جنة للعمل: سويسرية تدرس المحيط في جزيرة سيشل
تعيش السويسرية هينريته غريمل، الباحثة في علوم البحار، بعيداً عن الأسرة والأصدقاء والصديقات، لإجراء دراسات حول الحياة البحرية.
إذا ما بحثنا على الخريطة الإلكترونيّة عن محل سكن هينريته غريمل، وجب علينا تكبير الصورة في الأزرق الممتدّ، لكي نعثر في النهاية على جزيرة داروس، إحدى الجزر الخارجيّة الصغيرة، التابعة لجمهورية سيشل، على بعد 250 كيلومتراً عن الجزيرة الأساسية “ماهيه”، التي تبدو كأنها جنة يطيب فيها قضاء العطل. لكن لا أحد فيها يقضي عطلته، وخاصة هينريته غريمل.
لقد كانت داروس جزيرة خاصة، على ملك شاه إيران، ثم ليليان بيتنكورت، وريثة شركة لوريال من بعده، قبل أن يشتريها عبد المحسن عبد المالك آل شيخ، مؤسس جمعية “أنقذوا بحارنا” (Save our Seas Foundation). وتعمل هينريته غريمل كباحثة في علوم البحار، وترأس مع زوجها مركز أبحاث المؤسسة بالجزيرة.
العمل من المنزل بسبب وباء كورونا
لقد نشأت غريمل في كل من ألمانيا وسويسرا، وقادها انبهارها بأسماك القرش وبالغطس، نحو علوم البحار. وتحمل المواطنة الألمانية السويسرية شهادتي ماجستير، إحداهما في التنوع البيولوجي للبحار وحمايتها، والأخرى في تخطيط الفضاء البحري.
وتعرّفت على زوجها الحالي، العالم البريطاني في مجال الأحياء البحريّة، أثناء كتابة رسالتها الأولى للماجستير في جزر البهاما. وبعد علاقة متباعدة لسنوات طويلة، جعل منهما إعلان عن وظيفة وجداه في عام 2019، زوجين حقيقيين أخيرا؛ فقد احتاج مركز داروس للأبحاث بجمهورية سيشل إلى إدارة جديدة.
وارتحلا في مارس من عام 2020 إلى داروس لمدة قصيرة فقط، إذ اضطرا إلى تقلد وظيفتيهما من المنزل في سويسرا وانجلترا، بسبب وباء كورونا، قبل استلام عملهما أخيراً بسيشل عام 2020.
أسماك مانتا راي الذكية
يهدف عمل الباحثة بجزيرة داروس إلى دراسة الأحياء في الجزيرة، والتعرف على الشعاب المرجانية؛ والإلمام بأكبر قدر من المعلومات عن الحيوانات الناشئة هنا، لفهم أفضل للعلاقات في المحيطات، والمساهمة في حمايتها.
فيتجوّل أحد أعضاء الفريق حول الجزيرة كلّ صباح، من ساعة إلى ساعة ونصف تقريبا، لفحص الرمل بحثاً عن آثار السلاحف، التي وضعت بيضها.
وتسترعي أسماك القرش، وأسماك المانتا راي اهتماماً خاصاً، إذ تحبها غريمل كثيرا. فتقول: “أرى أن أسماك القرش جميلة دائماً، لكن لأسماك المانتا شخصية أكثر تميزاً. فللتي تعيش بالشعب المرجانية منها أكبر مخّا بين الأسماك، مقارنة بجسمها، ما يمكن ملاحظته”.
وقد يصل حجم إناث المانتا إلى ثلاثة أمتار أو أربعة. وحين تغطس معها غريمل، يمكنها التعرف على أسماك الراي من خلال النقاط السوداء على بطونها البيضاء، فمنها الخجولة، ومنها الفضولية، أما الثالثة فبالكاد تلاحظ هينريته غريمل، وتكاد تصطدم بها.
العمل في بيئة منعزلة
تقول غريمل الحياة في جزيرة داروس “يصعب شرحها”. لقد حالفها الحظ هي وزوجها بهذا الموقع، إذ يمكنهما العمل على الجزيرة وبين الشعب المرجانية، دون عوائق.
ويضم الفريق كذلك امرأتين من سيشل، إذ تعد الجزيرة محل سكن دائم لما بين 30 أو 50 شخصاً. وتقع مهام الصيانة على كل من لا ينتمي لفريق مركز الأبحاث.
وتقول غريمل: “لكن تُرِكَت الجزيرة عموما على طبيعتها، فلا يوجد مقهى أو حانة، ولا يمكننا فعل شيء بعد العمل سوى بعض الرياضة، أو لعب الورق”.
فيّشكّل الأمر، مع الانعزال عن محيط الأسرة والأصدقاء والصديقات، والاقتصار على التواصل معه رقمياً، أحيانا تحدياً.
وعلى أية حال، يوجد في الجزيرة محل صغير يمكن شراء المواد الغذائية منه. ولكن يتولّى طبّاخ إعداد الطعام، كي تتمكن غريمل مع فريقها من التركيز على العمل، الذي قد يصل إلى 60 ساعة أسبوعياً موزعةً على خمسة أيام ونصف.
ورغم أنّ الأمر مريح فعلا، يعني أيضاً القليل من المشاركة في القرار، وقد أحدث ذلك تغييرا عندها. فتقول: “لكنني أحضر خبز العجين المخمر بنفسي”. وتنوي إنتاج الزبادي (الياغورت) بنفسها في العام القادم.
لا يمكن للباحثين والباحثات القيام ببعض الأعمال، سوى في ظل ظروف مثالية، مثل صفاء صفحة المحيط كالمرآة لرؤية ما تحتها حتى عمق 40 متراً.
وتهب الرياح الموسمية مرتين في السنة، فيكون المحيط حينها عاصفاً إلى درجة لا تسمح بالعمل في الخارج. فتسافر غريمل وزوجها خلال هذه الأشهر لزيارة الأسرة والأصدقاء والصديقات في أوروبا. أما أثناء فترة أعياد الميلاد، فتسود في كل مرة رياح موسمية شمالية غربية، ما يتيح لهما السفر إلى أوروبا لقضائها.
الدقة السويسرية في المختبر
وبينما يعمل زوجها كعالم أحياء بحرية تقليدي، ويهتم بالبحث العملي أساسا، تطلق غريمل على نفسها لقب الباحثة العامة. فتُعدّ إلى جانب عملها الميداني، مسؤولة عن رئاسة المركز وإدارته.
ويمكنها تطبيق دقتها السويسرية والألمانية في إطار تنظيم المعمل وهيكلته، فيقع كل شيء هنا في مكانه. فتقول وهي تحرك عينيها ضاحكة: “إنني أتصف بالصرامة هنا، وإذا كان هناك رمل في المعمل…”.
هل ما زال الأمل للمحيطات قائما؟ تعتقد غريمل أن الإجابة هي “نعم”، وتضيف: “هناك الكثير من المشكلات الخاصة بالمحيطات والأنظمة البيئية”. لكنها ترى أنّ جهودا كبيرة تُبذل من أجلها، ومن أهداف المؤسسة تأهيل السكان المحليين، “حتى لا تكون هناك حاجة إلينا مرة أخرى”.
يتيح المركز دورات تدريبية بانتظام، كما توجد مسابقة شبابيّة، جائزتها قضاء أسبوع بجزيرة داروس. وتقول غريمل: “يدرس الكثير من هؤلاء حالياً في هذا المجال”.
ولكن كيف ستسير الأمور بالنسبة لهنريته غريمل وزوجها، حينما تنتهي حياتهما المنعزلة في جزيرة سيشل؟ لديهما هدف بعيد المدى، وتردّ مبتسمة: “نود أن نعيش مستقبلاً في اسكتلندا”.
تحرير: مارك لوتنيغير
ترجمة:هالة فرّاج
مراجعة: ماجدة بوعزّة
التدقق اللغوي: لمياء الواد
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.