العدالة والتنمية يطرق أبواب الحكم في المغرب
مع اقتراب السابع من سبتمبر، موعد إجراء الانتخابات التشريعية في المغرب، تصاعدت حمى التنافس السياسي، وازداد الحديث عن مغرب ما بعد هذا الاستحقاق الانتخابي، وتنوعت ردود الأفعال عن الفوز المحتمل لحزب العدالة والتنمية الإسلامي.
عشية انطلاق الحملة الإنتخابية، أجرت سويس إنفو حديثا مطولا مع الأمين العام للحزب الدكتور سعد الدين العثماني.
تشير كل استطلاعات الرأي، إلا تلك التي أشرفت عليها وزارة الداخلية، إلى أن حزب العدالة والتنمية سيحصد أفضل النتائج في هذه الانتخابات. أما أنصار الحزب أنفسهم فيأملون برفع نسبة مشاركتهم في البرلمان من 42 مقعدا حاليا إلى 70 مقعدا مما سيبوئهم المرتبة الأولى سياسيا، إذ لا يتوقع أن يحصل منافسوهم من الإتحاد الاشتراكي أو من حزب الاستقلال على أزيد من 40 مقعدا بعد الحصاد المر لتجربتهم في حكومات التناوب.
وفي مقابل أحزاب الأغلبية الحاكمة، التي فقدت بريقها الانتخابي، واستنفذت قدرتها على التعبئة بعد أن فشلت في تحقيق وعودها الانتخابية السابقة، يبقى العدالة والتنمية المعطى الجديد الوحيد والمفاجأة الممكنة التي قد تسفر عليها انتخابات 7 سبتمبر القادمة. فهل سيسمح المخزن لهذه التجربة أن تبلغ مداها؟ وهل يكون سعد الدين العثماني “أردغان” المغرب المعاصر، والحال أن تجارب الرجلين متقاربة جدا؟
وفي انتظار الأجوبة التي ستسفر عليها صناديق الاقتراع، تظل الساحة السياسية المغربية متموجة ومتغيّرة، أزمات في هذا الحزب أو ذاك بسبب القوائم الانتخابية، واستقالات وإقالات. ولمزيد خلط الأوراق، تغييرات حكومية في الوقت الضائع، يرى فيها البعض مناورة لإفراغ نصر الإسلاميين من مضمونه. وللوقوف على أطروحات وبرامج حزب العدالة والتنمية المغربي، ومعرفة مواقفه من العديد من الملفات الداخلية والخارجية، أجرت سويس انفو هذا الحوار مع الدكتور سعد الدين العثماني، والذي قبل برحابة صدر الإجابة على أسئلتنا، وفي ما يلي نص الحوار:
سويس انفو: ما دلالات الفوز الساحق للعدالة والتنمية في تركيا؟
سعد الدين العثماني: كشفت تلك الانتخابات أن الدول الإسلامية فيها طاقات كامنة قوية، وإذا توفر لها الإطار السليم من ديمقراطية ونزاهة وشفافية وعندما تكون الممارسة السياسية رشيدة، فإن الشعوب سرعان ما تنهض وتشارك وتساهم، وأفضل دليل على ذلك نسبة المشاركة العالية والتي تجاوزت 80 % في الانتخابات التركية.
ولا يمكن لبلداننا أن تطور وتستثمر إمكاناتها في التنمية والتقدم والمعرفة، والولوج إلى عالم الحداثة من دون تعبئة جماهيرية واسعة، وهذه دلالة كبيرة. ومع الأسف، بعض الأنظمة وبعض الجهات السياسية تحاول أن تبني نماذج وتسّير شؤوننا دون دفع الشعوب للمشاركة في ورشات البناء. ولذلك فشلت كثير من محاولات النهوض ووجود الإنسان في عمق عملية البناء والتنمية شرط ضروري لكل عملية إقلاع.
سويس انفو: ما هي أبرز المكاسب التي حققتموها من خلال تجربتكم البرلمانية السابقة؟
س. د. العثماني: هذه المكاسب كثيرة جدا، إذ أدى دخول حزب العدالة والتنمية إلى البرلمان منذ عشر سنوات إلى دخول عناصر شابة وعالية التكوين وجادة في عملها إلى المؤسسة التشريعية والرقابية، وهو ما أعاد الاعتبار إلى هذه المؤسسة لدى شرائح واسعة من المواطنين. ومجرد رفع إيقاع عمل البرلمان وتحديثه هو مؤشر مهم. وأن كثيرا من المؤسسات العامة تشكو عطالة داخلية مما جعل الناس ينفضّون من حولها، وهذا مكسب مهم في نفس الوقت للحزب وللمؤسسات الوطنية المغربية.
