الخارجية السويسرية تستقبل معارضين تونسيين
في خطوة غير مسبوقة، استقبلت وزيرة الخارجية السويسرية بمقر الوزارة في برن وفدا عن المعارضة التونسية ضم الأستاذين عبد الرؤوف العيادي وسمير ديلو.
تونس نددت بالخطوة ووصفتها بـ “غير الودية” وعبرت عن “اندهاشها وأسفها الشديد لمبادرة وزيرة الخارجية”. سويس إنفو التقت بالمعارضين إثر نهاية اللقاء.
في خطوة ملفتة للانتباه، وبعد التوترات التي أثارها خطاب رئيس الكنفدرالية السويسرية صامويل شميت بخصوص موضوع الحريات في تونس أثناء قمة مجتمع المعلومات (16 – 18 نوفمبر 2005)، استقبلت وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي راي بعد ظهر الخميس 8 ديسمبر ممثلين عن المعارضة التونسية من المشاركين في الإضراب عن الطعام في شخص الاستاذ عبد الرؤوف العيادي، نائب رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (محظور) والمحامي سمير ديلو، عضو إدارة الجمعية الدولية لمساندة السجناء السياسيين (محظورة).
اللقاء (الذي تم بطلب من منظمة “الحقيقة والعمل” غير الحكومية السويسرية) كان من المفتوض أن يشمل كل المضربين عن الطعام ولكن اقتصر على شخصين فقط في غياب القاضي مختار اليحياوي والأستاذ مختار النوري الممنوعان من السفر إلى الخارج، بالإضافة إلى بعض الإشكالات التي أخرت وصول لطفي حجي، رئيس نقابة الصحفيين التونسيين (غير المرخص لها)، والأستاذ العياشي الهمامي، رئيس لجنة الدفاع عن الأستاذ محمد عبو (غير المرخص لها).
للشكر والتعريف
اللقاء الذي استغرق حوالي نصف الساعة بحضور وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي راي ومساعديها، كانت تهدف حسب الأستاذ عبد الرؤوف العيادي إلى “شرح الأهداف التي دفعتناإلى تنظيم إضراب الجوع الذي امتد إلى 32 يوما، ثم لفتنا الانتباه إلى أن في تونس هناك الآن حركة تشكلت في صيغة هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات”.
أما المحامي سمير ديلو، فقال إن الجانب السويسري “عبر عن اهتمامه ومتابعته عن كثب للشأن التونسي ومساندته لمطلب الحرية في أعقاب تعبئة الموقف السويسري في قمة مجتمع المعلومات عبر رئيس الكنفدرالية السويسرية وعبر الوزير لوينبيرغر الذي سيصبح رئيس الكنفردالية العام القادم”.
وأضاف السيد ديلو: “وقد عبرنا من جانبنا عن شكر المجتمع المدني والسياسي في تونس للسويسريين والسلطات السويسرية الرسمية بعد أن عبرت جمعيات المجتمع المدني السويسرية عن دعمنها لنا من قبل”.
دعم غير ظرفي
عن طبيعة الدعم الذي عبرت عنه السيدة كالمي راي لوفد المعارضة التونسية، يقول المحامي سمير ديلو: “عبرت لنا وزيرة الخارجية السويسرية عن أن الدعم ليس ظرفيا ولن يقتصر فقط على قمة مجتمع المعلومات بل سيتواصل عبر متابعة مسألة الحريات في تونس وخاصة عبر متابعة كيفية معاملة السلطات التونسية لنشطاء حقوق الإنسان”.
واشار الأستاذ ديلو إلى أن السلطات السويسرية “تعهدت بأن تكون مسألة الحريات ومسألة حقوق الإنسان على رأس أجندة سويسرا في تعاملها مع السلطات التونسية سواء عبر بعض الملفات الخاصة بالحريات وحقوق الإنسان أو خاصة المتعلقة بالناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان”، وبدا واضحا بالنسبة إليه بعد اللقاء أنه “بالنسبة للسلطات السويسرية لن يتم العودة إلى وضعية ما قبل قمة مجتمع المعلومات”.
وفي تحليله لدوافع هذا الاهتمام السويسري بشأن الحقوق والحريات في تونس، قال المحامي سمير ديلو: “إن هذا الاهتمام لم يأت صدفة بل كان نتيجة لعمل الجمعيات الحقوقية السويسرية والجمعيات الحقوقية التونسية سواء تلك الموجودة بسويسرا أو في غيرها من بلدان العالم”.
وخلافا لما حدث في بلدان أخرى، يرى المعارض التونسي أن السلطات السويسرية “لم تصم آذانها عن هذه المطالب”، ولو انه يعتقد أن “قمة مجتمع المعلومات عملت على دفع بعض الحكومات الغربية إلى تغيير مواقفها من الشأن التونسي”، وهو ما كانت “تأمل فيه الحركات المعارضة التونسية”، حسب قوله.
حركة 18 أكتوبر
إضراب الطعام الذي استمر لأكثر من شهر والذي شاركت فيه ثمان شخصيات سياسية وجمعوية من مختلف التيارات اليسارية والإسلامية والمهنية تمخض عن تكوين حركة يراد بها أن تكون وطنية جامعة لمختلف التيارات تحمل أسم “هيئة 18 أكتوبر للحريات والحقوق”.
عن هذه الحركة يقول الأستاذ عبد الرؤوف العيادي إنها “تضم الآن خمسة أحزاب بينهم حزبان يحصلان على التأشيرة القانونية وعدة منظمات من المجتمع المدني وبعض الشخصيات المستقلة. وهو تجمع لتيارات إيديولوجية وأطياف سياسية مختلفة لكن هناك حرص من الجميع على أن المطلب الموحد للجميع هو الدفاع عن الحرية بتونس”.
وعن مدى تأثير تجربة الإضراب في بعث هذه الحركة يقول الأستاذ العيادي: “تجربة الإضراب خلقت أملا كبيرا لدى النخبة التي كانت مفرقة ومشتتة، وهي اليوم تجمع صفوفها من أجل الدفاع عما يسمى بالحد الأدنى من الحقوق والحريات بالبلاد وهذه قفزة سياسية هامة جدا لأن الخلافات الإيديولوجية تراجعت للخلف وأصبح الآن مطروحا بناء نظام سياسي يكفل الحريات والحقوق للجميع”.
وقد تم تحديد اتجاهين لعمل هذه الحركة حسب الأستاذ العيادي يتمثلان في “تكريس منهج العمل الميداني والنضالات الميدانية وضم جميع الأطياف والمكونات السياسية والمدنية وكذلك فتح حوار وطني من أجل تحديد ملامح النظام الديمقراطي البديل الذي هو الآن سيصبح محل حوار جميع الأطياف بشكل يؤمن المستقبل الديمقراطي للبلاد”، على حد قوله.
إجراءات السلطة تجميلية لا غير
بعد يومين من اختتام قمة مجتمع المعلومات، أقدمت السلطات على الإعلان عن تكليف السيد زكريا بن مصطفى رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان بإجراء حوار مع الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني المعترف بها، وهو ما حمل البعض على التفاؤل برؤية بداية حوار مع ممثلي المجتمع المدني بشكل أوسع.
عن هذه الخطوة يقول المحامي سمير ديلو: “إن الذي تم فعلا لا يخرج عن أطار الطريقة المعتادة في تعامل السلطة مع المعارضة ومع كل مخالف في الرأي .. هي عبارة عن إجراءات سطحية لا تنفذ إلى عمق المشاكل وإنما إجراءات إعلامية تجميلية فقط. فهذا الشخص الذي عين له مقر معروف في شارع الحرية بتونس يهتم بحقوق الإنسان ولم نعلم أبدا أن له وظيفة تتجاوز العمل الاستشاري الذي يقدم تقريرا لرئيس الدولة. وبالتالي فنحن نعتقد أن الإشكاليات الموجودة في تونس هي إشكاليات معروفة من الجميع وأحيانا تحتاج إلى إجراءات أحادية الجانب من السلطة”.
وأضاف الأستاذ ديلو: “السلطات تعرف أين يوجد الأستاذ محمد عبو، وبإمكانها إطلاق سراحه دون استشارة من أحد، دون أن تجري أي حوار مع أي طرف من أطراف المعارضة والإجراءات التي يجب أن تتم لإطلاق الحريات وإذابة الجليد عن الشأن التونسي معلومة من الجميع وبالتالي فإن ذلك لا يخدع أحدا .. وما ننتظره من السلطة هو أعلى من هذا السقف بكثير”.
أما الأستاذ عبد الرؤوف العيادي فيرى من جهته أن “جواب السلطة في الحقيقة كان واضحا بتنفيذ الانقلاب على الشرعية داخل الجمعية التونسية للقضاة يوم الأحد الماضي بتنظيم الجلسة العامة الانتخابية والإشراف عليها من قبل كبار موظفي وزارة العدل وتنصيب هيئة تابعة لوزارة العدل بديلة عن الهيئة الشرعية التي افتك منها المقر والتي منعت حتى من نشر بلاغ بالصحافة التونسية. هذا كله يدخل في إطار خلق جو من الخوف وهي سياسة متبعة من طرف النظام منذ 15 سنة”، على حد تعبيره.
“نحن لا نستأسد بالخارج”
عن مستقبل الحوار مع السلطة ومستقبل التغير في تونس من وجهة نظر ممثلي المعارضة، يؤكد الأستاذ العيادي أن “الحوار آلية ديمقراطية، وطالما أن النظام دكتاتوري ويمنع أدنى الحقوق والحريات فلا يمكن أن يكون هناك حوار”، حسب قوله.
أما المحامي سمير ديلو فحذر من أن “المستقبل مفتوح على كل الاحتمالات”، ويرى – مستشهدا بقول أحدهم – أنه “من جانب السلطة لا ينفع أي تحليل سياسي لأن هذه السلطة تخضع لإرادة الشخص الواحد”، لكنه حرص على أن يضيف: “بالنسبة للمعارضة هناك آلية واضحة قد أخذت وجها جديدا في شكل هيئة الحقوق والحريات وستواصل الخطوات النضالية عبر ثلاثة محاور: حرية التعبير والحرية للمساجين السياسيين وفي إطار إدارة الحوار بين كل أطياف السياسية في تونس لتحديد الأرضية التي تجتمع حولها كل هذه الحساسيات”.
أخيرا، سيواصل وفد المعارضة التونسية جولته الأوروبية بزيارة لفرنسا ومقابلة ممثلين من البرلمان الأوروبي ووسائل الإعلام إضافة إلى الإجتماع بالجالية التونسية للتعريف بتحرك المعارضة في الداخل وتحسيس التونسيين والسلطات الرسمية في البلدان الأوروبية بتلك التحركات.
وفي معرض رده على الانتقادات الموجهة للمعارضة التونسية من طرف البعض بأنها “تستأسد بالخارج على الداخل”، رد الأستاذ عبد الرؤوف العيادي قائلا: “نحن لا نستأسد بالخارج، نحن نعرف بمطالبنا ونطرح مطلب الحريات والحقوق على أنها حق لكل الشعوب وليست من صلاحيات شعب دون آخر. والحركة التي بعثناها هي حركة كانت تستنهض الداخل وبالفعل تكونت لجان جهوية في كامل البلاد وهده اللجان قامت بعدة تحركات في تحد لجهاز البوليس السياسي الذي يحاول أن يفرض القمع كخبز يومي على جميع المناضلين وبالتالي فهدفنا هو استنهاض الداخل، ومن حق كل حركة وطنية أن تعرف بأهدافها وتطلب الدعم من الجميع”، على حد تعبيره.
محمد شريف – سويس إنفو – بـرن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.