تونس والسّعوديّة واليمن وإسرائيل
اهتمت الصحافة السويسريّة هذا الأسبوع بقضايا جوهريّة تخصّ ما يجري في المنطقة العربيّة، بداية بقضية خاشقجي مروراً بقضيّة الأموال المنهوبة في عهد إبن علي ووصولاً إلى أمّ القضايا، القضيّة الفلسطينيّة والعلاقات العربيّة الإسرائيليّة.
تونس تسرّع جهودها من أجل استرجاع الأموال التي نهبتها عائلة إبن علي
سلّط مقال نشرته صحيفة “24 ساعة” الصادرة بلوزان باللغة الفرنسية يوم الأحد 4 نوفمبر، الأضواء على الجهود التي تبذلها الحكومة التونسية من أجل استرجاع الأموال التي نهبتها عائلة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي والموجودة في البنوك السويسرية، وشرح المقال الذي كتبته ماريلين دوما من تونس بالتفصيل حصيلة هذه الجهود حتى الآن.
تؤكّد الصحفية في مقدمة المقال على رغبة الحكومة التونسية في استرجاع ودائع سيرين، ابنة الدكتاتور المخلوع، وسليم زروق، صهر الرئيس السابق في الخارج قبل نهاية هذا العام. وكلاهما يمتلكان حسابات مصرفية في سويسرا تم تجميد ودائعها في عام 2011. وتأمل الحكومة التونسية أن تنضاف هذه الودائع إلى أصول أخرى تم الحصول عليها هذا العام من خلال التفويت في ممتلكات مسؤولين سابقين في خزينة الدولة لتمويل جهود التنمية في المناطق المحرومة.
وتضيف الصحفية في مقالها: “عندما سقط نظام إبن علي نهاية 2010، بداية 2011، تمت مصادرة ممتلكات أزيد من مائة شخصية مقربة من النظام السابق كان من بينها سيارات فاخرة وفيلات، وشركات، وأسهم في مشروعات، ورغم أن قيمة هذه الممتلكات المصادرة لا تعرف بالضبط، “إلا أنه يمكن ألا نكون قد توصلنا إلى حصر كل الممتلكات والأصول المتأتية من عمليات نهب وفساد” وفق ما نقله المقال عن منير شاذلي، المستشار الرئيسي للمكلّف العام بنزاعات الدولة التونسية.
أما في سويسرا، فقد تم تجميد أصول مالية تتجاوز قيمتها 63 مليون فرنك سويسري في عام 2011، كانت على ذمّة مجموعة من المسؤولين السابقين. لكن خلال سبع سنوات، لم تنجح تونس في استرجاع سوى 3.6% من هذه الودائع.
ويقول مستشار النيابة التونسية: “يوجد تعاون وثيق مع سويسرا، ولكن معالجة مثل هذه القضايا يستغرق وقتا طويلا”.
وبحسب هذا المقال، من المنتظر إستعادة ودائع سيرين وسليم زروق قبل نهاية هذا العام بعد أن تخلا عن اعتراضهما مقابل الاستفادة من بعض التدابير الصلحية في بلدهم. لكن المقال ينقل عن المكلّف بنزاعات الدولة في تونس قوله: “إن تنازلهما يعود لكون الأدلّة القاطعة والحاسمة ليست في صالحهما”. ورفض المسؤول التونسي وفق الصحيفة الكشف عن القيمة الحقيقية للأصول المجمّدة التي تعود إلى نسرين وسليم زروق. أما بالنسبة لبقية الشخصيات، فلا يبدو أنها ستستجيب بسهولة وتتنازل عما نهبته، كما هو حال الرئيس المخلوع الذي يدفع ببراءته.
وتضيف الصحيفة أن الأصول المسترجعة سوف تودع في حساب يسمى “N72 “، لتنضم إلى ما حصلت عليه الدولة التونسية من خلال بيع الممتلكات المصادرة لتستخدم هذه الأموال في النهاية في المجال التنموي.
انتقادات لاذعة للسعودية في جنيف
في نفس الصحيفة أي “24 ساعة”، ولكن هذه المرة في عددها الصادر يوم 6 نوفمبر، توقّف مقال كتبه أندري ألّمان عند موجة الانتقادات اللاذعة التي وجّهت إلى الرياض خلال الاستعراض الدوري الشامل لحصيلة المملكة العربية السعودية في مجال حقوق الإنسان، وهو استعراض يتم كل خمس سنوات، وتخضع له كل البلدان الأعضاء في الأمم المتحدة أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومقره في جنيف.
