التفكير في نظام جديد للتحكم في الهجرة يبدأ في جنيف
أمام التصاعد المستمر في ظاهرة الهجرة غير الشرعية والتشديد المفروض على حرية تنقل الأشخاص بسبب الإجراءات الأمنية الصاربة لمحاربة الإرهاب، قررت منظمة الهجرة الدولية (مقرها جنيف) فتح النقاش حول إيجاد نظام هجرة جديد.
ويقترح الاجتماع الحالي للمنظمة جملة من الأفكار على شكل تساؤلات بغرض تغذية هذا النقاش والتوجه نحو إقرار نظام هجرة مقنن ولفترة مؤقتة، تتحكم فيه الدول المصدرة والمستقبلة لليد العاملة.
من النقاط التي ناقشتها منظمة الهجرة الدولية في الدورة الرابعة والتسعين لمجلس إدارتها المنعقد ما بين 27 و28 نوفمبر في قصر الأمم بجنيف، موضوع “التحكم في الهجرة في اقتصاد يعرف عولمة متطورة”.
ويُنظر إلى هذا النقاش على أنه يمثل بداية توجه يُحاول وضع معالم نظام هجرة جديد، يراعي من جهة فشل سياسات الهجرة التي تم تطبيقها حتى اليوم، والتعقيدات الجديدة التي طرأت من جهة أخرى، بعد إطلاق الولايات المتحدة لما يسمى بـ “الحرب ضد الإرهاب” وتأثير ذلك على حرية تنقل الأفراد، والتي تضاف لهما ظاهرة تزايد موجات الهجرة غير الشرعية بمآسيها اليومية واستغلال بعض الشبكات الإجرامية للمرشحين لها لابتزازهم ماديا أو للزج بهم في نشاطات غير مشروعة.
وفي هذا السياق، أشارت الدراسة المطروحة للنقاش على المشاركين في الدورة 94 لمنظمة الهجرة الدولية إلى “اهتمام المجموعة الدولية المبالغ فيه بحرية تنقل البضائع والخدمات ورأس المال، أكثر من اهتمامها بحرية تنقل الأفراد”.
تغير وجه الهجرة
وإذا كانت الفكرة السائدة تتمثل في أن موجات الهجرة البشرية تتجه من البلدان النامية نحو البلدان المتقدمة، فإن الدراسة المعروضة للنقاش تشير الى أن وجه الهجرة قد تغير وإلى أن “كل دول العالم تقريبا أصبحت اليوم بلدان تصدير واستقبال وعبور للمهاجرين، ولو أن ذلك يتم بنسبة متفاوتة”.
ولئن تميزت خصوصيات تيارات الهجرة سابقا بالوجهة الواحدة وبهدف الاقامة الدائمة، فإنها اليوم “تتجه في غالبيتها الى هجرة لفترة قصيرة أو في شكل تردد بين بلدين أو عدة بلدان”، كما تشير الدراسة إلى أن “ظاهرة العودة للبلد الأصلي هي في تزايد اليوم”.
ومن بين العوامل المؤثرة في طبيعة حركة الهجرة حاليا (بالإضافة الى البحث عن فرصة عمل) هناك الفوارق في الأجور والخلل الديموغرافي على المستوى العالمي، بسبب ارتفاع نسبة الإنجاب في الدول النامية وارتفاع نسبة المسنين في الدول المتقدمة والفوارق القائمة في سوق اليد العاملة، الناجمة عنه.
من فائدة الجميع التحكم في الهجرة
لقد تعددت في الآونة الأخيرة اللقاءات الدولية المخصصة لمناقشة موضوع الهجرة، وما يستخلص منها هو ان غالبية المشاركين فيها من مصدرين ومستقبلين لليد العاملة المهاجرة، يناصرون فكرة التوصل الى اتفاق بخصوص نظام للتحكم في الهجرة، خصوصا وأن الجميع متأكد من أن ظاهرة تنقل الأفراد سوف لن تتوقف، ولكن يظل السؤال قائما: هل يجب تحديد ذلك في إطار مناقشات دولية أم ترك الموضوع لاتفاقات ثنائية وإقليمية؟
فإذا كانت المجموعة الدولية قد ركزت الجهود خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين على ملفات اللجوء والهجرة غير الشرعية بسبب تعاقب الأزمات والحروب، فإن ذلك لم يترك مجالا كافيا لمعالجة قضية الهجرة عموما بشكل جماعي.
ومع تراجع أعداد طالبي اللجوء في العالم وتزايد الوعي بمدى التعقيد الذي تتسم به مشكلة الهجرة، ترى منظمة الهجرة العالمية أن جميع الأطراف المعنية بدأت تتجه نحو محاولة تقنين الهجرة والاستفادة من مزاياها الاقتصادية والاجتماعية، تستوي في ذلك البلدان المصدرو أو المستقبلة لليد العاملة المهاجرة.
ولكن المنظمة ترى أن غالبية المؤسسات المشرفة على الهجرة، سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي أو الدولي، لم تتمكن بعدُ من التأقلم مع متطلبات عولمة الاقتصاد العالمي في إدارتها لنظام هجرة، إما مؤقت أو دوري أو دائم، يراعي من جهة المصالح الوطنية الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، ورفاهية وحقوق العامل المهاجر، من جهة أخرى.
وبما أن شروط هذا التأقلم هي التي يجب على الدول الأعضاء في منظمة الهجرة تحديدها إما بشكل ثنائي أو جماعي، اكتفت الوثيقة التي أعدتها منظمة الهجرة بتقديم بعض الاقتراحات التي وردت في العديد من الحالات على شكل تساؤلات بخصوص النظام المستقبلي، الذي يمكن أن تسلكه عملية الهجرة في القرن الحادي والعشرين.
النموذج المقترح
من الشروط التي يجب مراعاتها في النظام الجديد للهجرة، تقترح منظمة الهجرة الدولية ضرورة مراعاة البلد المصدر، الذي يرغب في إيجاد مواطن شغل لأبنائه في الخارج وهو ما يعني إعطاء مرشحي الهجرة تكوينا مناسبا لحاجيات السوق الدولية وتحضيرهم لتسلم العمل قبل سفرهم، بتلقينهم مبادئ لغة البلد المستقبل وكيفية التأقلم مع ثقافته ومرافقتهم في عملية التأقلم عند وصولهم الى البلد المستقبل والحرص على تهيئتهم للاندماج في المجتمع عند عودتهم الى بلدهم الأصلي. وفي هذا الصدد، تساءلت المنظمة عن الطريقة المثلى لتعاون الدول المصدرة والمستقبلة لتحضير هؤلاء العمال المهاجرين.
وبما أن ظاهرة الهجرة مستمرة في الارتفاع، أعربت دراسة منظمة الهجرة عن التخوف من “سقوطها بين أيدي متاجرين”، متسائلة عن ضرورة وضع أسس قانونية تضمن أدنى قدر من الحماية لهؤلاء العمال المهاجرين وتوعيتهم بحقوقهم الأساسية، وهو ما تعاني منه أغلب فئات العمال المهاجرين العاملين في إطار اتفاقيات ثنائية. وتأمل المنظمة في أن يؤدي فتح أبواب الهجرة الشرعية المقننة إلى التقليل من نشاط شبكات المتاجرة باليد العاملة المهاجرة.
تجارب يمكن الاستفادة منها
من التجارب التي ترى المنظمة أنه يمكن الاستفادة منها، ما يتم في إطار “مسار كولومبو”، وهي التجربة الحالية لتنظيم العمالة المهاجرة بين البلدان الآسيوية وبلدان الخليج ودول أوروبية، والتي عملت على دعم قدرات وكالات التشغيل الآسيوية في تجنيد اليد العاملة وفي تعزيز الاتصال بأرباب العمل والحكومات في الدول المستقبلة، خصوصا في مجال الأمن، ولكن هذا لا يعني أن باقي حقوق المهاجر مصونة، مثلما تشير الى ذلك احتجاجات العمال المهاجرين التي شهدتها مؤخرا بعض دول الخليج.
لكن الأنموذج الذي ترى المنظمة أنه قد يكون أحسن مثل رسمي لإدارة تنقل اليد العاملة المهاجرة في الوقت الحالي، هو ما تقترحه منظمة العمل الدولية تحت تسمية “النظام رقم 4” الذي يحدد “ضوابط التنقل المؤقت للعمال المتخصصين في قطاع الخدمات”، ولكنها تعترف بأنه محدود ويمس فئة بحالها من العمال المهاجرين.
تبقى التجارب الثنائية التي تقوم بها بعض الدول تحت إشراف المنظمة العالمية للهجرة والمتمثلة في هجرة مؤقتة ليد عاملة متخصصة في قطاعات محددة تتلقى تدريبا تساهم فيه الدول المصدرة والدول المستقبلة، مثلما هو مطبق حاليا بين تونس وإيطاليا وبين المغرب وإسبانيا أو بين مصر وإيطاليا.
وبدون أن تجرؤ المنظمة الدولية للهجرة على تقديم رأيها بشكل واضح في طبيعة الإطار الذي يجب أن يكون فاصلا في تحديد ضوابط نظام الهجرة المستقبلي، انتهى إلى تشكيك عدد من الخبراء والمشاركين حول الجدوى من هذه المقاربة والتساؤل “أليس من الأسهل ترك مجال تحديد ضوابط نظام الهجرة لاتفاقات ثنائية أو إقليمية، بدل السعي لتحديد ذلك في إطار مفاوضات دولية في الوقت الحالي وفي المستقبل القريب”؟
سويس إنفو – شريف محمد – جنيف
عقدت منظمة الهجرة الدولية اجتماع مجلسها السنوي في جنيف يومي 27 و28 نوفمبر 2007 تحت شعار “إدارة تيارات الهجرة في اقتصاد يشهد عولمة متطورة”.
من بين النقاط التي تم التطرق إليها في ورشات العمل المختلفة: النقاش الدولي حول الهجرة وكيفية التحكم في تيارت الهجرة في اقتصاد يشهد عولمة متطورة، وهي أهم معالم الهجرة في العالم اليوم، ومدى تاثير الهجرة على البيئة.
شاركت شخصيات هامة في هذا النقاش، من بينها علي عبد الله الكعبي، وزير العمل الإماراتي الذي اطلع المشاركين بالتحضيرات الجارية في ابو ظبي من أجل استضافة الاجتماع القادم للدول المشاركة في “مسار كولومبو”، وهو المسار الذي يحدد معايير الهجرة بين الدول الآسيوية ودول الخليج وبعض الدول الأوروبية.
كما شارك في النقاش محمد عامر، الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المغربي المكلف بالجالية المغربية في الخارج الذي أعلم المشاركين بالتحضيرات الجارية لنشر الطبعة الخاصة بحوض البحر الأبيض المتوسط من “كتيب السياسات الناجعة في مجال هجرة اليد العاملة بالنسبة للدول المصدرة والمستقبلة”.
تشير التقديرات إلى أن عدد المهاجرين في العالم بلغ في عام 2005 حوالي 191 مليون شخصا (167 مليون في عام 2000).
يمثل المهاجرون 3% من سكان العالم.
في عام 2005، شكّـلت النساء المهاجرات 49،6% من إجمالي المهاجرين في العالم.
في عام 2006، قُـدِّر حجم الأموال المحوّلة من طرف المهاجرين بـ 276 مليار دولار، ذهبت منها 206 مليار دولار إلى البلدان السائرة في طريق النمو.
يوجد ما بين 30 إلى 40 مليون مهاجر عبر العالم في وضعية غير قانونية، وهم يمثلون ما بين 15 إلى 20% من إجمالي المهاجرين في العالم.
في عام 2006، بلغ عدد الأشخاص المرحلين داخل 52 بلدا، 24،5 مليون شخص مقابل 23،7 مليون كانوا موزعين على 50 بلدا في عام 2005.
في عام 2006، بلغ العدد الإجمالي للاجئين حوالي 9,9 مليون شخص.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.