استياء الصحافة من نتائج التصويت
حفلت افتتاحيات الصحف السويسرية الصادرة صباح 27 سبتمبر بتعليقات على نتائج الاستفتاء الشعبي في اليوم السابق، وركزت على رفض الناخبين لتسهيل منح الجنسية للأجانب من الجيلين الثاني والثالث.
وأظهرت التعليقات مدى اتساع الهوة بين شرق سويسرا الناطق بالألمانية وغربها المتحدث بالفرنسية، بشكل أكثر من ذي قبل.
تحت عنوان “ليس انتصارا لسويسرا” كتب بيتر هارتماير في يومية تاكس أنتسايغر الصادرة من زيورخ : “سندفع جميعا ثمن نجاح حزب الشعب اليميني، فكان من الممكن أن تستفيد بلادنا، إذا تمكنت من ربط شباب الأجانب من الجيل الثاني بشكل أقوى بسويسرا، لا سيما المندمجين منذ فترات طويلة، والذين يدفعون الضرائب ويساهمون في تمويل خزينة صندوق التقاعد والمعاشات”.
ورأى الكاتب بأن النظر إلى الأجانب ككتلة واحدة خطأ فادح، مشيرا إلى الفرق بين الجيلين الثاني والثالث، وبين الوافدين الجدد، واعتبر التعامل معهم بمعيار واحد غير ذي جدوى. كما انتقد في الوقت نفسه تقاعس الأحزاب الأخرى في الوقوف أمام الحملة التي “أرعبت” الرأي العام من تزايد أعداد المسلمين تحديدا.
ووصفت الصحيفة الأجواء السياسية الداخلية حاليا بأنها “ملتهبة ولا تساعد على التسامح، فطرح الحقائق المزيفة بأسلوب غير متحضر يمنع البحث عن حل، وترك الأوضاع كما هي عليه الآن ليس حلا”.
“ليس عداءا للأجانب ولكن خوفا من ابناء البلقان”
ومن العاصمة برن رأت “دير بوند” بقلم باتريك فويتس أن نتائج التصويت تبعث على القلق والخوف ولكنها تعطي صورا مختلفة لسويسرا، وأضاف: “لم يصوت السويسريون ضد الأجانب الذين يعملون معهم في مكان واحد دون مشاكل، أو جيرانهم الذين يلتزمون بالنظام أكثر من غالبية السويسريين، وإنما ضد الشباب من الجيل الثاني من أبناء البلقان المتهورين في قيادة السيارات، واحتجاجا على الفئة القليلة من الأجانب التي ترفض الاندماج في المجتمع”.
وعـزا الكاتب أسباب نجاح “الحملة الغير نظيفة” التي قادها حزب الشعب اليميني إلى ما أسماه بـ “توفر البيئة المناسبة لذلك”، وأضاف “يمكن تجفيف هذه البيئة إذا توفرت الإرادة السياسة على كافة الصعد، لحل المشاكل الناجمة عن وجود الأجانب في سويسرا، والعمل بشكل أقوى في مجال إدماج الأجانب”.
في المقابل رأت صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” الصادرة من زيورخ أن “رفض تسهيل منح الجنسية للأجانب من الجيلين الثاني والثالث لا يعني العداء للأجانب، ولن يمنع نجاح حزب الشعب اليميني في هذا الملف تدفق الآلاف من الأجانب على سويسرا، بمن فيهم من عمالة ضعيفة المستوى أو غير قادرين على الاندماج بشكل كامل في الكنفدرالية”.
وأكدت يومية “بليك” الشعبية أن رفض تسهيل منح الجنسية للأجانب موجه أساسا إلى ابناء البلقان، واستدلت على ذلك بأن نسبة الرفض العالية جاءت من الكانتونات التي يكثر فيها رعايا تلك المنطقة بشكل كبير، وقال فيرنر دي شيبر رئيس تحرير الصحيفة في تعليقه: “حزنت كأجنبي من الجيل الثاني على نتيجة الاستفتاء، لأنها تخلق هوة بين الأجانب والسويسريين ليست موجودة في الأصل، فمليون ونصف أجنبي يعملون ويعيشون جنبا إلى جنب على مدار العام مع أكثر من 5 ملايين سويسري، وهم (الأجانب) ليسوا معملا لتصدير المشاكل المتواصلة، وعندما نتحدث عن 370 ألف شخص من أبناء البلقان، فهل نعني بأن جميعهم قنابل موقوتة؟”.
في النهاية يرى رئيس تحرير “بليك” بأن رفض الناخبين تسهيل منح الجنسية نابع من خوف داخلي من أبناء البلقان، لاسيما الفئة المنحرفة منهم، ولكن الجيدين منهم “يحتاجون إلى دعم لتعزيز اندماجهم” حسب تعبيره.
استنكار الصحافة الروماندية ومخاوفها
“إنها سبّـة للأجانب”، “فضيحة”، “نفاق”، “أنانية”، “خوف”، “انطواء على الذات”، هذه هي التعابير التي طغت على الصفحات الأولى والمقالات الداخلية في الصحف السويسرية الناطقة بالفرنسية.
كُـتاب التعاليق لم يترددوا في بعض الأحيان من التصريح بصوت عال: “إنني أخجل من أنني سويسري”، مثلما كتب معلق “جورنال دي جورا” أو على غرار السيدة آن دوس التي كتبت في افتتاحية صحيفة “لوماتان” الواسعة الانتشار: “هناك بعض أيام الآحاد التي لا نفتخر فيها بالانتماء إلى هذا البلد”.
لاشك في أن الصحافة الروماندية عكست ردود الفعل التلقائية المتأثرة بسلبية التصويت الشعبي على المقترحات الحكومية بتسهيل منح الأجانب من الجيلين الثاني والثالث الجنسية السويسرية، لكن المعلقين لم يتوقفوا عند هذا الحد.
فقد ترافق انتقاد “الرسالة السلبية جدا”، التي وجّـهها الناخبون إلى الشبان الأجانب الذين يعيشون منذ فترة طويلة في سويسرا، والذين اندمجوا بشكل كامل في المجتمع بالتعبير عن الخوف والامتعاض من الصورة السلبية التي تترتّـب عنها في الخارج. لذلك استعملت صحيفة “جورنال دي جورا” الصادرة في مدينة دولايمون في معرض استنكارها لما حدث، تعبير “سويسرا المتمترسة والمعادية”.
أما “لوماتان” فلم تتردّد في وصف سويسرا بـ “البلد المنغلق على نفسه والأناني”، وتضيف نفس الصحيفة الصادرة في لوزان، “إنه بلد يزرع احتقار الأجانب، ويُـصدّق أكاذيب ومغالطات حزب الشعب السويسري، وينسى أن هؤلاء الأشخاص الذين قدموا من الجنوب ومن الشرق، هم الذين ساهموا في ثرائه”.
صحيفة “لوتون” الصادرة في جنيف اعتبرت نتيجة التصويت “صفعة للأجانب”، ومع أنها اعترفت بأن ذلك لن يغيّـر “تقنيا” من وضعهم القانوني الحالي، إلا أنها أشارت إلى أن “الشّـُحنة الرمزية للرفض وللحملة الانتخابية التي مكّـنت حزب الشعب السويسري من الفوز، ستترك آثارها”.
في المقابل، قالت صحيفة “24 ساعة”، الصادرة في لوزان، “إن سويسرا برفضها اليوم الأجانب الذين تحتاجهم، اقتصاديا وديموغرافيا، تضع نفسها تحت رحمتهم غدا”، واعتبرت أن “ردّة الفعل الناجمة عن الخوف قد انتصرت”.
أي مستقبل؟
على صعيد آخر، عبّـر معظم المعلقين في الصحافة الروماندية عن مخاوفهم من الخطر الذي أصبح يمثّـله حزب الشعب السويسري وحملاته الانتخابية “الكريهة” و”الحاقدة”، ولم تتردّد العديد من الصحف من التحذير منذ الآن من المخاطر التي تتهدّد استفتاءات حاسمة قادمة حول مصير الرزمة الثانية من الاتفاقيات الثنائية بين سويسرا والاتحاد الأوروبي أو تلك المتعلّـقة باتفاقيتي شينغن ودبلن.
وفيما ذكرت صحيفة “لوكوريي” الصادرة في جنيف بأن حزب الشعب وجد نفسه منفردا في الحملة ليبُـث أدبياته الحاقدة والعنصرية والتمييزية والمعادية للمكتسبات الاجتماعية، حذّرت صُـحف أخرى مثل “ليكسيريس” و”لامبارسيال” الصادرتين في نوشاتيل من أن “حزب الشعب السويسري بذل كل جُـهده في هذا الاختبار السابق لموعد شينغن”، ولذلك، دعت صحيفة “جورنال دي جورا” الأحزاب الأخرى إلى التفكير مليّـا في أفضل تكتيك لمواجهة حزب الشعب في الحملات القادمة.
من جهة أخرى، انتقدت العديد من الصحف الروماندية أحزاب الوسط واليمين ومنظمات أرباب العمل التي “افتقرت إلى الشجاعة وتجنّـبت المواجهة السياسية”، على حدّ تعبير صحيفة “لوماتان”.
أخيرا، أوضح أولريخ كلوتي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة زيوريخ في تصريح نشرته صحيفة “لاليبرتي” الصادرة في فريبورغ، أن أحد الأسباب الكامنة وراء الفرق في التصويت بين المناطق المتحدثة بالألمانية والفرنسية يتمثّـل في الاختلاف القائم بين المناطق الريفية والحضرية، “ففي حين تُـشبه المدن السويسرية أكثر فأكثر بقية المدن الغربية متعددة الجنسيات، حيث يُـتقبّـل الأجنبي لأننا نكتشف أنه ليس شديد الاختلاف عنّـا، لازال الريف متشبثا بثقافة الماضي والتقاليد”، حسب قوله.
سويسرا أكثر انقساما من ذي قبل
أخيرا، اتفقت الصحف على اختلاف توجهاتها على أن نتيجة الاستفتاء تعكس مدى الاختلاف الكبير القائم بين شرق سويسرا وغربها، وهو ما بلورته يومية نويه تسورخر بالقول: “غرب سويسرا الناطق بالفرنسية منفتح على الآخرين ويفكر في المشاكل الاجتماعية بشكل واقعي، أكثر من الجزء الناطق بالألمانية”، فيما أقرت “دير بوند” بأن “سويسرا الروماندية تفكر بشكل مختلف”.
وفيما رأت برنر تسايتونغ بأن “حزب الشعب اليميني يوسع الهوة بين شرق سويسرا وغربها”، ذهبت بازلر تسايتونغ إلى وجود “شرخ عميق يقسم سويسرا بين شرق وغرب”، وهو ما أكدته “نويه لوتسنر تسايتونغ” حين عنونت: “أخدود كبير في البلاد وداخل الحكومة الفدرالية”.
تامر أبو العينين وكمال الضيف – سويس انفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.