مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الدور العربي في العراق.. المساومات والمقايضات

وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل ونظيره المصري أحمد أبوالغيط يتجهان لحضور أشغال مؤتمر لدول الجوار العربي للعراق في القاهرة يوم 6 ديسمبر 2006 Keystone

بين الحين والآخر، تتعالى بعض الأصوات: أين الدور العربي في العراق وأين الجامعة العربية وأين الدول العربية الكبرى؟

ومثل هذا الوضوح في التساؤلات، لا يعنى وضوح الإجابات. فالدور العربي نفسه كمفهوم ليس متفقا عليه لا عربيا ولا عراقيا ولا دوليا ولا إقليميا، وعدم الاتفاق هنا يطول أبعادا عدّة، أبرزها من يقوم بهذا الدور، وفي أي اتجاه ومع أي أطراف عراقية؟

بهذا المعنى، يظل البحث عن مساعدة عربية للعراق أو مجرّد مساهمة ما للخروج من المأزق الآخذ في التصاعد، مسألة مؤجلة، هذا إن انطلقنا من أن هذا الدور المُـفترض يجب أن يحمِـل في طيّـاته أولا عناصر نجاح شِـبه مؤكّـدة، ونوعا من التّـوافُـق العراقي على ضرورته وعلى مساراته الكبرى، مع انفتاح عراقي على مثل هذا التعاون، وهى شروط تبدو بدورها شِـبه مستحيلة في ضوء التوازنات القائمة في الداخل.

هذه القضية باتت تكتسِـب نوعا من الأهمية في هذه الآونة لسببين: الأول، أن الجامعة العربية تجتهد وتقود محاولة قديمة جديدة لعقد مؤتمر مصالحة بين القوى العراقية المؤثرة، بيد أن غيوما كثيفة تحُـول دون انطلاقها على النحو المأمول.

والثاني، أن صدور تقرير بيكر – هاميلتون بشأن العراق، تضمّـن توصية بعقد مؤتمر دولي إقليمي لمساندة العراق، يُـفترض أن يكون من بين المشاركين فيه دول جوار عربية وأخرى مؤثرة في الإقليم كمصر.

وبينما يعبِّـر جهد الجامعة العربية عن جُـهد عربي جماعي، فإن مشاركة أطراف عربية في أي مؤتمر دولي إقليمي، أيا كانت صيغته، سيعبِّـر فقط عن مشاركة هذه الأطراف وحسب، وذلك جنبا إلى جنب مع مشاركة أطراف أخرى ذات صِـلة بالوضع العراقي، لاسيما إيران وتركيا.

حظوظ عربية متفاوتة

وفي السياق ذاته، تبدو حظوظ الأطراف العربية في القيام بدور مؤثر في الحالة العراقية، مرهُـونة بأكثر من عامل، بداية من الجغرافيا ومرورا بالنفوذ القائم بالفعل في داخل العراق، ونهاية بدرجة التفاهم أو التنسيق، الظاهر والباطن، مع الولايات المتحدة، وبالطبع، فإن الرغبة في دفع ثمنٍ ما، نظير ممارسة دور في الحالة العراقية، يمثل بُـعدا مُـهما لا يمكن إغفاله، كذلك مدى قبول أو اعتراض أطراف عربية أخرى لهذا الدور.

ووِفقا لهذه الحظوظ المتفاوتة، تبدو سوريا في المقدمة استنادا لعوامل الجغرافيا والدّعم المباشر لجماعات ومنظمات تُـوصف بالمقاومة المشروعة ضد الاحتلال، وأخيرا بسب تحوُّل موقِـفها أخيرا إزاء الحكومة العراقية، حيث الاعتراف المتبادل والاتفاق، من حيث المبدأ، على دعم العملية السياسية العراقية، حتى وإن كان الاحتلال الأمريكي موجودا وقائما، وكذلك بسبب العلاقة الخاصة التي تجمعها مع إيران، ذات النفوذ المتزايد في بلاد الرافدين. ولكن سوريا تحقق درجات أدنى بكثير في مجال التنسيق والتفاهم مع الولايات المتحدة، فالعلاقة هنا صِـفر بالمعنى العضوي والمجازي معا.

رهانات سورية

ومع ذلك، فإن سوريا تُـراهن على ما تسمِّـيه تغيير الأوضاع في الداخل الأمريكي وانتقال دفّـة القرار من الجمهوريين الإيديولوجيين إلى الجمهوريين الواقعيين أو حتى إلى الديمقراطيين فيما بعد، وهو رِهان أخذ دُفعة معنوية إلى حدٍّ ما مع صدور تقرير بيكر – هاميلتون، والذي نصح إدارة الرئيس بوش بأن تُـشرك كلاًّ من سوريا وإيران في الحوار من أجل العراق.

ورغم أن بوش يُـصرُّ على أن تغيِّـر سوريا سلوكها أولا، وأن تتفاعل إيجابيا مع شرط عدم التعامل مع المنظمات والقوى، التي تعد في العرف الأمريكي إرهابية، فإن دمشق تَـعتبِـر مجرَّد صُـدور التوصية، هو تعبير قوي على أن الاتجاه الأمريكي العام لم يعُـد عدائيا كما كان في السابق، وأنه يتطوّر نحو قَـبول دور إقليمي لسوريا بصورة ما.

هنا، علينا أن نذكر أن السوريين لا زالوا يتعلّـقون بتلك الصيغة التي جمعتهم مع واشنطن في مطلع التسعينات، حين بدأ تطبيق اتفاق الطائف في لبنان ومانحا لسوريا اعترافا، عربيا ودوليا، بدورٍ كاملٍ في الشأن اللبناني، مقابل أن تُـساعد سوريا الولايات المتحدة، عسكريا، في حدود معيَّـنة في مهمة إخراج العراق من الكويت. وهى الصيغة التى تلاها جهد أمريكى تطلع إلى الجمع بين دمشق وتل أبيب في إطار معاهدة أو اتفاق سلام.

ورغم تعثُّـر هذا الجانب، فقد ظلّ الاعتراف الأمريكي بالدور السوري المهيمن في لبنان، سياسة ثابتة حتى وصول الرئيس بوش الابن عام 2000، والتي بدا بعدها أن واشنطن لم تعُـد معنية، لا بدفع اتفاق سلام سوري إسرائيلي ولا بالنفوذ السوري في لبنان، بل على العكس، أخذت الولايات المتحدة في التضييق المتتابع على الدور السوري الإقليمي والضغط عليه، من أجل تغيير سياساته كليا، وهو ما صمَـد السوريون في مواجهته إلى حدٍّ كبير.

مساومات متشابكة

ويحلم السوريون في أن يكون تقرير بيكر – هاميلتون، الذي وصفوه بالإيجابي وأعاد الأمور إلى نِـصابها الصحيح، مقدّمة لبحث التعاون المشترك في ثلاث قضايا باتت متشابكة ومتداخلة بما لا يجوز الفصل بينها، هذه القضايا هي، العراق وفيه يكون على السوريين أن يقدِّموا الدّعم والمُـساندة لمسألة الاستقرار هناك، وثانيا، قضية لبنان وفيه يأمل السوريون أن يعود الاعتراف الأمريكي مرة أخرى بالمصالح الإستراتيجية السورية في لبنان، دون أن يعني ذلك بالضرورة عودة النفوذ العسكري كما كان في التسعينات.

أما قضية السلام والمفاوضات، فالمساومات أو بالأحرى تتَّـجه التطلعات السورية بأن تُـوظف دمشق علاقاتها القوية مع حركة حماس ومنظمات المقاومة الفلسطينية الأخرى للانخراط في عملية سياسية تحت رعاية أمريكية ووفق خطة خارطة الطريق، على أن تضمن سوريا عودة الجولان عبر مفاوضات سريعة مع الجانب الإسرائيلي.

مشكلات الزمن الراهن

والمشكلة الأكبر في مثل هذه الصيغة من المساومات وِفق العقل الباطن السوري، أنها تحاول أن تُـعيد مرة أخرى مُـقايضات تمّـت في زمن سابق كانت له سِـماته الخاصة جدا. أما الزمن الراهن، فالوضع يبدو مختلفا، فالقبول العربي العام بدور سوري في لبنان، حتى وإن قبله الأمريكيون على سبيل الجدل، لن يكون مؤكّـدا ولا حتى مرجّـحا. فالقوى العربية الأساسية، كمصر والسعودية تبدو موافقتهما على أمر كهذا من سابع المستحيلات، على الأقل في اللحظة الجارية.

فهناك استياء مصري سعودي كبير للغاية من السياسة السورية إزاء الوضع اللبناني وإزاء حلفائها هناك. ويبدو التواصل بين البلدين ودمشق مقطوعا تماما منذ فترة طويلة، وحسب سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، فالقضية مع سوريا ليست شخصية، والسبب ليس الرياض.

بعبارة أخرى، فإن الاستقطاب اللبناني المشفوع باستقطاب سوري مسنودا بنفوذ إيراني في مواجهة مصر والسعودية المؤيِّـدتان لحكومة السنيورة، ومن ورائهما دعم ومساندة أمريكية وفرنسية تجعل جزءا من المقايضة السورية في الشأن اللبناني بالشأن العراقي غير مرجّـحة بالمرة.

كما أن إدارة بوش لا يبدو أنها قادرة على التحول الجذري من حالة عداء وتوجّـس إلى أخرى، تتَّـسِـم بالتعاون والصَّـفاء وقبُـول المقايضات، المصلحية والإستراتيجية الكبرى. فسوريا، حسب بوش، ما زالت تصدر الإرهاب إلى العراق وتحمي منظماته في فلسطين، ناهيك عن أن التزام بوش ناحية إسرائيل يحُـول دون تنشيط مسار السلام مع سوريا، ويكتفي ببعض خطوات في المسار الفلسطيني.

وفي فلسطين أيضا.. استياء

وحتى وإن ظنّـت دمشق أن أوراقها في فلسطين يُـمكن أن تعطِـل أي عملية تسوية مُـنتظرة في هذا المسار، فإنها ستكون الخاسرة إلى حدٍّ ما. فالمؤشرات المُـتاحة تقول إن مثل هذا التعطيل لن ينهي إمكانية تنشيط المسار الفلسطيني الإسرائيلي وحده، دون المسار السوري الإسرائيلي، فضلا عن أن ابرز أوراق سوريا في فلسطين المحتلة، وهي حماس، تتعرّض بدورها لنوع من الجذب الحثيث إلى المعسكر العربي الآخر، الذي يعد بالمعونات والمساندة الاقتصادية وتيسير وقائع الحياة اليومية الفلسطينية، ووقف الاعتداءات الإسرائيلية والمشاركة في أي مفاوضات مقبِـلة أو على الأقل أخذ رؤيتها في الاعتبار جزئيا، الأمر الذي قد يجعل حماس أكثر حِـرصا على استقلالها عن النفوذ السوري، الذي يبدو الآن محلّ امتعاضٍ شديد من القاهرة والسعودية معا، حيث تعتبر القاهرة أن تأخّـر جُـهودها في صفقة إطلاق الأسير الإسرائيلي شاليط مقابل الأسرى الفلسطينيين مع تثبيت الهدنة، كان نتيجة تدخّـلات سورية سلبية، ولحسابات تصبُّ في صالح إيران.

وفي السياق ذاته، يبدو استياء ما يُـعرف الآن بالقوى العربية السُـنية الكبرى من سلوك سوريا بوجه عام، حائلا دون انخراط الأخيرة في صفقة شاملة مع الولايات المتحدة، يكون جزءً منها ذي صلة بالوضع العراقي.

وحين تتجمع كل هذه الملابسات، يصبح طبيعيا أن يتأجّـل الدور العربي في العراق، جماعيا وفرديا على السواء.

د. حسن أبوطالب – القاهرة

سعود الفيصل وزير خارجية السعودية: “لا أحد تسبب بالإساءة أو جمود العلاقات مع سوريا .. فهي بلد غال علينا” (صحيفة الشرق الأوسط، 8 ديسمبر 2006)

أحمد أبو الغيط، وزير خارجية مصر: “نحن نتحدث مع أطراف كثيرة في الشأن اللبناني، وإذا كنا لا نتحدث مع سوريا وإيران، فلأننا لا نريد أن نوحي بأن المفتاح موجود هناك. … حاليا، لا توجد اتِّـصالات عالية المستوى بين مصر وسوريا، ومع ذلك، أوفد رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء عمر سليمان إلى دمشق منذ حوالي شهر، وعندما نلتقي مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم، نتحدث بأكبر قدر من الانفتاح ونقدّم الرأي والمشورة وهم يستمعون لما نقوله، ولكننا لا نستطيع أن نقول إننا نرى بنفس المنظار في بعض المسائل، ومن الأمثلة على ذلك الملف اللبناني”. (صحيفة الشرق الأوسط، 10 ديسمبر 2006)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية