مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الدبلوماسية الإيرانية.. من داريوس إلى خامنئي

الرئيس الإيراني محمد أحمدي نجاد ينصت إلى سؤال موجه إليه في ندوة صحفية في طهران يوم 5 يونيو 2007 Keystone

في الوقت الذي بدأت فيه مفاوضات مباشرة بين طهران وواشنطن في بغداد، تستمر المناورات الدبلوماسية والمفاوضات السرية والعلنية بين إيران والقوى الأوروبية والغربية عموما بخصوص برنامجها النووي.

وفيما تختلف التقديرات حول جودة وكفاءة الأداء السياسي والعسكري والدبلوماسي الإيراني، يتضح للمتابعين أنه لا يمكن فصل الصيرورة الحالية عن دروس التاريخ وتراكم الخبرة الحضارية لحكام وسكان إيران.

قبل نحو سنتين، وقف باحث إيراني في إجتماع عام في طهران، وقال للسفير الألماني: “الإيرانيون عرق آري مثل الألمان. لماذا إذن لا تبدأون محادثات مع إيران لضمها إلى الأتحاد الأوروبي”؟.

رد السفير، الذي فوجيء للوهلة الأولى بهذا السؤال: “صحيح أن كلاً من الإيرانيين والأوروبيين آريين، لكن ليس كل الآريين أوروبيين”.

يعلّق إيسان أثناناسيديس، الكاتب الأمريكي، اليوناني الأصل، على هذه الواقعة بالقول: “إنها تكشف بشطحة قلم واحدة الشخصية التاريخية الإيرانية وطموحها الكبير والدائم، للعب دور بارز على المسرح العالمي”. لكن، من أين أتى هذا الطموح الكبير، وعلى أي شيء يرتكز؟

المفتاح

هذا السؤال قد يكون مفتاحاً مهماً أو على الأقل أحد المفاتيح المهمة، لفهم أسباب الصِّـدام الكبير الراهن بين إيران ومعظم العالم الغربي، الذي تزج في أتونه هذه الأيام كل أنواع الأسلحة الثقافية والإيديولوجية والعسكرية والإقتصادية والسياسية.

من بين كل هذه العوامل، المسألة الثقافية هي الأقل بروزاً والأكثر غموضاً أو تعقيداً، برغم تأثيراتها القوية على السياسات والتوجهات الإستراتيجية الإيرانية، خاصة إذا ما قورنت بالمسائل الواضحة التي تتجسد في المصالح النفطية – الإقتصادية والمواقف السياسية – العسكرية لكلا طرفي النزاع، وهذه المسألة تدور برمّـتها تقريباً حول محور واحد: القومية الفارسية القوية.

كيف؟ التاريخ المسّجل لهذه القومية يعود إلى حكم داريوس الكبير (حكم من 29 سبتمبر 522 إلى أكتوبر 486 قبل المسيح) وفي نقوش تدعى “نقشي روستام”، شدد درايوس على العصبية الفارسية وأعلن أن الخط الآري للإيرانيين مرتبط بالعالم القديم.

جاء في النقوش: “أنا درايوس، الملك العظيم، ملك الملوك، ملك البلدان التي تتضمن كل أنواع البشر، ملك هذه الأرض الكبيرة والواسعة، إين هيستاسبيس، الفارسي، إبن الفارسي، الآري، الذي يتحدر من جذور آرية..”.

التاريخ المسّجل الثاني، هو لأعظم شاعر ملحمي إيراني الفردوسي، الذي كرَس حياته للحفاظ على الهوية القومية الإيرانية، عبر كتابة “شاهنامه”، وهي ملحمة فنية رائعة. وقد ورد في شاهنامة العديد من الأبطال القوميين، الذين قاتلوا لإبقاء بلادهم منتصبة على قدميها.

منذ أيام أرخميدس، حظي الإيرانيون بحماية الطبيعة، بيد أن الجبال العالية والفراغات الشاسعة في الهضبة الإيرانية، لم تكن كافية لحماية إيران من الجيش الروسي أو البحرية البريطانية، وقد أدى ذلك عملياً إلى تقلَص إيران.

ففي بداية القرن التاسع عشر، كانت أذربيجان وأرمينيا وأقسام كبيرة من جورجيا وأفغانستان، إيرانية، لكن، مع نهاية ذلك القرن، خسرت إيران كل هذه الأراضي، بسبب الأعمال العسكرية الأوروبية.

ويعتقد باتريك كلاوسن، الكاتب الأمريكي المتخصص في الشرق الأوسط، أن “خسارة إيران لهذه الأراضي، ترجم نفسه لدى الإيرانيين، إحساساً بأنهم ضحية وشجعهم على تبني نظرية المؤامرة، وهذا بدوره ساهم في بلورة القومية الإيرانية في القرنين العشرين والحادي والعشرين”.

المكونات الأساسية للثقافة الإيرانية

هذا عن الجذور التاريخية للمسألة الثقافية، المتمحورة حول القومية الفارسية، وهي جذور أنتجت نزعة باطنية تتغذى من ثلاثة عوامل متشابكة: الشعور بالإضطهاد بسبب إرث الهزائم العسكرية، التي تلقاها الإيرانيون على يد الأوروبيين طيلة القرنين الماضيين وسمة “الخبث – الدهاء” الفارسي التاريخي الشهير، ومسألة التقّية التي جاءت مع دخول إيران في المذهب الشيعي على يد الصفويين في القرن السادس عشر.

كتب المؤرخ البريطاني أنطوني واين: “اللغة الواضحة والمباشرة، تعتبر في إيران نقيصة أو حتى قلة تهذيب، ويتم التعبير عن الأمور بشكل موارب، لأن الإيرانيين يعتقدون أنه لا يجب قول الحقيقة إلا للحمير”.

وسبق أن قال عبد الحليم خدام، نائب الرئيس السوري السابق، شارحاً طبيعة تحالف دام 25 عاماً ونيف مع طهران: “لم نكن نعرف ماذا يريد الإيرانيون حقيقة، إلا بعد أن تقع الأحداث”.

القومية الفارسية بالغة القوة المقرونة بثلاثي الشعور بالاضطهاد و”الخبث – الدهاء” والتقية، هي إذن المكّون الرئيسي للمسألة الثقافية الإيرانية، المحددة بدورها لسياسات الإيرانيين الداخلية والخارجية، وهو ثلاثي يلقي جملة أضواء على جملة ألغاز دفعة واحدة:

– قدرة القيادة الإيرانية على التنقل بسهولة بين المواقف المتناقضة في السياسات الخارجية، مثلاً مع معاداة الأمريكيين ومقاتلتهم وخطف دبلوماسييهم في الثمانينات، إلى التحالف معهم في أفغانستان والعراق في أوائل القرن الحادي والعشرين.

– موهبة الصبر والإنتظار وطول النفس (تجربة استيعاب ثم إجهاض الإحتلال الأمريكي للعراق).

– الموهبة الأخرى المتعلقة بالتأجيل وبالتفاوض حول التفاوض (تجربة تطوير البرنامج النووي الإيراني بالتدريج).

ماذا تعني كل هذه المعطيات؟ أمراً واحداً هو أن الغرب لن يستطيع حسم مسألة “الأزمة الإيرانية” بسهولة، إلا إذا ما قرر الذهاب بالخيار العسكري معها إلى نهاياته المدمرة، عدا ذلك، ستكون القومية الفارسية المشبعة بالدهاء، جاهزة في كل حين لتحويل أرباح الغرب الصافية إلى خسائر صافية!

سعد محيو – بيروت

يتسم الموقع الجغرافي لإيران، التي تصل مساحتها إلى 1،6 مليون كلم مربع، بخصوصيات إستراتيجية مهمة، حيث يحدها من الشرق باكستان وأفغانستان ومن الشمال تركمنستان وبحر قزوين وأرمينيا وأذربيجان ومن الغرب تركيا والعراق ومن الجنوب الخليج الفارسي وبحر عُـمان.

يقول المؤرخون، إن اسم البلاد ارتبط بهجرة الأقوام الآرية من موطنها الأصلي جنوب بحر آرال Aral (الذي تتقاسمه حاليا كازاخستان وأوزباكستان)، إلى الهضبة المرتفعة الواقعة أسفل بحر قزوين، وقد سمى هؤلاء المهاجرون موطنهم الجديد “إيران”، وتعني موطن الآريين. بعد ذلك، عُـرفت إيران باسم بلاد فارس حتى عام 1935. وفي عام 1979، أصبحت تسمى الجمهورية الإسلامية في إيران.

تداولت على إيران العديد من الإمبراطوريات والأسر الحاكمة، وقد دخلها الإسلام ابتداءً من عام 642 ميلادي إثر انتصار المسلمين على الفرس في موقعة نهاوند، الذي وضع حدا لحكم الأسرة الساسانية، الذي استمر 416 عاما. وفي القرن السادس عشر، تحولت إيران إلى المذهب الشيعي في عصر الدولة الصفوية (1501 – 1524)، حيث أعلن مؤسسها إسماعيل ميرزا، المذهب الشيعي الاثني عشري، مذهبا رسميا للدولة وعمل على فرضه في كافة أنحاء البلاد.

لم تُـستعمر إيران أبدا في تاريخها، لكنها قُـسِّـمت عام 1907 إلى منطقتي نفوذ بين روسيا (القسم الشمالي) وبريطانيا (القسم الجنوبي الشرقي). وفي القرن العشرين، أصبح رضا خان في عام 1925 أول ملك للدولة البهلوية، التي أطاحت بها الثورة التي قادها الخميني في بداية عام 1979.

اتسمت علاقات الجمهورية الإسلامية في إيران منذ أيامها الأولى بتوتر شديد مع الولايات المتحدة. ففي 4 نوفمبر 1979، اقتحمت مجموعة من الطلبة مقر السفارة الأمريكية في طهران واحتجزت 52 من الرهائن الأمريكيين لمدة استمرت 440 يوما. وفي أبريل 1980، قطعت واشنطن علاقاتها مع إيران وجمّـدت جميع الأرصدة الإيرانية لديها. وفي 6 مايو 1995، حظرت أمريكا جميع أنواع التجارة مع إيران، كما أصدرت قانونا في العام الموالي، يقضي بمعاقبة واشنطن لأية شركة غير أمريكية تقوم بالاستثمار في إيران.

27 مايو 2007، أول مفاوضات مباشرة علنية بين طهران وواشنطن بمشاركة سفيري البلدين لدى العراق، في المنطقة الخضراء في بغداد.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية