الطاقة المتجددة في جبال الألب: متى تتناغم حماية المناخ مع الطبيعة؟
تعتبر زيادة استخدام الطاقة المتجددة في جبال الألب خطوة حيوية لتحقيق الانتقال الطاقي في سويسرا، خاصة لتلبية الاحتياجات الأساسية خلال فصل الشتاء. تظهر الدراسات الحديثة كيفية تحقيق هذا الهدف مع الحفاظ على التنوع البيولوجي.
تعمل سويسرا على تسريع إنشاء محطات كبيرة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتحقيق أهدافها المناخية. وبحلول عام 2035، يُتوقّع أن تنتج مصادر الطاقة المتجددة (باستثناء الطاقة الكهرومائية) ستة أضعاف كمية الكهرباء التي تُنتج اليوم، وذلك وفقًا لقانون جديد يتعلق بإمدادات الطاقة، الذي حظي بالموافقة في استفتاء شعبي هذا الصيف.
المزيد
نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية
ويحذر ساشا نايك، الباحث في المعهد التقني الفدرالي العالي بلوزان (EPFL)، من أن التوسع الحالي قد يهدد التنوع البيولوجي في ظل الإطار القانوني الراهن. ويستند قلقه إلى دراسة أجراها بمشاركة 45 عالمًا وعالمة متخصصين ومتخصّصات في مجالات الطاقات المتجددة، وأبحاث المناخ، والتنوع البيولوجي، بتحليل العلاقة بين التنوع البيولوجي والطاقة المتجددة. وقد أصدر الفريق تقريرًا حديثًا يتضمن توصيات سياسية عاجلة.
ويقول نايك: “الخبر الجيد أنّنا بالتخطيط المحكم، يمكننا زيادة استخدام الطاقة المتجددة كثيرا دون التأثير في التنوع البيولوجي”. ومع ذلك، يبرز التقرير بجلاء ضرورة اعتماد هذا التوسع على نهج شامل، يوازن بين احتياجات الطاقة والحفاظ على التنوع البيولوجي.
الطاقة الشمسية في منتجعات التزلج
ورغم أنّها تُعتبر دولة صغيرة، تؤوي سويسرا تنوعاً استثنائياً في أجناس الحيوانات والنباتات، فضلاً عن الغابات والسدود، لا سيّما في منطقة جبال الألب. ومع ذلك، يشير العلماء والعالمات إلى أن هذه الثروة ليست محمية بالقدر الكافي، إذ تواجه تهديدات متزايدة نتيجة الزراعة الصناعية، والتوسع الحضري، وبناء الطرق.
ولتقليل فجوة الطاقة خلال فصل الشتاء، يؤكد الفريق البحثي على أهمية تعزيز استخدام طاقة الرياح والطاقة الشمسية في جبال الألب، التي تتميز بتنوعها البيئي الغني والحساس. لكن واجه استغلال هذه المواقع جدلا قويا، إذ تتعرض المشاريع المزمع تنفيذها لمعارضة قوية من السكان المحليين والهيئات البيئية.
كما يؤكد الفريق أهمية اتباع الآليات الديمقراطية في منح الأولوية للمبادرات ذات التأثيرات الطفيفة أو حتى الإيجابية على التنوع البيولوجي. وبينما يوصي بتبسيط إجراءات الموافقة وتسريعها، يدعو إلى ألا يكون ذلك عبر تقليص المشاركة المحلية باسم الاستعجال، ويرى أنّ هذه المبادرات لن تحظى بالقبول الواسع، إلا عبر إشراك السكان في التخطيط لهذه المشاريع.
المزيد
انطلاق الأشغال في المزرعة الشمسية الأكبر في جبال الألب
التركيز على المشروعات الأصغر حجما
وتضمّنت التوصيات الواردة في التقرير المنشور في أكتوبر، ضرورة إعادة تقييم الحد الأدنى لحجم المشاريع ذات الأهمية الوطنية، ما يمكّن المشاريع الصغيرة من الحصول على تمويل فدرالي. ويمكن تنفيذ العديد من المنشآت الصغيرة، بدلاً من التركيز على إنشاء عدد محدود من الحدائق الشمسية الكبيرة، ويُفضل أن تكون في مواقع لا تتطلب إنشاء طرق جديدة، حيث يوجد بالفعل اتصال بشبكة الكهرباء، مثل المناطق القريبة من مرافق السياحة والتزلج القائمة، أو في المناطق المتضررة من الرياضات الشتوية، والتي لم تعد مناسبة للتزلج بسبب تغير المناخ.
ويقول نايك: “غالبًا ما يقول الساسة إنه يتعين علينا الاختيار بين التنوع البيولوجي وحماية المناخ، والأجدر التساؤل: هل المزيد من الطاقة المتجددة أم التزلج؟”.
طاقة الرياح: مراعاة الطيور والخفافيش
يُعتبر اختيار الموقع أمرًا حيويًا عند توسيع مشاريع طاقة الرياح. فقد قضى رافائيل أرليتاز، أستاذ علم الأحياء الحفظي في جامعة برن ومؤلف مشارك في التقرير، سنوات في دراسة المخاطر التي قد تشكلها توربينات الرياح على الطيور والخفافيش. وطوّر فريقه نماذج خرائطية لتحديد المناطق ذات المخاطر العالية على النسر الملتحي والنسر الذهبي، بناءً على مسارات طيرانهما المتكررة في جبال الألب.
وتُعتبر المنحدرات الشديدة المواجهة للجنوب، المتمتّعة بتيارات هوائية جيدة، والمناطق التي تكثر فيها الوعول، حرجة على نحو خاص. كما تجب مراعاة ممرات الطيور المهاجرة المعروفة أو مناطق تكاثر الأنواع المهددة بالانقراض، خلال مرحلة التخطيط. ويقول أرليتاز: “يجب علينا تجنب إنشاء توربينات الرياح في مثل هذه المناطق الحساسة، إذا أردنا حماية حياة الطيور”.
المزيد
مشروع سكك الحديد الشمسية السويسريّ يعود إلى مساره الصحيح
أما بالنسبة إلى الخفافيش، فيمكن تقليل المخاطر من خلال إيقاف التوربينات تمامًا عند انخفاض سرعة الرياح. فقد أظهرت دراسات أرليتاز وزملائه، من الباحثين والباحثات في وادي نهر الرون، أن الأنواع المحلية مثل الخفافيش ذات الأذن الفأرية والخفاش الأوروبي ذي الذيل الحر، تطير بالقرب من الأرض، وعلى طول التحوطات، والهياكل الأخرى خلال العواصف القوية، ولا تدخل مناطق الخطر الخاصة بالتوربينات إلا عند انخفاض سرعة الرياح. ويشير أرليتاز إلى أن تعديل تشغيل التوربينات قد يؤدي إلى انخفاض طفيف في إنتاج الكهرباء، لكنه في المقابل يحدّ كثيرا من مخاطر الاصطدام.
لكن، لا يكفي التخطيط الدقيق لمشاريع الطاقة الجديدة وحده. بل يلفت الفريق مؤلّف التقارير الانتباه أيضا إلى البنية التحتية القائمة. فيمكن مثلا، تأمين الأبراج الكهربائية الحالية للطيور. وقد أظهر أرليتاز وفريقه في دراسة أجريت عام 2010، أن بعض أبراج خطوط الطاقة ذات الجهد المتوسط هي السبب الأول في وفاة بوم النسر في سويسرا. كما تموت اللقالق، والبوم، وغيرها من الطيور الجارحة كل عام؛ بسبب الصعق الكهربائي، رغم إمكانيّة تأمين هذه الخطوط للطيور بدفنها في الأرض أو عزلها. فيقول أرليتاز: “يجب أن نحل هذه المشاكل قبل تركيب محطات طاقة جديدة في جبال الألب”.
المزيد
بعض الخيال مطلوب لدمج الطاقة والتنوع البيولوجي
عند مناقشة التقرير بشكل مستقل، شدد ليون بينون، كبير العلماء في شركة “بيوديفارسيتي كونسالتينسي” (The Biodiversity Consultancy) في كامبريدج بالمملكة المتحدة، على أهمية التخطيط المتكامل. فقال: “يجب على سويسرا ألّا تركّز على المشاريع الفرديّة، إذا كانت تسعى لتوسيع طاقتها المتجددة مع الحفاظ على التنوع البيولوجي، بل يجب أن تأخذ بعين الاعتبار النظام بأسره”، وأكد ضرورة الابتعاد عن التفكير المجزَّأ والتركيز على الجوانب الفردية، إذ تتطلّب استعادة الطبيعة والحفاظ عليها، إلى جانب الفوائد الاجتماعية، والأمن، وإنتاج الطاقة، تآزرًا وتنازلات ينبغي مراعاتها بشكل شامل. واختتم بينون بالقول إن اتخاذ القرارات المجزأة لا يزال ممارسة شائعة للغاية.
المزيد
جبال الألب السويسرية خلابة، فهل هي متنوعة بيولوجيًا؟
وبينما تفضّل خطط الطاقة في العديد من البلدان المشاريع اللامركزية، يرى أن المبادرات الأصغر التي يقودها المجتمع المحلي، قادرة على حماية التنوع البيولوجي وإشراك السكان المحليين، مما يعزز القبول.
فيقول: “مع قليل من الخيال، يمكن أن تصبح توربينات الرياح أو محطات الطاقة الشمسية أو الغاز الحيوي، أصولًا مجتمعية قيِّمة للناس، وللنباتات، والحيوانات كذلك”.
تحرير: صابرينا فايس وفيرونيكا دي فوري
ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي
مراجعة: مي المهدي
التدقيق اللغوي: لمياء الواد
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.