“الحروب الصغيرة” تدمّـر منطقة الشرق الأوسط
بينما تسود في الشرق الأوسط حالة قلق إزاء احتمالات تفجُّـر عدّة حروب كبيرة (بين إيران وأمريكا أو بين تركيا والأكراد)، تشهد المنطقة انفجارا لعدد هائل من "الحروب الصغيرة"، التي أدّت تداعياتها إلى إعادة تشكيل ملامح الإقليم بالفعل.
الأكيد أن لم الشرق الأوسط لم يعُد كما كان عليه قبل سنوات قليلة خلت، حتى وإن لم تقع تلك الضَّـربات العنيفة التي يمكن أن تقود – حسب تصريح الرئيس جورج بوش – إلى حرب عالمية ثالثة.
بينما تسود في الشرق الأوسط حالة قلق إزاء احتمالات تفجُّـر عدّة حروب كبيرة، يُـمكن أن تطيح بما بقي فيها من معالم تقليدية في الخليج والشام والوسط والجناح الإفريقي، تشهد المنطقة انفجارا لعدد هائل من “الحروب الصغيرة”، التي أدّت تداعياتها إلى إعادة تشكيل ملامح الإقليم بالفعل، فلم يعُـد الشرق الأوسط كما كان عليه، حتى وإن لم تقع تلك الضَّـربات العنيفة التي يمكن أن تقود – حسب تصريح الرئيس جورج بوش – إلى حرب عالمية ثالثة.
إن منطقة الشرق الأوسط قد شهِـدت تلك المشكلة طِـوال الوقت. فخلال النصف الثاني من القرن العشرين، وقعت في المنطقة حوالي 145 حالة صراعية، كان من بينها فقط 10 حروب رئيسية من تلك النوعية التي تُـسمى “نظامية” أو أهلية، أما بقية الصدامات المسلحة، فإنها كانت تصنَّـف عادة على أنها “حروب صغيرة”، بمُـسميات مختلفة، لكن ذلك لا يقارن بما يحدُث حاليا، فباستثناء 4 دول على الأكثر، تشهد كل دول الإقليم الأخرى من أفغانستان إلى المغرب ومن تركيا إلى الصومال، عمليات إطلاق نار بأقدار متفاوتة.
من إسبانيا إلى العراق
عبر التاريخ، كان ثمَّـة اهتمام متقطّـع بتلك الحروب الصغيرة، في الأوقات التي فاجأت فيها بعض الدول أو عمل بعضهم على التخطيط لها أو حاول آخرون التحذير منها، كما حدث عندما انفجرت حرب العصابات بعد احتلال جيش نابليون لإسبانيا عام 1808 أو عندما نشر كتيب لورانس العرب عن الحروب الصغيرة عام 1940 أو عندما اهتم بعض المحللين خلال الحرب الباردة بتفسير الكيفية التي تخسر بها “الديمقراطيات” الحروب الصغيرة.
ظهرت أيضا موجة من الاهتمام بها إثر نهاية الحرب الباردة عام 1991، عندما ظهرت التحليلات التي تقرر أن عصر الحروب الكبرى قد انتهى وأن العالم سوف ينتقل إلى الحروب الأصغر في الأقاليم، والتحذيرات التي تطالب الدول الأوروبية بالاستعداد لـ “حالة جادة”، هي الحروب الصغيرة بفعل تصاعد التطرف الديني والقومي.
وقد أصبح هذا التعبير مُـتداولا في أوساط وزارات الدفاع الرئيسية في العالم بالحديث عن “أنصاف الحروب” أو القدرات العسكرية المطلوبة للتعامل مع الكوارث الطبيعية أحيانا، وحاولت بعض مراكز الدراسات الاقتراب منه بالحديث عن علاقات إرتباطية تُـقرر أن الحروب الصغيرة تخلِّـف الحروب الكبيرة أو التحولات الرئيسية أو ضعف الحكومات أو الفراغ الإقليمي، وأنشأت بعض شبكات مراكز الأبحاث مراصد إنذار مبكًّـر خاصة بها.
لكن الاهتمام الحقيقي بها تصاعد إثر ظهور المقاومة المسلَّـحة عقِـب الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، فقد ساد اهتمام واسع بما أصبح يسمى “مكافحة التمرّد”، وظهرت قواعد اشتباك جديدة تحاول أن تتعامل مع ما بدا أنه لغز عسكري حقيقي، لكن الظاهرة تحرّكت بسرعة، انطلاقا من العراق في كل الاتجاهات، وأصبح على كل طرف أن يتعامل مع حرب صغيرة تُـشنُّ ضده أو تنفجِـر داخله أو تتماس مع حدوده.
المقاتلون الجدد
كان من المعروف في أوساط الأكاديميين في المنطقة طِـوال الوقت أن هناك ما يسمَّـى “الصِّـراعات منخفضة الحدة”، لكن قبل عام 1990، كانت دول قليلة فقط هي التي واجهت مواقِـف مُـزمنة خطِـرة ترتبط بذلك المفهوم، أما بقية الدول، فإنها لم تشهد سوى حالات مُـتباعدة لصراعات سُـلطة مسلحة أو تمرّدات عسكرية أو صِـدامات أهلية أو موجات إرهابية أو صِـدامات حدودية، وبعد ذلك العام، بدأت الحروب الصغيرة في الظهور، قبل أن تتَّـخذ المشكلة أبعادها المتكاملة بعد عام 2001.
بدأت المسألة بشكل شهير لتلك الحروب، هي المواجهات بين جيوش نظامية وعناصر مسلحة غير نظامية، وبينما كانت نظريات مثل “الحروب غير المتماثلة” تحاول أن تفسر ما يجري، بدأت الميليشيات المسلحة والأجنحة العسكرية والتشكيلات الشعبية والفيالق الثورية والعصابات المنظمة و”الطوابير الخامسة” والتنظيمات الإرهابية وشركات الأمن في الانتشار على ساحة الإقليم.
بعد عام 2003، بدا أن الإقليم قد أصبح في حالة حرب ترتبط في الأساس بفكرة المواجهات الصغيرة، فقد توقَّـفت الحروب الأمريكية الكبيرة عند حدود العراق، بعد أن كان من المقَـرر أن تتحرّك في اتجاه عدة أهداف تالية.
ويمكن هنا ببساطة، تحديد أشكال تلك الحروب الصغيرة التي شهدتها أو تشهدها حالات مثل الجزائر أو اليمن أو السعودية أو الصومال أو تركيا أو أفغانستان.
لكن من الصَّـعب للغاية تحديد خطوط دقيقة لما يجري في العراق أو لبنان أو فلسطين أو السودان، ففي تلك الدول، تدور عدة حروب صغيرة في وقت واحد، تعبِّـر بدقة عن حالة الفوضى المسلحة التي تشهدها المنطقة، فالعراق مثلا يشهد مقاومة مسلحة وعنف مذهبي وأعمال إرهابية وجريمة منظمة وتدخلات إقليمية وتوترات عرقية وحركات عشوائية، وتظهر كل شهر أشكال جديدة من الحروب الصغيرة المعقدة كـ “حالة الرمادي”.
قواعد الاشتباك
إن القوات النظامية لا تزال طرفا في مثل تلك الحروب، فالجيش الأمريكي يواجه عدّة جبهات في العراق، والجيش اللبناني قد خرج توّا من معركة في المخيمات، والجيش اليمنى خاض مواجهة مع أنصار الحوثى، والجيش الجزائري لا يزال مستمرا في مشكلته القديمة، والقوات التركية تخوض معركة مع حزب العمل الكردستاني، والجيش السوداني ينشط في دارفور، وقوات الناتو تحاول وقف تمدّد طالبان، والجيش الإسرائيلي يحاول احتواء آثار حربه مع حزب الله، وقوات السلطة الفلسطينية دحرت أمام جناح حماس العسكري.
كل تلك القوات النظامية تواجه مشكلة، فمعظم أسلحة القتال الرئيسية كالدبَّـابات والطائرات والمدافع، ناهيك عن الغواصات والفرقاطات وكل مبادئ الحرب التقليدية أيضا لم تعد تعمل بفعالية في مواجهة الفرقاء الجدد الذين يستخدمون غالبا الأسلحة الآلية والعبوات الناسفة والسيارات المفخخة وبنادق القنَّـاصة والأسلحة المضادة وقذائف الهاون، في إطار حروب العصابات، فلا توجد خطوط مواجهة، ومبادئ المفاجأة والحشد والصدمة وغيرها لا تعمل غالبا، والأهم، أنه ليست هناك معايير محدّدة لنهاية المهمة.
لكن المأساة الحقيقية لا ترتبط بمواجهات الجيوش مع الميليشيات، وإنما بمواجهات الميليشيات مع الميليشيات، على غرار ما هو قائم تحديدا في العراق، حيث يشن كل طرف حربا صغيرة ضد طرف آخر في مناطق مدنية، استنادا على كراهية أو هوية أو تكفير أو انتقام أو رغبة في “إعادة الحصحصة”، وهو ما يحدث كذلك في دارفور بالسودان، كما أن ثمة خِـشية على دخول لبنان هذا المضمار، ففي تلك الحالات تظهر تعبيرات التطهير العرقي والقتل الجماعي والنزوح السكاني والجثث المجهولة.
المسألة لا تتوقف عند هذا الحد، فلا تزال العمليات الإرهابية تضرب في كل مكان، متَّـخذة أشكالا مفزعة كما حدث في المغرب والجزائر أو سيناء في مصر، وكاد بعضها أن يصل إلى مستوى “التدمير الشامل” قبل أن يفشل، كعملية استخدام المواد الكيماوية في عمَّـان بالأردن عام 2004 أو عملية الهجوم على مجمع بتروكيماويات ينبع بالسعودية عام 2005، فتقديرات الخسائر البشرية أو المادية التي كان من الممكن أن تنتج عن مثل تلك العمليات، تتجاوز خسائر بعض الحروب الكبيرة.
الدرس المحيِّـر
إن مشكلة الحروب الصغيرة في الشرق الأوسط، هي أنها تبدو بالنسبة لأطرافها وكأنها حتمية، فكل طرف يعتقد أنه مضطر للقيام بما يقوم به وأن لديه كل المبررات الأخلاقية والسياسية لقتل الطرف الآخر، دفاعا – كما يعتقد – عن أمنه أو حقوقه أو مذهبه أو قبيلته أو طائفته أو دينه، وحتى تلك الحروب التي ارتبطت بمصالح يمكن فهمها تحوّلت إلى صراعات “قِـيم” عادة ما لا تبقى ولا تذر.
لكن معضلتها عسكريا أكثر تعقيدا، فشنَّـها يبدو لأطرافها سهلا، لكن حسمها يبدو صعبا للغاية، إذ أن التوازنات القائمة هي توازنات ضُـعف وليس قوة، وسرعان ما يفقد كل طرف سيطرته حتى على سلوكه وكوادره، ويهيمن الأكثر تطرّفا على عملية إدارتها، وتصبح أهدافها “المعقولة” غير واقعية مع الوقت، لكن أطرافها تظل أسيرة لها ولا توجد بشأنها معايير محدّدة للانتصار وتبدو خسائر النكوص أكبر من خسائر الاستمرار أحيانا.
لقد أدّت هذه الجروح المسلَّـحة المفتوحة إلى إصابة بعض الأطراف بما يُـشبه “الغرغرينا”، كالعراق والسودان وفلسطين وأفغانستان والصومال، فلن تواجه تلك الدول أسوأ مما تواجهه سوى “الانهيار الكامل”، كما أن معظم الأطراف الأخرى تواجه مشكلات حادّة بشكل أو آخر، لم تؤثر فقط على أمنها واستقرارها وتنميتها، وإنما على أرضها وسكانها ومواردها، فبعض الدول تبدو وكأنها مصابة بالدوار.
المشكلة الحقيقة هي أنه لا يمكن التنبُّـؤ بالمستقبل فيما يتعلق بمسار تلك الحروب، فالتاريخ يقول إنها تستمر لفترات طويلة حتى تذبل وحدها، بعد أن تصاب أطرافها بالإرهاق من جرّاء الخسائر، والواقع يشير إلى نفق مظلم مع مؤشرات محدودة بأن بعض تلك الحروب يمكن أن تتوقف في مدى زمني معيَّـن، إذا قررت مجموعة أشخاص أن تفكر بنصف طريقة نيلسون مانديلا، بعيدا عن “المباريات الصفرية”.
الأرجح، هو أن موجة العنف الحالية ستصل إلى مداها، وربما تتعلم دول المنطقة بعدها أهم دروس تاريخها، مثلما حدث في القارة الأوروبية وجنوب شرق أسيا، عقب عهود من حرب الجميع ضد الجميع، وهو أن تجد حلا حقيقيا لمشكلة “الحرب”، هذا، إن لم يدمر نصف الإقليم بالطبع قبل أن يصل أمَـراء الحرب فيه إلى تلك القناعة، وإذا لم تشهد المنطقة “حربا عالمية ثالثة” تحت عنوان إيران، تطلق موجة لا نهاية لها من الحروب الصغيرة مرة أخرى في الشرق الأوسط.
د. محمد عبد السلام – القاهرة
واشنطن (رويترز) – قال الرئيس جورج بوش يوم الثلاثاء 23 أكتوبر، إن درع الصواريخ المقرر نشرها في أوروبا، حيوية للحماية من “تهديد إيراني متزايد”، مع تأكيده على حملة متصاعدة بقيادة الولايات المتحدة ضد طهران.
وفي أوضح تعبير عن موقفه حتى الآن، استغل بوش خطبة بجامعة الدفاع الوطني ليؤكد على فكرة أن ايران تمثل خطرا داهما بسبب سعيها المتزامن للحصول على التكنولوجيا النووية والصاروخية.
وجاء أحدث هجوم كلامي من بوش بعد تحذيره القوي الأسبوع الماضي من أن امتلاك إيران للسلاح النووي، يمكن أن يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة، وهي ملاحظة أثارت انتقادات من معارضين سياسيين داخليا، والذين اتهموه بتصعيد التوترات مع طهران.
وقال بوش “الحاجة إلى منظومة للدفاع الصاروخي في أوروبا حقيقية، واعتقد أنها ملحةّ”، وأضاف “إيران تسعى للحصول على تكنولوجيا يمكن استخدامها لإنتاج أسلحة نووية وصواريخ ذات مدى متزايد يمكنها حمل تلك الأسلحة.”
وسعى بوش إلى طمأنة روسيا أنها لا تحتاج للخوف من الخطط الأمريكية لوضع مكوِّنات من نظام الدفاع الصاروخي في بولندا وجمهورية التشيك، وقال إن إيران ستكون الهدف الأساسي لمثل هذه الدرع.
وقال بوش إن إيران أوضحت أنها تطور صواريخ بمدى 1200 ميل، 1900 كيلومتر، وبالتالي، قادرة على ضرب حلفاء للولايات المتحدة في أوروبا.
وقال بوش إن تقديرات أجهزة المخابرات الأمريكية تشير إلى أن إيران مع المساعدة الأجنبية المستمرة، يمكنها تطوير صاروخ عابر للقارات قادر على الوصول إلى الولايات المتحدة وكل أنحاء أوروبا قبل عام 2015، وأضاف “نحتاج إلى التعامل معها بجدية الآن”، وتابع “اليوم ليس لدينا وسيلة للدفاع عن أوروبا ضد التهديد الإيراني المتزايد، ولذلك، يجب أن ننشر نظاما للدفاع الصاروخي هناك يمكنه ذلك.” وبواعث القلق الأمريكية تجاه إيران تتجاوز برنامجها النووي.
واتهم نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني طهران يوم الأحد «21 أكتوبر، بأنها “عقبة متنامية أمام السلام” في الشرق الأوسط وبأن لها دورا في قتل جنود أمريكيين بالعراق، حيث يقول مسؤولون أمريكيون إنها تقدم أسلحة وتوفر تدريبا للمسلحين.
المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 23 أكتوبر 2007
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.