2007، أعرب قائد القوات الجوية العراقية عن أمله في أن تعيد إيران بعض الطائرات العراقية.
تحسن العلاقات
1988، سعى الرئيس الإيراني المعتدل محمد خاتمي لحل قضايا معلقة، مما أدى لتبادل المزيد من أسرى الحرب العراقية الإيرانية واستئناف زيارات إيرانيين لمزارات شيعية في العراق.
2003، تحسّـنت العلاقات بين إيران والعراق، عقب الإطاحة بصدّام، وتولت حكومة شيعية السلطة.
اتهم الجيش الأمريكي إيران بتأجيج العنف في العراق من خلال تمويل وتدريب وتسليح الميليشيات، وتنفي إيران ذلك وترجع العنف لوجود القوات الأمريكية.
في الآونة الأخيرة، استغلت إيران نفوذها لدى ميليشيات شيعية للمساعدة في الحدّ من العنف، كتنازل قدمته لواشنطن في وقت أقلق فيه طهران تهديد الولايات المتحدة باللجوء للقوة في المواجهة بسبب برنامج إيران النووي.
وأرجع العراق الفضل لإيران في السيطرة على ميليشيا جيش المهدي، الموالي لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر.
المنفى
1978، قضي أية الله روح الله الخميني عدة سنوات في المنفى في مدينة النجف العراقية، قبل أن يبدأ الثورة الإسلامية في عام 1979، التي هزت العالم العربي، وأغلبيته من السنة.
أمضى عدد من السّـاسة العراقيين سنوات في المنفى في إيران، حين كان صدّام في السلطة، من بينهم عبد العزيز الحكيم، رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، أكبر الأحزاب العراقية وجلال الطالباني، وهو كردي ورئيس العراق الحالي.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 2 مارس 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.