ثانيا: أثار حزب العدالة والتنمية من موقع المعارضة الديمقراطية العديد من الملفات المهمة التي لم تكن أحزاب الحكومة قادرة على إثارتها مثل ملفات الفساد المالي والإداري في المؤسسات العامة، وانتهاكات حقوق الإنسان، وملفات مرتبطة بالسياسة الخارجية المغربية مثل قضية المغاربة المعتقلين في غوانتنامو، والتطبيع مع الكيان الصهيوني، ودعم حقوق الشعوب في سبيل تحقيق عولمة عادلة. هذه ملفات كانت حاضرة بقوة في العمل الرقابي.
ثالثا: استطاع فريق العدالة والتنمية في مجلس النواب الرفع من إيقاع العمل التشريعي من خلال مناقشة مشروعات القوانين التي تقدمت بها الحكومة، وتقديم تعديلات لها، أو من خلال تقديمه لمقترحات لقوانين. وكان على هذا المستوى الفريق الأول في البرلمان لكن حكومة الغالبية لا تتجاوب مع مقترحاتنا.
سويس انفو: ماذا حقق الحزب من تطلعات الناخب المغربي الذي صوت له؟ ألا ترون أن الحصيلة كانت دون توقعات الناس وانتظاراتهم؟
س.د.العثماني: بالنسبة للتسيير المحلي في الجماعات الحضرية والقروية، أظن أن حزب العدالة والتنمية يعد نموذجا في التسيير والشفافية وخدمة المواطن. وأما على المستوى الوطني، فإن بقاء الحزب في المعارضة يعني أن إمكانيات تحقيقه لبرنامجه الانتخابي تظل محدودة، وبالتالي فأداؤه مرتبط بمستوى معارضته لبعض السياسات الخاطئة، وفي بعض الملفات الشائكة التي يعيشها المواطن المغربي.
وأظن أن شعبية الحزب المتزايدة والتي ستنعكس على نتائج الانتخابات المقبلة تمثل دليلا على التفاف الجماهير حوله. وهناك فعلا عرفان من الشعب للحزب على الدور الذي قام به من موقع المعارضة ويرى المواطن المغربي الأمل في حزب العدالة الذي يدافع عن حقه في التعليم والشغل والمساواة.
سويس انفو: هناك خشية أن تكون نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة ضعيفة على شاكلة الانتخابات الأخيرة في الجزائر والتي لم تتجاوز 30%؟
س.د.العثماني: ظاهرة العزوف عن المشاركة في الانتخابات أمر واقع ويمثل مشكلة، إذ عرفت الانتخابات المغربية أنه بقدر ما يقع الانفتاح الديمقراطي بقدر ما ترتفع نسبة العزوف عن المشاركة فيها، وسببه ما عرف به تاريخ المغرب المعاصر من ضغط الإدارة على المواطنين، وتزويرها المتكرر للانتخابات في الثمانينات وحتى التسعينات، لكن الأمور تغيرت الآن ويجب على القوى السياسية وأجهزة الدولة أن يكونا قادرين على دفع المواطنين وتحفيزهم على الإدلاء بأصواتهم والانخراط في العملية السياسية.
نحن نرى أن المشاركة المكثفة شرط المصداقية في العملية السياسية، ويجب أن يطمئن الناس إلى أن التصويت لحزب ما سيمكنه من إدارة الشأن العام. مشكلة الديمقراطية المغربية أن هناك تقليص لصلاحيات المؤسسات المنتخبة (برلمان/حكومة/وزير أول)، وهناك نخبا سياسية لا تزال فاسدة، واستعمال المال لا يزال شائعا جدا في الانتخابات المتتالية. هذه ظواهر كلها موجودة، ونتيجة لذلك يكون عزوف المواطن عن المشاركة، ونحن نبذل جهدنا من أجل زرع نوع من الدينامكية في الواقع، ونأمل أن يؤدي ذلك إلى نتيجة إيجابية.
سويس انفو: بعض الأحزاب المغربية تشهد تصدعات ولغطا داخليا بسبب الترشيحات في الانتخابات القادمة، إلى أي حد تمت الترشيحات داخل حزبكم بشفافية وتوافق؟
س.د.العثماني: هناك مسطرة خاصة أقرها المجلس الوطني، وهو أعلى هيئة داخل الحزب تنوب عن المؤتمر الوطني وفيها مراحل مبينة تشارك فيها القيادة والقاعدة من خلال ضوابط في وضع لائحة المترشحين، وفيها مراحل مقننة ومحددة وهذه ضمانة للشفافية عندما تتخذ القرارات بالتصويت السري، لكن هذه الأخيرة ليست بالضرورة مرضية للجميع. وعموما فحزبنا هو الأقل مشاكل بين جميع الأحزاب الأخرى، وكل عمل بشري سياسي أو اجتماعي من الطبيعي أن تتخلل أعماله مشاكل ومصاعب، وأن الديمقراطية السائدة داخل الحزب هي الضمانة لالتزام الأعضاء بالقرارات المتخذة.
سويس انفو: يرى بعض الفرقاء السياسيين الإسلاميين وغيرهم أن الحزب خضع لكثير من املاءات السلطة، فهل هذا صحيح؟ وهل أن حزبكم قابل، بتعبير مغربي، للمخزنة كغيره من الأحزاب العاملة على الساحة المغربية؟
س.د العثماني: العمل السياسي عمل نسبي والقرار السياسي قرار يستند إلى تقدير المصالح، ويتخذ القرار في ضوء مجموعة من المعطيات ووفق تأثيراته ومآلاته على المدى القصير والمتوسط والبعيد. ولا يمكن دخول ساحة العمل السياسي دون الدخول في منطق التسويات. ويجب أن تشارك في حوار مع بقية الأطراف وأن تصل معها إلى حلول وسطى وإلا حكمت على نفسك بالعزلة والإقصاء. والبقاء خارج المؤسسات يضر بالعملية الإصلاحية داخل المجتمع.
لا بد من توافقات لكي تأخذ عملية الإصلاح طريقها للتنفيذ. أما النزعة الطوباوية أو المطلقية فهي نقيض العمل السياسي وعندما نحقق بعض المصالح، ونتقدم خطوة خطوة، فهذا نوع من النجاح. وعملية الإصلاح هي عملية متدرجة وطويلة المدى وتحتاج إلى نفس طويل، بعض الأطراف الأخرى التي ترفض هذا المنهج، لا تريد التدرج وتشترط شروطا أحيانا تكون تعجيزية، كأنها بذلك ترفض الإصلاح من أساسه. ولقد أثبتت التجربة لكثير من القوى السياسية التي قاطعت الانتخابات لعقود عدة أن تقديرها كان خاطئا. لقد فهمت تلك الأطراف أن عدم مشاركتها تركها مهمشة.
في الوقت نفسه، نؤمن أن يكون قرارنا مستقلا، ولدينا مؤسسات تتخذ قراراتها وفقا لنظام أساسي. وعند اتخاذ تلك القرارات تأخذ بعين الاعتبار عوامل كثيرة فهي لا تخضع أبدا للضغوط، ولكنها تقدر المآلات والنتائج التي تنعكس على أرض الواقع. وأظن أنه مضى زمن الصراع مع الأنظمة أو مع القوى السياسية المخالفة، وعلينا أن نبني عالما جديدا تتحقق فيه مصلحة البلاد والعباد. نحن في سفينة واحدة، هي الوطن. وهذه السفينة نريدها أن تصل إلى هدفها، وإذا تركنا البعض يعبث فيها سنغرق جميعا. لا بد أن يكون هناك توافق داخل المجتمع بين مختلف القوى السياسية والإدارة على تواثب عامة تحمي هذه السفينة، وليس هناك مشكلة بعدئذ أن نختلف أوأن نتناقش ونتصارع سلميا بطبيعة الحال، ولكن دائما في إطار هذه الثوابت. وهذا المنطق هو الذي يحكم عمل حزب العدالة والتنمية، والذي جعله يقبل بالتوافقات عندما تكون ضرورية وفي مصلحة المجتمع.
ولابد أن أشير هنا إلى أن المغرب أمضى من الزمن بما فيه الكفاية في صراع بين النظام والمعارضة. المعارضة كانت تريد أن تطيح بالنظام الملكي وتنشأ جمهورية، والنظام حاول قمع المعارضة ولم يعترف بها. والنتيجة أن المغرب أضاع ربع قرن من الزمن في الصراعات على السلطة ولم يهتم لا بالتنمية ولا بنقل المعرفة أو مقاومة الأمية، ولم ننجز شيئا. نحن معارضة إصلاحية داخل المغرب، ولن نعيد تلك التجربة، ويجب أن تكون معارضتنا إيجابية تدفع الأمور إلى الأمام ولا نريد تعقيد الأمور أو إعاقة التنمية.
سويس انفو: ذكرتم خلال حديثكم أن الجميع في سفينة واحدة، ويقال أن المخزن طلب منكم عدم التجديف بعيدا خلال الانتخابات القادمة. ما صحة ذلك؟
س.د.العثماني: هذا غير صحيح، نحن في هذه الانتخابات سنترشح في جميع الدوائر، وسنبذل جهدنا من أجل الفوز بأغلبية المقاعد. لكن النظام الانتخابي نفسه، بالإضافة إلى وجود منافسة قوية، يجعل السقف العام لهذه الانتخابات سقفا محددا بالنسبة لجميع الأطراف، وبالتالي من الصعب على أي جهة أن تكتسح هذه الانتخابات. وما يروج له البعض في هذا المجال هو من الكيد السياسي. إن الأمور محسوبة بدقة والحزب سعيد بهذا لأن نمط الاقتراع بهذه الطريقة يطمئن الجميع، ويجنبنا الوقوع في نماذج جربتها دول إسلامية أخرى انتهت إلى تعطيل المسلسل الديمقراطي بسبب وجود تيار مكتسح في الانتخابات.
سويس انفو: لا شك أن هدف أي حزب هو المشاركة الفعالة في السلطة وفي إدارة الشأن العام، فهل تنوون المشاركة في الحكومة القادمة؟
س.د.العثماني: كل شيء وارد والمشاركة مرتبطة بنتائج الانتخابات، وبالأطراف التي نحن مدعوون لتأليف الحكومة معها، ومرتبطة أيضا بالوزير الأول الذي سيعينه الملك. إذا توفرت الشروط لذلك، فنحن مستعدون لتحمل المسؤولية وإذا لم تتوفر الظروف المناسبة، فسنبقى في المعارضة، والقرار مرتبط بهذه المعطيات.
سويس انفو: ما هي الشروط التي تضعونها لمشاركتكم في الحكومة المقبلة؟
س.د.العثماني: أولا، طبيعة البرنامج الانتخابي، فنحن نرى أن التحالفات المستقبلية لا يجب أن تكون على أساس إيديولوجي، ولقد انتهى عصر الإيديولوجيات واقتربت البرامج بعضها من بعض ولم يعد هناك فرق كبير بين اليسار واليمين والوسط. وسنأتلف مع من يشترك معنا في أولوياتنا، والمتمثلة في مقاومة الفساد المالي والإداري، وتطوير نظام الحكامة. فسوء الإدارة أضر كثيرا ببلادنا وأهدر سوء التدبير طاقات كبيرة، كان يمكن أن يستفاد منها في المجالين، الاقتصادي والاجتماعي وفي التنمية. والمغرب له من الكفاءات والطاقات المادية والبشرية ما يجعله في مصاف الدول المتقدمة.
وأما الأولوية الثانية، فتتمثل في إصلاح القضاء، لأن العدل أساس العمران، وبدونه لا يمكن أن تجلب استثمارات أو تحقق تقدما أو تباشر إصلاحا، ونحن نعتقد أن تعطى للقضاء العناية التي يستحقها.
أما الأولوية الثالثة، فهي قطاع التعليم، ومع الأسف الشديد يعاني هذا القطاع من تدهور مستمر، وعالم اليوم هو عالم المعرفة، وإذا لم نرفع من مستوى التعليم، لا يمكن أن نحقق أي تنمية، والإصلاح الذي نقترحه في هذا الميدان، يتأسس على ثلاث مرتكزات: تعريب التعليم، وهناك قصور في هذا المجال ونحتاج إلى تعليم ذي جدوى وجودة، وتعليم مكيف مع الاحتياجات، حاجيات المجتمع وحاجيات سوق الشغل، وطنيا وإقليميا ودوليا، لأن سوق الشغل اليوم مُـعَـولم.
سويس انفو: وفق هذه الشروط السابقة، هل تبين لكم طرف أو أحد الأطراف يمكن أن تدخلوا في ائتلاف معه في حالة مشاركتكم في الحكومة القادمة؟
س.د.العثماني: لدينا اتفاق مبدئي مع طرف واحد، هو حزب القوات المواطنة، وهو حزب على رأسه شخص وطني، لكن نحن في حوار مفتوح مع عدد من الأحزاب، ونتمنى أن نتوصل إلى توافقات مع أحزاب أخرى بعد الانتخابات المقبلة.
سويس انفو: هل تقبلون المشاركة في حكومة فسيفسائية تشمل غالبية الأحزاب النشطة على الساحة؟
س.د.العثماني: نحن لا نميل إلى هذا، وقد انتقدنا الحكومة الحالية لأنها حكومة مُـبلقنة، ونتمنى أن تكون الحكومة القادمة حكومة يشارك فيها عدد محدود من الأحزاب على أساس برنامجي، وغير معقول أن تتشكل حكومة مثلا من سبعة أحزاب.
سويس انفو: وضعتم العدالة عنوانا لحزبكم وشعارا لحملتكم الانتخابية، ما هو برنامجكم لتقليص الفوارق الصارخة بين الطبقات وبين الجهات، وكيف ترون معالجة الملف الاجتماعي الثقيل عموما؟
س.د.العثماني: بطبيعة الحال، نحن لدينا رؤية شاملة ومتكاملة، وهي أنه لا يمكن أن تكون هناك تنمية حقيقية، دون الحد من الفوارق الاجتماعية ومحاربة الفقر والأمية، ومن دون إيجاد أنظمة لإعادة توزيع الثروة، ولهذا مداخل متعدّدة من أجل تحقيق تنمية مستدامة تتجاوز 7% سنويا:
أولا، إصلاح النظام الضريبي، الذي يجب أن يكون نظاما عادلا ولا يعاقب المنتجين، ويعطي الامتيازات للمضاربين. وقد اقترحنا مجموعة من الإجراءات، تزيد الضرائب نسبيا على عمليات المضاربة، في حين تخفف الضرائب على الشركات المنتجة وتعيد النظر في أشطر الضرائب على الدخل الفردي، التي تمَـس أوسع المواطنين، ونهدف من وراء ذلك إلى تشجيع الدينامكية الاقتصادية، ويمكّن للشركات من زيادة قدراتها على التوظيف وفتح الأبواب لمزيد من الاستثمار. في نفس الوقت، سيحد خفض الضرائب على الشركات من الكلفة العالية لعملية الإنتاج، وهو ما سينعكس على القدرة التنافسية لمنتجاتنا الوطنية، التي تعاني اليوم بسبب غزو المنتجات الآسيوية بخسة الثمن. إن النظام الضريبي الحالي يشجع المضاربة ولا يشجع على الإنتاج أو العمل.
وثاني،ا قطاع الخدمات، فإعادة توزيع الثروة لا يتم عن طريق منح نقود، بل من خلال رفع جودة الخدمات المقدمة لعموم المواطنين، ونعني هنا بالخدمات والكفاءات في مجالات مثل التعليم والصحة.
سويس انفو: هل نفهم من ذلك أنكم ضد التوجه الحالي الساعي على خوصصة قطاعات عامة حيوية؟
س.د.العثماني: ما قلته سابقا، لا يناقض فتح المجال للقطاع الخاص لكي ينمو، وحينما تحرص الدولة على رفع مستوى التعليم العمومي، ليس في ذلك حظ من قيمة التعليم الخصوصي، بل العكس، علينا أن نفتح المجال للمنافسة الحرة، والجودة لا تكون إلا في الجو التنافسي، أما أجواء الاحتكار، فتؤدي إلى رداءة الخدمات، ولذلك، ليس هناك تناقضا بين الاتجاهين، وإن كنت أعتقد أن موقع التعليم الخصوصي بقي مع الأسف موقعا محدودا جدا.
سويس انفو: مع ذلك لا يمكن الحديث عن تنمية حقيقية إلا بتوفر الكفاءات، فهل لديكم حلا لهجرة العقول؟ وما السبيل لاسترجاع أطر المغرب المقيمين في الخارج؟
س.د.العثماني: نحن اليوم في زمن العولمة، وأصبحت حركة الأشخاص والبضائع والكفاءات وغيرها، أمرا عاديا، لكن المهم هو أن تتوفر في البلاد ظروف مناسبة لاستقرار أي إطار وأي مستثمر يريد أن يعود إلى بلده، وهذه الظروف الآن غير متوفرة، وجلب استثمارات جديدة أو الحفاظ على استثمارات وطنية، يحتاج على تفعيل وصفة معروفة على المستوى العالمي.
