“الحكم الذاتي لسكان الصحراء”.. مقترح غامض
خفتَ الاهتمام بمقترح مغربي يقضي بمنح الحكم الذاتي لسكان الصحراء تحت السيادة المغربية، وتركز، صحراويا، على المجلس الاستشاري الملكي للشؤون الصحراوية.
وقد حظي المقترح بالإهتمام، لأنها المرة الأولى التي يعلن عنه رسميا، ولِـما تردد من مصادر رسمية وشبه رسمية عن احتمال تقديمه إلى مجلس الأمن كحل للنزاع الصحراوي.
جاء المقترح للمرة الأولى في خطاب ألقاه العاهل المغربي الملك محمد السادس في شهر نوفمبر من العام الماضي بمناسبة الذكرى الثلاثين للمسيرة الخضراء، ثم أكده في خطاب ألقاه نهاية شهر مارس في مدينة العيون في ختام زيارته للصحراء، دون توضيح أية تفاصيل المقترح تاركا ذلك لمشاورات مع الأحزاب السياسية وشيوخ وأعيان القبائل الصحراوية.
وكان مصطلح (أو مفهوم) الحكم الذاتي لتسوية النزاع الصحراوي قد ورد لأول مرة في عام 1985 ثم اختفى مع المخطط الذي تقدمت به الأمم المتحدة لتسوية النزاع على أساس إجراء استفتاء تقرير المصير، ثم عاد للظهور مرة أخرى نهاية عام 1999 بصيغ مختلفة، بعد أن تعثر تطبيق المخطط، إذ كان يرد ضمنا في سياق “السعي لحل سياسي متفاوض عليه” أو باعتباره “أحد الاختيارات للتسوية”، ثم جاء في صيغة “المؤقت” تمهيدا للاستفتاء التي وردت في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1495 الصادر في نهاية شهر يوليو 2003.
ومنذ الخطاب الملكي في نوفمبر 2005، بات “الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية” لازمة في الخطاب المغربي الرسمي والحزبي، وانشغلت الأحزاب في تشكيل لجان لإعداد رؤاها لتقديمها حين يُـطلب منها ذلك.
لكن الغموض ظل يلف المقترح حتى بعد أن التقى مستشارو الملك مع قادة الأحزاب التي تباينت رؤاها حول طبيعة الحكم الذاتي وجغرافيته وصلاحيات وسلطات هيئاته ومؤسساته وعلاقاتها مع السلطة المركزية. وتحديدا، احتدم الخلاف بشأن محاور رئيسية من قبيل: هل الحكم الذاتي تنظيم سياسي أم تنظيم إداري، أي الجهوية أو اللامركزية الموسعة، وهل سيقتصر تطبيقه على الصحراء الغربية أم ان الصحراء بداية ثم سيشمل أقاليم ومناطق أخرى، خاصة وأن مستشاري الملك طلبوا من قادة الأحزاب عدم الكشف عن ما يقدّمون من أفكار ومقترحات.
السلام المجمّـد
ومن المعلوم أن هناك عشرات الصيغ للحكم الذاتي في العالم لم يرشـح إلى حد الآن أي منها اختارها المغرب، لكن خطاب الأحزاب كان يسترشد بالتجربة الاسبانية مع ملاحظة أن تجارب الحكم الذاتي في العالم كانت نِـتاج تطور مجتمعي ديمقراطي.
المغرب يضع نفسه أيضا في هذا الإطار متعمدا التغافل عن حقيقة تتمثل في أن مقترحه (الحكم الذاتي) يمثل بالنسبة للصحراء مشروعا لتسوية نزاع قائم بين جهتين ويتطلب لتطبيقه موافقة الطرف الثاني في النزاع، وهو جبهة البوليزاريو المدعومة جزائريا من أجل إقامة دولة مستقلة، وأيضا الأمم المتحدة كونها، برضا الطرفين، تتولى البحث عن تسوية سلمية للنزاع.
وكان القصر الملكي قد طلب من الأحزاب تقديم أفكارها ومقترحاتها قبل نهاية شهر مارس، ليتسنى، حسب الأوساط الحزبية، بلورة المقترح في مبادرة تقدم لمجلس الأمن الدولي بناء على قراره الأخير ذي الصلة الذي يطلب من أطراف النزاع الصحراوي تقديم مقترحات لتحريك السلام الصحراوي المجمد.
وعقد المجلس دورة مناقشات حول ملف الصحراء في النصف الثاني من شهر أبريل الجاري ليصادق على تقرير لكوفي أنان الأمين العام للأمم المتحدة، الذي يتضمن تطورات النزاع الصحراوي منذ دورة المناقشات الأخيرة في شهر أكتوبر 2005، والتي منها المبادرة المغربية، إذا ما قدمت بالإضافة الى توصية أنان بتمديد ولاية قوات الأمم المتحدة المنتشرة بالمنطقة (المينورسيو) التي تنتهي يوم 30 أبريل الجاري.
تحركت الدبلوماسية المغربية لتأمين قبول وتأييد المقترح بكل الاتجاهات، إلا باتجاه الجزائر وجبهة البوليزاريو التي أعلنت رفضها له دون انتظار الإطلاع على تفاصيله، وأصرت على تطبيق قرارات الأمم المتحدة الداعية لإجراء استفتاء حر ونزيه يقرر خلاله الصحراويون مصيرهم في دولة مستقلة أو الاندماج بالمغرب.
من جهته، أعلن كوفي أنان في العاصمة الإسبانية مدريد بداية شهر أبريل الجاري أنه لم يتسلم المقترح المغربي ولا يعرف تفاصيله، وأنه يستبعد تضمينه في تقريره القادم. وأوضحت مصادر دبلوماسية مغربية لسويس إنفو إن المغرب “أجّـل تقديم مبادرته إلى شهر أكتوبر القادم لكي تكون قابلة للنقاش في المجلس”.
احتجاجات وتخوفات
ورغم تأجيل تقديم المبادرة المغربية واستمرار الغموض حول مضمونها، لا زال “الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية” لازمة الخطاب السياسي المغربي متلازمة مع إبراز المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية الذي نصبه الملك محمد السادس أثناء زيارته للصحراء، وكلف خليهن ولد الرشيد، الشخصية الصحراوية البارزة برئاسته.
وحسب مرسوم تشكيل هذا المجلس، فإنه مكلف بتقديم أفكار واستشارات للملك حول الأوضاع في الصحراء الغربية وقضاياها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، من بينها، حسب ما أعلن، مسألة الحكم الذاتي، إلا أن المجلس في دورة الاجتماعات التي عقدها بالرباط الأسبوع الماضي، لم يبحث هذه المسألة، وتمحورت الدورة حول انتخاب نواب الرئيس التسع وتقديم إيضاحات حول ما أثارته تركيبة المجلس من احتجاجات ونقاشات.
الإحتجاجات صدرت عن قبائل صحراوية حول حصول قبائل معينة على حصة الأسد من مقاعد المجلس الـ 140 وحرمان قبائل أخرى من هذا التمثيل، وأدت إلى توجيه عدد من الشخصيات الصحراوية رسالة احتجاج عبرت فيها عن تخوفاتها من انعكاس ذلك على الوضع في المنطقة، كما سجلت مناقشات حول ورود ثلاثة أسماء لأشخاص هم في عداد الموتى ضمن لوائح المجلس، بالإضافة إلى هيمنة الشخصيات الصحراوية التقليدية الذين يقول معارضوهم إنهم كانوا من مسببات التوتر الذي تعرفه المناطق الصحراوية، ودفع شبابها نحو تبني مقاربة مطالب جبهة البوليزاريو في الانفصال عن المغرب وإقامة دولة مستقلة.
وهؤلاء الشباب، مهما كان عددهم وتأثيرهم في الأوساط الصحراوية، فإن صوتهم أصبح عاليا وبات في ظل ما يعرفه المغرب من تطور إيجابي في ميدان الحريات العامة وحرية التعبير وتطور وسائل الاتصال، مسموعا بسهولة خارج المغرب بل أضحى يشكل القاعدة الأساسية لخطاب جبهة البوليزاريو وتحركها الدبلوماسي والإعلامي في زمن هيمنة حقوق الإنسان والحريات على وسائط الإعلام والاتصال واحد مرتكزات للعلاقات الدولية.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.