مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الحاجة إلى الإصلاح العربي.. مُـلحّـة

وضع المرأة العربية هو أحد أسباب التخلف الاجتماعي في معظم دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا Keystone

يؤكد تقرير صادر عن البنك الدولي حاجة المنطقة العربية لاعتماد إصلاحات جذرية في مجال الاقتصاد والتسيير وتعزيز الشفافية.

وأكّـد التقرير أن التحدّي الذي يُـواجه الحكومات والشعوب يتمثّـل في تعزيز التعاملات السلسة والمنتجة وفي تقليص التصرفات المُـحبطة والهادرة للطاقات.

كشف تقرير نشرته الأمم المتحدة قبل عام حول التنمية البشرية في المنطقة العربية حقائق مفجعة تتصل بارتفاع مستويات الأمية وتدهور أوضاع المرأة وتردّي السياسات الإنمائية في غالبية البلدان العربية.

ودعا التقرير البلدان العربية إلى مواجهة عجزها في مجالات نقص المساواة والمعرفة وانعدام الديموقراطية.

وفي الأيام الماضية، أكّـد تقرير نشره البنك الدولي بأن مستوى “إدارة الحكم” في منطقة “الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” هو دون المستويات نفسها في بقية أنحاء العالم.

وعلى غرار رد فعلها السلبي إزاء تقرير الأمم المتحدة الذي كانت أعدته نخبة من المفكرين العرب، فإن الحكومات وجامعة الدولية العربية قد ترى في تقرير البنك الدولي إفراطا وقساوة من جانب الخبراء الدوليين.

وكان تقرير الأمم المتحدة حول التنمية البشرية في المنطقة العربية أشار إلى ارتفاع مستويات الأمية في المنطقة العربية، إذ تصل معدلات الأمية إلى نحو 50% في المغرب على سبيل المثال، وتمس الأمية المرأة بشكل خاص.

وتذكر التقديرات أن 50 مليون امرأة عربية، أي نحو خُـمس سكان المنطقة العربية تقريبا، لا تفقهن القراءة والكتابة، وتلك حقيقة كافية بمفردها لتفسير حال الركود الاقتصادي والاجتماعي في العديد من البلدان العربية، وخاصة في الأرياف.

كما يشير تقرير العام الماضي إلى صعوبة نيل المعرفة في المنطقة العربية ودل على ذلك بضعف نسبة السكان الذين يستخدمون شبكة الإنترنت. فلا تتجاوز النسبة 2% من إجمالي السكان العرب، وهي نسبة تتساوى فيها المنطقة مع معدلات البلدان الفقيرة في الساحل الإفريقي.

وقد ردت الحكومات العربية على تقرير الأمم المتحدة بأن الخبراء لم يأخذوا في الاعتبار الإحصاءات الرسمية للبلدان العربية، وكـلّـفت الجامعة التي هي طرف مباشر في إعداد تقرير صندوق الأمم المتحدة الإنمائي حول التنمية البشرية بالرد عليها.

البنك الدولي يؤكّـد تشخيص الأمم المتحدة

وتضيف نتائج تقرير البنك الدولي كمّـا هائلا من الملاحظات التي سيكون من الصعب على البلدان العربية الرد عليها. ولخّـص المستشار في “مركز السياسة الأوروبي في بروكسل”، اربيهاريد رهاين، تعاطي حكومات البلدان العربية مع التغييرات في الساحة الدولية وإدارة الشؤون العامة بالقول “إن الحكومات العربية تبدو وكأنها تدير الشؤون اليومية في انتظار المجهول”.

ويشير تقرير البنك الدولي إلى سوء إدارة الحكم في المنطقة العربية لأسباب عدم التزام الحكومات بقيم ومبادئ المساواة والمساءلة. ويذكر على سبيل المثال، بأن المساواة (يسميها في الترجمة العربية: التضمينية) تُـنتَـهك عندما تقدم لسكان الأرياف خدمات تكون مستوياتها دون خدمات المدينة.

ويضيف التقرير بأن المساواة “تُـنتهك أيضا حين تسيطر الحكومة على سير الانتخابات، كما هو الشأن في معظم دول المنطقة”. وتنعدم وسائل الدفاع أمام المعارضة التي غالبا ما تحرم في غالبية البلدان العربية، في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، من وسائل الدعاية السياسة، ويتم تغييبها عن وسائل الإعلام الرسمية.

وكثيرا ما يحتكر الحزب الحاكم الحيّـز الإعلامي الذي توفره شبكة التلفزيون والإذاعة والصحف التابعة للقطاع العام، والتي يتم تمويلها من الخزينة العامة. ويُـذكّـر تقرير البنك الدولي بأن “الفجوة في مستوى الحكم تنعكس إلى فجوة اجتماعية”. ويستشهد بمعدل وفيات الأطفال في مصر، التي “تجاوزت 69 في الألف عام 1999، وهو معدل يفوق المعدل نفسه في إندونيسيا، 42 في الألف”، وذلك على رغم أن معدل دخل الفرد في إندونيسيا لا يتجاوز نصف دخل الفرد في مصر.

وتسجل دولة الإمارات العربية المتحدة، إحدى أغنى دول المنطقة، أدنى معدلات وفيات الأطفال، إذ تتساوى المعدلات في الإمارات مع المعدلات نفسها في المجر أو ماليزيا، 8 في الألف.

ويشير تقرير البنك الدولي إلى مشكلة ارتفاع الأمية في المغرب، حيث يعاني 40% من الرجال من عجزهم عن القراءة والكتابة. وتصل النسبة إلى 60% بالنسبة للمرأة المغربية، وذلك بعد ما يقارب 50 عاما عن استقلال البلاد.

ويؤكد التقرير بأن مبدأ المساءلة يقوم على قيم الشفافية والتنافسية حسب معيار الكفاءة وحرية الصحافة، وهي قيم نسبية في غالبية بلدان المنطقة العربية، وقد تكون منعدمة في بعضها، وبشكل خاص حريات الصحافة والتنظيم.

ويقول التقرير إن تحسين مستوى المساءلة في آليات إدارة الحكم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سيساعد الدول والمجتمعات في المنطقة على التقليل من الآثار السلبية للسياسات المفروضة والمنحرفة، وعلى تحسين الأداء الإداري، مما يقلل من مخاطر الاستثمار وعلى تحسين مستوى الخدمات العامة، مما يعزز إنتاجية قطاع الأعمال.

بوادر إيجابية؟

ويلاحظ التقرير “بوادر مشجعة في كل من الجزائر ولبنان وإيران، بالإضافة إلى أن انتشار القنوات الفضائية يساهم في نقل المعلومات وإزالة بعض عراقيل الرقابة، إلا أنه وبشكل عام، فإن دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تشكوا من تدني مستوى الشفافية، وخير دليل على ذلك، ندرة البيانات والمعلومات الإحصائية المتوافرة حول نوعية إدارة الحكم في المنطقة، إذ أن معظم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا تضمن حق مواطنيها في الاطلاع على البينات الحكومية، وبعض الدول تتعمّـد حجب الحقائق تماما”.

ولأن حرية الصحافة تُـعـزّز المساءلة والشفافية، فإن معظم دول المنطقة تخضع وسائل الإعلام لرقابة مشددة ولا تتردد “عن مضايقة واعتقال الصحفيين، الأمر الذي يساهم في إضعاف مستوى النقاش العام”.

ويتفق التقرير في أن الحرب على الإرهاب “قد وفرت المبررات بالنسبة لحكومات دول المنطقة من أجل تشديد الرقابة وتقييد حرية الصحافة”. ويستنتج بعد استعراض العديد من البيانات الإحصائية بأن “دول المنطقة تقع في أسفل المؤشرات العامة لنوعية إدارة الحكم” في العالم.

ويُـحذّر البنك الدولي في التقرير من أن سوء إدارة الحكم يُـعَـد أحد الأسباب الرئيسية لتدني النمو الاقتصادي، ويستشهد في ذلك بالفوارق الإنمائية التي تفصل بين المنطقة العربية ومنطقة جنوب شرق آسيا. ويعد سوء إدارة الحكم السياسي والإداري في المنطقة سبب حذر رجال الأعمال والمستثمرين.

ويقول التقرير بأن “المناخ الإداري للأعمال لا يزال متخلفا بشكل كبير عن الدول المنافسة في مختلف أنحاء العالم”. وقد صرّحت أكثر من نصف المؤسسات في المغرب في استطلاع للرأي أجري أخيرا، “بأنها تعين وسطاء أو موظفين متخصصين في التعامل مع إدارات الدولة.

أما في الأردن، فإن على كل مستثمر ينوي تسجيل شركة جديدة الانتظار فترة ثلاثة أشهر، ينقضي نصفها لإجراء معاملة واحدة ـ مراجعة مختلف الوزارات.

وكان خبراء أوروبيون نبّـهوا خلال اجتماعات البنك الأوروبي للاستثمار مع البلدان المتوسطية للصعوبات التي يعانيها المستثمرون الأجانب جراء التعقيدات الإدارية والجمركية وانعدام الشفافية وعدم حياد أجهزة القضاء.

نور الدين الفريضي- بروكسل

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية