مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الصومال .. ضحية أخرى لفوضى غير خلاقة

صورة التقطت يوم 28 ديسمبر 2006 لجنود تابعين للحكومة الصومالية الإنتقالية في بورحقبة التي تبعد 60 كيلومترا عن بيدوا Keystone

لم تختلف الصورة فى شئ، اللهم اسم العاصمة المنكوبة واسم القوات الغازية..

والصورة المعنية هنا هى تلك المجموعات الفوضوية التى قامت بسلب ونهب المخازن والمقار الرسمية وبيوت بعض كبار القوم يوم سقوط مقديشو تحت وطأة الغزو الاثيوبى.

تماما كما حدث فى يوم سقوط بغداد فى التاسع من أبريل 2003، وإذا به يحدث أيضا فى الثامن والعشرين من ديسمبر 2006، ولكن فى العاصمة الصومالية مقديشو، التى انسحب منها حماتها السابقون المعروفون بالمحاكم الإسلامية، تماما كما انسحب من بغداد ليلة سقوطها حماتها السابقون من جنود جيش صدام.

بلدان عربيان ووصاية خارجية

وفى كلا الحدثين فى بلدين عربيين مختلفين، كانت هناك قوات غازية تحمل معها نخبة جديدة للحكم، لم تستطع بقدراتها الذاتية أن تقاوم النظام السابق. وفى الحدثين أيضا قاسم مشترك أخر يتجسد فى محاولة إعادة بناء دولة من الصفر تقريبا على أن تكون تحت وصاية خارجية فجة.

فعل الأمريكيون ذلك بكل قدراتهم ونفوذهم ولم يحققوا النجاح المنشود، فلا العراق صار نموذجا للديموقراطية، ولم يصبح مقبرة “للإرهابيين”، بل تحول إلى مفرخة للأصوليين عابرى الحدود ومرتعا خصبا لأعمالهم.

والصومال بدوره لن يختلف كثيرا، فلا أثيوبيا لديها قدرات أمريكا، ولا الصوماليون، أو بالأحرى جزء مهم ومؤثر منهم، وبحكم تراثهم القبلى والدينى سيقبلون بدولة أو نظام حكم خاضع لسيطرة إثيوبية وهى التى تعد فى العقل الجماعى الصومالى السبب الأساسى فى سلخ إقليم أوجادين من الدولة الصومالية، والسبب الأساسى وراء كثير من المآسى بلدهم.

ومن ثم فهم سواء سموا أنفسهم محاكم إسلامية أو منظمات جهادية سيشعلون حرب المقاومة والرفض لكل من يسر الاحتلال الإثيوبي ولكل من سيكون فى معيته.

مجال لتصفية الحسابات

ووراء الرفض والمقاومة المتوقعة من الإسلاميين الصوماليين ومؤيديهم من الإسلاميين عابرى الحدود من معتنقى عقيدة الجهاد الدائم، هناك من يرفض أيضا وقوع الصومال بيد الهيمنة الإثيوبية، وسيجد فى الصومال مجالا لتوريط أديس أبابا، وفى جعلها تدفع ثمنا باهظا لمغامرتها الجريئة. واريتريا هى أول من يأتى على الخاطر. فالميراث العدائى بين البلدين كبير، ومجال تصفية الحسابات مفتوح ولكن على ارض الصومال.

ومن هنا سيواجه القرن الأفريقى معضلة التكيف مع أزمة جديدة ستمتد نتائجها إن عاجلا أو آجلا إلى حدود الجيران وكل المنطقة. وإذا كان الاتحاد الإفريقي قد تأثر فى صياغة موقفه نظرا لوجود مقره فى اديس ابابا، ولم يصر على وقف الاعتداء الإثيوبي على الشعب الصومالى ولم يطالب بخروج القوات الأثيوبية، فإن أحدا من بعد سيجد صعوبة فى القول بأن هذا الاتحاد مؤهل لحماية حقوق الشعوب وحريص على سيادة الدول. وتلك بدورها ضربة كبرى لهذه المؤسسة التى لم يترسخ دورها بعد أفريقيا ولا دوليا.

وربما يقال هنا أن الغزو الأثيوبي جاء بناء على دعوة من حكومة انتقالية شرعية معترف بها دوليا، وهو قول مردود عليه، لان هذه الحكومة الانتقالية لم يكن لديها شعبية بين الصوماليين، وهى ليست سوى طرف فى نزاع داخلى ومحلى بحت، والاستعانة بقوات غازية لضرب أبناء الشعب المفترض انهم تحت رعايتها يعنى أنها حكومة فاقدة للمسئولية الوطنية وغير أمينة على حماية الوطن، وأنها ليست سوى ألعوبة فى يد من يحركها عبر الحدود.

نظرة عبر الحدود

إذا تأملنا عبر الحدود، تدلنا حالتا العراق وأفغانستان أن القوة وحدها ايا كانت، وطالما انها قوة خارجية وغازية لا تستطيع أن تهنأ بالاستقرار أو الهدوء. والمسألة هنا تكمن فى طبيعة شعوب هذه المنطقة التى ترفض بالفطرة الخضوع والخنوع للغزاة الأجانب.

الصومال بدوره، ورغم قبليته ومناطقه المتناحرة فيما بينها، قد لا يختلف كثيرا. فالوطنية الصومالية تظل موجودة كقاسم مشترك بين أبناء هذا البلد. وإن وضعنا طبيعة الظرف الإقليمي والدولى المناهض للإسلاميين أيا كانوا، وفى المقابل تعاضد الإسلاميين بغض النظر عن جنسياتهم القطرية، نصبح أمام حالة جديدة من حرب غير متماثلة بين قوات دولة فى بيئة رافضة، وبين جماعات رفض وجهاد وقتال، توظف تكتيكات حرب العصابات، ولا يؤلمها كثيرا عدد من قتلوا أو بالأحرى من “استشهدوا فى سبيل الوطن والدين والأهل”.

بعبارة أخرى أن الأكثر ترجيحا أن مصير القوات الأثيوبية لن يختلف كثيرا عن ذلك المصير الذى يواجهه الجنود الأمريكيون والبريطانيون فى العراق، وهؤلاء المنتمون لقوة الناتو فى أفغانستان بعد حوالى ثلاثة سنوات من الاحتلال العسكرى.

فبقايا جيش صدام ومعها جماعات أصولية فى العراق أفسدت الطبخة الأمريكية، وصحوة طالبان وبقايا القاعدة رغم كل شئ، تفسد أيضا الطبخة الأمريكية فى أفغانستان. وهو المصير ذاته الذى ينتظر طبخة أثيوبيا فى الصومال.

حسابات اثيوبية

الصومال على هذا النحو ومعه أثيوبيا يجسدان معا حالة جديدة ونموذجا آخر لفوضى غير خلاقة بشرت بها أمريكا أبناء المنطقة وأولادهم وربما أيضا أحفادهم. والمشكلة المطروحة هنا لماذا لم تتعلم إثيوبيا الدرس مما يجرى فى العراق، ولماذا قبلت مهمة بالنيابة عن الولايات المتحدة لمنازلة إسلاميين لم يمثلوا – إلى حد الآن – خطرا يذكر على المصالح الأمريكية فى المنطقة؟

هنا يجب أن نذكر أمرين، الأول أن أثيوبيا لديها أولويات خاصة بمنطقة القرن الأفريقي ككل، وهى أولويات تتجاوز الحفاظ على المصالح الإثيوبية ذاتها، إلى القيام بإعادة صياغة منطقة القرن الإفريقى ككل، وبحيث تقبل قيادة أثيوبيا كمعطى غير قابل للنقاش. وهو الأمر غير المقبول من قبل قيادات إفريقية بارزة فى القرن الأفريقي وفى غيره.

الثانى هو أن أديس أبابا، ولطموحات خاصة برئيس وزرائها ميليس زيناوى فى لعب دور الوكيل الشخصى للسياسة الأمريكية فى المنطقة، واستنادا إلى إدراك خاص بأن المشاركة فى الحرب على الإرهاب وفقا للمعنى الأمريكى تعنى دائما المبادرة فى محاصرة أى طرف إسلامى وضربه وتقديمه قربانا لصداقة استراتيجية مع واشنطن.

دور بالوكالة

الأمران معا يبرزان التداخل بين الموضوعى الخاص بالدولة الإثيوبية والشخصى الخاص برئيس الوزراء الطموح مع استيعاب خاص للأهداف الأمريكية الكونية.

ويبرزان أيضا أن التحرك الإثيوبى لم يكن وليد المصالح الإثيوبية وحدها، ولكن أيضا وليد التنسيق مع الولايات المتحدة، والدول الأوروبية التى حالت دون تطبيق بنود ميثاق الأمم المتحدة الداعية إلى الحفاظ على سيادة الدول ومنع التدخل العسكرى فى شئونها أو الاعتداء عليها أو غزوها. حيث منعت مجرد إصدار بيان رئاسى من مجلس الأمن يدعو إلى خروج القوات الأجنبية من الاراضى الصومالية.

ومادامت أطراف توصف بـ “الإسلاميون” هي المستهدفة فلتذهب قيم الأمن الجماعى والتضامن الإنسانى وحق الشعوب فى الأمن إلى الجحيم، ولترفع رايات الانتصار والتحية لكل من يقوم بمهمة حربية ضد هؤلاء الإسلاميين. إذ يبدو أن الضرب بعرض الحائط بالمواثيق الدولية تحول إلى جزء أساسى وركن ثابت في استراتيجية الفوضى غير الخلاقة.

ضربة استباقية على الطريقة الاثيوبية

وما دامت الفوضى هى المرجوة، فالضربات الاستباقية هى الأساس، وهو المعنى الذى روج له زيناوى يوم العدوان الموسع على الصومال، مشيرا إلى أن المحاكم تشكل تهديدا لبلاده، إن استقرت فى الحكم، واحتوت الحكومة الانتقالية أو أطاحت بها.

وللتذكير فقد كان قادة المحاكم يقولون أن هذه الحكومة الانتقالية لا تملك من أمرها شيئا وأنها كانت تلتزم المطالب الأثيوبية فى إفشال المباحثات التى جرت على جولتين تحت رعاية الجامعة العربية لإنهاء الأزمة الصومالية سلما.

ومن جانبه اعترف زيناوى بأن الهجوم العسكرى لقواته فى عمق الاراضى الصومالية كان نتيجة تعاون استخباراتى مع الولايات المتحدة، أو بالأحرى أن واشنطن تعد شريكا فى الاحتلال الأثيوبي للصومال، ولم لا والمطلوب هو رأس الإسلاميين الصوماليين.

د. حسن أبوطالب – القاهرة

مقديشو (رويترز) – دخلت قوات الحكومة الصومالية المنتصرة وحلفاؤهم الاثيوبيون مقديشو يوم الخميس 28 ديسمبر 2006 بعد أن تخلى خصومهما الاسلاميون عن العاصمة بعد ستة أشهر من سيطرتهم على المدينة التي مزقتها الحرب.

وكان هروب الاسلاميين تحولا مثيرا في الدولة المضطربة الواقعة في القرن الافريقي بعد أن سيطروا على مقديشو في يونيو حزيران الماضي وانتشروا في أرجاء جنوب البلاد حيث فرضوا أحكام الشريعة.

وفي المدينة التي أصبح اسمها مرادفا للفوضى نزل بعض السكان الخائفين من اندلاع مزيد من العنف الى الشوارع للترحيب بوصول القوات الحكومية في حين اختبأ آخرون.

وقال عبد القادر عبد الله وهو من سكان مقديشو ان عشرات المركبات العسكرية الحكومية مرت بجامعة الصومال الوطنية الواقعة الى الغرب من وسط المدينة.

وقال عبد الرشيد سد المبعوث الخاص للرئاسة الصومالية للقناة الرابعة بالتلفزيون البريطاني ان رئيس الوزراء الصومالي علي محمد جيدي وصل الى العاصمة في وقت لاحق في طائرة هليكوبتر عسكرية اثيوبية واجتمع مع زعماء العشائر قبل ان يسافر جنوبا الى قريته للمرة الاولى منذ عام 2002 .

وقال جيدي للصحفيين في موندول شيري وهي قرية على بعد نحو 40 كيلومترا الى الجنوب الغربي من مقديشو ان برلمان بلاده سيعلن الاحكام العرفية يوم السبت 30 ديسمبر لمدة ثلاثة أشهر.

واضاف “عايش هذا البلد الفوضى ومن أجل استعادة الامن نحتاج الى يد قوية” وخاصة مع الميليشيات التي تعمل بشكل مستقل.

واهتزت أجزاء من مقديشو بسبب صوت اطلاق الاسلحة النارية ووقعت عمليات نهب بعد أن فر أعضاء مجلس المحاكم الاسلامية في الصومال من قاعدتهم في ساعة مبكرة من صباح الخميس. وتخلص بعض المقاتلين من زيهم العسكري لتجنب الاعمال الانتقامية.

وقال مقاتل سابق من مجلس المحاكم الاسلامية لرويترز “لقد هزمنا. نزعت الزي العسكري. أغلب زملائي ارتدوا أيضا ملابس مدنية.”

وجاء سقوط مقديشو بعد عشرة أيام من محاولة الاسلاميين الزحف على قاعدة الحكومة الصومالية في بيدوة. ودفع ذلك اثيوبيا الى الدخول في الحرب صراحة.

وقال المتحدث باسم الحكومة عبد الرحمن ديناري ان الاسلاميين فروا الى مدينة كيسمايو الساحلية في الجنوب وان الحكومة تسيطر على 95 في المئة من البلاد. وأضاف أن القوات الحكومية قامت بتأمين الطرق الرئيسية الى مقديشو.

لكن ليس واضحا ما هي الخطوة التالية التي سيقدم عليها مجلس المحاكم الاسلامية ويخشى محللون أن يشنوا حرب عصابات طويلة الأمد. كما تساءل خبراء عما اذا كانت الحكومة الصومالية الضعيفة تستطيع الحفاظ على الأمن اذا رحل الاثيوبيون.

وقال ريتشارد داودن مدير الجمعية الملكية الافريقية لتلفزيون سكاي نيوز في لندن “اعتقد أن فكرة أن الاثيوبيين يمكنهم فقط إحضار هذه الحكومة من الخارج ووضعها في العاصمة وينسحبون وكل شيء سيحل فكرة غير واقعية بدرجة كبيرة جدا.”

وكان مجلس المحاكم الاسلامية حقق نوعا من الاستقرار في مقديشو عندما فرض أحكام الشريعة بعد أن طرد زعماء ميليشيات مدعومين من الولايات المتحدة من المدينة في يونيو حزيران. وقال سكان ان النظام انهار برحيلهم.

وقال الزعيم الاسلامي شيخ شريف احمد لقناة الجزيرة الفضائية بالهاتف ان مقديشو الآن في حالة من الفوضى.

ودمرت قوة مشتركة من المدرعات الاثيوبية ومقاتلي الحكومة خطوط دفاع الاسلاميين. لكن رئيس المحاكم الاسلامية قال ان الاسلاميين متحدون وعاقدو العزم على طرد القوات الاثيوبية لكنهم انسحبوا لتجنب وقوع المزيد من اراقة الدماء.

وتعهد رئيس الوزراء الاثيوبي ملس زيناوي بملاحقة الزعماء الاسلاميين. وأضاف “اننا نبحث ما سنفعله بحيث لا تهوي مقديشو في فوضى. ولن نسمح باحتراق مقديشو.”

ويعتقد محللون أن ملس يحظى بتأييد خفي من واشنطن في هجومه على الاسلاميين بينما دعاه الاتحاد الافريقي الى سحب قواته “دون إبطاء” من الصومال.

وكان خبراء في الامم المتحدة اتهموا عشر دول بتقديم أسلحة وخبرة ورجال لكلا الطرفين. ودعت جماعة في العراق متحالفة مع تنظيم القاعدة المسلمين في بيان نشرته على الانترنت الى مساندة الاسلاميين في الصومال.

ووصف مجلس المحاكم الاسلامية الصراع مع اثيوبيا التي يقودها مسيحيون بأنه جهاد ضد “الصليبيين” محاولا استغلال عقود من الخصومة بين الجارتين.

(المصدر: تقرير لوكالة رويترز بتاريخ 29 ديسمبر 2006)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية