مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“الإعـداد جيّد .. لكن المعضلة أمنية”

Keystone

وصف مدير مكتب الاتصال السويسري في بغداد السفير مارتين إيشباخر عملية الإعداد للانتخابات العراقية بـ"الجيدة جدا" من الناحية التقنية وبـ"المعجزة تقريبا".

في المقابل، شدد السفير إيشباخر في حديثه مع “سويس انفو” على أن العنصر الأمني يظل المشكلة الرئيسية لكافة الأطراف المعنية بهذه الانتخابات.

سويس انفو: هل تعتقدون أن انتخابات الجمعية الوطنية الانتقالية العراقية ستجرى في موعدها المقرر يوم 30 يناير؟

السفير مارتين إيشباخر: على ما يبدو، نعم. يبدو أن التاريخ الآن ثابت.

سويس انفو: ما هو تقييمكم الإجمالي لمرحلة الإعداد لهذه الانتخابات؟

السفير مارتين إيشباخر: العملية الانتخابية هي أصلا عملية عراقية. المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية هي المسؤولة عن تهيئة الانتخابات، ولكن بمساعدة ومشاورة الأمم المتحدة. إذا أخذنا بعين الاعتبار الظروف الصعبة جدا، يمكن أن أقول أن التهيئة للانتخابات جيدة جدا.

التقيت في بعض الأحيان بهؤلاء الناس، وهم شرحوا لي (ظروف عملهم). أظن أنهم قاموا من الناحية التقنية بمعجزة تقريبا. طبعا تبقى القضية الأمنية هي المشكلة الرئيسية. ولكن الأمن ليس مسؤولية المفوضية العليا، بل هو مسؤولية الحكومة ويبدو أنها هيئت على قدر المستطاع هذا الجانب بشكل جيد. ولكن يبقى الأمن طبعا مشكلة كبيرة. هذا أمر أكيد، وتتفاوت حسب المناطق الجغرافية.

سويس انفو: هل تعتقدون إذن أن شروط إجراء انتخابات نزيهة وذات مصداقية متوفرة في العراق؟

السفير مارتين إيشباخر: ليس علي كمراقب أجنبي أن أحكم في هذا الأمر، ولكنني أستطيع أن أقول أن مشاركة الأمم المتحدة في التهيئة للانتخابات وجودة هذه التهيئة من الناحية التقنية تدعوان إلى التفاؤل.

القضية الحساسة هي إمكانية مشاركة الناخب من الناحية العملية، حيث يمكن ويحق لكل عراقي أن يشارك في الانتخابات. ولكن في بعض المناطق، قد يخاف بعض الناخبين من التوجه إلى صناديق الاقتراع، وهنا تكمن المشكلة. وتختلف هذه المشكلة من منطقة إلى أخرى. حتى داخل بغداد قد تسير بسهولة في بعض الأحياء، بينما تخاف الأكثرية من الناخبين الذهاب إلى صناديق الإقتراع في أحياء أخرى.

سويس انفو: بصفة عامة، هل تلحظون اهتماما حقيقيا من طرف العراقيين بسير الحملة الانتخابية في ظل استمرار العنف؟

السفير مارتين إيشباخر: أنا متقوقع في بغداد. ولهذا أستطيع أن أتحدث فقط عن بغداد بحكم احتكاكي المباشر بالعراقيين هنا. ولكن حسب ما أعرف وأسمع، أنه في المناطق الشمالية الكردية وأيضا في المناطق الجنوبية بشكل عام، الاهتمام والاندفاع كبيران. وإذا ما أخذنا عدد القوائم وعدد الأحزاب وعدد المرشحين، فهنالك اهتمام كبير جدا. فالنسبة لانتخابات المجلس الوطني، هنالك أكثر من سبعة آلاف مرشح. أضف إلى ذلك الانتخابات في المحافظات وفي كردستان، فهنالك أكثر من تسعة عشر ألف مرشحا. فمن حيث كثرة المرشحين، هنالك اهتمام كبير على ما يبد.

لما أتكلم مع الناس من كل الفئات هنا في بغداد، ألحظ آراء مختلفة جدا. هنالك من يقول أنا سأذهب على أي حال وأنتخب، هنالك من يقول أنا أرغب في المشاركة ولكن سأقرر في آخر لحظة حسب الوضع الأمني، هنالك من يقول أنا أصلا أرغب في المشاركة ولكن أخاف، وهنالك من يقول أنا لا أريد أن أنتخب لأنني لا أهتم بهذا الموضوع أو ذلك لن يغير شيئا. تماما مثلما يمكن أن يحدث في سويسرا أيضا. وهنالك من يقول لا أريد أن أشارك في الانتخابات لأنها تجري في ظل الاحتلال.

أظن أن الآراء تختلف جدا من شخص إلى آخر. وفي بغداد، لا أتوقع مشاركة كبيرة جدا، بسبب الأوضاع الأمنية على وجه التحديد.

سويس انفو: تقاطع العديد من الأحزاب والتيارات العراقية، وخاصة في صفوف السنة، الانتخابات القادمة. ما الذي يمكن أن ينتج عن ذلك في المستقبل حسب رأيكم؟

السفير مارتين إيشباخر: هنا يجب التمييز بطبيعة الحال. هنالك بين السنة من يقاطع مثل هيئة علماء المسلمين، وهنالك من انسحب ولكن لا يقاطع ولا يدعو إلى المقاطعة مثل الحزب الإسلامي العراقي. هنالك من يشارك أيضا من أحزاب سنية أو شخصيات سنية. ولا بد من القول إن المقاطعة ليست مجرد سنية، وإنما هنالك جهات أخرى تدخل في المقاطعة. لا نعلم إن كان الناخبون أنفسهم يريدون مقاطعة الانتخابات، ولن نعلم ذلك بدقة لأن العنصر الأمني قد يغطي على عنصر المقاطعة.

الكل يرغب في أن تكون هذه الانتخابات شاملة وأن تشارك فيها أغلبية الناس. وفي نفس الوقت نعلم أن المشاركة ستكون في المناطق التي تعرف وضعا أمنيا صعبا. وذلك قد يؤثر نوعا ما في النتيجة. ولكن إذا أخذنا العملية السياسية كما هي مقررة في الدستور المؤقت أو قانون إدارة الدولة، سينتخب المجلس الوطني مجلسا رئاسيا بثلثي الأعضاء، والذي بدوره سيعين بالإجماع رئيس الوزراء. معنى ذلك أنه حتى إذا كانت هنالك مقاطعة، فذلك لا يعني أن هنالك أكثرية ستسيطر على الأقلية. من هذه الناحية أنا متفائل نوعا ما.

سويس انفو: وكيف تفسرون عدم وجود مراقبين أجانب في انتخابات مصيرية وحاسمة من شأنها أن تحدد مستقبل العراق؟

السيد مارتين إيشباخر: حسب ما أعلم، يُرحبُ بالمراقبين الدوليين والمحليين. ولكن لا أتوقع أن يكون هنالك مراقبون دوليون بسبب الوضع الأمني. حسب ما قرأت اليوم (18 يناير 2005)، هنالك حتى الآن أكثر من 5000 مراقبا محليا وهم ينتمون لفئتين، فئة المنظمات غير الحكومية، وفئة ممثلي الأحزاب المشاركة في الانتخابات. وهذا يعطي بعض الضمانات لنزاهة سير هذه الانتخابات وعملية فرز الأصوات.

عدم وجود المراقبين الدوليين شيء مؤسف، ولكن مفهوم من الناحية الأمنية. ثم إن وجود مراقبين دوليين ليس إجباريا وشرطا ملزما لنزاهة الانتخابات لأن هنالك مراقبين عراقيين. واعتقد أن العنصر المحلي أهم من العنصر الدولي.

