“اختطافُ النمساويين أظهر حقيقة لم تكن مُنتظرة”
يبدو أن الرهينتين النمساويتين، وولف غانغ أبنر وأندريا كلويبر، قد دخلا الخط المؤدّي إلى العدّ التنازلي، بعد أن هدد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بتصفيتهما يوم الأحد 23 مارس، وبعد أن أصبحت مسألة دفع الفِـدية لإطلاق سراحهما، قاب قوسين أو أدنى من التحقق.
وقد أظهر اختطاف النمساويين حقيقة لم تكن منتظرة وتتمثل في أن القاعدة في المغرب الإسلامي تنظيم واحد وليس ثلاثة أو أربعة…
ويبدو أن الدولة الجزائرية، لا تُـبالي بالفدية ولا بما ستؤول إليه الأمور، ما دامت لم تحدُث على أراضيها، الأمر الذي يفسِّـر الترسانة الهائلة والحضور العسكري غير المسبوق على طول الحدود الجزائرية المالِـية، لأن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لا يريد صُـداعا مثل ذلك الذي سبَّـبه له اختطاف خمسة وعشرين سائحا أوروبيا في عام 2003 وسط الصحراء الجزائرية، والذي انتهى بدفع فِـدية، رفعت من الرّصيد المالي للجماعة السلفية للدعوة والقتال آنذاك.
ولأن وضعية الرهينتين في خطر كبير، بسبب إمكانية التصفية، تدخَّـلت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، برئاسة الشيخ عبد الرحمان شيبان، الذي كتب بيانا قرأه على أمواج إذاعات دولية، مثل الـ “دويتشي فيلي” الألمانية، كي يصل إلى مسامع المسلَّـحين الذي ينصِـتون يوميا إلى الإذاعات الدولية الموجَّـهة لاستقبال الأخبار الوطنية والدولية، من مصدر غير حكومي.
وقد قال الشيخ شيبان: ” تدعو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، خاطفي الرهينتين النمساويتين، وولف غانغ أبنر وأندريا كلولبير، إلى إطلاق صراحهما والسماح لهما بالعودة إلى أهليهما سالمين”.
ويمثل هذا النِّـداء من قِـبل الشيخ شيبان استباقا لما قد يحدُث من أمور سيِّـئة، على اعتبار أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تُـمثل الخط الوسط بين كل التيارات الإسلامية في الجزائر، سياسييها ومسلحيها، سلفييها و صوفييها، مالكييها ولا مذهبييها، إخوانييها “جزائرييها”، نسبة إلى الإخوان المسلمين الجزائريين، الذين لا ينتمون إلى التنظيم العالمي للإخوان المسلمين.
تنظيم القاعدة في المغرب العربي تنظيم واحد
وعلمت سويس إنفو أن مصالح الأمن الجزائرية تساعد في الوقت الحالي نظيرتها النمساوية بخِـبرتها ونوعية العلاقة التي تربطها بمسلحين سابقين استسلموا أو ألقوا السلاح تعَـبا، وبإمكانهم في الوقت الحالي إعطاء بعض النصائح المفيدة.
كما أن اختطاف النمساويين أظهر حقيقة لم تكن منتظرة، وتتمثل في أن القاعدة في المغرب الإسلامي تنظيم واحد وليس ثلاثة أو أربعة، لأن الأمير الوطني عبد المالك درودكال على اتفاق تام مع فصيلي الصحراء بزعامة كل من مختار بلمختار على الأول، وبقيادة مزدوجة للثاني، ويتعلق الأمر بكل من عبد الحميد أبو زيد و يحيى أبو عمار.
ويبدو هذا الاختلاف التنظيمي والاتفاق التكتيكي معقَّـدا لمُهمَّـة المفاوضين والوسطاء، من حيث جهلهم بمكان الرهينتين، خاصة وأن بعض قبائل شمال مالي تتعاون بطريقة أو بأخرى مع أي مسلح يدفع لها ثمن السلاح والمؤونة، بسبب خلافاتها المستعصِـية مع الحكومة المركزية في باماكو.
من جهة أخرى، يتردّد في العاصمة الجزائرية أن مؤسسة القذافي للسلام، التي يقودها ابنه سيف الإسلام، بصدد تقديم الدّعم للحكومة النمساوية، وساطة وفدية، مقابل فوائد سياسية واقتصادية تحصدها طرابلس، كما حصدت فوائد وساطاتها بحُـسن العلاقة مع واشنطن وصفقات مجزية مع فرنسا وراحة البال مع لندن.
غير أن هذه التطورات لا تخدم صورة المغرب العربي على المدى الطويل، لأن الرهينتين النمساويتين اختطفتا في تونس وقطعتا الجزائر للوصول إلى مالي، وقد يطلق سراحهما، حسب السيناريو السعيد، بأموال ليبية مصدرها مداخيل النفط.
وقد تصبح دعوة المملكة المغربية لفتح الحدود مع الجزائر مسألة حيوية لإعطاء صورة مختلفة عن شمال إفريقي، سِـمتها الرئيسية أنظمة بوليسية وشعوب غاضبة، يحمل بعض أبنائها السلاح كي يغيِّـروا واقعهم بسبب فشل الديمقراطية المُـتبعة في فعل شيء ذي بال.
اتحاد المنطقة قد يشكل تحديا للقاعدة .. إن تم بالفعل
ومع اقتراب الموعد الثاني لتصفية الرهينتين، ستصبح إجابة الجزائر على المطلب المغربي بضرورة بدء المحادثات لفتح الحدود المغلقة منذ عام 1994 من القرن الماضي، نوعا من أنواع التطبيع السياسي الداخلي، على اعتبار أن المغاربة سيتحرّكون من طرابلس إلى نواكشوط من دون تأشيرة، على أمل أن يحذو الجميع حذو الأوروبيين، برفع صداع الحواجز الجمركية.
وقد يتساءل البعض عن سبب الحديث عن مسألة خطف الرهائن وفتح الحدود بين دول المغرب العربي، والإجابة قد تكون على لسان السفير الأمريكي في الجزائر، روبرت ستيفان فورد، الذي صرح لسويس إنفو قائلا: “انطلاقة الجزائر كي تصبح قوة اقتصادية كبيرة، مثل تركيا بعد خمسة عشر عاما، أمر ممكن جدا لو أن الأمر أخذ منحى جديا من الآن”.
وسينطبق هذا الأمر على جميع دول المغرب العربي الذين يتَّـفقون في اللهجات وشكل اللغة والتنظيم الاجتماعي والشكل المرفولوجي والنظام الحضري والقبلي، ويتفقون أيضا في أكل الكسكس.
من ناحية ثانية، يشكل مغرب عربي أو إسلامي أو شمال إفريقي واحد، تحديا جديدا لتنظيم القاعدة الذي لن يتمكن من معارضة المسار الشعبي، حتى يُـثبت أن وحدة المصالح بين شعوب المنطقة تخدم السياسة الأمريكية بشكل مباشر، على أن وحدة من هذا النوع قد تؤدّي بالقاعدة إلى الهجرة إلى مناطق أخرى كالعراق والشيشان، بسبب تحلحل الواقعين، السياسي والاقتصادي.
ولربما يرى المتشائمون أن عرابي السياسات القذِرة سيسمِّـمون من جديد حياة المواطنين المغاربة عبر الاستيلاء الإداري على مصادر رزقهم، مثال ذلك أنه ومع وجود حدود مغلقة بين الجزائر والمغرب، يصل التبادل بين الشعبين الجزائري والمغربي عن طريق التهريب إلى مستوى ثلاث مليارات دولار، وقد يسيل هذا المبلغ لُـعاب الراغبين في الوحدة لتحقيق مصالحهم وكفى.
“الإرهاب الأعمى غير موجود”
وهنا، لا يلوم الحكَّـام إلا أنفسهم إذا ما وجدت القاعدة طريقا إلى قلوب مواطنيهم، بسبب قتل زهرة الأمل في مستقبل جميل، كالذي يحلمون به. وللتذكير فقط، فإن الرئيس المصري محمد حسني مبارك قد رغب في الانضمام إلى الاتحاد المغاربي كعضو ملاحظ عام 1988 من القرن الماضي، والرجل لا زال حيا وقد يُـبدي رغبة جديدة في الانضمام إلى المنطقة كعضو كامل الحقوق، وللمرء أن يتخيَّـل شعورا اقتصاديا مريحا وهو يجول بخاطره من السد العالي إلى الحدود السنغالية الموريتانية.
هذا الأمر ممكن الحدوث، وفي أقرب الآجال، ثم ألم تتمكن القاعدة من التحرك على طول هذ الخط، دون مشاكل تذكر؟ وكما قال الزعيم الفلسطيني الراحل للإسرائليين يوم خطابه الشهير عام 1974 في مقر الأمم المتحدة: “لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي”، فإن الدّعوة إلى عدم قتل الأمل في قلوب الجزائريين خاصة، والمغاربة عموما، أضحى أكثر من ضرورة، وإلا، فإنه وبعد مرور اثنين وثلاثين عاما من دعوة أبي عمار، تشير استطلاعات الرأي إلى أن ستين في المائة من الإسرائليين يقبلون التفاوض مع حماس، رغم أنهم يتفاوضون أصلا مع أبي مازن، خليفة ياسر عرفات، وبأن أقرب المستشارين السابقين لطوني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق، يدعون إلى التفاوض مع القاعدة وطالبان، لأن الإرهاب الأعمى غير موجود على أرض الواقع ولأن الأيدولوجيا أو السلطة أو المافيا، لا يمكنها مجتمعة أو متفرّقة القضاء على أي فكرة، مهمَـا كان شأنها.
وليحاول المرء تذكّـر أي تنظيم اختفى نهائيا دون أن يترك أثرا، بدءً بالدروز والعلوية والإخوان وجيش التحرير الأيرلندي، ووصولا إلى “الإيتا” في إسبانيا أو الفارك في كولومبيا، والمثل يقول: “الحكيم من اتَّـعظ بغيره…”.
هيثم رباني – الجزائر
باماكو (رويترز) – قال مسؤولون بوزارة الدفاع في مالي يوم الجمعة 21 مارس 2008 إن ثلاثة من جنودها قتلوا وأُسر نحو 20 آخرين على يد متمردي الطوارق الذين هاجموا قافلة إمداد عسكرية قرب الحدود الشمالية الشرقية مع الجزائر.
وكانت التقارير الأولية بشأن الكمين الذي وقع في ساعة مبكرة يوم الخميس على بعد 18 كيلومترا من بلدة تين زواتين الحدودية التي توجد بها حامية للجيش، قد ذكرت أن أربعة جنود أصيبوا.
وقال مسؤول بوزارة الدفاع طلب عدم الكشف عن اسمه لرويترز إن الهجوم أشعل سلسلة اشتباكات مسلحة بين قوات الجيش والمتمردين استمرت أغلب يوم الخميس.
وأضاف أن الجيش تكبد ثلاثة قتلى وعددا من الجرحى في الهجوم، ولم ترد تفاصيل بشأن الخسائر في صفوف المتمردين.
وقال ضابط أخر بالجيش في وقت لاحق لرويترز، إن المتمردين أسروا نحو 20 جنديا حكوميا، قبل أن يتراجعوا تحت جنح الليل باتجاه الحدود الجزائرية.
وقال متحدث باسم الوزارة دونما إسهاب “نحن نسيطر على الوضع الآن.”
ووقع الهجوم بالقطاع الشمالي من منطقة كيدال، حيث تحدثت تقارير عن أن تنظيم القاعدة يحتجز به سائحين نمساويين خطفهما الشهر الماضي في تونس.
ولا يوجد ما يشير إلى وجود صلة بين الهجوم الذي وقع الخميس وخطف النمساويين.
وجاء الهجوم في وقت عملت فيه حكومة مالي على مساعدة مفاوضين دبلوماسيين من النمسا يسعون لإطلاق سراح السائحين أندريا كلويبر (43 عاما) وفولفجانج ابنر (51 عاما) اللذين اختفيا أثناء قضاء إجازة في تونس الشهر الماضي.
ويقول تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الذي يتخذ من الجزائر مقرا له، إنه يحتجز السائحين.
وطالبت القاعدة من خلال موقع على الإنترنت بدفع فدية وإطلاق سراح عشرة متشددين محتجزين في الجزائر وتونس، وأعطت مهلة انقضت في منتصف ليل الأحد الماضي، لكنها مددتها لأسبوع.
وفي سبتمبر الماضي، حاصر متمردو الطوارق بلدة تين زواتين لفترة قصيرة وشنوا غارات ونصبوا كمائن.
ويقول مسؤولون حكوميون إن زعماء المتمردين يقاتلون وجود الجيش في المنطقة النائية لمحاولة الحفاظ على سيطرتهم على ممرات التهريب التقليدية عبر الصحراء بين الجزائر ومالي.
ويشكو الطوارق، وهم بدو ذوو بشرة فاتحة يقيمون في مالي والنيجر المجاورة، من التهميش من جانب الحكومات التي يهيمن عليها السود، وشنوا انتفاضة في البلدين في التسعينيات.
وتصف حكومتا مالي والنيجر المتمردين بأنهم قطاع طرق متورطون في عمليات تهريب سلاح ومخدرات.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 21 مارس 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.