مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الطبقة السياسية بين مشاعر الارتياح والغضب

Keystone

لا زالت تداعيات الزلزال السياسي الذي شهدته سويسرا، مستمرة، حيث اعتبر العديد من البرلمانيين أن استبعاد كريستوف بلوخر من الحكومة، لا يعني بالضرورة نهاية نظام الوفاق أو التوافق الذي ميز الحياة السياسية في الكنفدرالية منذ نصف قرن.

وفيما يؤكد هؤلاء البرلمانيون أن حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) قد مارس فعليا سياسة معارضة طيلة السنوات الماضية، أعلن حزب بلوخر انتقاله إلى صفوف المعارضة الشاملة للحكومة الحالية.

لا يثير إعلان حزب الشعب السويسري، أكبر الأحزاب السياسية في الكنفدرالية، تحوله إلى المعارضة، انشغال بقية التشكيلات السياسية، التي ترى أن ذلك لن يغيّـر من الأمر شيئا، كما أنه لا يُـنتظر حدوث تغييرات كبرى داخل الحزب نفسه.

النائب إيف نيديغر، من حزب الشعب، صرح قائلا “سنستمر في لعب دورنا كصاعق كهربائي”، فيما لاحظ النائب الاشتراكي كريسيان لوفرا أن “كريستوف بلوخر يشغل اليوم منصب وزير في الحكومة الفدرالية ويقود المعارضة”، مضيفا أن بلوخر سيكون في المستقبل، “على رأس المعارضة فحسب، وهو ما لن يغيّـر كثيرا من الأمر”.

الوفاق لم يمُـت

باسكال كوشبان، الذي سيترأس الكنفدرالية في العام القادم، اعتبر من جانبه أن سياسة الوفاق لم تمُـت، إثر استبعاد بلوخر، ورأى أن البرلمان قد وجّـه رسالة إلى أعضاء الحكومة الفدرالية، حتى يتجنّـبوا التصرف كرؤساء لأحزاب.

هذه الرؤية لا يشاطرها حزب الشعب السويسري، الذي اعتبر أن الخميس 13 ديسمبر، كان “يوما أسودا للديمقراطية المباشرة”، نظرا لأن ثلث السكان (في إشارة إلى 29% من الناخبين الذين صوتوا لفائدة مرشحي الحزب يوم 21 أكتوبر الماضي)، غير ممثلين في الحكومة الفدرالية، مثلما جاء في بيان صادر عن الحزب.

هانس يورغ فيهر، رئيس الحزب الاشتراكي اعتبر أنه لم يكن بالإمكان تجنّـب عدم انتخاب وزير العدل، ومع اعترافه بأن “حزب الشعب يمثل أكبر حزب في سويسرا، لكن 70% من الناخبين لم يصوتوا لفائدته في أكتوبر الماضي”، إلا أنه استنكر ما أقدم عليه بلوخر من “كذب على البرلمان وعدم احترام له”.

المزيد

المزيد

نظام التوافق

تم نشر هذا المحتوى على يُـقصَـدُ بالتوافق، ذلك البحث المستمر عن توازن أو عن حلّ وسط يُرضي الجميع بين الأحزاب وبين المجموعات الثقافية المختلفة، اللغوية والاجتماعية والسياسية، التي تتشكّـل منها سويسرا. أحد الأوجُـه الأكثر بروزاً لنظام التوافُـق، تجسّـده عملية توزع المقاعد السبعة للحكومة الفدرالية بشكل تناسبي مع القوة الانتخابية للأحزاب السياسية ومع الحجم الديمغرافي لمختلف المجموعات اللغوية في البلاد.

طالع المزيدنظام التوافق

حزب الشعب مستعد لخوض المعركة

بإعلانه الانتقال إلى المعارضة، أكّـد حزب الشعب السويسري أنه سيواجه جميع القرارات المتخذة من طرف البرلمان أو الحكومة، التي تتعارض مع مصالح سويسرا أو مع برنامج الحزب، عن طريق الاستفتاءات والمبادرات الشعبية.

النائب طوني بيرتولوتسي (من حزب الشعب عن زيورخ) عبّـر عن سروره لتحوله إلى المعارضة، وخاصة في الملفات المتعلقة بالصحة والسياسة الاجتماعية، أما زميله هانس يورغ فالتر، الذي يترأس الاتحاد السويسري للمزارعين، فقد بدا أكثر تحفظا، واعتبر أنه يجب على حزب الشعب أن يتحرك الآن بوتيرة أعلى.

ويشدد فالتر على أن القيام بذلك سيحتاج إلى المزيد من الأموال وإلى تعزيز الإعلام. ولدا سؤاله عن احتمال انسلاخ جناح المزارعين عن حزب الشعب السويسري، أوضح فالتر بأنه غير منشغل بذلك، مؤكدا أن “القطاع الزراعي يشعر بأنه ممثل جيدا داخل الحزب”.

انتقال حزب الشعب السويسري إلى المعارضة، لا يخيف روت غينير، رئيسة حزب الخُـضر، التي تقول “لقد سبق لحزب الشعب أن مارس سياسة معارضة لا تنازل فيها”.

أما أوسكار فرايسينغر (من حزب الشعب عن كانتون فالي)، فأعلن أن التنازلات التي كان يقدمها الحزب من حين لآخر لدى مناقشة مشاريع القوانين داخل اللجان البرلمانية، قد انتهت، وأكد أن حزب الشعب السويسري سيدافع ابتداءً من الآن عن مطالبه، دون البحث عن حلول وسط.

القطيعة لن تدوم طويلا

النائب الاشتراكي كريستيان لوفرا توقع من جانبه أنه “في غضون عامين، ستعود إيفلين فيدمر – شلومبف للجلوس مجددا ضمن الفريق البرلماني لحزب الشعب السويسري”، وأكّـد أن “العلاقات بين الوزيرة المنتخبة حديثا وحزبها، ستطبّـع بسرعة”.

هذا الرأي يؤيده دومينيك دوبومان، نائب رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي، الذي يقول “آجلا أو عاجلا، ستنكسر سفينة حزب العصابات السياسية لحزب الشعب السويسري”، مذكّـرا بأن هذا الحزب يتواجد في جميع البرلمانات المحلية وفي الأغلبية الساحقة من الحكومات في الكانتونات، وهو واقع يجعل من المستحيل عليه ممارسة معارضة مطلقة.

وكان حزب الشعب، الذي يترأسه أولي ماورر، قد أعلن إثر إقصاء بلوخر، أن الفريق البرلماني للحزب لن يدعم في المستقبل وزير الدفاع سامويل شميت ولا الوزيرة الجديدة فيدمر – شلومبف.

مجموعة برلمانية جديدة

النائب هانس يورغ هاسلر (من كانتون غراوبوندن) لم يستبعد من جانبه حدوث انقسام في الفريق البرلماني لحزب الشعب السويسري، واعتبر عضو مجلس النواب أن المشاعر متأججة داخل حزب الشعب وأن وحدة الحزب قد تتعرض لاختبار شديد، تبعا لذلك.

“هذا الانقسام احتمال قائم، لكن لا يمكن توقّـع ما الذي سيحدث في اللحظة الحالية”، مثلما يقول هاسلر الذي عبّـر عن ارتياحه لانتخاب سيدة من كانتون غراوبوندن لعضوية الحكومة الفدرالية.

هانس غروندر، النائب عن حزب الشعب السويسري من برن، كان أكثر وضوحا في تصريحات أدلى بها للإذاعة السويسرية الناطقة بالألمانية، حيث أعلن أنه بصدد تقييم إمكانية إنشاء مجموعة برلمانية خاصة به، وأضاف بأنه يجب توضيح المسائل القانونية قبل ذلك، لكنه أكّـد أن المجموعة الجديدة يُـمكن لها الاعتماد على انضمام عشرة نواب على الأقل.

نفس الرأي عبّـر عنه فيليكس موري، الذي اعتبر أن حدوث انقسام، “أمر مؤكّـد” وألمح النائب (من لوتسرن) إلى أنه من الممكن أن ينسلخ نواب من غرابوندن وبرن من الفريق البرلماني لحزب الشعب، نظرا لأنهم ممثلون في الحكومة من وزيرين فدراليين، تم إقصاؤهما من حزب الشعب السويسري.

سويس انفو مع الوكالات

عنونت صحيفة ليبيراسيون الفرنسية “البرلمانيون يُـطردون بلوخر” واعتبرت أن ما حدث “يُـعتبر، على مقياس ريختر المتواضع للسياسة السويسرية، زلزالا لا يُـصدّق”.

صحيفة إلباييس الإسبانية، اعتبرت أن يوم الأربعاء كان “عاصفة حقيقية في المشهد السياسي السويسري الهادئ عادة”، وقالت إن الإطاحة ببلوخر تفتح “أزمة غير مسبوقة”.

في إيطاليا، عنونت صحيفة كورييري ديلا سيرا “زلزال سياسي يُـطيح بالزعيم المعادي للأجانب”، وقالت إن بلوخر قد أطْـرد، “مثلما يُـطرد الخروف الأسود”، مضيفة بأن بلوخر “الملياردير والرافض للامتثال والمجادل” قد استُـبدل بـ “سيدة مجهولة”.

اعتبرت الصحيفة الألمانية سوددويْـتش تسايتونغ أن مثال التوافق السويسري قد انتهى، وخاصة بسبب حزب الشعب السويسري، وتوقعت الصحيفة، الصادرة في ميونيخ، أن هامش تحرك الحكومة الفدرالية المقبلة سيكون أضيق، إذا ما توجّـب عليها التصدي للمبادرات الشعبية، التي سيُـطلقها حزب الشعب، ولتصدي المعارضة البرلمانية لمشاريعها.

صحيفة لوسوار البلجيكية، حذرت من جهتها من أن بلوخر سيتمكن – في نظام الديمقراطية المباشرة، المعمول به في سويسرا – من ممارسة قدراته الشعبوية إلى أقصى حدّ.

كما حذرت صحيفة كوريي النمساوية بدورها معارضي بلوخر من الابتهاج المبكّـر بانتصارهم، وقالت “إن وجود ضحية في المعارضة وبدون قيود، يمكن أن يكون أكثر خطورة مما كان عليه في الحكومة”.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية