مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

السعودية عام 2006: الحذر واجب!

العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز في اللقاء الذي جمعه بنائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني يوم 25 نوفمبر 2006 بالرياض Keystone

عندما قررت الناشطة السعودية المعروفة، وجيهة الحويدر الاحتفاء بالذكرى الأولى لتولي الملك عبدالله بن عبد العزيز مقاليد الحكم (1 أغسطس 2005)، فعلت ذلك بطريقة تبدو غير تقليدية بالمقاييس السعودية.

وقفت الصحفية والناشطة في مجال حقوق الإنسان يوم 4 أغسطس 2006 على جِـسر الملك فهد، وهو الجسر الذي يربط بين السعودية والبحرين، وهي ترفع لافتة عليها عبارة واحدة: “امنحوا النساء حقوقهن”.

ما الذي دفع السيدة الحويدر إلى القيام بهذه الخطوة؟ ترد قائلة إنها ما فعلت ذلك إلا لتُذكّر بوعدٍ قطعه العاهل الجديد على نفسه، وتقول: “جلالة الملك وعدنا أنه سيحسِّـن من أوضاع النساء في السعودية، وطلب منا أن نتحلى بالصبر. مر عام ووضعنا لم يتغير كثيراً”.

لم يتغير الكثير بالفعل، عندما يتعلق الأمر بأوضاع المرأة السعودية. فالقوانين المكبّـلة لحريتها كشخص له إرادة مستقلة، لا زالت سارية لم تُـلغَ، والإصلاحات الموعودة في هذا الشأن، تظل تتحرك بنسق السلحفاة.

لكن القول أن شيئاً لم يتغير في مملكة النفط، لا يطابق واقع الحال فيها. فالكثير تغيّـر فعلاً خلال عام 2006، سواء على الصعيد الدولي أو المحلي، تلك التغييرات يُـمكن إضفاء الكثير من الصِّـفات عليها، لكن الطابع الغالب على جوانبها الاجتماعية والسياسية، هو “الحذر”، وهو حذرٌ له أسبابه.

لا مفر من زواج المصلحة!

على الصعيد الدولي، كان التغيير الحادث في العلاقات السعودية الأمريكية لا يمثل في الواقع تغييراً فيها بقدر ما هو عودة إلى السياق المعتاد في زواج المصلحة، الرابط بين الدولتين بعد فترة من توتر جليدي طرأ عليها بعد تفجيرات 11 سبتمبر 2001.

عودة المياه إلى مجاريها بين البلدين تطلّـبت في الواقع تأقلم الجانبين مع معطيات الوضع الدولي الجديد: فالمملكة كان عليها أن تتأقلم مع معطيات عالم ما بعد 11 سبتمبر، والولايات المتحدة كان عليها أن تقبل بإفرازات عالم ما بعد احتلالها للعراق.

كان على السعودية أن تُـدرك بأن دورها الإستراتيجي خلال الحرب الباردة في دعم حركات الإسلام السياسي الضروري لمواجهة الأيديولوجية الشيوعية، لم يعد مرغوباً فيه، بل كان مُـضراً للولايات المتحدة ولها على حدٍّ سواء.

فالخطر الشيوعي زال، والتحدّي الفعلي أصبح يتمثل في كيفية مواجهة الحركات الإسلامية التكفيرية، ولم يحسم التردد الذي أبدته الرياض في التعامل مع هذا الملف سوى تفجيرات مايو 2003، والتي أظهرت للمملكة بوضوح أنه عندما يتعلق الأمر بهذا الخطر، فإنها تقف مع واشنطن في نفس الخندق.

واشنطن بدورها كان عليها أن تتخلى عن النزعة المثالية في سياستها الخارجية، وتعود على أدراجها من جديد إلى الواقعية في التعامل مع الأنظمة العربية الشمولية بعد فشلها الذريع في خلق العراق الجديد، الذي كانت تأمل في ترويج نموذجه “الديمقراطي” للدول العربية.

فعجزها عن السيطرة على العنف الطائفي الدائر في البلاد، وتأرجح الأخيرة على شفا حرب أهلية، جعلها هي الأخرى تُـدرك أنه لا مفر من اللجوء إلى حليفتها القديمة، خاصة وأن تلك الحليفة تبدو مصمِّـمة على ضخ المال للقبائل السُـنية العراقية دعماً لهم في مواجهة إخوتهم من الشيعة، في إجراءٍ تعتبره ضرورياً لمواجهة المدّ الشيعي في المنطقة.