فالدراسات تبيِـن أن المستثمرين الوطنيين والأجانب يشكُـون إما من الفساد وتعقد الإجراءات الإدارية، وأما من فساد وبطء عمل القضاء، وهذان الأمران يعقِّـدان هذه العودة، وإني على يقين أن التقدم في مجال إصلاح الإدارة وتوفر الفعالية والنزاهة والشفافية فيها، وكذلك بناء قضاء حديث ونزيه، من شأنه أن يشجع هؤلاء المهاجرين على العودة للاستقرار في بلدهم.
سويس انفو: هل في برنامجكم ما يشجّـع على البحث العلمي؟
س.د.العثماني: لدينا محور كامل في هذا المجال، وهو أمر يحتاج إلى تطوير آليات ووسائل، بالإضافة إلى رفع نسبة التمويل، لأن الدعم المتوفر الآن محدود جدا ويحتاج إلى توجيه في الاتجاه السليم.
سويس انفو: العولمة الاقتصادية لها تبعات والمغرب عضو بمنظمة التجارة العالمية، وكذلك البنك الدولي له شروطه لإعطاء قروض، في حالة وصولكم إلى الحكم، كيف تتعاملون مع هذه الاستحقاقات؟
س.د.العثماني: نحن ملزمون بجميع التزامات الدولة المغربية وملتزمون بها أيضا، لو دخلنا في الحكومة المقبلة، ولا أظن أن هناك إشكال كبير من جهة منظمة التجارية العالمية، وفي الحقيقة، المشكلة تتعلق بالمفاوض المغربي وقدرته وبراعته ومستوى أدائه، وعلينا أن نعد بلادنا لكي تصمد في عالم مُـعولم، تسوده المنافسة على كل المستويات، ومن الطبيعي أن تشترط المؤسسات الدولية المانحة شروطا، لكن المغرب أيضا بامكانه أن يقبل تلك الشروط أو لا يقبلها، بحسب مصلحته.
سويس انفو: لو شاركتم مشاركة واسعة في تشكيل الحكومة المقبلة، هل تتوقعون حصارا على شاكلة ما حصل في تجارب أخرى؟
س.د.العثماني: لا أبدا، في المغرب أي حزب دخل الحكومة، فهو يحكم مع جلالة الملك، وهناك جزء من القرار الاستراتيجي فيما يخص الدفاع الوطني والعلاقات الخارجية والأمن، هي من صلاحيات الملك، وبالتالي، من الصعب على أي طرف زعزعة الاستقرار في المغرب أو توقيف المسار الذي يدور فيه.
وثانيا، علاقاتنا مع جميع الأطراف، الداخلية والخارجية جيدة، خاصة الجهات الأوروبية، لدينا اتصالات مع مختلف الهيئات الدبلوماسية المعنية بالشأن المغربي، وهم يقدرون أطروحات حزب العدالة والتنمية تقديرا كبيرا وشخصيا.
زرت كثيرا من الدول الغربية وأجريت حوارات خاصة في إسبانيا وإيطاليا وفرنسا وبلجيكا، ومع دوائر في السلطة وعلى مستوى الأحزاب السياسية أو المؤسسات الأكاديمية، ولم نلمس تحفظا كبيرا على حزب العدالة والتنمية، وإن كان هناك اختلاف على وجهة النظر، ولا يجب مقارنة تجربة المغرب ببقية التجارب في الشرق، كالمسار الفلسطيني وغيره.
سويس انفو: كيف تنظرون إلى الشراكة مع الاتحاد الأوروبي؟
س.د.العثماني: نحن والاتحاد الأوروبي جاران، وليس لجارين إلا أن يتعاونا، وهناك مصالح مشتركة كثيرة وتحدياتنا مشتركة أيضا، ولا يمكن أن تحل إلا بالتعاون بين الطرفين كتحديات التنمية وبناء الاقتصاد العالمي وقضايا الهجرة والمهاجرين وقضايا الإرهاب الدولي، وفي هذا المجال، فضاء كبير للعمل المشترك، ولذلك، نحن نؤيِّـد هذه الشراكة، ولكن نريدها أن تكون شراكة عادلة يستفيد منها الطرفان، ولقد كشفت العولمة أن العالم قد أصبح قرية واحدة، فإما أن ينعم الجميع بالأمن والاستقرار، وإما لا أمن ولا استقرار للجميع. لقد أصبحت هذه الشراكة ضرورة، ولم تعد مجرّد اختيار.
