اتفاق غير مسبوق لتعزيز “التجارة العادلة”
شهدت برن مؤخرا إنجاز سبق جديد في مجال تعزيز "التجارة العادلة" والمحاولات الجارية للقضاء على الاستغلال أو التعامل غير المتكافئ بين الشمال والجنوب.
فقد نجحت سويسرا في التوصل إلى صياغة أول تعاقد ينظم عملية التجارة في الأخشاب الاستوائية حضرت مراسم توقيعه المنظمة الدولية للأخشاب الاستوائية ومنظمات غير حكومية بارزة.
نجحت كتابة الدولة للاقتصاد في جمع مطالب المنظمات غير الحكومية المعنية بشؤون البيئة مثل “السلام الأخضر” و”الصندوق العالمي لحماية الحياة البرية” من ناحية، ورغبات الرابطة السويسرية لصناعة الأبواب، وهي تضم كبار مستخدمي الأخشاب الاستوائية للتصنيع في سويسرا، وتوصلت إلى صياغة اتفاق هو الأول من نوعه في أوروبا ينسق استيراد هذا الصنف من الأخشاب، وقد تم التوقيع عليه في 19 يوليو الجاري بحضور المنظمة الدولية للأخشاب الاستوائية المهتمة بمصالح الدول المنتجة لهذا النوع من الثروات الطبيعية الهامة.
ويضع هذا الاتفاق محاور هامة تنظم تجارة الأخشاب الاستوائية في سويسرا، من أهمها ضرورة ذكر بلد منشأ الأخشاب المستوردة، والالتزام بذكر نوعية الأشجار، ومنع توريد الأصناف التي يتم حظر الاتجار فيها دوليا، إما للحفاظ على فصيلة من الانقراض أو عدم إدخال أخشاب مريضة أو غير مطابقة للمواصفات السويسرية المتعارف عليها.
مثال سويسري مرشح للإتباع
السبب وراء تفعيل مثل هذا الاتفاق الأول من نوعه، هو رغبة كتابة الدولة للاقتصاد في الربط بين عاملين هامين، يتمثل الأول في الحفاظ على مصدر الحصول على الأخشاب الاستوائية المستخدمة بشكل واسع في سويسرا، سواء في التصنيع أو التجارة، أما المبرر الثاني فهو محاولة الإبتعاد عن المشاركة في “التجارة غير العادلة” في تلك المناطق الاستوائية التي تشمل 3 قارات هي أمريكا الجنوبية وإفريقيا وآسيا، وقد تكللت مساعي جميع الأطراف المساهمة في هذا الاتفاق بالنجاح، بعد مشاورات ومفاوضات استغرقت عامين كاملين.
ومن غير المستبعد أن تتخذ المنظمة العالمية للأخشاب الاستوائية وكل من السلام الأخضر “Greenpeace” والصندوق العالمي للحفاظ على الحياة البرية “WWF” من هذا الاتفاق أنموذجا يحتذى به، لحث دول أخرى تتعامل في هذا المجال، أو في أية مجالات أخرى على اعتماده وتطبيقه.
إلا أن دانيال بيرخمايسر مدير برامج الثروات الطبيعية في كتابة الدولة للاقتصاد قال في حديثه إلى سويس أنفو بأن “تطبيق مثل هذا الاتفاق على سلع أو مواد خام أخرى ليس بالأمر السهل، فالتجارة في المواد الخام تخضع لاعتبارات مختلفة، ولابد أن تتوافر الإرادة السياسية لتحقيق مثل هذا التعاون”.
وضرب مثالا على ذلك بالتجارة في ثمار البُن حيث لم تتوصل بعدُ جميع المحاولات التي تقوم بها المنظمات غير الحكومية الدولية إلى إيجاد حل عادل لها، وأشار المسؤول السويسري إلى أن هناك محاولات تجري للتقريب بين وجهات نظر المنظمات غير الحكومية وكبار المستوردين والتجار في منتوجات القهوة والبن، كما أن سويسرا تستعد للمشاركة في مؤتمر دولي يعقد في شهر سبتمبر القادم في العاصمة البريطانية لشرح وجهة نظرها فيه.
اتفاق متعدد الفوائد
وقد أعرب هانز بيتر فريكيغر مدير الفرع السويسري للصندوق العالمي للحفاظ على الحياة البرية WWF عن سعادته لتوقيع هذا الاتفاق، مؤكدا على أن التعاون بين السياسة والجمعيات المهتمة بشؤون البيئة أمر بالغ الأهمية ويحقق الأهداف الإيجابية للجميع، فهو “تحوّل من استنزاف الموارد أو رأس المال إلى التعيش من الأرباح”، وذلك في اشارة إلى واحد من أبرز اهداف الاتفاق، وهو الحفاظ على الثروات الطبيعية من الاندثار.
في المقابل، رأت كتابة الدولة للاقتصاد على لسان هانز بيتر إيغلر مدير دائرة المصادر الطبيعية والتعاون فيها، بأن “التعاون المثمر والبناء خير من اللجوء إلى سياسات المقاطعة وفرض الحصار حول الدول التي تتساهل مع المهربين أو لا تحافظ على تلك الثروة الطبيعية”، ولم يتمكن السيد إيغلر في حواره مع سويس إنفو من اخفاء اعتزازه بأن هذا الاتفاق “هو الأول من نوعه الذي تقدم عليه دولة أوروبية”.
أما الفوائد المرجوة من الاتفاق فمتعددة. فهو من ناحية يؤمّن عدم استنزاف الأخشاب الاستوائية بشكل عشوائي غير مدروس يهدد البيئة وينعكس سلبيا على المناخ عالميا، كما أنه يساعد على الوقوف في وجه استغلال إحدى الثروات الطبيعية الهامة في تلك المناطق دون استفادة أصحابها الحقيقيين بشكل كامل منها، وتكفي نظرة واحدة لأية منطقة استوائية لمشاهدة مستوى المعيشة المنخفض فيها وعدم توافر البنية التحتية الرئيسية مثل التعليم والنقل والغذاء الصحي والماء الصالح للشرب.
ومن شأن هذا الاتفاق، (وربما اتفاقيات أخرى مشابهة في أنواع أخرى من المواد الخام والثروات الطبيعية)، أن يساعد على تحسين مداخيل الدول المعنية، والمساهمة بشكل مباشر في تمويل المشاريع التنموية فيها، لا سيما تلك المتعلقة بقطاعي الصحة والتعليم.
“التسويق الذكي”
وتهتم سويسرا، إلى جانب اليابان والولايات المتحدة، بالأخشاب الاستوائية حيث تعمل 74 شركة في هذا المجال، توفر 2500 فرصة عمل، وتبلغ مبيعاتها سنويا 83 مليون فرنك، فضلا عن الأرباح أو حجم التعاملات التي تقوم بها الشركات الأخرى في مجال تجارة الاخشاب الدولية انطلاقا من الكنفدرالية.
وتستفيد صناعة البناء والتشييد من الأخشاب الاستوائية في بناء الأبواب أو الأسقف، حيث يتمتع هذا النوع من الخشب بصلابة عالية وقدرة كبيرة على مقاومة جميع الظروف المناخية الصعبة، سواء في الرطوبة والحرارة العالية أو البرودة والجفاف، مما يجعلها مناسبة للاستعمال في سويسرا والبلدان الغربية عموما، فضلا عن استخدامها في بعض أنواع الأثاث والتحف الفنية المتميزة مثلما هو الحال بالنسبة للأخشاب المعروفة بنوع “مهاغوني”.
ومن المؤكد أن بنود هذا الاتفاق (التي سيتم تقييمها بعد عامين من الآن) تجسد أسلوب استخدام نوع من أنواع “التسويق الذكي” الذي يضرب عدة عصافير بحجر واحد .. مصالح كبار التجار والمستفيدين، وطموحات أصحاب تلك الثروات الطبيعية في الاستفادة منها وتحسين أوضاعهم المعيشية، إضافة إلى المكاسب التي ستعود بالفائدة على البيئة عالميا، وهي مكاسب لا تقدر بثمن.
تامر أبو العينين – سويس أنفو
على الرغم من تفاقم مشكلة الغابات الاستوائية منذ 20 عاما إلا أن الإرادة السياسية لم تتوفر بعد لوضع حل حاسم لحمايتها.
الاتفاق السويسري هو الأول من نوعه في أوروبا الذي ينظم التجارة في هذه المادة الخام الهامة.
يستخدم خشب الاشجار الاستوائية في صناعة 60% من الأبواب المستعملة في سويسرا.
يعمل في هذا المجال 2500 شخص من خلال 74 شركة تصل أرباحها سنويا إلى 83 مليون فرنك.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.