سويس انفو: هل ساهمت سويسرا بشكل أو بآخر في الإعداد لهذه الانتخابات؟

السفير مارتين إيشباخر: لا. لأنه كما قلت العملية هي عراقية وأهم مساعدة جاءت من الأمم المتحدة التي سويسرا عضو فيها، وهنالك أيضا أظن بعض المساعدة من قبل الاتحاد الأوروبي، ولكن مبدئيا ما عدا الأمم المتحدة، لم تشارك كثير من الدول في التهيئة للانتخابات، سويسرا لم تشارك في هذه العملية.

سويس انفو: كيف ستتعامل سويسرا في رأيكم مع الأطراف التي لن تشارك في انتخابات الثلاثين من يناير؟

السفير مارتين إيشباخر: أنا كدبلوماسي متواجد هنا، أهم الشخصيات التي أحتك بها هي السلطات المحلية، ولكن الدبلوماسي يقابل كافة شرائح المجتمع. فطبعا، يبقى الحوار مستمر مع القوى الديمقراطية في البلد.

سويس انفو: رغم الانتقادات والصعوبات، يرى البعض أن الانتخابات المقبلة قد تشكل فرصة للخروج من مرحلة الاحتلال الأجنبي للعراق، هل تشاطرون هذا الرأي؟

السفير مارتين إيشباخر: نعم من حيث أن الانتخابات هي جزء مهم جدا من العملية السياسية وأكثر ما تتقدم العملية السياسية كيفا وكما، أسرع ما تستطيع الدولة العراقية أو الحكومة العراقية أن ترتب الأمور في الداخل، وأقل ما تحتاج إلى قوات أجنبية، وأسرع ما تستطيع القوات الأجنبية الانسحاب من العراق.

سويس انفو: أنتم متفائلون بشأن المستقبل؟

السفير مارتين إيشباخر: أنا متفائل مع بعض الحذر. الوضع في العراق وضع صعب طبعا، ولا نتوقع معجزات. وأنا لا أتوقع أن يصبح كل شيء على ما يرام بعد الانتخابات. ولكنني أظن أن الانتخابات ستساهم على الأرجح في تحسين الوضع إن شاء الله.

سويس انفو: بعد أكثر من عام ونصف من وصولكم إلى بغداد، هل اتضحت لكم المجالات التي يمكن لسويسرا أن تقوم فيها بدور إيجابي في العراق؟

السفير مارتين إيشباخر: تتواصل المساعدات الإنسانية السويسرية في العراق منذ سنوات وخاصة في الفترات الأخيرة، في مجال المياه ومجال الصحة على سبيل المثال. هذه المساعدات موجودة وستستمر طالما هنالك حاجة إليها.

بدأنا أيضا في تنفيذ بعض المشاريع المشتركة، فقد تحولت مجموعة من الدبلوماسيين الشبان العراقيين إلى سويسرا لتلقي دورة تدريبية. هنالك أيضا بعض أعضاء وزارة حقوق الإنسان في سويسرا حاليا لمتابعة دورة تدريبية أيضا. وهنالك مشاريع كثيرة قد تساعد سويسرا في تعزيزها مثل قضية حقوق الإنسان، أو المجال الثقافي.

كل شيء ممكن ولكن طبعا إذا ما استتب الأمن قليلا، هنالك إمكانية إسهام القطاع الخاص السويسري المهتم بالعراق. وأتمنى أن يسمح الوضع الأمني عما قريب بمساهمة أكبر للقطاع الخاص السويسري في شتى المجالات.

إصلاح بخات وكمال الضيف – سويس انفو

يترأس السفير مارتين ايشباخر مكتب الاتصال السويسري في بغداد منذ 6 مايو 2003.
هو دبلوماسي في الخمسين من العمر، متخصص في شؤون العالم العربي والدراسات الإسلامية.
تابع الدراسات الإسلامية والأدب العربي في جامعات برن (سويسرا) ودمشق وحلب (سوريا) ما بين 1975 و1983.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية