مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الإصلاح بين “مماطلة” الأنظمة و”كـفـاح” النشطاء!!

الآنسة هبة الشاذلي، نائب المدير الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في "المعهد الوطني الديمقراطي الأمريكي للشؤون الدولية" بواشنطن swissinfo.ch

شعر الكثير من الإصلاحيين في العالم العربي بأن المبادرة الغربية الأخيرة قد تخضع للمماطلة من قبل أنظمة عربية اعتادت على الإفلات من رياح التغيير.

في المقابل، أكدت مسؤولة في المعهد الوطني الديمقراطي الأمريكي للشؤون الدولية أنه لن يكون أمام الولايات المتحدة ودول الغرب إلا “أن تتعامل مع نتائج الانتخابات”..

بعد أن نجحت فرنسا في تخفيف الصياغة الحاسمة التي كانت تطالب الدول العربية بضرورة القيام بإصلاحات محددة، وخرجت مبادرة قمة الثمانية باسم “الشراكة من أجل التقدم” خالية من آليات واضحة للتنفيذ، وجعلت الإصلاح مسألة اختيارية بحسب رغبة كل دولة في الشرق الأوسط، شعر الكثيرون من الإصلاحيين بأن المبادرة الجديدة قد تخضع للمماطلة والمراوغة من قبل أنظمة عربية اعتادت أن تستخدم دهاءها السياسي للإفلات من رياح التغيير، وأن عليهم أن يبدءوا طريق الكفاح للدفع باتجاه التغيير واستغلال قوة الدفع الداخلية والخارجية كفرصة تاريخية للحاق بركب الدول الديمقراطية.

التقت سويس إنفو في واشنطن الآنسة هبة الشاذلي، نائب المدير الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المعهد الوطني الديمقراطي الأمريكي للشؤون الدولية، والمعني بالسعي لترسيخ الممارسة الديمقراطية في أنحاء العالم من خلال تقديم المساعدة العملية والفنية للمنظمات غير الحكومية وللزعماء السياسيين الساعين لإشاعة القيم الديمقراطية وتعزيز مشاركة المواطن واعتماد الشفافية والمساءلة في الحكم.

سألناها في البداية عن تقييمها للمبادرة الأخيرة والتحديات التي تواجه عملية الإصلاح في العالم العربي، فقدمت ثلاثة انتقادات للمبادرة:

أولا، أخفقت في توفير الحسم والحزم اللازمين لعدم تملّـص الأنظمة العربية من ضرورة القيام بالإصلاحات حينما جعلت مسألة الإصلاح تتوقف على رغبة كل حكومة، وبذلك خففت كثيرا من فعالية الضغط والدفع باتجاه التغيير، غير أن المبادرة الأمريكية الأصلية كانت قد أسهمت في تشجيع المطالبة من داخل المجتمعات العربية بالإصلاح، ولن يمكن وقف تيار المناداة بالإصلاح في العالم العربي بعد الآن.

ثانيا، لم تقدم المبادرة آلية واضحة ومحددة للتنفيذ، واقتصرت على فكرة المنتدى السنوي لمراجعة أوضاع الإصلاح في الشرق الأوسط.

ثالثا، تميل المبادرة إلى التعامل في قضايا الإصلاح مع الحكومات بشكل أكبر من التعامل مع منظمات المجتمع المدني، وهو بمثابة أن نطلب من الثعلب حماية الدجاج!

تحديات تواجه عملية الإصلاح في العالم العربي

ومع ذلك، ترى خبيرة التحول الديمقراطي أنه يتعيّـن على منظمات المجتمع المدني العربية أن تستفيد من تجربة دول أوروبا الشرقية حينما قادت نقابات العمال حركة المطالبة والضغط الداخلي من أجل التغيير بنفس الفعالية التي مارستها الحركة العمالية بقيادة ليش فاليزا في بولندا مثلا وتنسيق الجهود مع كل الإصلاحيين، سواء السياسيين أو من رجال الأعمال والمثقفين مع الاستفادة من الضغوط الخارجية ومواصلة إطلاع دول قمة الثمانية على ما يلزم من خطوات لتحقيق الإصلاحات التي يطمح الشعب إليها.

وتحدثت هبة الشاذلي عن التحديات التي تواجه عملية الإصلاح في العالم العربي من خلال “مبادرة الشراكة مع الدول الثماني الصناعية الكبرى” فعددت التحديات التالية:

أولا، من الناحية التاريخية لم يتحول الضغط الشعبي العربي من أجل الإصلاح إلى آلية للدفع باتجاه التغيير والإصلاح الحقيقي وليس الشكلي، وذلك بسبب المساندة التقليدية من الولايات المتحدة لزعامات وأنظمة حكم غير ديمقراطية في العالم العربي. لذلك، فإنه حتى عندما بدأت الولايات المتحدة في الضغط باتجاه التغيير في أعقاب إدراكها أن قصور الممارسة الديمقراطية في العالم العربي وما انطوت عليه من مظالم سياسية واجتماعية عرّض أمنها القومي للخطر بهجمات سبتمبر الإرهابية، فإن ضغوط واشنطن لم تحظ بأي مصداقية في الشارع العربي بعكس اتساق الضغوط الأمريكية في حالة أوروبا الشرقية مع الضغط الشعبي من الداخل للمطالبة بالتحول الديمقراطي، ومما زاد من مشكلة فقدان مصداقية الولايات المتحدة في العالم العربي الموقف الأمريكي المساند لشارون ثم الغزو الأمريكي للعراق وعدم نجاح الطرح القائل بأن الغزو سيحول العراق إلى نموذج رائد للديمقراطية في المنطقة.

ثانيا، احتمال لجوء بعض الحكومات العربية إلى التسلل بنفوذها إلى مؤسسات المجتمع المدني، بحيث تصبح أحزاب المعارضة ومنظمات حقوق الإنسان شكلية لمجرد إيهام الآخرين بوجود أشكال من الإصلاح.

ثالثا، الفجوة الحالية التي تفصل بين النشطين في منظمات المجتمع المدني في الدول العربية، وبين المواطن العربي العادي الذي تحول إلى إنسان صامت قانع ببقاء الحال على ما هو عليه مقابل مجرد الحفاظ على البقاء، مما يحول دون أن تعبر تلك المنظمات بشكل ديمقراطي عن جماهير الشعب أو تحظى بالمساندة الشعبية لها.

رابعا، الوقوع في شرك المساواة بين مبادرة هلسنكي التي تعاملت مع التحول الديمقراطي في أوروبا الشرقية، وبين عملية الإصلاح المطلوبة في العالم العربي رغم اختلاف الديناميكيات في الحالتين.

خامسا، ضرورة التركيز على برامج اقتصادية توفر المزيد من الفرص الاقتصادية للمواطنين العرب لدعم الطبقة المتوسطة التي تآكلت في كثير من الدول العربية ومنها مصر، وهي طبقة يلزم نموها ونفوذها لقيادة عملية التحول نحو الديمقراطية.

سادسا، ضرورة تغيير علاقة الحاكم بالمواطن، وتعميق الإحساس بمعنى المواطنة وتنمية المشاركة السياسية في المجتمعات العربية، بحيث يشعر المواطن بأهمية ممارسة حقه في الانتخاب وحرية التعبير وحقوقه الإنسانية الأخرى.

سابعا، استمرار العمل بقوانين الطوارئ والنظم البوليسية المتّـبعة في عدد من الدول العربية، والقيود المفروضة على الإعلام وحرية الصحافة، مما يخنق المناخ المواتي للتحول نحو الديمقراطية.

وخلصت المسؤولة عن الشرق الأوسط في المعهد الديمقراطي الأمريكي إلى أن الشرق الأوسط تنطبق عليه الآن مقولة تشارلز ديكنز: “المرحلة الحالية تشكّـل أفضل الأوقات وأسوأها في الوقت نفسه”، وشرحت ذلك بقولها: “إن المرحلة إيجابية بسبب التركيز الذي لم يسبق له مثيل على قضايا الإصلاح والتحول نحو الديمقراطية بشكل خلق الكثير من فرص الانفتاح السياسي في العالم العربي، وهي مرحلة سلبية لأن الشرق الأوسط يمر بقدر كبير من عدم الاستقرار والإرهاب، مما يضع الديمقراطيين والإصلاحيين الحقيقيين في موضع الخطر الحقيقي”.

هل ستقبل أمريكا بوصول الإسلاميين إلى الحكم؟

طرحت سويس إنفو هذا السؤال على الآنسة هبة الشاذلي في إطار ما يمكن أن يحدث إذا مضت مسيرة الإصلاح والتحول نحو الديمقراطية وتم إجراء انتخابات نزيهة وحرة قد تفضي إلى نجاح أحزاب لها توجهات إسلامية فقالت: “لن يكون أمام الولايات المتحدة ودول الغرب إلا أن تتعامل مع نتائج الانتخابات وما قد تسفر عنها في بعض الأحوال من وصول حركات إسلامية إلى الحكم عن طريق صناديق الاقتراع، والمشكلة أن بعض الحكام العرب يوهمون الولايات المتحدة ودول الغرب بأنه لو وصل الإسلاميون إلى الحكم عن طريق الانتخابات، فستكون تلك نهاية للممارسة الديمقراطية وآخر انتخابات يتم إجراؤها، وهو افتراض خاطئ، خاصة وأن التحول نحو الديمقراطية لا يبدأ مباشرة بإجراء الانتخابات، وإنما تسبقه عملية بناء المؤسسات الديمقراطية وإشاعة الثقافة الديمقراطية وتقوية الأحزاب الحقيقية التي تمثل الشعب وتطرح طموحاته وآماله، ولا يعني وصول حركات إسلامية في نهاية المطاف إلى سدّة الحكم أنها لا تؤمن بالضرورة بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة. فكثير من الأحزاب والحركات الإسلامية تؤمن كذلك بالقيم الديمقراطية، ولا ترى تعارضا بين الديمقراطية والإسلام”.

وأعربت المسؤولة في المعهد الوطني الديمقراطي عن اعتقادها بأن الإصلاح في المنطقة العربية سيحدث حتما، وأنها فقط مسألة وقت، واستشهدت على ذلك بتعدد الإعلانات الصادرة من المجتمع المدني العربي عن ضرورة التحول الديمقراطي والإصلاح والتي تزداد جسارة يوما بعد يوم، وكان آخرها إعلان الدوحة الذي طالب بإدخال إصلاحات دستورية في الدول العربية، وأكد عدم وجود تناقض بين الإسلام والديمقراطية، وشدد على أهمية المشاركة السياسية للمرأة العربية وضرورة استقلال ونزاهة القضاء ومكافحة الفساد، وتحديد مدة الرئاسة المسموح بها لكل رئيس دولة عربية، وإزالة ووقف العمل بقوانين الطوارئ وإجراء انتخابات نزيهة وحرة بشكل متكرر مع إبعاد المؤسسات العسكرية عن المعادلة السياسية، وضرورة توازي الإصلاح الاقتصادي مع الإصلاح السياسي والاستعانة بالضغوط الخارجية المساندة للإصلاح لضمان استمرار مسيرة التحول الديمقراطي في العالم العربي، ورفض استغلال القضية الفلسطينية لتأجيل الإصلاح.

التغيير قادم حتما في العالم العربي

ويتفق السفير حسين حسونة، سفير الجامعة العربية في واشنطن مع هبة الشاذلي في أنه لن يمكن تجنب الإصلاح في العالم العربي بعد الآن، ونبّـه إلى أن الجامعة العربية تبنّـت، ولأول مرة في تاريخها، إعلانا يتعلق بالإصلاح في العالم العربي في شكل تصور جماعي لكيفية الإصلاح النابع من دول المنطقة، والذي تتوفر له المصداقية والشرعية لأنه ليس مفروضا من الخارج.

وأشار السفير حسونة إلى أن إعلان الجامعة العربية، وإن كان قد افتقر إلى آلية للتنفيذ، فإنه تطرق إلى حرية التعبير وحقوق الإنسان ودور المرأة في المجتمعات العربية، وبذلك يتفق في كثير من القضايا مع مبادرة الشراكة من أجل التقدم التي طرحتها قمة الدول الثماني، خاصة بعد أن أخذت في الاعتبار طموحات العالم العربي من خلال الإشارة إلى الحاجة إلى تسوية الصراع العربي الإسرائيلي، والذي يجب ألا يقف كعقبة أمام التحرك نحو الإصلاح.

غير أن الدكتور حسين حسونة نبّـه إلى أنه إذا كانت مبادرة قمة الثماني قد سُـمِـيت بالشراكة من أجل التقدم، فإنها يجب أن تنطوي على آليات لتنفيذ الإصلاح، وليس أوامر من الدول الثماني إلى دول الشرق الأوسط.

وقال سفير الجامعة العربية في واشنطن، إن لمصر دور بالغ الأهمية في قيادة مسيرة الإصلاح في العالم العربي، ودلّـل على ذلك بأنه من الناحية التاريخية، فإن مصر هي أكثر الدول العربية تأهلا لقيادة الإصلاح والتحول نحو الديمقراطية في العالم العربي، بالنظر إلى أنها من أقدم النظم الدستورية في العالم العربي، كما أن أول برلمان مصري قد مارس نشاطه النيابي في القاهرة في القرن التاسع عشر بالإضافة إلى أن هناك في مصر أضخم عدد من الجمعيات الأهلية والمنظمات غير الحكومية في العالم العربي ولها تجاربها ورصيدها الضخم من الخبرات، كما أن مصر كانت ولا زالت القوة الدافعة الرئيسية في داخل جامعة الدول العربية.

الضغوط ستدفع باتجاه الإصلاحات

أما الدكتور عبد المنعم سعيد، مدير مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية والباحث الزائر حاليا بمعهد بروكنغز المرموق في واشنطن، فيري أن المتطلبات الاجتماعية الاقتصادية للإصلاح تقتضي خلق طلب سياسي على التحول نحو ذلك الإصلاح، ولكن واقع الحال في العالم العربي يقول بأن الطلب السياسي التقليدي في الدول العربية مُـركّـز على تحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي، وحديثا، أضيف الطلب السياسي على تحرير العراق من الاحتلال الأجنبي، ولكن ليس هناك مظاهرات شعبية في أي من الدول العربية للمطالبة بالديمقراطية أو الإصلاح.

ولذلك، أعرب الدكتور عبد المنعم سعيد عن اعتقاده بأنه طبقا لنظرية الديمقراطية الليبرالية، فإن نشوء الديمقراطية كان دائما مرتبطا بتوفر طبقة متوسطة متنامية الحجم والنفوذ في المجتمع لتقود مسيرة التحول نحو الديمقراطية. ولذلك، يري أن جهود العالم الخارجي في مساعدة عملية الإصلاح في العالم العربي يجب أن تركّـز على خلق الطلب على الإصلاح والتحول نحو الديمقراطية من خلال توسيع نطاق ونفوذ الطبقة المتوسطة.

وأشار الدكتور عبد المنعم سعيد إلى أنه من الناحية التاريخية كانت هناك أربع طرق للتغيير في المجتمعات:

أولا، التغيير القسري بأن تذهب قوات من دولة إلى أراضي دولة أخرى وتحدث التغيير بالقوة المسلحة.

ثانيا، خلق ظروف اقتصادية تُـسهم في توسيع حجم ونفوذ الطبقة المتوسطة لتقود عملية التحرك نحو الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي، مثلما حدث في سنغافورة وكوريا الجنوبية.

ثالثا، التحول الثوري بتغيير النظام السياسي، مما فتح المجال أمام تغييرات اقتصادية وديمقراطية، مثلما حدث في دول أوروبا الشرقية.

رابعا، النموذج التقليدي الذي يتم فيه التغيير بتطور تدريجي متواصل للممارسة الديمقراطية على مدى عدة أجيال، كما حدث في أوروبا الغربية والولايات المتحدة.

وأعرب الدكتور عبد المنعم سعيد عن اعتقاده بأن ظروف دول العالم العربي أقرب ما تكون إلى النموذج التقليدي المتدرج في عملية التحول نحو الديمقراطية. وخلص إلى أنه ليس بوسع مبادرة قمة الثماني أن تحول الشرق الأوسط إلى واحة للديمقراطية، وإنما ما سيدفع المنطقة باتجاه الإصلاح هو مجموعة الضغوط التي تولدها الأحداث والتفاعلات داخل المنطقة العربية.

كما أن المنتدى الذي سيجمع سنويا بين الدول العربية والدول الصناعية الكبرى سيكون فرصة للنظر فيما يتحقق سنويا من خطوات الإصلاح في العالم العربي، وهو تطور إيجابي بشرط ألا تتحول المراجعة السنوية في ذلك المنتدى إلى فرصة للعقاب فقط وقال مازحا: “إذا أقدمت مصر على خطوة تعتبر طيبة بالنسبة لإسرائيل، يميل الجميع إلى نسيان ما إذا كانت مصر قد نفّـذت ما وعدت به من إصلاحات. أما إذا صدر عن مصر شئ يُـسئ إلى إسرائيل، تصبح الولايات المتحدة مهتمة بشكل غير عادي ومفاجئ بأن مصر ليست دولة ديمقراطية بشكل كامل!”

محمد ماضي – واشنطن

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية