الثمن الباهظ للإمبراطورية الأمريكية!
أقرّت إدارة الرئيس جورج بوش بأن تكاليف الاحتلال الأمريكي للعراق قد تناهز ألف مليون دولار في الأسبوع.
وأثار هذا الإقرار جدلا في الكونغرس ووسائل الإعلام حول فداحة الثمن الذي سيدفعه المواطنون من ضرائب نتيجة استراتيجية الحروب الوقائية
في وقت يعاني فيه الاقتصاد الأمريكي من أزمة الركود والبطالة وانخفاض معدل التنمية، ورغم كل الجهود المبذولة لحفز النشاط الاقتصادي، وفيما تعاني الميزانية الأمريكية من عجز لم يسبق له مثيل، فوجئ الكونغرس والشعب الأمريكي بأن التبسيط الذي روّجت له الإدارة الأمريكية قبل الحرب على العراق فيما يتعلق بتكاليف بقاء القوات الأمريكية لإعمار العراق كان مضللا، وأن التقدير الحقيقي لتكاليف الاحتلال الأمريكي يصل إلى 4 مليار دولار كل شهر.
كما أقر الجنرال جون أبي زيد، الرئيس الجديد للقيادة الوسطى الأمريكية، أن القوات الأمريكية في العراق تُـواجه حرب عصابات تقليدية، فيما يستيقـظ الأمريكيون كل صباح على أنباء خسائر جديدة في أرواح جنودهم في العراق.
وكانت المحصلة الطبيعية لكل هذه التطورات انخفاضا في نسبة الأمريكيين الذين يعتقدون بأن الجهد العسكري الأمريكي في العراق يسير سيرا حسنا من 61% قبل ثلاثة أشهر إلى 23% حاليا.
وزاد الشعور بعدم ثقة الشعب الأمريكي في مصداقية إدارة الرئيس بوش، عندما استماتت الإدارة في محاولات التغطية على التضليل والمبالغة التي لجأت إليهما لتبرير الحرب على العراق ببيانات غير موثقة.
ثم اهتز ما تبقى من ثقة في الطريقة التي تتصرف بها الإدارة الأمريكية في العراق مع توصل فريق من الخبراء الذين كلّـفتهم وزارة الدفاع الأمريكية بتقييم الوضع في العراق إلى أن فرص نجاح المهمة الموكلة للقوات الأمريكية هناك تتضاءل يوما بعد يوم، خاصة مع إصرار حكومة الرئيس بوش على احتكار عمليات إعادة إعمار العراق، وعدم الاستعانة بالكثير من المؤسسات الدولية التي لها خبرات واسعة في ذلك المجال على عكس وزارة الدفاع الأمريكية.
وسرعان ما زاد الإحباط في أوساط عائلات الجنود والضباط الأمريكيين في العراق إزاء تعثّـر المحاولات الأمريكية لإحلال قوات دولية محل أفراد الفرقة الثالثة مشاة الذين وعدتهم القيادة الأمريكية بأنهم سيعودون لأهاليهم في الشهر القادم، ثم عادت لتؤجل عودتهم مدة شهرين أو ثلاثة مع زيادة احتمال عدم تخفيض القوات الأمريكية في العراق، والتي يبلغ قوامها 148 ألف جندي، بل تبديل الوحدات التي أمضت شهورا طويلة في الصحراء قبل الحرب وبعدها بوحدات جديدة.
يوم الحساب
ومما زاد الطين بلّـة بالنسبة لتكاليف الحفاظ على الهيبة الإمبراطورية الجديدة للولايات المتحدة، هو أن الاحتفاظ بعشرة آلاف جندي أمريكي في أفغانستان يُـكلّـف الولايات المتحدة مليار دولار شهريا مما يرفع تكلفة الوجود العسكري الأمريكي في كل من العراق وأفغانستان إلى 60 مليار دولار سنويا، ولا ينتظر سحب تلك القوات قبل أربعة أعوام بتكلفة قد تصل إلى 240 ألف مليون دولار.
وبالإضافة إلى تكاليف القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان، تعيّـن على إدارة الرئيس بوش تخصيص اعتمادات إضافية في ميزانية المساعدات الخارجية للعام الحالي، لتضمن مساندة الدول المتلقية لتلك المساعدات للحرب الأمريكية على الإرهاب. فخصصت ألف مليون دولار لإسرائيل بالإضافة إلى حوالي 2700 مليون دولار من المساعدات الأساسية، ولضمان التأييد والمساندة الأردنية، خصّـصت واشنطن 1106 مليون دولار كمساعدات إضافية، وحصلت تركيا كذلك على ألف مليون دولار إضافية، ومصر على 300 مليون دولار زيادة عن حصّـتها من المساعدات الخارجية الأمريكية الأصلية التي وصلت إلى 1904 مليون دولار. كما منحت الولايات المتحدة باكستان 200 مليون دولار من المساعدات الإضافية.
وكان من المُـلفت للنظر حقّـا أن ترتفع مستويات الإنفاق العسكري الأمريكي في عام 2003 إلى 399 مليار دولار، وهو ما يزيد على مجموع ما أنفقته روسيا والصين واليابان وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وباقي الدول العشرين التي تحتلّ المراتب الأولى في الإنفاق العسكري في العالم، بحيث أصبح الإنفاق العسكري الأمريكي المصدر الأساسي لتحقيق معدل نمو وصل إلى 2.4 في المائة في الربع الثاني من العام الحالي.
ورغم كل ما قيل عن تغطية صادرات النفط العراقية لتكاليف إعادة الإعمار، فإن الحقائق على أرض الواقع تُـشير إلى أن ما سيتم تحصيله منها لن يزيد على 3400 مليون دولار، وسيتم تمويل المهام الثقيلة المُـلقاة على عاتق الإمبراطورية الأمريكية الجديدة من اعتمادات الكونغرس لإعادة إعمار العراق وتصل إلى 2800 مليون دولار، بالإضافة إلى 2000 مليون دولار مقدمة من وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، ومبلغ 1700 مليون دولار من الأصول العراقية المجمدة.
وقد اعترف السفير بول بريمر، رئيس الإدارة المدنية الأمريكية للعراق، بأن تكالي
الغضب يجتاح الكونغرس
وقد بدأ زعماء الكونغرس في توجيه انتقادات حادّة للطريقة التي تمّـت بها معالجة الوضع في العراق، وفشل إدارة الرئيس بوش في التخطيط السليم لعراق ما بعد الحرب، والذي ظهر جليا في سوء التقديرات وتبني سياسة التجارب وتغيير المسار كلما اتّـضح الفشل كما حدث مع الجنرال جي غارنر الذي تمّ استبداله بالسفير بول بريمر، والتحول من الانفراد التام بكل ما يحدث في العراق إلى محاولة توسيع نطاق المشاركة الدولية تقليصا للنفقات وتفاديا للخسائر البشرية.
وقال السناتور جوزيف بايدن، العضو البارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، إن إدارة الرئيس بوش حوّلت مبدأ الحرب الاستباقية من خيار ضروري لمواجهة الخطر الوشيك إلى مذهب عقائدي للاستراتيجية الأمريكية يحتل الصدارة في السياسة الخارجية الأمريكية، التي سارعت إلى تطبيقه في العراق، رغم أنه لم يكن يُـشكّـل ذلك الخطر المحدق بالأمن القومي الأمريكي وسرعان ما أصبح من الصعب على كثير من الدول الحليفة أن تنضم إلى الحملة الأمريكية على العراق، لأنها لم تكن تريد الإقرار بمبدأ الحروب الاستباقية.
كما أدى اعتناق واشنطن ذلك المبدأ إلى اعتقاد خصوم الولايات المتحدة بأن الوسيلة الوحيدة لتجنب حرب وقائية أمريكية تسفر عن تغيير نظام الحكم هي الإسراع بحيازة أسلحة الدمار الشامل.
وتحدث السناتور بايدن عن استمرار المشكلة الأمنية في العراق، ودعا إلى توسيع نطاق المشاركة في مهام حفظ الأمن في العراق بقوات دولية، ونبّـه إلى أنه عندما زار العراق شعر بأن الشعب العراقي يضع آمالا كبيرة على الوجود العسكري الأمريكي، لكن لم يتحقق منها الكثير بسبب الفشل في التخطيط لعراق ما بعد الحرب.
وقال السناتور بايدن، إن معظم الأمريكيين لا يُـدركون أن الاحتفاظ بالقوات الأمريكية في العراق يكلّـف الولايات المتحدة زهاء 1000 مليون دولار في الأسبوع، وأن الإعمار يحتاج مليارات أخرى لن تغطيها عائدات البترول العراقية، ولم يفسر الرئيس للشعب الأمريكي ما الذي سيعود على الولايات المتحدة من البقاء هناك لعدة أعوام.
وفي انتقاد واضح للأداء المسرحي المتميز الذي أعلن فيه الرئيس بوش انتهاء العمليات الحربية الرئيسية في العراق، قال السناتور بايدن: “كنت أتمنى، بدلا من أن يقف الرئيس بوش على ظهر حاملة الطائرات ووراءه لافتة كتب عليها تحقّـقت المهمة، أن يقف ووراءه لافتة تقول، ليست هذه إلا البداية وأمامنا طريق طويل في العراق، ولكن يلزمنا البقاء هناك، ويشرح لماذا”.
إقناع الحلفاء والأصدقاء بالمشاركة؟
وحدد السناتور الديمقراطي جوزيف بايدن ثلاث خطوات رئيسية يجب اتخاذها لتصحيح أخطاء السياسة الأمريكية في عراق ما بعد الحرب:
أولا، استصدار قرار جديد من مجلس الأمن يُـخوّل الأمم المتحدة وحلف الناتو دورا أكبر في اقتسام السيطرة على العراق والمشاركة في نفقات إعادة الإعمار.
ثانيا، ممارسة رحابة الصدر وسِـعة التفكير لدى التعامل مع الدول الأخرى في المجتمع الدولي، حتى مع حقيقة أن الولايات المتحدة هي القوة العظمي الوحيدة في عالم اليوم، لأنه إذا لم نشرك العالم في مسؤولية المشكلة العراقية، ستصبح مشكلة تخص أمريكا وحدها.
ثالثا، إطلاع الشعب الأمريكي على الحقائق وتقديم المبررات الكافية لإقناعه بضرورة ممارسة الدور الأمريكي الباهظ التكاليف في العراق والتوقف عن تلوين الحقائق بممارسة السخرية.
وقد تعرّض نائب وزير الدفاع الأمريكي بول ولفوفيتز، وهو من غلاة المحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية، لانتقادات شديدة في جلسة استماع عقدتها لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بسبب الإخفاق في إطلاع الكونغرس والشعب الأمريكي على حقيقة ما يتطلبه الوضع في العراق بعد الحرب، وطالبه السناتور الجمهوري ريتشارد لوجر، رئيس اللجنة بتقديم فكرة عمّـا سينطوي عليه ذلك الوضع بالنسبة لتكاليف بقاء القوات الأمريكية من آثار على دافعي الضرائب الأمريكيين.
وتندرت عضو مجلس الشيوخ عن ولاية كاليفورنيا، باربرا بوكسر بالتكاليف المتوقّـعة للعام القادم والتي تصل إلى أكثر من 45 مليار دولار فقالت لولفويتز، إن هذا المبلغ يُـساوي ضعف الإنفاق الحكومي على التعليم العالي والمعاهد القومية الأمريكية للصحة.
كما انتقد أعضاء آخرون فشل الحكومة الأمريكية في إثبات وجود أي علاقة بين الرئيس العراقي المخلوع وتنظيم القاعدة، وعجزها كذلك عن تقديم أي أدلة على حيازة العراق لأسلحة الدمار الشامل.
وقد لخّـص المعلق الصحفي الأمريكي، بول كروجمان السبب في كل ما وقعت فيه الإدارة الأمريكية من أخطاء في تعليق نشرته صحيفة نيويورك تايمز تحت عنوان “طبخ الحقائق لإسعاد البيت الأبيض” قال فيه، إن إدارة الرئيس بوش حوّلت المحللين في كل الوكالات الحكومية من المخابرات المركزية الأمريكية إلى وزارة الخزانة، من محللين ينبغي أن تكون مهامهم تحليل المعلومات لتكون أساسا لرسم السياسات، إلى مروجين لما تريده السياسة في البيت الأبيض بتلوين الحقائق وطبخها لمجرد شعور البيت البيض بالرضا وقال، إن الزعيم الذي يتم إبلاغه فقط بالأشياء التي يريد سماعها، سرعان ما يتخذ قرارات خاطئة وسيئة في كافة المجالات.
محمد ماضي- واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.