تنقل الصحيفة عن حسني عبيدي، الأستاذ في المعهد الأوروبي بجامعة جنيف، تعليقه على ما جرى في مجلس حقوق الإنسان يوم الاثنيْن 5 نوفمبر قائلا: “أخيرا، حدث أمر مهم في مجلس حقوق الإنسان. انتهت الهدنة التي كانت تنعم بها المملكة العربية السعودية رغم الإنتهاكات الكبيرة التي ترتكبها في مجال حقوق الإنسان. لقد أطلقت قضية خاشقجي ألسنة الدبلوماسيين في مواجهة المملكة الغنية بالنفط. وحتى حليفتها التقليدية، الولايات المتحدة، قد انتقدت بشدة “جريمة القتل مع سابق الإضمار التي تعرّض لها الصحفي المنشق بقنصلية المملكة في إسطنبول”، وطالبت الرياض “بإجراء تحقيق شفاف وذات مصداقية”.
وبينما كانت المملكة تنتظر أن يكون مرورها أمام مجلس حقوق الإنسان فرصة للإشادة بإصلاحاتها خاصة في مجال حقوق المرأة (السماح بسياقة السيارات)، كان الواقع عكس ذلك: كوستريكا وأيسلندا، تطالبان بإرسال خبراء دوليين للتحقيق حول ظروف مقتل خاشقجي، في انسجام تام مع مطلب سبق أن طالبت به المقررة السامية لحقوق الإنسان الجديدة ميشال باشليه. وبريطانيا قالت “إنها قلقة جدا لتدهور أوضاع حقوق الإنسان في السعودية”، والبرازيل واليابان، وكذلك سويسرا “طالبت الرياض بضمان حرية التعبير وحماية الصحفيين ونشطاء المجتمع المدني”
كذلك ناشدت سويسرا المملكة العربية السعودية ب”إلغاء نظام الكفيل الذي يحد من حرية النساء، ووضع حد لكل أشكال التمييز التي تعاني منها النساء في السعودية”.
معركة السيطرة على محافظة الحديدة
اختارت صحيفة “لوتون” في عددها ليوم الجمعة 9 نوفمبر تسليط الضوء على معركة السيطرة على محافظة الحديدة ومينائها الاستراتيجي الواقع على البحر الأحمر في غرب اليمن.
يبدأ لويز ليما مقاله بعبادرة تلخّص الوضع المأساوي اليوم في هذه المحافظة: “إذا كان لابد من وجود مرادف لكلمة “الفوضى”، فسيكون “الحديدة”. وهو يشير بذلك إلى تصاعد القتال في الآونة الأخيرة بين الفرقاء المشاركين في النزاع في اليمن من اجل السيطرة على هذا الميناء الاستراتيجي الذي تمرّ منه كل الصادرات وكل المساعدات الإنسانية إلى هذا البلد الذي يعاني منذ فترة طويلة من نقص حاد في الأدوية والمواد الغذائية.
وللتأكيد على أهمية هذا الميناء الحيوي، يضيف الصحفي السويسري: ” غلق هذا الميناء سوف يضاعف دخول اليمن في أزمة يصعب توقّع مداها. فغلق الميناء، يعادل بالنسبة لكثير من الخبراء تعرّض نصف شعب اليمن لخطر الجوع (أي أزيد من 14 مليون شخص)”. ومعنى ذلك، وفق خبراء الأمم المتحدة “وصول اليمن إلى نقطة اللاعودة، والانهيار الكامل، مما يجعل من دون جدوى مواصلة العمل الإنساني في هذا البلد العربي”.
ولتقريب صورة الوضع المأساوي الذي وصلت إليه الأوضاع الإنسانية في اليمن، يورد الصحفي تقريرا لليونسيف، يؤكّد “وفاة طفل يمني كل عشر دقائق بسبب أمراض قابلة للمعالجة”.
الأسلحة الغربية تغذّي هذا النزاع
المقال يشير إلى فشل كل مساعي إيقاف هذه الحرب المدمّرة بين أنصار إيران وأنصار المملكة العربية السعودية والإمارات، مما يلقي بمسؤولية أخلاقية وإنسانية على هذه الأطراف. ولكن بالنسبة لسيمون بيتات، صحفي سويسري آخر، وفي مقال بصحيفة “لوتون” يوم الجمعة 9 نوفمبر، تحت عنوان “الأسلحة الغربية تغذّي النزاع في اليمن”، حاول صاحب المقال الإجابة عن سؤال: لماذا يتجاهل الإعلام الغربي الحرب في اليمن، ولا يهتم بها مثلما يفعل مع الحرب في سوريا؟. والجواب بحسب هذا الصحفي هو: مبيعات الأسلحة الغربية إلى كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. خاصة مبيعات المدافع، حيث تعتبر بلدان الخليج أولدورادو لهذا النوع من الأسلحة.
المقال يستند فيما نشره إلى تقارير المعهد الدولي للبحوث حول السلام ومقره بأستوكهولم، المتخصص في مراقبة تجارة الأسلحة في العالم. بحسب هذا المعهد “تضاعف جحم تصدير الأسلحة إلى منطقة الشرق الأوسط بين فترتي 2008- 2012 و2009 – 2013. في الأثناء، شهدت كل القارات الأخرى إما جمودا في حجم هذه المبيعات او تراجعا ملحوظا”.
نفس المصدر يشير كذلك إلى أن “المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة يحتلان على التوالي المرتبة الثانية والرابعة ضمن قائمة أكثر البلدان إستيرادا للأسلحة في العالم”.
اما البلدان المصدّرة، فتأتي في المرتبة الأولى ومن دون منازع الولايات المتحدة التي بلغ حجم صادراتها إلى المملكة العربية السعودية فقط في عام 2017 ما يزيد عن 3.4 مليار دولار. (أي ضعف حجم تلك الصادرات في عام 2016). تليها بريطانيا، (436 مليون دولار)، ثم ألمانيا (105 مليون دولار).
ويختم الصحفي السويسري مقاله بالإشارة إلى الجدل الحاد حول صادرات الأسلحة إلى هذه البلدان التي تشهد انتهاكات لحقوق الإنسان خاصة عقب حادثة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي الشهر الماضي: فبينما تطالب العديد من المنظمات والمجتمعات المدنية بإيقاف تصدير الأسلحة إلى مناطق النزاعات، يتذرّع آخرون بأنه لا يجب فعل ذلك حفاظا على فرص الشغل في البلدان الغربية وعدم التخلّي عن الأرباح الطائلة التي تدخل لخزائن البلدان المصدّرة.
“علامات تحسّن في أجواء العلاقات العربيّة الإسرائيليّة”
اهتمت صحيفة نويه تسورخير تسايتونغ ليوم الجمعة 9 أكتوبر بزيارة ميري ريغيف، وزيرة الرّياضة والثّقافة الإسرائيلية لعمان والإمارات العربيّة المتّحدة. أولريش شميد، الصحفي المختصّ بشؤون الشرق الأوسط وعلى الأخصّ بالعلاقات العربيّة الإسرائيليّة، يقدّم تحليلاً لتلك العلاقات على هامش مسابقة الجودو الدوليّة التي تقام في أبو ظبي. يرفع العلم الإسرائيليّ ويعزف النّشيد الوطني لدولة إسرائيل، على غرار المشاركة السّابقة لإسرائيل، بحسب شميد، ما سرّ هذا التّقارب؟
يتحدّث شميد عن توجّهٍ جديدٍ في إدارة العلاقات بين إسرائيل والإمارات، تبدأ في رغبة واضحة من قبل الأولى في بناء الثّقة مع الأخرى، لذلك لم تقتصر زيارة وزيرة الرّياضة والثّقافة على الاحتفاليّة الرّياضيّة وإنّما اشتملت زيارة للمسجد الكبير برفقة مسؤولين كبيرين من حكومة الإمارات. كما قام رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو قبل عشرة أيّام بزيارة لعمان وبحسب شميد كان التّفاهم بينه وبين سلطان عمان كبيراً جدّاً. وتبع رئيس الوزراء في نهاية الأسبوع رئيس المخابرات ووزير النقل، وفي تلك اللقاءات تمّ طرح مشروع بناء سكّة حديديّة تربط الخليج بالبحر المتوسّط. يرى شميد أنّ هذا المشروع قد يؤدي إلى إحياء التّجارة في المنطقة.
