اتـفـاقـيـة الصّـداقـة لـن تُوقـّـع قـريـبـا
لن توقع الجزائر وفرنسا على اتفاق صداقة في السنة الحالية على الأقل، وربما لن يتم ذلك خلال العهدة الرئاسية الحالية لعبد العزيز بوتفليقة.
هذه النتيجة اعتبرت فشلا ذريعا للزيارة الأخيرة لوزير خارجية فرنسا فيليب دوست بلازي، ومن وراءه الرئيس جاك شيراك.
انتهت زيارة وزير خارجية فرنسا للجزائر بندوة صحفية سادها حوار دبلوماسي حار مع محمد بجاوي وزير الخارجية الجزائري، الذي قال: “اتفاقية بالحجم وبالعمق وبالأهمية التي تريدها فرنسا، لا يمكن الحصول عليها بضربة إصبع”.
جاء هذا التصريح الخطير بالنسبة لجاك شيراك، ردا على تصريح طويل أدلى به فيليب دوست بلازي، أكد فيه أن فرنسا “تهتم بعلاقاتها التاريخية والإستراتيجية والاقتصادية مع الجزائر، ويجب تثمين هذه العلاقات باتفاق صداقة يسمح للبلدين بمواجهة تحديات المستقبل والتحديات الجيو إستراتيجية”.
من جهته قال محمد بجاوي: “مبادرة اتفاق الصداقة التي تقدم بها الرئيس الفرنسي جاك شيراك، ونحن رحبنا بها في إطار اتفاق الجزائر الذي وقعناه مع فرنسا عام 2003، لكننا استنتجنا أن المجتمع الفرنسي غير مستعد للتعامل مع الجزائر بطريقة موحدة”.
والسبب، حسب وزير خارجية الجزائر هو “قانون 23 فبراير 2005، الذي أصدره البرلمان الفرنسي يمجد من خلاله الفترة الاستعمارية، مما يعني أننا لم نصل بعد إلى مرحلة بناء علاقات جديدة مبنية على أسس جديدة”، حسب قوله.
ليست سهلة أو بسيطة
ويقول المحلل السياسي الجزائري محمد مهدي لسويس إنفو: “لو قلنا بأن بوتفليقة يرفض التوقيع على اتفاق الصداقة مع فرنسا من باب أن حالته الصحية جعلته يفكر ألف مرة قبل توريط الجزائر في اتفاق يرهن الأجيال المقبلة، لكان هذا التحليل جميلا”.
ويضيف محمد مهدي: “اتفاق الصداقة لا يمكن أن يمرر عبر اتفاق بين رئيسي بلدين، كما هو الحال بين شيراك وبوتفليقة، بل يجب إقحام الطبقتين السياسيتين في كلا البلدين، بالإضافة إلى الإعلام والجامعات وبقية المواطنين، المسألة ليست سهلة وبسيطة”.
في المقابل، لم يتوقف دوست بلازي عن التأكيد على أهمية اتفاق الصداقة، و”صراحة فرنسا وإخلاصها تجاهه، بل استمر الوفد المرافق له والمكون من رجال أعمال من منطقة تولوز (التي يرأس دوست بلازي كامل بلدياتها السبع والعشرين)، حملة منظمة لإقناع محاوريه من الجزائريين بأن “الوقت قد حان لقطع الطريق على الشركات الآسيوية والأمريكية التي غزت السوق الجزائرية”.
رفض منطقي
مثل هذا التحرك الفرنسي، من شأنه إقناع أصحاب القرار في الجزائر بأن رأيهم هو الصحيح، لأن المسألة قد ترتبط بآخر المحاولات الجادة للحفاظ على الاستقلال الوطني، على اعتبار أن اتفاق الصداقة سيخدم فرنسا بالدرجة الأولى ويكبل السياسات والخيارات الجزائرية مستقبلا.
ويقول المحلل السياسي محمد مهدي في تصريحات لسويس إنفو: “يجب التأكيد على أن اتفاق صداقة مع بلد كفرنسا، سيجعل من الصعب على الجزائريين الاستمرار في سياسة التنويع والانفتاح اللغوي والاقتصادي والعلمي. فمن ناحية، يُراد للجزائر أن توقع اتفاق صداقة مع فرنسا، وفي نفس الوقت ستعرف الأجيال المقبلة أمما أخرى غير فرنسا ولغات أخرى غير الفرنسية، وهي أمم يجب لنا أن نتصل بها، وأعتقد أن السنوات القادمة ستعرف انحسارا كبيرا للدور الفرنسي في الجزائر”.
وقد رأت الصحافة الجزائرية أن عدم الاعتراف فرنسا بجرائمها الاستعمارية، من شأنه تعطيل التوقيع على اتفاق الصداقة، كما أن الرئاسة الجزائرية رأت أن لا تُقحم نفسها (عبر هذه القضية) في صراع الرئاسة الذي سيشتد في فرنسا العام المقبل.
وبحسابات سياسية بسيطة، يُصبح الرفض الجزائري منطقيا، لأن الرئيس الفرنسي الحالي جاك شيراك سيغادر قصر الإليزيه العام المقبل، وسيعوضه رئيس يميني على الأرجح، أصغر منه سنا، وينتمي إلى التيار الذي يرى أن بلدان المغرب العربي مجرد محطات لتمرير المهاجرين، وينبغي الاعتماد على أصعب الخيارات السياسية والأمنية لمواجهتها.
قناعات الأمة وضرورات النظام
في نفس السياق، يمكن القول بأن التوقيع على اتفاق الصداقة مع فرنسا أضحى ضربا من المستحيلات لأن الرئاسة الجزائرية تريد من الرئيس الفرنسي جاك شيراك أن يُقنع كامل المجتمع الفرنسي بجدوى الاتفاقية وبدعمها، وهو أمر شبه مستحيل بالنظر إلى فشل شيراك في إقناع الفرنسيين بضرورة مساندة الدستور الأوروبي.
من ناحية أخرى، التقت في حالة نادرة قناعات الأمة بضرورات النظام من حيث رفض الاتفاق على اعتبار أنه مكبل للاستقلال الجزائري، وبأنه معطل لتحركات أصحاب القرار على المستوى الدولي، الأمر الذي يُترجم بإمكانية شراء السلاح الروسي، والرادارات الأمريكية وتوقيع اتفاقيات نفطية ضخمة مع كل دول العالم دون استثناء، وهي خطوات لا يقدر اللوبي الفرنسي في الجزائر على منعها أو تعطيلها.
وقبل نهاية زيارة فيليب دوست بلازي للجزائر، عرفت وسائل الإعلام الجزائرية بمقدمة السيل الفرنسي القادم، وهو موقف فرنسي تقليدي مؤيد للمغرب حيال أزمة الصحراء الغربية. ومما قاله دوست بلازي في هذا السياق: “قد يختلف الأصدقاء حيال مسألة ما، ولكنني يجب أن أؤكد لكم أن كل الحلول التي قُدمت أمام مجلس الأمن، رفضها هذا الطرف أو ذاك، وأمام هذا الوضع لا يمكننا أن ننتظر معجزة”.
فشل فرنسي
من المعروف أن التعاون “الفرنسي – المغربي” يقابله تعاون “إسباني – جزائري” حيال مسألة الصحراء الغربية، ومع أن التصالح السياسي في المغرب العربي أمر تطالب به فرنسا، دولة ومؤسسات، فقد لا يكون هذا متفقا عليه في إسبانيا التي لديها مؤاخذات على المغرب بسبب ملفات الصيد البحري والحركة البشرية شرعية كانت أو غير قانونية من الجنوب إلى الشمال.
لذلك قد يُصبح اتفاق الصداقة (لو قدر له يوما ما أن يُوقع بين باريس والجزائر) كابوسا لإسبانيا كما للمغرب، ولعل العجيب في هذه القضية أن الوضع القائم يرضي جميع الأطراف باستثناء الرئيس جاك شيراك، الذي يبدو أنه فشل (على غرار سلفه الاشتراكي الرئيس الراحل فرانسوا ميتران) في ربط الجزائر بفرنسا أطول فترة ممكنة عبر جسر اقتصادي وثقافي متين وراسخ.
هيثم رباني – الجزائر
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.