الأزمة السياسية تخيم على المشهد العراقي بعد أسبوع من الاحتجاجات الدامية
دخل العراق الخميس أول أيام الحداد الوطني بعد مقتل أكثر من مئة شخص، غالبيتهم من المتظاهرين الذين سقطوا بالرصاص الحي خلال مطالبتهم بإسقاط الحكومة، التي لم تتمكن إلا من تسمية وزيرين بدلاً من القيام بتعديل وزاري لمعالجة الأزمة السياسية.
وإذ لا يزال العراقيون غير قادرين على الدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي، باستثناء مستخدمي تطبيقات الـ”في بي أن” لبضع ساعات يومياً، تنتشر يومياً على نطاق واسع صور ومقاطع فيديو، تُظهر متظاهرين يصابون بالرصاص في الصدر أو الرأس، أو يركضون للاحتماء من إطلاق النار الكثيف.
واللافت أن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية طلبت الخميس من المتقدمين للحصول على مساعدات مالية، تقديم طلبات عبر الإنترنت.
وكان العراق شهد منذ الأوّل من تشرين الأوّل/أكتوبر تظاهرات بدت عفويّةً تُحرّكها مطالب اجتماعيّة، لكنّها ووجهت بالرصاص الحيّ. وقد أفضت ليل الأحد الإثنين إلى حال من الفوضى في مدينة الصدر، معقل الزعيم الشيعي مقتدى الصدر.
واعترفت القيادة العسكريّة العراقيّة الإثنين بحصول “استخدام مفرط للقوّة” خلال مواجهات مع محتجّين في مدينة الصدر ذات الغالبيّة الشيعيّة بشرق بغداد أسفرت عن مقتل 13 شخصاً ليلاً، بحسب مصادر أمنيّة وطبية.
وبلغت الحصيلة الرسميّة لأعمال العنف التي طالت بغداد وجنوب العراق ذي الغالبيّة الشيعيّة أيضًا أكثر من مئة قتيل وأكثر من ستّة آلاف جريح.
وما زال الغموض يلفّ هوّية الذين قاموا بأعمال العنف، إذ إنّ السلطات تحدّثت عن “قنّاصة مجهولين”.
وأعلنت الحكومة العراقية الحداد الوطني لثلاثة أيام بعد أعمال العنف.
وقال صاحب أحد المحال التجارية في حي الكرادة الرئيسي في بغداد مازن عبدالله إن “قرار الحداد متأخر وكان من المفترض أن يصدر قبل أسبوع”.
وأضاف “الآن نعتبره بمثابة أن تقتل القتيل وتمشي في جنازته”.
وبعد توقف الاحتجاجات وأعمال العنف الثلاثاء، اقترحت حكومة عادل عبد المهدي حزمة مساعدات اجتماعية للحد من البطالة التي تطال واحداً من أربعة في صفوف الشباب، وتأمين السكن، خصوصاً أن الحملة التي أطلقتها الدولة مؤخراً ضد التجاوزات السكنية كانت أحد أسباب اندلاع الاحتجاجات.
وتوجّه رئيس الوزراء العراقي مجدّداً إلى العراقيّين مساء الأربعاء، في كلمة تعهّد خلالها إجراء “تحقيقات تفصيليّة”، ومنح تعويضات لعائلات “الشهداء” من المتظاهرين أو أفراد القوات الأمنيّة الذين قتلوا خلال أحداث الأيام الماضية.
وأعلن عبد المهدي أيضاً أنّه سيطلب من البرلمان الخميس “التّصويت على تعديلات وزاريّة”، في وقتٍ لا يزال المتظاهرون والزعيم الشيعي النافذ مقتدى الصدر يُطالبون باستقالته.
وبعد ظهر الخميس، اقترح عبد المهدي خمسة أسماء لاستبدال ثلاثة وزراء، ووزير الصحة المستقيل ووزارة التربية التي لا تزال شاغرة.
لكن البرلمان لم يصوت إلا على الوزيرين الأخيرين، ومنح الثقة لسهى خليل (حزب سني) للتربية، وجعفر علاوي (حزب شيعي).
ورفعت الجلسة في ما بعد بسبب كسر النصاب حتى إشعار آخر.
– عودة الحياة الى طبيعتها-
في بغداد، ثاني عاصمة عربيّة من حيث عدد السكّان، بدا واضحاً أنّ الحياة اليوميّة عادت إلى طبيعتها.
وعادَ الازدحام إلى الطُرق في هذه المدينة التي يبلغ عدد سكّانها تسعة ملايين نسمة، فيما فتحت المدارس أبوابها مجدّداً أمام الطلاب. كما فتحت الإدارات والمتاجر أبوابها.
وفي مداخل العاصمة وخارجها، لا تزال النقاط الأمنيّة تُجري عمليّات تفتيش للسيّارات، فيما تمّ نشر قوّات إضافيّة.
وحضّت منظّمة العفو الدوليّة السلطات الأربعاء على “التحقيق بشكل صحيح” في “الاستخدام المفرط والمميت” للقوّة.
وأشارت المنظّمة إلى أنّها قابلت ثمانية نشطاء قالوا إنّهم رأوا متظاهرين يُقتلون برصاص قنّاصة.
إضافةً إلى ذلك، أوضحت المنظّمة أنّها جمعت شهادات تصف “حملة قاتمة من المضايقة والترهيب واعتقال ناشطين مسالمين وصحافيّين ومتظاهرين”.
وقالت ساره ليا ويتسون مديرة الشرق الاوسط في منظمة هيومن رايتس ووتش في بيان “منذ أكثر من عقد، تقول الحكومات العراقية إنها ستحقق في تجاوزات قوات الامن لكنها لم تقم بذلك”.
في مواجهة الحوادث الدمويّة، أدّت حركة الاحتجاج الاجتماعي إلى أزمة سياسيّة.
ففي بلد يتأثّر بنفوذ الدولتَين العدوّتَين، إيران والولايات المتحدة، ويتبادل مسؤولوه الاتّهامات بالولاء لقوى أجنبيّة، أطلق الرئيس برهم صالح نداءً إلى “أبناء الشعب الواحد”.
وأعلن عن “حوار وطني” عُقِدت من أجله حتّى الآن سلسلة لقاءات بين برلمانيين وكذلك بين الحكومة وزعماء عشائر وأحزاب سياسيّة.
وكان المتظاهرون أطلقوا هتافات ضد كل هؤلاء الممثلين، وفي حدث غير مسبوق في العراق، لم يستجيبوا مع نداءات شخصيات سياسية أو دينية معروفة.
من جهتها، أعلنت وزارة الخارجيّة الأميركيّة ليل الثلاثاء الأربعاء أنّ وزير الخارجيّة مايك بومبيو دعا الحكومة العراقية إلى التحلّي بـ”أقصى درجة من ضبط النفس”. وأضاف أنّ “الذين انتهكوا الحقوق الإنسانيّة يجب أن يُحاسبوا”.
وتأتي الاحتجاجات في العراق بينما يستعدّ الجنوب لإحياء أربعينيّة الإمام الحسين، أكبر المناسبات الدينيّة لدى المسلمين الشيعة، بعد أيام قليلة.
ويتدفّق معظم الزوّار من البصرة في جنوب العراق باتّجاه مرقد الإمام الحسين في كربلاء التي تبعد حوالى مئة كيلومتر جنوب بغداد.
وكان نحو 1,8 مليون إيراني شاركوا في هذه المناسبة في 2018، حسب طهران.
وتعليقاً على هذه الأحداث، رأى المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي أنّ “الأعداء” يُحاولون دقّ إسفين بين طهران وبغداد، وذلك في تغريدة الإثنين، بعد الاضطرابات الدامية في العراق.