التشغيل غير الشرعي .. “عار على سويسرا”
تعرف سويسرا هذه الأيام جدلا حادا بخصوص تشغيل عمال أجانب في القطاع الفلاحي بطريقة غير مشروعة، وهو ما وصفته وزير العدل والشرطة السيدة روت ميتسلر " بالعار بالنسبة لسويسرا". هذا النقاش يكشف مرة أخرى النقاب عن ممارسات قديمة تم غض الطرف عنها بغرض الاستغلال لا غير.
هل يعقل أن يعلن ممثل برلماني علانية أمام الجمهور أنه لا يحترم القوانين التي شارك في سنها من خلال مشاركته في الهيئة التشريعية لبلد يعد من أكثر البلدان في العالم قربا من دولة القانون ؟
حدث هذا بالفعل في سويسرا من خلال تصريحات الممثل البرلماني جون فاتبيرت التابع لحزب الشعب السويسري عندما صرح لتلفزة سويسرا الرومندية قبل أسبوع، بأنه وظف أربعة بولنديين بطريقة غير مشروعة ولعدة سنوات . تعليله لهذا اللجوء إلى استخدام يد عاملة غير حاصلة على ترخيص بالعمل في سويسرا، هو أن السياسة التحديدية المنتهجة من قبل السلطات السويسرية، لا تسمح لقطاع الفلاحة بالحصول على الكم الكافي من اليد العاملة في فصول جني المحاصيل.
هذا الوضع يدفع القطاع الفلاحي إلى الاستعانة باليد العاملة غير المرخص لها بالعمل في سويسرا خصوصا تلك القادمة من بلدان أوربا الشرقية. ويرى السيد جون فاتبيرت أن ما باح به علانية يمارسه غالبية الفلاحين السويسريين في سرية منذ سنوات.
تحول القضية إلى جدل سياسي
عرفت هذه القضية تحولا من الميدان القضائي إلى حلبة الجدل السياسي بعد تدخل ممثلين برلمانين لرفع دعوى قضائية ضد زميلهم الذي لم يحترم القوانين والذي لجأ إلى تشغيل يد عاملة بطريقة غير مشروعة. كما أدانت الحكومة الفدرالية في جلسة الأسبوع الماضي الاستعمال غير المشروع لليد العاملة في القطاع الفلاحي. وقد شددت الحكومة على عدم الترخيص بدخول يد عاملة من بلدان تقع خارج نطاق الاتحاد الأوربي .
كما ذكرت الحكومة السويسرية بأن الهدف من وراء ذلك هو الحفاظ على ظروف عمل ملائمة
وعدم إفساح المجال أمام تشغيل ليد عاملة بأجور متدنية. وقد ذكرت الحكومة الفدرالية بأن إمكانية توظيف اليد العاملة الفلاحية من البلدان الأوربية متوفرة. أما اللجوء إلى اليد العاملة الفلاحية من بلدان اوربا الشرقية فممكن فقط بالنسبة للفلاحين الشباب الذين توجه لهم دعوة لمتابعة فترات تدريبية في سويسرا من قبل التجمعات المهنية الفلاحية.
وزيرة العدل والشرطة السيدة روت ميتسلر وفي تصريح صادر في عطلة نهاية الاسبوع، هاجمت تلكؤ الحكومات المحلية في الدويلات تجاه انتهاك قوانين العمل في الميدان الفلاحي، معبرة عن “الإشمئزاز بالخصوص عندما تنادي شخصيات برلمانية إلى تشغيل اليد العاملة بطريقة غير مشروعة”. وقد وصفت وزيرة العدل والشرطة هذه الممارسات بأنها “عار بالنسبة لسويسرا”.
القضية قضية أجور
وفي تعليقها على عملية شد الحبل الممارسة من قبل بعض الأوساط الفلاحية ،عبرت وزيرة العدل والشرطة عن عزمها “الصمود في وجه كل الضغوط”، موضحة بأن الحكومة ساعدت الفلاحين في الحصول على يد عاملة برتغالية بأجور 3000 فرنك شهريا مقابل ستين ساعة عمل في الأسبوع . “ولكن لا أحد يرغب في تشغيل يد عاملة بهذا الأجر” كما قالت الوزيرة .
هذه الحقيقة أكدها مدير مكتب توظيف سويسري في البرتغال عندما أوضح لوسائل إعلام سويسرية ” بأن الإتحاد السويسري للفلاحين لم يطلب منه إلا مؤخرا البحث عن حوالي خمس مائة عامل فلاحي برتغالي وأسباني لتشغيلهم في سويسرا. وأن هذا العدد تقلص إلى مائة عامل فقط. وفي النهاية لم يحصل سوى عشرة من هؤلاء المائة على عقود عمل مطابقة للقوانين المعمول بها.
وقد أشارت عدة وسائل إعلام سويسرية إلى أن الفلاحين السويسريين يفضلون تشغيل عامل بولندي او من بلدان أوربا الشرقية بدل الالتزام بتشغيل البرتغاليين او الإسبان نظرا لأن الأجور تتراوح ما بين 800 و 1500 فرنك شهريا بدل ال 3000 المفروضة قانونيا. يضاف إلى ذلك أن البرتغاليين والإسبان الذين كانوا يقبلون أجورا متدنية من قبل أصبحوا يفضلون البقاء في بلدانهم نظرا لتحسن الظروف المعيشية هناك.
وقد تجد وزيرة العدل والشرطة في الجدل الدائر حاليا فرصة للحصول على دعم لمشروع القانون الداعي إلى تشديد العقوبات المفروضة على من يستخدم يدا عاملة بطريقة غير مشروعة . وإذا كانت سويسرا توصف من قبل بأنها من البلدان التي يصعب فيها الحصول على “العمل الأسود” فإن القوانين الجديدة الرامية إلى زيادة فترة الحبس ورفع الغرامة المالية إلى حدود مليون فرنك ، قد تعمل على إثناء هذه القلة القليلة من المجازفين.
محمد شريف – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.