الإمساك بالعصا من “الوسط”
استأثر موضوع الإصلاح السياسي في البلدان المغاربية الرئيسية باهتمام غير مسبوق من جانب واشنطن وباريس وعدد من الشركاء الأوروبيين.
وفيما كرر باول وشيراك أهمية توسيع العملية الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وضمان الحريات، تنظر النخب السياسية والحقوقية بشيء من الريبة إلى هذا التطور.
استأثر موضوع الإصلاح السياسي في البلدان المغاربية باهتمام واشنطن وباريس في آن معا بمناسبة جولة وزير الخارجية الأمريكي كولن باول المغاربية يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين على عواصم المنطقة وزيارة الدولة التي أداها الرئيس الفرنسي جاك شيراك لتونس والتي اختتمت يوم الخميس.
وعلى رغم أن الهاجس الأول لباول كان الإطمئنان على استمرار انخراط البلدان الثلاثة التي زارها تونس والمغرب والجزائر في الحرب على ما تسميه واشنطن “الإرهاب”، فإنه تطرق في محادثاته مع رؤساء الدول الثلاث إلى موضوع حماية الحريات العامة والإعداد لانتخابات حرة ونزيهة وبخاصة في تونس والجزائر اللتين تواجهان استحقاقين انتخابيين كبيرين في العام المقبل.
ولوحظ أن باول لم يذكر حالات محددة ربما لعدم إحراج مضيفيه الذين طلب منهم مزيدا من الدعم في الملف العراقي، إلا أنه حث المغاربة في مراكش على المضي في الإصلاحات السياسية والإقتصادية، وكرر في الجزائر التمني الذي عبر عنه مساعده وليم بيرنز في جولة مغاربية مماثلة الشهر الماضي بأن تكون الإنتخابات الرئاسية المقررة للربيع المقبل نزيهة وحرة، فيما شدد في تونس على ضرورة اتخاذ المزيد من الخطوات الإصلاحية وبخاصة في المجال الإعلامي مؤكدا على أهمية إيجاد صحافة منفتحة مما اعتبره مراقبون نقدا غير مباشر للمشهد الإعلامي الراهن الذي يصفه الأوروبيون ب”المغلق”.
في هذا السياق حاول باول أن يرد على المنتقدين الذين اتهموا واشنطن بكونها تغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان في البلدان العربية والإسلامية المتحالفة معها في الحرب على الإرهاب، فأكد في مراكش بعد اجتماعه مع الملك محمد السادس أن “قمع الإرهاب ينبغي أن يتم في ظل الإحترام الكامل لحقوق الإنسان”.
تحركات متزامنة وتنافس
ولايمكن فصل هذا التركيز الأمريكي غير المسبوق على الديمقراطية وحقوق الإنسان عما ورد في خطاب الرئيس بوش في السادس من تشرين الثاني {نوفمبر} الماضي الذي حاكم فيه ستين عاما من السياسة الأمريكية في العالم العربي الإسلامي متهما إياها بالتساهل مع الأنظمة الشمولية.
ويأتي كلام باول عن الإصلاحات السياسية في أعقاب التقرير الذي أعده السفير السابق إدوارد دجيرجيان بطلب من الإدارة الأمريكية والذي أظهر اتساع نطاق الكراهية للولايات المتحدة بين الشعوب العربية والإسلامية نتيجة دعمها لأنظمة غير ديمقراطية.
ويبدو الأمريكيون في منافسة مع الأوروبيين على هذا الصعيد مثلما هم متزاحمون على النفوذ الإقتصادي والثقافي في منطقة شمال أفريقيا الغنية بالمواد الأولية والأيادي العاملة الماهرة والرخيصة.
وكان لافتا أن جولة باول، الذي لم يزر المغرب العربي منذ تعيينه في منصبه قبل ثلاث سنوات من الآن، تزامنت مع ثلاثة تحركات أوروبية في اتجاه المنطقة هي الندوة الوزارية الأورو- متوسطية في نابولي وقمة بلدان الحوض الغربي للمتوسط المعروفة بحوار 5 زائد 5 في تونس التي تختتم يوم السبت، وزيارة الرئيس الفرنسي جاك شيراك لتونس التي سبقت القمة والتي تعتبر الأولى منذ ثماني سنوات.
واستأثرت قضايا الحريات والإصلاحات السياسية بقسم مهم من تلك المبادرات، وطغت عليها بالكامل أحيانا مثل زيارة شيراك التي خيمت عليها ظلال الصراع بين النشطاء والسلطات.
ومثلما أكدت ندوة نابولي الأورومتوسطية على محورية الديمقراطية في إقامة فضاء إقليمي مندمج اقتصاديا، شددت قمة 5 زائد5 لدى افتتاحها يوم الجمعة على الترابط بين الإصلاحات السياسية والإصلاح الإقتصادي في بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط.
ضغط الإعلام والنشطاء
وقد اضطر شيراك الذي اجرى جولتين من المحادثات مع نظيره التونسي – على عكس باول – للتطرق إلى حالات محددة في مجال حقوق الإنسان تحت ضغط وسائل الإعلام الفرنسية التي اعتبرته متساهلا في هذا الملف.
وبعدما قلل من أهمية الإصلاحات الديمقراطية في التصريحات التي أدلى بها في اليوم الأول من الزيارة وتجاهل الإضراب عن الطعام الذي تخوضه الناشطة الحقوقية راضية النصراوي منذ أواسط تشرين الأول {اكتوبر} الماضي، لوحظ أنه غير اللهجة في المؤتمر الصحفي الذي عقده في خاتمة الزيارة.
فقد شدد على أن “حقوق الإنسان تشكل كلا مترابطا وغير قابل للتجزئة” بعدما اعتبر أن المهم بالنسبة للمواطن في العالم الثالث هو “أن يأكل ويتعلم ويحصل على الدواء ويأوي إلى مسكن”، وهي تصريحات اثارت موجة من الإحتجاجات لدى المعارضين والنشطاء التونسيين الذين اتهموا شيراك بالعنصرية وكذلك في وسائل الإعلام الفرنسية.
وفي سياق الحرص على تعديل تلك الصورة السلبية أوفد شيراك مدير إدارة شمال أفريقيا والشرق الأوسط في الخارجية الفرنسية برنار إيمي، الذي كان يرافقه في الزيارة، للإجتماع تباعا مع وفد من لجنة دعم النصراوي قاده الرئيس السابق لمنظمة العفو الدولية الدكتور محمود بن رمضان وكذلك مع رئيس رابطة حقوق الإنسان المحامي مختار الطريفي. ولم يفت شيراك أن يؤكد في المؤتمر الصحفي الثاني الذي عقده في تونس أنه استمع باهتمام لتقرير إيمي عن اللقاءين.
قضية محورية
وقد عكس هذا الحرص على التدارك رغبة باريس في إصلاح الجسور مع النخب الحقوقية والسياسية التي أبدت امتعاضا من “شهادات الإستحسان التي منحها شيراك للسلطات” على حد تعبير معارضين تونسيين، وهو حرص يدل على أن الفرنسيين لا يريدون الإخفاق في المنافسة مع الأمريكيين على هذا الصعيد، ولا أن يسجل شركاؤهم الأوروبيون خصوصا الألمان سبقا عليهم في هذا المجال.
وكان لافتا أن وفدا كبيرا من النواب في البرلمان الألماني (البوندستاغ) قد زار تونس في وقت متزامن مع زيارة الرئيس الفرنسي وحرص على الإجتماع مع أربعة من شخصيات المعارضة الذين لم يهتم شيراك باللقاء معهم وهم أمين عام حركة التجديد محمد حرمل وأمين عام الحزب الديمقراطي التقدمي أحمد نجيب الشابي وأمين عام التكتل الديمقراطي مصطفى بن جعفر ووزير التربية السابق محمد الشرفي الذي انتقل إلى المعارضة. وقد وجه الوفد البرلماني إلى بعضهم دعوات لزيارة ألمانيا.
قصارى القول أن موضوع الديمقراطية والإصلاح السياسي بات قضية محورية في العلاقات بين البلدان الغربية وشركائها المغاربيين في ظل الضغوط المعنوية المتزايدة التي تمارسها النخب في الجنوب على الحكومات الشمالية متهمة إياها بالمخاتلة وازدواجية المعايير.
وإذا ما استمر هذا الإتجاه فليس مستبعدا أن يقود إلى احتكاكات أو أزمات في العلاقات بين الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي من جهة وحكومات مغاربية من جهة أخرى بسبب ما قد يعتبر تقاعسا في إنجاز التحديث السياسي.
رشيد خشانة – تونس
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.