لم تكتشف إسرائيل الإمارات الصغيرة الحجم فجأة وبالمصادفة، كما يقول شميد، فمن المعروف برأيه أنّ نتنياهو قد راهن، ومن قبله معلّمه ترامب، على قوّة المملكة السّعوديّة في المنطقة، “في وقت استطاع فيه وليّ العهد محمد بن سلمان تظليل العالم من خلال استراتيجيته في الحفاظ على حرّيّات صغيرة ومضحكة، وإخفاء حقيقة أنّه مستبدّ وهاوي حروب”. ومنذ قضيّة خاشقجي، يقول الصّحفيّ، بقي نتنياهو يتحفّظ ويتجنّب أيّ تصريح ما دام مصير وليّ العهد في هذا الشّأن غير معروف بعد، فلم يصرّح ولم يدين قتل الصّحفي خاشقجي إلّا بعد شهر كامل، عندما استدرجه أحد الصّحفيين لذلك، فوصفه بأنّه “أمر مفزع ولا بدّ من المعالجة القضائيّة له”. ولكنّه أضاف في الوقت نفسه، أنّ استقرار المملكة السّعوديّة مهمّ في المنطقة وإنّ إيران هي المشكلة في الحقيقيّة.
ويعتقد شميد أنّه من المنطقيّ أن تثمر جهود إسرائيل في التّقرّب من هذه الدول العربيّة بسرعة، حيث أنّ للمملكة السّعوديّة نفسها مصلحة في الاحتفاظ بعلاقات طيّبة مع أقوى جيش هناك، ولكن الأمر لا يقتصر على ذلك، كما جاء في تحليل شميد، وإنّما يتعدّاه إلى التّعاون المدنيّ بين إسرائيل والمملكة، كمنع الفلسطينيّين الذين لا يحملون جواز سفر دائم بالسفر من أجل تأدية مراسم الحج، وعدد المتضرّرين يصل إلى ثلاثة ملايين فلسطيني. ويتمّ ذلك بحسب شميد بناء على طلب مباشرة من إسرائيل بالإضافة إلى القيام بكلّ شيء ممكن من أجل إدماج الفلسطينيّين في البلدان التي يتواجدون فيها من أجل تعطيل نمو الهويّة الفلسطينيّة.
أمّا بالنّسبة لعمان والإمارات والكويت فهي “تلهث وراء المنتجات الإسرائيليّة ذات التّقنيّة العاليّة”، بحسب شميد، الذي يضيف بأنّ البحرين مثلاً تباهت قبل بضع سنوات بإرسال هدى نونو كمبعوثة إلى الأمم المتحدة، كما “تمدح قطر بانتظام العلاقات الممتازة مع إسرائيل”. أمّا الأردن ومصر فقد وقّعتا معاهدة السّلام مع إسرائيل وتستوردان الغاز الطبيعي والماء والمعلومات الاستخباراتيّة منها. على ما يبدو، يقول شميد، “تُظْهِر جميع الدّول العربيّة ما عدا قطر عدم اهتمام كبير بالقضيّة الفلسطينيّة”.
“السّلام العادل لا يزال بعيداً جدّاً، حيث لا يزال الفلسطينيّون بلا دولة، فقراء وضعفاء”
بالنّسبة لشميد يمثّل هذا الشّكل من التعامل مع إسرائيل انقطاعاً مع تاريخ طويل دام عشرات السّنين من العداء عدم المشروط والمطلق معها وتصويرها شيطاناً في المنطقة. حيث كان الحديث عن التّطبيع مع إسرائيل من المحرّمات من المغرب إلى ماليزيا. حتّى أنّ أيّة خطوة في هذا الاتجاه كانت لتوصل صاحبها إلى القبر، كما حدث مع السّادات، بحسب شميد. ويضيف حتّى مشاركة ونجاح أحد الممثلات اليهود وتلقيها لجائزة ما، يتّم تجاهله إعلاميّاً في تونس ولبنان مثلاً، لكيلا يشاهده مواطنو البلدين. شميد يتحدّث عن الوضع وعن حدّة الخلافات بين البلدان العربيّة وإسرائيل، ليرفع من أهميّة هذا التّقارب البسيط الذي حدث بين الأمارات العربيّة وعمان من جهة وإسرائيل من جهة أخرى. ويؤكّد الصّحفيّ على أنّ “السماح بعزف النّشيد الوطني الإسرائيليّ والتّعامل مع اليهود على إنّهم بشر وبالتّالي مع إسرائيل كدولة عاديّة سيؤّدي في نهاية الأمر بالأجيال العربيّة القادمة إلى نسيان أنّ إسرائيل هي موضوع كره فقط، وربما سيأتي يوم، يستوعب الجميع فيه أنّ عزل إسرائيل لتلك السّنوات الطويلة لم يؤدّ إلى أيّة نتيجة، فهي أقوى من ايّ وقت مضى”. ولكن شميد يعود ويصرّ على أنّ “السّلام العادل لا يزال بعيداً جدّاً، حيث لا يزال الفلسطينيّون بلا دولة، فقراء وضعفاء”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.