الإسلاميون والديمقراطية .. المخاوف والضمانات
لا يزال موقف الإسلاميين في مصر من الديمقراطية (فكرا وممارسة) مثار جدل بين مشكك في حقيقة نواياهم ومؤيد لاختبار صدق توجهاتهم.
وفيما يحاول “الأخوان المسلمون” تبديد الشكوك وتأكيد حسمهم لأي تردد في هذا الموضوع، لا زال الأمر متوقفا على قرار السلطة وموقفها العملي منهم.
في الوقت الذي يُـعلن فيه تيار الإسلام السياسي في مصر قبوله بالممارسة الديمقراطية ولتعددية السياسية وتداول السلطة،مؤكداً أن الإسلام الذي وسع “التعددية” الفقهية لا يمكن أن يضيق ذرعا بالتعددية السياسية، تُـبدي بعض القوى السياسية الأخرى تخوفها من انقلاب الإسلاميين على الديمقراطية عند وصولهم إلى السلطة.
في المقابل، يؤكّـد خبراء ومتخصصون أن التخوف ليس من الإسلام، بل من ممارسات الإسلاميين، ويطالبونهم بمزيد من الضمانات القانونية والدستورية، ويحثون السلطة الحاكمة في الوقت نفسه بفتح الباب لهم ليثبتوا صدق مزاعمهم دون التضييق عليهم.
فإذا كانت الديمقراطية عبارة عن شكل وجوهر، فإن سيادة الدستور والشفافية في الحكم واستقلال القضاء والفصل بين السلطات وحرية التعبير وصيانة كرامة الإنسان وحفظ حقوقه، تمثل حقيقة الديمقراطية وروحها، وإذا خلت الممارسة الديمقراطية من هذه المبادئ، فقد أصبحت ديمقراطية زائفة لا قيمة لها، وجسدا لا روح فيه. فالديمقراطية ليست مجرد برلمان وصندوق اقتراع، بل ثقافة وممارسة اجتماعية متكاملة.
إشكالية المرجعية..
المفكر اليساري الدكتور رفعت السعيد، رئيس حزب التجمع لا يتردد في التأكيد على أن هذه التيارات “المتأسلمة” لا تؤمن بالديمقراطية، ويقول: “إنهم يؤمنون بأن التشريع حق لله وحده، وأن البشر ليس لهم حق التشريع، ويرفضون الأغلبية البسيطة (51%) في أخذ القرارات وسن القوانين، بل ويعتبرون الديمقراطية كفرا!!”.
ويشير السيد السعيد في حديث خاص مع سويس إنفو إلى أن “الدكتور أيمن الظواهري، الساعد الأيمن لأسامة بن لادن وأحد القيادات التاريخية لجماعة الجهاد بمصر، يقول في كتابه “فرسان تحت راية النبي”: الديمقراطية فكرة كافرة، ومن يقول أنه مسلم وديمقراطي، كمن يقول، إنه مسلم ومسيحي، أو مسلم ويهودي!!”.
ويضيف السعيد: “كما أن حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928، أغلق الباب تماما أمام أي فكرة معارضة، عندما قال في رسالة “المؤتمر الخامس” عام 1938: “إن هذا المنهاج، برنامج الجماعة، كله من الإسلام، وأن أي نقص منه هو إنقاص من الإسلام…”، وهنا يعلق السعيد قائلا: “هذا الكلام خطير، لأنه يُـعطي برنامج جماعة بشرية قوة وقداسة الدين، وهو بهذا يصادر الدين لصالح جماعته”.
الدكتور عمرو الشوبكي، الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، لفت الإنتباه بدوره إلى هذه الإشكالية منبها إلى أن “المرجعية الأحادية التي يؤمن بها الإسلاميون، تجعل الآخر ينظر إلى أن خلافه معهم سيكون خلافا مع الدين واصطداما به”.
من جهتها تعتقد الدكتورة هالة مصطفى، رئيس تحرير مجلة “الديمقراطية”، التي تصدرها مؤسسة الأهرام، أن طبيعة الأفكار الإيديولوجية والسياسية لتيار الإسلام السياسي المصري، والتي تقوم على فكرة المرجعية الوحيدة التي يؤمنون بها، هي سبب تشكيك بقية السلطات والقوى السياسية، بل وفئات من المجتمع في مصداقية قبولهم بالديمقراطية وجديتهم في الالتزام بقواعد اللعبة السياسية.
