“الحجاب ليس عائقا للحصول على الجنسية السويسرية”
"إنها خطوة في الاتجاه الصحيح"؛ هكذا وصف رئيس فدرالية المنظمات الإسلامية في سويسرا إلغاء المحكمة الفدرالية لقرارين صدرا في كانتون أرغاو منعا منح الجنسية لسيدة مسلمة لمجرد أنها ترتدي الحجاب، ولرجل بسبب حجاب زوجته.
من جهتها، اعتبرت رئيسة “منتدى من أجل إسلام تقدمي في سويسرا” قرار المحكمة “سليما تماما”، فيما نوه رئيس مجموعة البحث حول الإسلام في سويسرا إلى أن “هذه القضية تدل على مناخ عدم الثقة الذي يسود في سويسرا”.
رفضُ منح الجنسية السويسرية لامرأة مُسلمة لمجرد أنها ترتدي الحجاب الإسلامي هو بمثابة تمييز. هكذا قضت المحكمة الفدرالية التي نشرت يوم الأربعاء 5 مارس الجاري تفاصيل وحيثيات إلغائها لقرارين سبق أن اتخذا في كانتون أرغاو.
واعتبر القضاة الفدراليون أن رفض الجواز السويسري لسيدة تركية ولرجل بوسني (بسبب حجاب زوجته) قرار مخالف للدستور.
“سليمٌ تماما”
سعيدة كيلير المساهلي، رئيسة “منتدى من أجل إسلام تقدمي” في سويسرا اعتبرت قرار المحكمة الفدرالية “سليما تماما”.
وذكّرت في تصريح لسويس انفو يوم الأربعاء 5 مارس أن “النساء اللواتي يرتدين الحجاب اليوم يُردن إظهار أنهن مُسلمات، هذا صحيح. ولكن القرآن لا يقول أيّا كان أنه يتعين على المرأة ارتداء الحجاب”، على حد قولها.
وتابعت السيدة كيلير المساهلي: “إذا كانت (المرأة المُسلمة المحجبة) تفعل ذلك لأسباب عائلية أو اتباعا للتقاليد، أو حتى لأسباب سياسية – كما هو الشأن للأسف في كثير من الأحيان اليوم – فإن هذا لا يبرر رفض منحها الجنسية”.
من جهته، رحب هشام مايزر، رئيس فدرالية المنظمات الإسلامية في سويسرا، بحكم القضاة الفدراليين الذي اعتبره “خطوة في الاتجاه الصحيح”.
وقال في تعليقاته على القرار لسويس انفو: “ينبغي أن يعطينا ذلك الأمل في أننا لا يجب أن نكتفي بالنظر إلى الأمور بشكل سطحي في المُستقبل. وشكرا لله لأن الناس المسؤولين عن تطبيق القوانين مازالوا مُستيقظين”.
في المقابل، أقر السيد مايزر بأن التجارب علّمته أن يظل “حذرا”، وأضاف في هذا السياق “نحن لا نبحث عن المُماثلة بل عن الاندماج”، وهذا يعني برايه “أنك تقبلني بهويتي طالما أنني لا أذهب إلى حد مطالبة الآخرين أن يتصرفوا مثلي”. وبالتالي فإنه يمكن لتلك السيدة “الاحتفاظ بهويتها بالكامل، في احترام للقوانين السويسرية ولحريتها الخاصة”، حسب قوله.
زوج المُحتجبة دفع الثمن أيضا…
وقد قبلت المحكمة الفدرالية بقرارها تظلّـم ربّـة العائلة التركية التي تبلغ 40 عاما من العمر، وتقيم في سويسرا منذ عام 1981 ومندمجة بشكل جيّـد. وكان المجلس البلدي لـ “بوخس” (Buchs) في كانتون أرغاو، قد رفض العام الماضي طلبها للحصول على الجنسية بـ 19 صوتا مقابل 15.
وبرر المعارضون لمنحها الجنسية رفضهم بارتدائها للحجاب الإسلامي الذي اعتبروه رمزا لخضوع المرأة للرجل، وتعبيرا عن عدم مساواة للمرأة، على عكس ما ينص عليه النظام الدستوري السويسري.
غير أن القضاة الفدراليين رفضوا هذه الرؤية الأمور واعتبروا أن الممارسة المتمثلة في ارتداء الحجاب، تعبّـر عن الانتماء إلى دين، وهو ما يعني أنها محمية بحرية الضمير وحرية المعتقد المكفولتين في الدستور الفدرالي، وأنه يجب التعاطي مع هذه المسألة على ضوء حظر جميع أشكال التمييز.
وترى المحكمة الفدرالية أن مجرّد ارتداء الحجاب، لا يُـترجم عن موقف يتّـسم بقلة الاحترام للنظام الدستوري ولا يعبّـر بحدّ ذاته عن تحقير للنساء، كما حثت المحكمة على تجاوز الأفكار المسبقة، ونوّهت إلى أن ارتداء الحجاب، لا يسمح بإقامة الدليل على أن امرأة تنتمي إلى الديانة الإسلامية، قد تتغاضى عن مبدإ المساواة بين الجنسين والقِـيم الأساسية للمجتمع السويسري.
وفي إجراء موازٍ، وافقت المحكمة الفدرالية على طعن تقدم به رجل ينحدر من البوسنة والهرسك، مقيم في بلدية بير (Birr) بكانتون أرغاو أيضا. ولم يتمكن هذا السيد من الحصول على الجنسية، بسبب ارتداء زوجته للحجاب.
في المقابل، استبعدت المحكمة الاستئناف الذي تقدمت به زوجته، التي لم تحصل على الجنسية واعتبرت أن سبب الرفض (المتمثل في عدم إجادتها للغة الألمانية ومعرفتها المتواضعة بقوانين البلاد)، لم يكن ذا طابع تمييزي.
“لا علاقة للدين بالجنسية”
في تعليق لصحيفة “لا تريبون دو جنيف” الصادرة يوم الخميس 6 مارس الجاري، قال ستيفان لاتيون، رئيس “مجموعة البحث حول الإسلام في سويسرا”: “كل هذه القضية تدل على مناخ عدم الثقة الذي يسود في سويسرا. وتكمن المشكلة في أن مثل هذه الأحداث تزيد من عدم الثقة بين الطوائف. وفي نهاية المطاف، يمكن أن تؤدي هذه الصراعات الخفية إلى انطواء الهويات على نفسها وإلى رفض الآخر”.
ويرى السيد لاتيون أنه من الضروري الإبقاء على الحد الأدنى من الحس السليم، إذ يقول: “إن الدين ليس له علاقة بالجنسية. وإن سألتم عن الدليل فسأجيب أن حوالي 30 ألف سويسري يقولون إنهم مسلمون، ويُقدّر أن ثلث هؤلاء اعتنقوا الإسلام (بدل ديانتهم السابقة). فماذا تودون القول لهؤلاء الناس؟ لم يعد لهم الحق في حيازة جوازنا؟”.
ويأسف رئيس مجموعة البحث حول الإسلام في سويسرا لكون “الحجاب مجرد تفصيل يُشوش على النقاش! فهنالك قضايا أخرى مرتبطة بالموضوع أكثر أهمية، مثل عدم تمكن بعض النساء من مغادرة منزلهن”. ويقر الباحث بحذر بأن ارتداء الحجاب يعتبر إلزاميا من قبل بعض الناس في بعض السياقات، ويخلص إلى أن “العديد من النساء يؤكدن إرادتهن وحقهن في ارتدائه”.
فرصة جديدة في يونيو
وعلى إثر قرار المحكمة الفدرالية، سيتعين على بلديتي أرغاو النظر مرة أخرى في الطلبين المرفوضين للحصول على الجنسية. وقد أشار رئيسا بلديتي كل من بوخس وبير أن الطلبين سيُعرضان على المجلس البلدي في يونيو القادم.
وأوضح رئيس بلدية بوخس، هاينس بور، أن السلطات البلدية كانت قد دعمت طلب السيدة التركية وحذرت المواطنين من العواقب المُحتملة للرفض.
كما أنه تم منح الجنسية السويسرية لابنة ربة الأسرة تلك في نفس الجلسة للجمعية البلدية في يونيو 2007، رغم أنها ترتدي الحجاب الإسلامي أيضا.
المسألة في صناديق الاقتراع
وتعيد هذه الحالات للأذهان ما تعرض له رعايا من دول البلقان قبل سنوات في بلدية إيمـّْن Emmen بكانتون لوتسرن؛ حيث استُدعي المواطنون للتصويت على عملية التجنيس ورفضوا باستمرار منح الجواز السويسري للمرشحين من تلك المنطقة.
وفي عام 2003، وضعت المحكمة الفدرالية حدا لهذه الممارسة، بحيث اعتبرت قرارات الرفض المتعلقة بالجنسية من قبل الشعب غير مُبررة وتمييزية.
وعلى إثر ذلك القرار، أطلق حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) مبادرته “من أجل عمليات تجنيس ديمقراطية”، بهدف السماح للبلديات بإخضاع منح الجنسية للتصويت الشعبي.
وستُطرح المبادرة على الناخبين والكانتونات السويسرية في الفاتح من يونيو القادم.
سويس انفو مع الوكالات
لا يحتدم النقاش بين الفينة والأخرى حول ارتداء الحجاب الإسلامي في سويسرا فحسب بل يجري أيضا في دول أوروبية أخرى.
استنتجت اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية أن النساء اللواتي يرتدين الحجاب في مواقع العمل وفي المدرسة بسويسرا غالبا ما تقعن ضحية للتمييز.
في فرنسا وبعض ولايات ألمانيا الاتحادية، يـُمنع ارتداء الحجاب سواء بالنسبة للتلميذات أو للمدرسات. ولا تعرف سويسرا مثل هذه القيود، على الأقل بالنسبة للتلميذات والطالبات.
في جنيف، سبق أن منعت سلطات الكانتون معلمة مُسلمة من تغطية رأسها أثناء إلقاء الدروس، وأكدت هذا القرار المحكمة الفدرالية باسم الحياد الطائفي للمدرسة.
في متاجر “كوب” (COOP)، لا يحق للبائعات ارتداء الحجاب، بينما تسمح سلسلة متاجر “ميغرو” (MIGROS)، وهي العملاقة الأخرى في مجال التجارة بالتقسيط في سويسرا، بارتداء الحجاب، لكن فقط بالنسبة للموظفات اللاتي ليس لهن اتصال مُباشر بالزبائن.
بعد 12 عاما من الإقامة في سويسرا، يُـمكن التقدّم بطلب للحصول على الجنسية، وتُـحتسب السنوات المقضّـاة في الكنفدرالية ما بين سن العاشرة والعشرين، مضاعفة.
تمنح سويسرا الجنسية للمرشحين الذين اندمجوا بشكل جيد والعارفين بالنظام القانوني السويسري.
تمر عملية التجنّـس عبر الكانتونات والبلديات، كما أن الإجراءات يُـمكن أن تختلف بشدة من مكان إلى آخر.
في عام 2004، رفض الشعب السويسري التجنيس الميسّـر للأجانب من الجيلين، الثاني والثالث.
في عام 2005، تم تسجيل 39753 عملية تجنيس في سويسرا، وفي عام 2006، ارتفع العدد إلى 47607، وهو رقم قياسي، أما في عام 2007، فلم يزد عن 45042.
يزيد عدد الأجانب المقيمين في سويسرا، عن مليون ونصف شخص، أي ما يناهز 20% من إجمالي السكان.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.