التعديل الدستوري بين الترحيب والتوجّـس
أقر مجلس الشعب المصري بـ "الإجماع" مبدأ تعديل الفصل 76 من الدستور المقترح من طرف الرئيس حسني مبارك.
وفي انتظار معرفة الشروط التي سترافق عملية تطبيق التعديل، يخشى المعارضون من محاولات بعض الجهات إفراغه من مضمونه.
أقر مجلس الشعب المصري مؤخرا بـ “الإجماع” “مبدأ تعديل الدستور “لإتاحة الفرصة لإجراء الانتخابات الرئاسية بـ “الاقتراع السري المباشر” بين أكثر من مرشح، بدلا من “نظام الاستفتاء” المعمول به منذ بداية السبعينات من القرن الماضي.
كما وافق على إحالة تقرير يتضمّـن خطوطا عامة حول “ضوابط وضمانات جدية الترشيح” لمنصب الرئيس إلى “اللجنة التشريعية” بالمجلس لتقوم بإعداد صياغة بديلة للمادة 76 في ضوء المناقشات التي جرت والملاحظات التي سُـجّـلت.
فبعد مناقشات واسعة في مجلس الشعب، استمرت على مدى جلستين (صباحية ومسائية) الخميس 10/3/2005، تحدّث خلالها 133 عضوا من الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة والمستقلين، انتهت بأن وافق الحاضرون، وبالإجماع وعددهم 424 عضوا، إضافة إلى أربعة أعضاء غابوا عن الجلسة أرسلوا موافقتهم كتابيا، على طلب رئيس الجمهورية بتعديل المادة 76 من الدستور، وإضافة مادة جديدة برقم 192 مكرر، تقضي بانتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع السري العام والمباشر بين جميع أفراد الشعب الذين لهم حق التصويت.
يأتي ذلك في ظل مخاوف أحزاب المعارضة والقوى السياسية المصرية من أن يتضمّـن مشروع القانون “شروطا تعجيزية” تحُـول دون تقدُّم مرشحين للرئاسة، يكون من شأنها إفراغ التعديل من مضمونه وجعله بلا قيمة، خاصة في ضوء السيطرة شبه الكاملة لـ “الحزب الوطني” الحاكم على البرلمان بمجلسيه (الشعب والشورى)، وعلى المجالس المحلية بالقرى والمدن والمحافظات، مُـطالبة بأن يشترط التعديل من الراغبين في الترشيح للرئاسة جمع توقيعات شعبية، وأن تتكوّن “اللجنة العليا للإشراف على الانتخابات” الرئاسية من قُـضاة فقط، وألا يرأسها رئيس مجلس الشعب، وإنما رئيس المحكمة الدستورية العليا أو رئيس محكمة النقض، وألا تضم شخصيات سياسية.
وكان الرئيس محمد حسني مبارك قد طلب في 26 فبراير الماضي من البرلمان المصري بغرفتيه: (مجلس الشعب ومجلس الشورى) تعديل المادة 76 من الدستور، والخاصة بتنظيم اختيار رئيس الجمهورية ليُـصبح بالاقتراع السري المباشر، بدلا من الاستفتاء، طالبا وضع “ضمانات لجدية الترشيح”، من بينها حصول الراغب في الترشيح على “تزكية” من “عدد” من أعضاء “منتخبين” بمجلسي الشعب والشورى ومن المجالس المحلية، على أن يسمح للأحزاب السياسية بتقديم مرشحين في الانتخابات المقبلة فقط مع استثنائهم من الشروط التي يُـنتظر أن يتضمنها القانون.
يُـشار إلى أن عدد الدوائر الانتخابية في مصر 222 دائرة، ويمثل كل دائرة في مجلس الشعب عضوان، ليُـصبح عدد الأعضاء 444، يضاف إليهم 10 أعضاء يتم اختيارهم بـ “التعيين” من قبل رئيس الجمهورية الذي يُـصدِر قرارا جمهوريا بأسمائهم – حيث يسمح له الدستور بذلك – ليصير العدد النهائي لنواب الشعب بالمجلس 454 عضوا.
وبعد المناقشات والموافقة، أعلن الدكتور أحمد فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب إحالة طلب التعديل وتقرير اللجنة العامة بالمجلس إلى “اللجنة التشريعية والدستورية” لدراسته وتقديم تقرير حوله إلى المجلس، متضمنا “صياغة مشروع المادة المعدلة” خلال شهرين، اعتبارا من الخميس.
وقال الدكتور سرور: ”إعمالا لنص المادة 119 من اللائحة الداخلية للمجلس، فإنه يمكن لكل عضو لديه اقتراح أو دراسة أو بحث في شأن طلب التعديل، وفي حدود المبدأ الذي تمّ،ت الموافقة عليه، أن يتقدم لرئيس المجلس خلال شهر بما يراه لإحالته إلى اللجنة التشريعية والدستورية لدراسته”.
ضوابط جدية الترشيح
يرى الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية، ورئيس مركز دراسات الدول النامية بجامعة القاهرة أن القرار التاريخي للرئيس حسني مبارك بتعديل المادة 76 من الدستور، فتح باب النقاش واسعا في المجتمع المصري وكافة قواه السياسية حول قضايا عديدة، منها صيغة التعديل، وضوابط الترشيح، وضمانات ونزاهة انتخابات الرئاسة.
ويقول الدكتور مصطفى في تصريحات خاصة لسويس إنفو: “يمكن القول بدون مبالغة أن هناك رؤيتين حكمتا هذا النقاش، تنطلق الأولى من تخوف لا مبرر له أن يؤدّي التعديل المقترح إلى اهتزاز الموقع الطاغي للحزب الوطني الحاكم، ومن ثم لم يدّخِـر أصحاب هذه الرؤية وسعا في ابتكار الصياغات والترتيبات لكي لا يخرج التعديل المقترح عن إطار تحكم الحزب الوطني، وبالتالي، يتوقف التطور السياسي لمصر عند هذا الحد، أما الرؤية الثانية، فترى في التعديل المقترح خطوة نحو إصلاح سياسي واسع في اتجاه تطور ديمقراطي في مصر”.
ويضيف الدكتور مصطفى: “لا ينبغي أن تكون شروط الترشيح محل خلاف بين القوى السياسية حِـرصا على هيبة منصب رئيس الجمهورية، وتأكيدا لمصداقية العزم على الإصلاح، وأعتقد أنه من الأفضل أن يترك للأحزاب السياسية حرية تحديد مرشحها، حتى لو كانوا من خارج هذه الأحزاب، وألا يكون اختيار المرشحين الآخرين متروكا للحزب الوطني بأغلبيته الكاسحة في مجلسي الشعب والشورى وكافة المجالس المحلية، وإنما يتّـسع للمواطنين، بحيث يحصل كل مرشح من خارج الأحزاب السياسية على تزكية عدد من المواطنين، وقد يكون مثلا، عشرين ألفا من عشرين محافظة”.
ويقول السيد سامح عاشور، نقيب المحامين: “علينا أن نبحث عن آلية وأدوات وشروط وضمانات الترشيح، حتى نضمن انتخاب رئيس وطني لمصر، يقطع الطريق لأن يقفز علينا رئيس من الخارج أو أن تفرضه اعتبارات اقتصادية صعبة تؤثر على حرية الاختيار. وأنا شخصيا ضد القياس على النموذج الأمريكي. فالنظام المصري شبه رئاسي قريب من النظام الفرنسي، ولكي نصل لطريقة مثلى لاختيار النموذج الفرنسي، علينا أن نعدل بما يحقق مؤسسات الدولة الضامنة والحافظة، لطريقة اختيار رئيس الجمهورية ومنها مجلسا الشعب والشورى والنقابات المهنية، حتى تكون أقرب للواقع”.
فيما اقترحت اللجنة العامة بمجلس الشعب ضرورة حصول الراغب في الترشيح على “تأييد عدد مناسب من ممثلي الشعب على المستويين القومي والمحلي”، شريطة أن يكون الأعضاء البرلمانيون المزكّـون من “المنتخبين” لا من “المعينين”، وأن يقتصر أعضاء المجالس المحلية المزكّـون على المحافظات دون المدن والقرى، وأن يكونوا ممثلين لأكثر من “نصف عدد المحافظات” ضمانا للحصول على نسبة معقولة من التأييد داخل كل محافظة، على أن يسمح للأحزاب بصفة استثنائية ولمرة واحدة – في انتخابات 2005- أن ترشح أحد قياداتها “وفقا لضوابط معينة”، كأن يكون ممن مارسوا مسؤولية القيادة الحزبية لفترة معينة أو أن يكون من بين أعضاء الهيئة العليا، كما يشترط أن يكون للحزب تمثيل- ولو بمقعد واحد- في أحد مجلسي البرلمان.
ويعتقد الدكتور حمدي السيد، وزير الصحة الأسبق، ونقيب الأطباء الحالي، والنائب البرلماني عن الحزب الحاكم، أن كل التخوفات المثارة حول تعديل المادة 76 يمكن تجاوزها، ويرى أن مبادرة الرئيس بداية وقاطرة ستقود إلى باقي خطوات الإصلاح السياسي المنشودة.
ويقول الدكتور حمدي في تصريحات خاصة لسويس إنفو: “كل التخوف الذي تثيره القوى السياسية يمكن تجاوزه بأمرين اثنين. الأول، أن يكون الترشيح من حق الأحزاب التي لها أعضاء منتخبون في البرلمان، سواء بمجلس الشعب أو الشورى، ويكون حقا دائما وليس استفتاء للفترة الحالية الأولى. والثاني، توسيع المجمع الانتخابي، بحيث تضم إليه قطاعات من المجتمع منتمية ديمقراطيا، مثل مجالس النقابات المهنية، ومجالس اتحاد العمال، ومجالس أعضاء نوادي التدريس الموجودة في 13 جامعة بمصر، كما يمكن أن تضم إليه مجالس إدارات النوادي الكبرى”.
من جهته، يرى السفير رؤوف غنيم أنه من الأوفق التخفيف من قيود الموافقة على من يرشّـح نفسه لمنصب رئيس الجمهورية، ويقول: “اقصد بالتخفيف، ألا يلزم المرشح بالحصول على تأييد من المجالس النيابية الحالية،, وقد يكتفي بالحصول على توقيعات لتأييد الترشيح من أعداد كبيرة من المواطنين قد تكون في حدود من 100 إلى 200 ألف مواطن مثلا”، مشيرا إلى “بداية طريق الإصلاح ينبغي أن تمضي إلى نهايته، وأن التاريخ سيذكر للرئيس مبارك أنه هو الذي فتح الباب لهذا الطريق”.
ضمانات نزاهة الانتخابات
وحول ضمانات نزاهة الانتخابات، يقول الدكتور مصطفى كامل : “من المنطقي أن تكون اللجنة المسؤولة عن الإشراف على العملية الانتخابية لجنة مستقلة عن كل الأحزاب، وأن يرأسها رئيس المحكمة الدستورية العليا أو رئيس محكمة النقض، ويمكن أن تجري انتخابات الرئاسة على امتداد عدة أسابيع، لضمان توافر العدد الكافي من القضاة”، مشيرا إلى أن “الانتخابات ستفقد مصداقيتها لو لم تحرص كل أجهزة الدولة المعنية على الالتزام بالحياد التام بين كل المرشحين، وأعمال هذه الضوابط يكفّـل إقناع المتشككين بأن قرار الرئيس بتعديل المادة 76 من الدستور هو بالفعل خطوة إلى طريق الإصلاح السياسي الجاد الذي طال انتظاره كثيرا في مصر”.
وعن الخلاف حول تشكيل لجنة الإشراف على الانتخابات والاعتراض على رئاسة رئيس مجلس الشعب لها، يقول الدكتور حمدي السيد: “يمكن الاتفاق على صورة ما لتشكيل مقبول من كل الأطراف. فإذا كنا قد بدأنا نظرة على الطريق، لماذا لا نحرص على إنجازها ودعمها باعتبار أنها مقدمة حقيقية حدثت بالفعل لفتح الطريق أمام إنجازات أخرى على طريق الإصلاح”.
ويقترح السيد غنيم: “أن تتضمن التعديلات تحديدا لفترة تولي رئيس الجمهورية لمنصبه، ولتكن لمدة 4 سنوات على ألا تتكرر إلا مرة واحدة بعد ذلك، مع مراعاة إتاحة الفرص بالتساوي بين جميع المرشحين ليتمكنوا من عرض برامجهم على الشعب، على أن تسري نسبة تأييد المرشح على الجميع، سواء كان فرديا أو من قيادات الأحزاب”.
ومن ناحيته، يعتقد السيد سامح عاشور نقيب المحامين أن مبادرة الرئيس مبارك بطلب تعديل المادة 76 من الدستور بدأت من أعلى نقطة كانت مثار جدل، مشيرا إلى أن بعض الإصلاحيين كانوا يرجأون النظر فيها، حتى لا يصطدموا بواقع صلب، لكن الرئيس بدأ من أعلى نقطة، وهذه شجاعة تحسب له وتعني أن انتخاب القيادات أصبح سهلا.
وفي تعليقه على الموضوع، يقول النائب الدكتور محمد مرسي، المتحدث باسم الكتلة البرلمانية لجماعة الإخوان المسلمين في تصريحات خاصة لسويس إنفو: “لاشك أن تعديل الدستور أحدث نقلة توعية في أسلوب العمل الديمقراطي، يجب الموافقة عليه فوراً، وهذا التعديل يُـعد بداية لخطوات أخرى من أجل الإصلاح الديمقراطي، ولكن يجب أن يواكب هذا التعديل بعض التعديلات، منها إلغاء قانون الطوارئ، وإطلاق حرية إصدار الصحف، والحرية في الممارسة السياسية دون قيود، وعدم المغالاة في شروط الترشيح، حتى نعطي الفرصة للجميع”.
وقال مصدر سياسي – طلب عدم ذكر اسمه- إن الخطوة التاريخية التي أقدم عليها الرئيس مبارك، تمثل حلقة في سلسلة حلقات الإصلاح السياسي، متوقعا أن يتم إلغاء قانون الطوارئ أو وقف العمل به قبل انتخابات الرئاسة القادمة، مؤكّـدا أن القوانين الحالية تتّـسع لتشمل الحالات الفعلية، التي طبق فيها قانون الطوارئ، وهي مواجهة الإرهاب والمخدرات.
وفي انتظار الصياغة النهائية للمادة 76 من الدستور بعد التعديل، يتطلع المصريون إلى مزيد من الحرية وتعزيز الديمقراطية، وسيادة القانون، بينما يتوقع المراقبون أن تبدأ معركة سياسية “باردة” بين المعارضة “الضعيفة” والحكومة “المسيطرة”، فيما تقف جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها القوة السياسية الشعبية غير المعترف بها، في انتظار دور جديد تلعبه وفق نظرية الممكن والمتاح.. بينما يُـثار سؤال حول هل استطاعت الحكومة بهذا “التعديل” أن تحقق صفقة سياسية رابحة تحيد بها الإخوان وتستأنس بها المعارضة وتسكت بها رجل الشارع العادي؟! سؤال وجيه لكن الجواب عليه لا زال سابقا لأوانه.
همام سرحان- القاهرة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.