إدراك الجانبين لحتمية تحالفهما لا يعني عدم اختلافهما. فالتحركات الدبلوماسية الكثيفة بين الجانبين في عام 2006، والذي تحولت معه الرياض إلى قِـبلة لنائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني ووزيرة الخارجية كونداليزا رايس، لم تنجح في إخفاء الضغوط التي تمارسها واشنطن على الرياض، كي لا تعرقل جهودها في العراق، كما لم تمح القلق الذي تشعر به الرياض حيال إمكانية انسحاب سريع لواشنطن من العراق قد يفتح أبواب جهنم على المنطقة.

زواج مصلحة هو، لا يتسم كثيراً بالحب المتبادل، بقدر ما هي مصالح مشتركة تدفعهما إلى البقاء معاً رغم التوجس.

نظام هيئة البيعة

على الصعيد المحلي، بدت الصورة متنوعة الأطياف ومتحركة. فالسكون ليس السِّـمة الغالبة على عام 2006 في المملكة. عجلة التغيير تحرّكت على أكثر من محور، أحدها كان القرار الملكي، الذي أصدره الملك عبد الله في 20 أكتوبر بتعديل النظام الأساسي (دستور الملكية المطلقة) وتشكيل نظام هيئة البيعة، وهي لجنة مكوَّنة من أبناء الملك المؤسس عبد العزيز وأحفاده، وتتولى مهمة الاقتراع على اختيار وأهلية ملوك وولاة عهد المملكة في المستقبل.

كما هو معتاد مع قرارات العائلة المالكة، لم يصدر أي تفسير أو توضيح لملابسات القرار، لكن الجلي هو أنه يعكس رغبة في فتح الباب أمام أحفاد الملك عبد العزيز للترشح لمنصب الملك، الذي ظل حِـكراً على الإخوة من أبنائه منذ وفاته عام 1953، كما أنه أبرز أن مسألة ترشح وزير الداخلية الأمير نايف لنيابة ولاية العهد، ليست محسومة على الإطلاق.

وفي ظل غياب أية مؤشرات على حجم إجماع أجنحة العائلة المتنافسة على المرسوم الملكي، فإن المؤكد أن قرار الملك عبد الله أضفى قدراً من الغموض على ما يمكن أن يحدث بعد تولي الأمير سلطان منصب الملك، خاصة وأن قراراً ملكياً أصدره العاهل الحالي، يمكن ببساطة، إلغاؤه بقرار ملكي مضاد من العاهل الجديد.

الذهب الأسود من جديد!

ارتفاع أسعار النفط المتزايد، والذي وصل معه سِـعر البرميل إلى 70 دولار، كان فرصة ذهبية أخرجت النظام السعودي من الأزمة المالية الخانقة، التي عانى منها خلال التسعينات وبداية الألفية الثانية، والتي هدّدت بانفلات زمام المملكة في ظل سخط اجتماعي متزايد.

ما هو جديد في هذه الطفرة النفطية غير المتوقعة، هو ردة فعل الحكومة السعودية نفسها، والتي تبدو عازمة على تلافي بعض الأخطاء التي وقعت فيها في السابق.

بدأت الحكومة سلسلة من الإصلاحات الهيكلية الهادفة إلى تنويع مصادر الدخل القومي وخلق صناعات جديدة، تمكِّـن الدولة من التخلي عن اعتمادها على النفط، وخففت من القيود المفروضة على قوانين الملكية للأجانب والاستثمار، وحررت سوق الاتصالات، وأصدرت قانون جديد للأسواق المالية، وأنشأت مجموعة من المؤسسات التي تهدف إلى متابعة هذه التعديلات.

بنفس النسق، عمدت الحكومة إلى استخدام ورقة الخطط التنموية بشكل مدروس، يهدف أساساً إلى ضمان الولاء السياسي في الأقاليم السعودية على سبيل المثال، علاوة على المشاريع الزراعية الجارية في المنطقة الشرقية، تعتزم غرفة التجارة الشرقية إنشاء شركة سياحية كبرى برأسمال مليار ريال، لتقدم 160 ألف فرصة عمل للشباب والفتيات في القطاع السياحي.

لنتحرك ببطء…

كل هذه التغييرات تبعث بالفعل على التفاؤل، لولا أن الولاء السياسي لا يُشترى بالمال فقط. فالمشكلة القائمة في المملكة، تظل مرتبطة جوهرياً بمفهوم المواطنة: فما الذي يعنيه أن تكون سعودياً من الدرجة الأولى؟ الحال أن الانتماء المذهبي الوهابي هو المِـحك في تحديد هذا المفهوم، وهو ما يجعل الكثيرين من أبناء المناطق، التي لا تدين بهذا المذهب، خاصة في المنطقتين الشرقية والجنوبية، يشعرون بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية.

هناك ضرورة لإصلاحات جذرية تسمح بتعددية المذاهب في المملكة والتعامل معها على قدم المساواة، وترفع يد المؤسسة الدينية الوهابية عن الحياة اليومية للمواطن السعودي، هذه الضرورة لا تبدو غائبة عن العائلة الحاكمة، فهناك نوع من الانفتاح الحذر الذي تشهده المملكة، والذي ما كان له أن يحدث، لولا رِضاها عنه.

وسائل الإعلام السعودية على سبيل المثال، وظفت العديد من المسلسلات التلفزيونية لمعالجة التطرف الإسلامي، والرد على مواقف المتشددين ورجال الدين، وتفنيد الطريقة التي يطرحون بها الدين الإسلامي، كما أولت المملكة عناية خاصة بالعيد الوطني السعودي (23 سبتمبر) في تقليد يهدف إلى بعث الحياة في مفهوم القومية السعودية، هذا عدا عن المنتديات الثقافية العديدة، التي شهدت فعالياتها نهضة جديدة، رغم الصعوبات التي تواجهها، سواء من أنصار التيار الديني المتشدد أو من السلطة أحيانا.

ذلك الانفتاح لا يصل بالهدف إلى غايته، أي إلى إصلاح حقيقي بقدر ما هو تنفيس لاحتقان اجتماعي، وسعي جاد لمواجهة فكر التطرف الديني، الذي يستهدف علانية شرعية العائلة الحاكمة نفسها.

الحذر والبطء إذن، هما السِّـمتان الغالبتان على هذا النوع من الانفتاح، خاصة عندما يتعلق الأمر بحقوق المرأة أو بالتعددية المذهبية، والسبب في ذلك بسيط، فمواجهة التطرف الديني يتطلّـب تعاون علماء الدين ممّـن يوصفون بالـ “معتدلين”، وهؤلاء لن يقدِّموا ولاء الطاعة لها على حساب نفوذهم في الشأن الداخلي السعودي.

والحال أن الأسرة السعودية تمشي على حبل مشدود تتمايل عليه بحذر، وفقاً للتوازنات الداخلية، آملة أن تتمكن مع الوقت من قلب الدفّـة على الأصوات المتشددة في المؤسسة الدينية، تفعل ذلك وهي مُـدركة أن أية حركة خاطئة قد تقلب الدفّـة عليها.

د. إلهام مانع – برن

وفي كلمة موجزة، وأمام مجلس الشورى في دور انعقاده الأول في عهد الملك عبد الله، حدّد رؤيته لبلاده بالاستمرار فى “عملية التطوير وتعميق الحوار الوطنى وتحرير الاقتصاد ومحاربة الفساد والقضاء على الروتين، ورفع كفاءة العمل الحكومي والاستعانة بجهود العاملين المخلصين، من رجال ونساء، في إطار التدرج المعتدل المتماشي مع رغبات المجتمع المنسجم مع الشريعة الإسلامية، وضرورة مواجهة الفئة الضالة، إذ لا تنمية دون أمن وأمان”.

التغيير المحسوب للمجتمع والسياسة والمؤسسات، ليس جديدا على العاهل عبد الله، فمنذ ولايته للعهد واضطلاعه بأمور الحكم نيابة عن الملك فهد، كانت له بصماته الخاصة والجريئة أيضا في الإطار الاجتماعي، والتي مثلت انقطاعا عن سياسات سابقة عتيدة.

فهو ولي العهد ثم الملك، الذي اعترف بأن في بلاده فقرا وفقراء يحتاجون إلى نظرة خاصة، وسياسات تقيهم شرّ العوز، وهو الذي قام بزيارات ميدانية لمناطق محرومة حول الرياض وعدَ فيها قاطنيها بأن تتحسّـن أحوالهم عبر خطة لتحسين مناطقهم العشوائية، وإدخال الخدمات فيها، وتوفير المساكن المناسبة لهم.

في واقع الأمر، فإن تغيير المجتمع السعودي بقدر من الثقة والتدرج، يدخل في باب المهام الصعبة جدا، خاصة وأن الأمر يرتبط، ولو بطريق غير مباشر بمواجهة الإرهاب والفكر التكفيري والتطرف الديني، الذي ساد لدى قطاعات من الشباب السعودي لفترة طويلة سابقة، وتحوّل بها إلى مشكلة كبرى تهدد المملكة واستقرارها وأمنها، بل ومكانتها العالمية أيضا.

(المصدر: سويس انفو – د. حسن أبوطالب – القاهرة بتاريخ 1 أغسطس 2006)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية