إيران والعرب: بين الواقعية المطلوبة والوِدِّ المفقود!
كان ممكنا جدا أن تتطور العلاقات الإيرانية العربية كثيرا في عهد الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي، باتجاه بناء تعاون مثمر يُحسّن الأمن الإقليمي ويُشكلُ مدخلا لتقارب إيراني أمريكي، ينزع فتيل التوتر المزمن بين طهران وواشنطن منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979.
إلا أن الأمور اتخذت منحى آخـر..
في تلك الأيام، نجح السيد خاتمي، القادم مع جماعته “علماء الدين المجاهدين – روحانيون مبارز”، من تفسيرات منفتحة لنهج الإمام الخميني الراحل، في إقامة حكومة إسلامية دينية على أساسِ من الواقعية السياسية الايجابية، بعيدا عن الغلو والتطرف وبمنأىً عن تفسيرات محض أيديولوجية ثورية لا تصلح للمكان ولا للزمان، وهما العنصران اللذان ميّزا مدرسة الخميني الفقهية على غيره من أئمة الشيعة ومراجعهم التقليديين.
وليس مصادفة أن يأتي الترحيب بانتخاب خاتمي في مايو1997 من العرب أولا، وتحديدا من المملكة العربية السعودية، وتلتها باقي دول المنطقة، التي حسن ظنها فعلا بالرئيس السابق، الذي بذل أقصى ما يمكن لتدشين عهد جديد في علاقات إيران الجمهورية الإسلامية مع العرب، لدفن الخلافات القائمة التي أشعلها التفسير الخاطئ لمبدإ تصدير الثورة إلى دول المنطقة بين رؤيتين: نهج الإمام الخميني، المُـصر على تأسيس نموذج حكومة إسلامية مستقلة لا شرقية ولا غربية، تدفع الآخرين إلى تقليدها والإقتداء بها، وخط متشدّد، ثبت فيما بعد أن عناصر أقل ما يقال عنها إنها “مشبوهة”، كانت وراءه وكان ذلك الخط يتبنّـى فكرة تشجيع أبناء المنطقة (ودعمهم مباشرة) على القيام بثورات ضد أنظمة بلدانهم وزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، كمدخل لتدخُّـل عسكري أجنبي مباشر بذريعة حمايتها.
كان واضحا في تلك الفترة أن أصوليين إيرانيين، يُـصنّـفون في الغالب في خانة المتشددين، من أمثال الأميرال علي شمخاني (التميمي)، ذي الأصول العربية، أعلن وهو وزير دفاع الرئيس محمد خاتمي، عن مبادرة مهمة للغاية لإقامة شراكة دفاعية بين العرب وإيران في منطقة الخليج، تصل إلى حد التوقيع على معاهدة دفاع مشترك، وتنتهي بترتيبات أمنية إقليمية تجعل النوايا الإيرانية تجاه العرب، وخاصة دول الخليج العربية، تحت السيطرة (!).
ومن يعرف شمخاني وقُـربه من مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، وطريقة تفكيره والأبعاد الاستراتيجية، التي كان يؤمن بها لمنطقة الخليج، يُدركُ تماما أن العلاقة بين ضفَّـتي الخليج، التي ترسم إلى حد كبير ملامح خارطة العلاقات الإيرانية العربية (والإيرانية-الأمريكية تاليا)، كادت تدخل مشارف مرحلة مهمة، ونوعية تسمح بإيجاد حل للمشكلة المزمنة القائمة بين إيران والإمارات العربية المتحدة (حول جزيرتي طنب الصغرى والكبرى)، وتُـزيل الكثير من عناصر التوتر، وتُقصِـي أو تُضعف العناصر المتطرّفة في إيران.
الوجود الأجنبي!
إيران، ومنذ نجاح ثورتها الإسلامية في 11 فبراير 1979، رفعت شعار “العرب أولا”، إلا أنها أخفَـقت على مستوى التطبيقات العملية في خطب ودّ الحكومات العربية، من منطلقات روّج لها آنذاك رجال أحاطوا بالثورة الإسلامية باعتبارها “الممهّـدة لظهور الإمام المهدي المنتظر، الذي سيملأ الأرض قسطا وعدلا، بعدما مُلئت ظُـلما وجورا”، وهذا يقتضي من وجهة نظر أولئك “الممهّـدين” أن تنجح ثورات أخرى في العالم الإسلامي على شاكلة ثورة إيران، ولهذا أُعلن في الأيام الأولى من تأسيس الحرس الثوري عن مقر خاص لدعم الحركات الثورية في العالم، وكان يقوده مهدي الهاشمي، شقيق صهر نائب الإمام الخميني وخليفته المعزول (حاليا) آية الله حسين علي منتظري.