وتقول السيدة هالة لسويس إنفو: “إنهم، حينما يعلنون بقبولهم لتعددية سياسية، فإنهم يضعون لها سقفا، وهو (المرجعية الإسلامية)، وعندما يصلون للسلطة، قد يقبلون بتعددية سياسية، لكنها ستكون أحادية المرجعية، فقد يقبلون بقوى وأحزاب سياسية ذات مرجعية إسلامية، يمين أو وسط، لكنهم سيرفضون القوى والأحزاب الأخرى ذات المرجعية الليبرالية أو الاشتراكية مثلا”..
ورغم ما حذر منه السيد السعيد، والدكتورة هالة، ولفت الدكتور الشوبكي النظر إليه، فإن الدكتور صلاح الصاوي، الأمين العام للجامعة الإسلامية الأمريكية المفتوحة، يؤكّـد على مرجعية الشريعة كإطار للديمقراطية والتعددية السياسية، مشيرا إلى أن “الشريعة تمثل في النظرية السياسية الإسلامية السقف الذي ينتهي إليه المتعددون” حسب قوله.
ويتساءل الدكتور الصاوي في حديثه مع سويس إنفو: “لو كان هناك حزب شيوعي مثلا يقول: لا إله والحياة مادة، فهل سيسمح له بأن يعتلي السلطة من خلال تعددية سياسية تسمح بتداول السلطة؟! ولو كان هناك من بين الأحزاب حزب يدعو إلى تبادل الزوجات، فهل سيسمح له بأن يعتلي السلطة ويدعو لما يؤمن به في ظل تداول السلطة”؟!
القيادي الإخواني الدكتور عصام العريان، عضو مجلس شورى الجماعة، حاول أن يبدد هذه المخاوف قائلا: “بخصوص مسألة المرجعية، فنحن نرفض فرض الشريعة على الناس لتكون مرجعية أحادية إجبارية، بل نقبل بخيار الشعب عبر انتخابات حرة ونزيهة، ونعتمد المرجعية التي يقبلها، لكن ماذا لو أن الشعب، الذي يدين بالإسلام ويعتنق الشريعة، اختار الشريعة وطالب بأن يكون الإسلام مرجعه الوحيد؟! هل تنزل القوى الأخرى على خيار الشعب؟!”
مخاوف ومحاذير..
وحول مسألة التخوف من انقلابهم على الديمقراطية لو وصلوا إلى السلطة، تقول الدكتورة هالة في حديث خاص لـسويس إنفو: “هذه المخاوف ليست لدى النظام الحاكم أو السلطة فقط، بل هي مخاوف كافة التيارات والقوى السياسية الموجود في المجتمع، بل هي أيضا مخاوف شعبية لدى القاعدة العريضة من الناس”.
ويتفق الدكتور عمرو الشوبكي، الذي يعمل مديرا لتحرير مجلة “أحوال مصرية” مع الدكتورة هالة في فكرة المخاوف، غير أنه يرى أن هناك في الواقع تخوفات من وصول كل القوى السياسية المصرية إلى السلطة، وليس الإسلاميين فقط، معتبرا أن هناك خصوصية للمخاوف من التيار الإسلامي بصفة خاصة، وذلك لعدة اعتبارات، في مقدمتها أنهم “التيار الأكبر والجارف، ليس في مصر وحدها، بل في العالم العربي ككل”، على حد تعبيره.
من جهة أخرى، يقول السيد رفعت السعيد: “إن كل الذين يدعون إلى دولة دينية، يرفضون الديمقراطية ويعتبرونها بـدعة نصرانية كافرة، لأنهم يفهمون بشكل خاطئ معنى “حزب الله” و”حزب الشيطان”، ومن ثم فقد يعتبرون هذا على أنه يعني أن هناك حزب واحد فقط على الحق، ألا وهو “حزب الله”، وكل ما عداه من الأحزاب هي “حزب الشيطان”، مشيرا إلى أنهم يعتمدون في رؤيتهم هذه على فهمهم لما جاء في كتاب “الأحكام السلطانية” للإمام الماوردي، عاش بعد الرسول بـ 400 سنة، الذي قال بمبدأ “أهل الحل والعقد”، ولهذا فإنهم، أي الإخوان، يعتبرون أنفسهم “جماعة المسلمين”، وليسوا “جماعة من المسلمين”.
وفي معرض الرد على هذه الإتهامات يقول عصام العريان: “نحن أولا، لا نطالب بدولة دينية، بل بدولة مدنية ذات مرجعية إسلامية. وثانيا، لا نقول بأن الديمقراطية بِـدعة كافرة، بل نقبل الديمقراطية والتعددية السياسية، ونحترم الآخر ونسعى للتحاور مع من يخالفوننا في الرأي”، ويضيف: “نحن لا نصنّـف الأحزاب على هذا النحو، بل نقبل بتعددية حزبية حقيقية، ونعترف بحقها في عرض وجهة نظرها، ولا نحجُـر عليها الرأي، كما أود أن أؤكد مجددا، نحن لسنا جماعة المسلمين، وإنما جماعة من المسلمين، وهذا الكلام قديم قاله مرشدو الجماعة السبع عبر سنواتها الـ 76 منذ إنشائها وحتى اليوم”.
