الجولاني يبحث في “انتقال السلطة” في سوريا بعد إسقاط الأسد
بدأت قيادة الفصائل السورية المعارضة التي أطاحت بالرئيس بشار الأسد البحث في “انتقال السلطة” الإثنين غداة طي صفحة حكمه الذي امتد قرابة ربع قرن.
وبعد أكثر من خمسة عقود على حكم آل الأسد وحزب البعث سوريا بقبضة حديد، تدخل البلاد مرحلة جديدة مع انتظار الآلاف أنباء عن مصير أبنائهم المعتقلين خصوصا في سجن صيدنايا، بينما بدأ النقاش في العالم بشأن مصير مئات آلاف اللاجئين الذين فرّوا بعد اندلاع النزاع عام 2011.
وبدأت هيئة تحرير الشام وفصائل حليفة لها في 27 تشرين الثاني/نوفمبر، هجوما واسعا انطلاقا من شمال سوريا، لتدخل دمشق فجر الأحد وتعلن فرار الرئيس الأسد.
وأعلنت الفصائل المعارضة أن قائد هيئة تحرير الشام أبو محمّد الجولاني الذي بدأ يستخدم اسمه الحقيقي أحمد الشرع، بحث مع رئيس الحكومة السورية محمّد الجلالي “تنسيق انتقال السلطة”.
ووزعت الفصائل مقتطفا ظهر فيه الجولاني وهو يتحدث الى الجلالي بحضور شخصين أحدهما محمد البشير رئيس “حكومة الإنقاذ” التي تتولى إدارة مناطق سيطرة الهيئة في إدلب، والمرجح أن يتولى السلطة في المرحلة الانتقالية.
وجاء في تعليق نُشر مع الفيديو أنّ هدف الاجتماع “تنسيق انتقال السلطة بما يضمن تقديم الخدمات لأهلنا في سوريا”.
وكان الجلالي أبدى استعداده “للتعاون” مع أيّ قيادة يختارها الشعب.
وفي مؤشر الى بدء رسم المرحلة المقبلة، أعلن مجلس الشعب تأييده إرادة الشعب لبناء “سوريا الجديدة”، بينما قال الأمين العام لحزب البعث إبراهيم الحديد “سنبقى داعمين لمرحلة انتقالية في سوريا هادفة للدفاع عن وحدة البلاد أرضا وشعبا ومؤسسات ومقدرات”.
– أخذوا “بدون سبب” –
وبينما تتواصل المظاهر الاحتفالية في دمشق، يختلف المشهد أمام سجن صيدنايا السيئ الصيت في ريف العاصمة، حيث احتشد الآلاف بانتظار معرفة مصير أقارب لهم معتقلين، وفق ما شاهد مراسلو فرانس برس.
في الطريق المؤدي الى السجن، اصطف طابور من السيارات امتد على طول نحو سبعة كيلومترات، ما دفع المئات الى المتابعة سيرا على الأقدام. ومع استمرار منظمات إنسانية في القيام بعمليات بحث داخل السجن، بقي كثر منهم حتى وقت متأخر ينتظرون معرفة معلومات عن أقارب لهم.
وبين هؤلاء يوسف مطر (25 عاما) الذي جلس على صخرة ينتظر أكثر من عشرة أشخاص من أقاربه يعتقد أن جميعهم يقبعون داخل السجن الواقع على مسافة نحو 30 كيلومترا من دمشق.
وقال لفرانس برس “جميعهم أخذهم الأمن بدون أي سبب، فقط لأننا من مدينة داريا” التي كانت من أولى المدن التي انتفضت على نظام الأسد مطالبة بإسقاطه عام 2011، وشهدت بعد ذلك معارك بين الفصائل المعارضة والقوات الحكومية.
وكانت منظمة “الخوذ البيضاء” أعلنت أنها أرسلت إلى سجن صيدنايا فرقا “للبحث عن أقبية سرية داخله يُتوقع وجود معتقلين فيها”.
في الأثناء، أعلنت “غرفة عمليات الجنوب” المعارضة الإثنين العثور على نحو أربعين جثة موضوعة داخل أكياس بيضاء، وتظهر عليها علامات تعذيب، داخل غرفة تبريد في مستشفى حرستا قرب دمشق، وفق ما أفاد أحد عناصرها وكالة فرانس برس.
وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، تداول سوريون صور سجناء أُطلق سراحهم خلال تقدّم المعارضة، من أجل التعرّف عليهم في إطار جهد جماعي للمّ شمل العائلات.
وأطلق آخرون نداءات للعثور على أقاربهم المفقودين.
وتقدّر رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا أن 30 ألف شخص دخلوا إلى السجن منذ اندلاع النزاع في 2011، وقد أفرج عن ستة آلاف منهم فقط، فيما يُعتبر معظم الباقين في حكم المفقودين، خصوصا أنه نادرا ما يُبلّغ الأهالي بوفاة أبنائهم، وإن تمكنوا من الحصول على شهادات وفاة لهم، فإنهم لا يتسلمون جثثهم.
وبينما تأكد فرار بشار الأسد، لم يحسم أي طرف رسميا مكان وجوده. وبينما ذكرت وكالات أنباء روسية الأحد أنه اتجه مع عائلته الى موسكو التي منحتهم اللجوء، رفض الكرملين الإثنين تأكيد وجوده على الأراضي الروسية.
– الجولان “إسرائيلي الى الأبد” –
واندلعت في سوريا عام 2011 احتجاجات مناهضة للأسد، قمعتها القوات الأمنية بعنف. وعلى مر الأعوام، انزلقت البلاد إلى نزاع دامٍ متعدّد الطرف. وتدخلت إيران وروسيا عسكريا بجانب الأسد، بينما دعمت تركيا ودول أخرى بعض أطياف المعارضة. كما شهدت البلاد حضورا واسعا لتنظيمات جهادية.
أما إسرائيل التي تحتل أجزاء من هضبة الجولان، فنفذت مئات الغارات ضد أهداف للقوات السورية أو عدويها اللدودين إيران وحزب الله المدعوم من طهران.
وبعد سقوط الأسد، واصل الطيران الإسرائيلي لليوم الثاني تواليا شنّ ضربات واسعة على مواقع عسكرية سورية. وتجاوز عدد الغارات الإثنين المئة، وطالت مواقع عسكرية مختلفة منها مركز البحوث العلمية في برزة في دمشق، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وأكد وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أن بلاده هاجمت “أنظمة أسلحة استراتيجية مثل الأسلحة الكيميائية المتبقية أو الصواريخ البعيدة المدى والقذائف حتى لا تقع في أيدي متشددين”.
كما تقدم الجيش الإسرائيلي للسيطرة على المنطقة العازلة في الجولان حيث تنتشر قوات الأمم المتحدة، بناء على توجيهات رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو الذي قال الإثنين إن “الجولان سيكون جزءا من دولة إسرائيل إلى الأبد”.
وكانت الدولة العبرية ضمت في 1981 الأجزاء التي تحتلها من الهضبة السورية، في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي، باستثناء الولايات المتحدة خلال ولاية دونالد ترامب.
وأكد ساعر أن السيطرة على المنطقة العازلة هي “خطوة محدودة وموقتة”، بينما أكد مسؤولون إسرائيليون أن قوات بلادهم انتشرت في نقاط خارج هذه المنطقة التي أنشئت بموجب اتفاق “فض الاشتباك” بين سوريا وإسرائيل في العام 1974.
وشددت واشنطن الحليفة لإسرائيل على ضرورة أن يكون توغلها “موقتا”.
من جهتها، اعتبرت الأمم المتحدة أن التوغل يشكّل “انتهاكا لاتفاق 1974”.
وندد العراق بـ”استيلاء” إسرائيل على المنطقة العازلة في الجولان المحتل، مشددا على “أهمية الحفاظ على وحدة وسلامة” الأراضي السورية.
بدورها، استنكرت السعودية “الاعتداءات” الإسرائيلية معتبرة أنها تظهر عزم الدولة العبرية “تخريب فرص استعادة سوريا لأمنها واستقرارها ووحدة أراضيها”.
كما استنكر حزب الله اللبناني إقدام إسرائيل على “احتلال المزيد من الأراضي في مرتفعات الجولان” و”ضرب وتدمير القدرات الدفاعية للدولة السورية”.
– تركيا تمهّد لعودة اللاجئين –
في الأثناء، شدد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان على أن بلاده التي اتخذت موقفا مناهضا للأسد منذ اندلاع النزاع، لا تعتزم توسيع “سيطرتها” في سوريا.
واضاف “ينبغي صون وحدة أراضي سوريا مهما كان الثمن (…) سوريا يعيش فيها جميع السوريين بسلام سواء كانوا عربا او تركمانا او اكرادا او سنّة او علويين او مسيحيين هي الرغبة الاكبر لتركيا وحلمها وهدفها”.
كذلك، أعلن اردوعان إعادة فتح معبر حدودي اغلق منذ العام 2013 لتسهيل عودة اللاجئين السوريين الى بلادهم.
ويبقى ملف اللاجئين إحدى النقاط المعقدة في النزاع.
وأعلنت دول أوروبية عدة الإثنين أنها ستعلّق البتّ في طلبات السوريين للجوء في انتظار جلاء صورة الوضع في بلادهم.
وسارعت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة للدعوة الى “الصبر واليقظة”.
– استعداد مشروط للتعاون –
يعدّ الهجوم الذي شهدته سوريا غير مسبوق بنطاقه منذ اندلاع النزاع. وفيما رحّبت العديد من الدول بسقوط الأسد، حذّرت من الانجراف نحو التطرّف.
ومنذ إعلان الانفصال عن تنظيم القاعدة عام 2016، يحاول الجولاني تغيير صورته وتقديم نفسه في مظهر أكثر اعتدالا، من دون أن يتمكن فعلا من إقناع المحللين أو حتى الحكومات الغربية التي تصنّف هيئة تحرير الشام مجموعة إرهابية.
والإثنين، شدد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر من السعودية على وجوب أن تتخلى الهيئة عن “الإرهاب والعنف” ليكون بوسع بلاده التعامل معها.
وأعرب المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن “استعدادهما للتعاون مع القادة الجدد على أساس حقوق الإنسان الأساسية وحماية الأقليات العرقية والدينية”.
إلى ذلك، أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن الولايات المتحدة عازمة على منع تنظيم الدولة الإسلامية من إعادة تنظيم صفوفه في سوريا.
وشدد على أن لبلاده “مصلحة واضحة في بذل كل ما في وسعنا لتجنب تفكك سوريا، والهجرات الجماعية من سوريا، وبالتأكيد تصدير الإرهاب والتطرف”.
ويعقد مجلس الأمن الدولي الإثنين جلسة مغلقة لبحث التطوّرات في سوريا، بناء على طلب روسيا الحليف الرئيسي للأسد.
بور-كاب/ناش-كام-ح س/بم