ولا يُمكن لمن يعرف دهاليز وأروقة السياسة الإيرانية وتضاريس تفسير نهج الإمام الخميني، إلا أن يلاحظ في تلك الأيام صِـراعا خفِـيا بين مدرستين: الأولى، تؤمن بالعلاقة مع الأنظمة لنُـصرة شعوبها بأساليب تمزج بين الثورية الأصولية ومحاولة تلمس مفردات الدبلوماسية الواقعية “الايجابية”، والثانية، تتبنّـى منهج إسقاط الأنظمة العربية، لإيجاد قاعدة تُـمهِّـد لظهور المهدي المنتظر في مرحلة نهائية.
وحتى مع انتصار المدرسة الأولى في الواقعية الإيجابية بالقضاء على مكتب مهدي الهاشمي، وتشكيل مكتب رديف في وزارة الخارجية، سُـرعان ما وقع حُلهّ، فإن إيران لم تنجح في تطمين الدول العربية، التي تخضع على مدار الساعة لحملة دعائية قوية، تُـهوِّل كثيرا بما يُـطلق عليه الغرب وأنصاره “الخطر الإيراني” على المنطقة.
أصبحت مفردة الوجود الأجنبي مرادفة للخطر الإيراني، إذ أن الحديث عن قضية الوجود الأجنبي يثير خلافا قويا بين إيران وجيرانها العرب، الذين يتَّـهمونها بالسَّـعي من وراء هذا الحديث إلى الاستفراد بدُولهم، حين نجحت إيران بالفعل في فترة الرئيس خاتمي في اختراق المواقف الجماعية الخليجية، سواء السياسية أو الأمنية.
وقد تُـوج النجاح الإيراني (يوم ذاك) مع المملكة العربية السعودية بتوقيع البلدين عام 2001 اتفاقية أمنية، كانت إيران توصّـلت لمثلها مع الكويت ودول أخرى، وعرضت قبل ذلك القيام بخطوات استراتيجية لتعزيز التعاون الأمني للوصول إلى شراكة دفاعية كاملة، تجعل الوجود الأجنبي في المنطقة عِـبئا عليها وعلى الدول الأجنبية نفسها: أمريكا وبريطانيا وباقي الدول التي تملك وجودا عسكريا في مياه الخليج.
لكن، ومع بروز عامِـل جديد في النظام العالمي الجديد بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 والقرار الأمريكي بتغيير تدريجي لخارطة المنطقة الجيو سياسية، تارة نحو شرق أوسط كبير، وأخرى لخلق شرق أوسط جديد، فإن مقولة “الوجود العسكري الأجنبي” في المنطقة، والتي وصلت إلى ما تضمنته إستراتيجية الرئيس الأمريكي جورج بوش، وِفق ماديات أخرى لم تكن يوما في الحسبان بالنسبة لإيران، وباتت اليوم تشكّـل خطرا جدّيا لم يكن في يوم من الأيام على إيران وعلاقاتها العربية، كما هو عليه الآن.
حرب في الأفق
وإضافة إلى إرسال المزيد من القطع البحرية الأمريكية إلى الخليج، فتحت الولايات المتحدة مكتبا في دُبي لجمع المعلومات عن إيران، وهذه دلالة تؤشر على طبيعة المرحلة المقبلة في علاقات إيران العربية، يزيد من مخاطرها ما تسرب عن الإجتماع الذي عقدته مؤخرا وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس بوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي زائد مصر والأردن، لحشد إجماع “سني” عربي في مواجهة ما يوصف بـ “التمدد الشيعي” الإيراني في العراق ولبنان وعموم المنطقة.
ولابد هنا من الإشارة إلى الاختلاف الحاصل في طبيعة تشكيل دول 6+2 ومهامِّـها، بعد انضمام الأردن بديلا لسوريا، التي كانت في زمن الرئيس الراحل حافظ الأسد تُـفرمل ما كان البعض يسمِّـيه بالتوجهات الإيرانية “غير الودِّية” تُـجاه المنطقة، بما يعكس مستقبلا غير مطلوب على الإطلاق للعلاقات الإيرانية العربية واعتبار إيران العدو الأول للعرب ولمصالحهم، دون استبعاد الصِّـدام معها انطلاقا… من العراق.
ويجب أيضا وضع ما يجري حاليا في العراق من “جدال” إيراني أمريكي، في هذه الخانة، إذ تعمل السلطة الأمريكية في العراق في هذا الاتجاه متناغمة تماما مع نظرية حزب البعث وبعض السُـنة العرب الذين يشعرون أن حكم الشيعة قوض نفوذهم التاريخي في العراق، وأن الصِّـدام مع إيران يجب أن يبقى مفتوحا دائما، وأن يظل العراق “حارس البوابة الشرقية” لحماية المنطقة من التمدد الشيعي الإيراني.
وعلى صعيد شيعة العراق في الحكم وباقي حلفاء أو أصدقاء إيران، فإن الهدف هو أن تُصبح إيران “عِـبئا” عليهم، لإجبارهم على التعايش مع أصحاب نظرية الصِّـدام المستمر معها، وتتحدث المعلومات أن التغيير الوزاري المطلوب لحكومة نوري المالكي، سيأتي بوجوه وضعت في أولوياتها: الصِّـدام مع إيران.
ومهما تكن مبررات دعاة الصِّـدام مع إيران، فإن المؤكّـد هو أن المنطقة العربية ما عادت تتحمّـل حربا أخرى تلِـد حروبا متلاحقة، تُـدمِّـر كل ما تم بناؤه في المنطقة، ولن تجعل البعيدين عنها بمنأى عن نيرانها. فإيران، كما تتحدث مصادر موثوقة لسويس انفو ستستخدم نموذج حرب حزب الله الأخيرة مع إسرائيل، مشيرة إلى أن تلك الحرب التي خرج حزب الله فيها منتصرا، كانت مجرد “بروفة” للقوات الإيرانية في أي صِـدام أو حرب مقبلة تخوضها.
وكما علمت سويس انفو، فإن القيادة الإيرانية العليا أعطت أوامرها لكل القوات الإيرانية بالتصرف كوحدات قيادة منفصلة أو مستقلة للردّ على مصادر النيران بعد ثلاث دقائق فقط من أي ضربة عسكرية تتعرض لها إيران، دون الرجوع إلى السلطات العليا، وهذا الأمر حصل في حرب حزب الله في مواجهة إسرائيل، عندما كانت خلايا صغيرة من المقاتلين تنفِّـذ العمليات الانتقامية وتُـطلق الصواريخ على إسرائيل، دون الرجوع إلى أوامر من فوق.
ومع ملاحظة أن الضربات العسكرية الأمريكية مثلا لإيران لن تأتي من واشنطن أو أي ولاية أمريكية أخرى، بل ستنطلق في الغالب من قواعد موجودة في الخليج، وهذا يعني أن مصادر النيران ستكون عُـرضة لنيران إيرانية انتقامية، قد لا تميِّـز بين ما هو أمريكي صرف وماهو خليجي.
كذلك في تجربة حزب الله وإسرائيل، كان لافتا جدا إغراق مقاتلي حزب الله بارجة حربية إسرائيلية في عرض البحر المتوسط، وهي رسالة واضحة المعالم عن قُـدرة إيران على إغلاق مضيق هُـرمز، وتعطيل الملاحة في الخليج، وأن كل الإجراءات التي تضمَّـنتها استراتيجية بوش الجديدة للعراق، ومنها إرسال صواريخ باتريوت لحماية دول المنطقة من الصواريخ الإيرانية، لا تمنع من الاعتراف بحقيقة مؤلمة، وهي أن حروب أمريكا ضد أعدائها، سواء لإسقاط حكومة طالبان في أفغانستان أو غزو العراق، والحرب الموعودة ضد إيران، تجري على أراضي العرب أو انطلاقا منها، مع فارق خطير، هو أن الحرب القادمة، إن وقعت ضد إيران، فستلبس لِـباسا طائفيا، وقد لن تتوقّـف حتى تُـدمّـر كل دولة عربية، خصوصا وأن العداء لإيران لا يميِّـزها عن الشيعة في العالم العربي من خِـلال وصف الشيعة بالصفويين ليتم دفعهم إلى الحاضنة الإيرانية.. طوعا أو كرها، مثلما يعتقد كثيرون.
نجاح محمد علي – دبي
“..المؤكّـد هو أن “مواجهة ما” قد بدأت بين عدة دول في المنطقة العربية وإيران، وأن تلك المواجهة تتّـخذ شكل “الحرب الباردة”، التي ترتكز على العمل غير المباشر، الذي لا يقود إلى المواجهة المكشوفة، لكنه يهف في النهاية إلى تحقيق نفس الغرض، وهو “فرملة” الامتداد الإيراني فى المنطقة العربية.
ومن المؤكد أيضا، أن إيران قد أدركت ذلك بوضوح شديد، وبالتالي، أصبحت الخيارات المتاحة أمام الطرفين محددة تماما. فلا يوجد مجال لنكوص إيران عما كانت قد تخيلت بعض مراكز القوى داخلها أن الفرصة متاحة للقيام به، ولا يوجد مجال لقيام العواصم العربية المعنية بإخلاء الطرق لإيران لملء ما تعتقد أنه “فراغ” عربي.
وتتمثل الاحتمالات المباشرة في المدى القصير في أن يتجه الطرفان إلى الصراع غير المباشر، الذي تستخدم فيه الحملات الدعائية والارتباطات السياسية والدعم المالي والحروب بالوكالة والأنشطة السرية، وهو ما تقوم به إيران عمليا، ولدى الدول العربية أيضا قدرات لا بأس بها في هذا المجال أو أن الطرفان يتجهان إلى نوع من الوفاق الذي يقود إلى تحديد “قواعد الاشتباك” أو فض الاشتباك بينهما على مسرح الإقليم.
المشكلة، أنه لا يمكن ترجيح خيار على آخر. فالحرب الباردة قد بدأت توّا، على الأرجح، وهناك دول أخرى عربية وغير عربية (كسوريا وإسرائيل) تتطاحن في قلبها وفق قواعدها الخاصة، ويحتاج كل من الطرفين، العربي والإيراني، إلى فترة اختبار لتحديد ما يمكن أن يقوم أو ما لا يقوم به في المرحلة التالية، وربما تكون النتيجة النهائية لحرب لبنان – هي البداية.
(د. محمد عبد السلام – سويس انفو يوم 26 يوليو 2006)
طهران (رويترز) – قال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يوم الأحد 20 يناير، إن القرارات التي أصدرها مجلس الأمن ضد بلاده لن تؤثر على سياساتها النووية حتى وإن صدرت عشرة قرارات أخرى مثلها.
وكان مجلس الأمن أصدر قرارا في 23 ديسمبر بفرض عقوبات على إيران، وطالبها بوقف برنامجها النووي الذي يخشى الغرب أن يكون الهدف منه صنع أسلحة نووية وهو ما تنفيه طهران.
وقال أحمدي نجاد في كلمة أمام البرلمان، أذاعها التلفزيون الإيراني على الهواء مباشرة، إن قرار الأمم المتحدة “ولِـد ميتا.. حتى لو أصدروا عشرة قرارات أخرى مثله، فإن ذلك لن يؤثر على اقتصاد إيران أو سياساتها”.
ويواجه الرئيس انتقادات علنية متزايدة في إيران منذ تمرير القرار وبعد أن مُـني أنصاره بهزيمة منكرة في انتخابات محلية في ديسمبر. ويقول منتقدون إن خطبه المناهضة للغرب زادت من التوتر مع الغرب.
وأضاف الرئيس الإيراني “يريدون أن يقولوا من خلال حرب نفسية، إن القرار كان فعالا للغاية… يريدون أن يقولوا كذبا إن إيران دفعت ثمنا”، وتابع “لقد أصبحنا دولة نووية اليوم دون أن نعد القوى الكبرى بأي شيء، وهذا انتصار كبير للشعب والبرلمان”.
وبالرغم من أن قرار مجلس الأمن استهدف جوانب حساسة للبرنامج النووي لإيران، فإن الشركات تقول إن المستثمرين عازفون بسبب الخوف من التصعيد وبدأت تدفقات الاستثمار الضئيلة تقل بالفعل.
وقالت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس في تصريحات لمجلة دير شبيغل الألمانية، إنه يتعين على الشركات الحذر من التعامل مع إيران والتفكير في احتمال فرض مزيد من العقوبات، وأضافت في نسخة بالإنكليزية من المقابلة “أعتقد أنه يجب على الناس أن يفكروا في خطر فرض مزيد من العقوبات، الولايات المتحدة تعاقب بوضوح المصارف الإيرانية وقوانينا صارمة جدا مع هؤلاء الذين يتعاملون مع البنوك التي فرضنا عليها عقوبات”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 21 يناير 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.