خداع ومناورة!!
من جهته يصر الدكتور رفعت السعيد على وصف الإخوان المسلمين في مصر بأنهم “مخادعون”،ويقول: “إنهم، وإن كانوا يُـظهرون إيمانهم ببعض مبادئ الديمقراطية ويقبلون الترشيح للبرلمان، وإن كان لهم نواب الآن في البرلمان، فإنهم يُـخادعون، لأنهم مازالوا أقلية، ولو كانوا أغلبية لرأيتهم على حقيقتهم، فهم يطبّـقون قاعدة فقهية تقول، (الضرورات تُـبيح المحظورات)”، ويضيف : “هم يَـدّعون إيمانهم بالديمقراطية، ويمالئون ليصلوا إلى السلطة، وهذا هو مصطفى مشهور، مرشدهم الخامس الذي يقول، (نحن نقبل بالديمقراطية حتى نصل إلى السلطة)، فكلامهم عن الديمقراطية أكاذيب، لأنهم في الواقع العملي طبّـقوا غيره. فقد جاء في مجلة الدعوة عام 1950، على لسان صالح عشماوي، أحد قيادات الجماعة، أنهم عندما اختلفوا حول قضية عبد الحكيم عابدين، قال لهم البنا: “للمرشد أن يُـخالف إجماع أهل المجلس”.
أما الدكتورة هالة مصطفى فتذهب إلى أن “موقف الإسلاميين من الديمقراطية يحمل كثيرا من البراغماتية أو الانتهازية السياسية، فهم يُـبدون اليوم أنهم يقبلون بالديمقراطية، ويطالبون بتأسيس حزب لهم، ويرشحون أعضاء منهم للبرلمان، ويسعون للحوار مع القوى السياسية الأخرى، و…. إلخ، كل هذه خطوات تكتيكية حتى يصلوا إلى السلطة، وعندها سيرفضون الآخر ويقصونه، ويُـظهرون الوجه الآخر للديمقراطية”، وتضيف محذرة: “لا تنسى أنك تتكلّـم عن حركة سياسية ذات تاريخ طويل، تُـجيد المراوغة والمناورة السياسية”..
لكن الدكتور العريان يرفض في حديث خاص مع سويس إنفو القول بأن “الإخوان يناورون أو يخادعون”، ويؤكد: “ما كنا في يوم من الأيام طلاب سلطة، ولا نسعى لأن نحكم، بفتح النون، بالإسلام، وكل هدفنا أن نَُحكم، بضم النون، بالإسلام، وأن تُـتاح الفرصة ليقدّم الإسلام إلى الناس حلولا ناجعة لمشاكلهم، ونحن لا نعرف المراوغة أو المناورة، وتاريخنا عريق في الكفاح الوطني، ولم نبخل على أوطاننا بخيرة رجالنا الذين قدموا حياتهم رخيصة في سبيل الله”، مشيرا إلى أن “الجماعة تخطّـت الماضي، وطرحت رؤيتها السياسية واضحة من خلال مبادرة المرشد مهدي عاكف، التي أعلنها في نقابة الصحفيين المصريين في 3 مارس 2004”.
ضمانات الديمقراطية
وبخصوص الضمانات التي تطالب بها جهات عديدة والتي يجب أن تتوفّـر حتى لا ينقلب الإسلاميون في حال مشاركتهم أو وصولهم إلى السلطة، قال الشوبكي، “لابد من وجود مؤسسات وقواعد ديمقراطية تطبَّـق على الجميع، فضلا عن وجود ضمانات قانونية ودستورية يلتزم بها الجميع في ممارسته للعملية السياسية. فعملية دمج أو مشاركة الإسلاميين في السلطة، يجب أن يمر بمراحل تطور طبيعية تأخذ الوقت اللازم لإنضاجهم سياسيا بما يتلاءم مع متطلبات الممارسة الديمقراطية”.
وأضاف عمرو الشوبكي، المتخصص في شؤون النظام السياسيي المصري وحركات الإسلام السياسي: “أيضا، لابد من بناء مؤسسات ديمقراطية، ووضع قواعد للمنافسة الديمقراطية، ووضع آليات ديمقراطية لمسألة تبادل السلطة، وعلى الجانب الآخر، على الإسلاميين أن يؤمنوا ويُـظهروا أكبر قدر ممكن من الاحترام للقواعد الديمقراطية، تماما كما فعل التيار الإسلامي في تركيا”، مشيرا إلى أن التجربة التركية قد لقيت – حتى الآن – نجاحا ملموسا بدليل إصرارها على الانفتاح على الاتحاد الأوروبي، بل إن الإسلاميين الأتراك أثبتوا بالممارسة السياسية أنهم “أكثر احتراما والتزاما وحِـرصا على الديمقراطية من التيار العلماني نفسه” على حد قوله.
وفي رده على هذه المطالب، أوضح العريان أن هناك خمس ضمانات بإمكانها أن تُـبدد مخاوف السلطة والقوى السياسية الأخرى من انقلاب الإسلاميين على الديمقراطية في حال مشاركتهم في السلطة أو وصولهم إليها وهي:
– الضمانة الأولى، والأهم هي نُـضج الشعب ووعيه السياسي بما يجعله قادرا على التمييز، ومن ثم قبول أو رفض ما يُـعرض عليه.
– والضمانة الثانية، هي الالتزام بالقوانين والآليات التي تضمن الوصول السلمي إلى السلطة.
– الالتزام بقواعد العملية السياسية، وقبول الآخر والتحاور معه وفق القواعد الديموقراطية المقررة.
– عدم القبول أو السماح لأي قوى خارجية بالتدخل في هذه العملية من قريب أو من بعيد، واعتبار ذلك شأنا داخليا.
– الضمانة الأخيرة، وهي التسامح وقبول التعددية السياسية انطلاقا من كونها أحد ركائز الفكر الإسلامي، بل والعقيدة الإسلامية.
وصايا لكافة الأطراف
وفيما يقرر العريان قبول تيار الإسلام السياسي لفكرة وآليات وقواعد الديمقراطية، وقبوله بالأغلبية البسيطة، غير أنه يقول، “لنا رؤيتنا التي نستمدّها من فهمنا للإسلام كدين ومنهج حياة، وكما أن للآخر الحرية في استمداد رؤيته مما يؤمن به، فأعتقد أن لنا الحرية في ذلك، مع إقرارنا بحق الجميع في الاختلاف معنا، لكن دون الحَـجر علينا”.
وتشير الدكتورة هالة من جهتها إلى أن “المطلوب منهم، إن كانوا صادقين فيما يدّعون من قبولهم للعمل وفق مبادئ الديمقراطية، أن يُـظهروا حسن النية بداية، وأن يقدموا كافة الضمانات التي يكفلها القانون والدستور في مثل هذه الأمور، حتى لا ينقلبوا على الديمقراطية بعد ذلك، ويطيحوا بمعارضيهم”، محذرة في الوقت نفسه “من تكرار النموذج الإيراني الذي يدّعي قبوله بالديمقراطية، ويأخذ بفكرة الانتخابات التنافسية، في الوقت الذي يرفض فيه التعددية السياسية في إطار اختلاف المرجعيات”!
ويذهب الدكتور الشوبكي إلى التأكيد على أنه “لابد أن يتعلم الإسلاميون كيف يمارسون الديمقراطية ويطبّـقون قواعدها، ويحترمون الآخرين، بما يجعل السلطة والقوى السياسية الأخرى، فضلا عن المجتمع بشرائحه المختلفة، يستشعرون الأمان من دخول الإسلاميين في الحلبة السياسية، كما يجب أن يعلم الإسلاميون أن من يخالفوهم في الرأي، لا يختلفون مع الدين، وإنما مع تفسير وفهم بشري للدين”.
ويختتم عمرو الشوبكي حديثه مع سويس إنفو قائلا: “المسألة تحتاج لبذل جُـهد من كل الأطراف. ففيما يجب على القوى السياسية، ذات المرجعية غير الإسلامية، أن تقبل بوجود الإسلاميين في العملية السياسية، بل وتصر على ذلك، يجب على الإسلاميين أن يُـبدوا احتراما للقواعد الديمقراطية ويقدموا الضمانات الكافية لطمأنة الآخرين وإزالة مخاوفهم، فإنه حري بالسلطة الحاكمة أن تفتح الباب أمام الإسلاميين للدخول إلى العملية السياسية من الباب الرسمي بلا تضييق”.
وفي انتظار حدوث كل ذلك، تظل الساحة السياسية المصرية مفتوحة على كل الإحتمالات قبل أشهر قليلة من مواعيد انتخابية برلمانية ورئاسية مهمة.
همام سرحان – القاهرة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.