سويس انفو: الاتحاد المغاربي ومؤسساته في حالة توقف، كيف ترون السبيل لإحياء هذا الاتحاد وتفعيله؟
س.د.العثماني: الاتحاد ضحية الاختلاف بين أعضائه، وخاصة بين المغرب والجزائر بسبب مشكلة الصحراء المغربية، وبطبيعة الحال، نحن ندعو جميع الفاعلين السياسيين داخل دول المغرب العربي إلى التقارب، ونتمنى أن يكون هناك تعاون اقتصادي وسياسي قوي جدا، وربما إنشاء سوق مشتركة بين دول الاتحاد، وخاصة ونحن نعيش في عصر التكتلات الجهوية والدولية، ولا يمكن لطرف واحد أن يصمد أمام تيارات العولمة، وعلينا أن نبذل جهودا، كأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، ولكن هذا لا يكفي، ويجب على الأنظمة أن تحسم خياراتها وأن تتوفر لها الإرادة السياسية لبناء هذا الاتحاد.
سويس انفو: ما هو التصور الذي يحكم علاقاتكم الخارجية؟ وهل ستتوجهون أكثر نحو الشرق أم نحو الغرب فيما لو أمسكتم بالسلطة؟
س.د.العثماني: نحن نؤمن بعلاقات متوازنة مع الشرق ومع الغرب، وإن كنا نشهد اليوم ضعفا في علاقات المغرب بفضائه العربي والإسلامي، وإنه يحتاج لتقويتها، كما نلاحظ تراجعا لدور المغرب، عربيا وإسلاميا وإفريقيا.
سويس انفو: المرجعية الإسلامية للحزب، ماذا تعني لكم؟ وهل أنتم مشروع دولة دينية؟
س.د.العثماني: ينطلق الحزب في برنامجه الإصلاحي من قِـيم ومقاصد ومبادئ الإسلام، وبطبيعة الحال، هذا الانطلاق ليس مسألة بسيطة، إنها عملية تتطلب جهدا فكريا عميقا، ونحن لا ننطلق من الفهم المتشدد المنغلق، بل من الفهم المتجدد المنفتح على العصر وتحدياته ومتطلباته، والحرص على الاستفادة من الطاقات البشرية ومكاسب الحداثة ومن عطاءات الفكر المعاصر. والأمر الثاني، أن المغرب دولة ينص دستورها على أن دينها الإسلام منذ أربعة عشر قرنا، لكن هذه الدولة الإسلامية في حاجة إلى مشروع إصلاحي لتقويم الإخلالات الموجودة وتوفير شروط النهوض والتقدم وحل مشكلة التفاوت الاجتماعي، وهي في حاجة إلى خيار إستراتيجي وبرنامج يهدف إلى تحقيق العدالة والتنمية.
سويس انفو: ما هو موقفكم من التعددية الثقافية في المغرب؟
س.د.العثماني: ما داتم هناك حرية فكر وحرية صحافة وحرية رأي، فبداهة أن يكون الناس أحرارا فيما يعتقدون، لكن لا يمكن أن يستغل فقر الناس وحرمانهم لدعوتهم إلى تغيير عقائدهم وأفكارهم، كما لا يمكن أن نسمح بتشويه صورة مجتمعنا، وهناك حدود في كل مجتمع يجب احترامها.
أجرى الحديث في الرباط: عبد الحفيظ العبدلي
يدعي أنصار العدالة والتنمية أن حزبهم ينفرد على الساحة السياسية المغربية بتقديم برنامج تفصيلي ومتكامل، يهدف إلى النهوض بأوضاع المملكة المغربية على كافة الأصعدة، وتكشف قراءة متأنية لمفردات هذا البرنامج الذي يحمل شعار: “جميعا لبناء مغرب العدالة”، أنه يسعى للاستجابة لتحديات التنمية الشاملة على أساس مبادئ الالتزام والتعاقد والشفافية والمسؤولية.
كما ينطلق في برنامجه من قناعة بأن التحديات الاجتماعية والتنموية والحضارية، التي تعترض سير المغرب، تتطلّـب تعبئة وطنية شاملة، تجعل قضيتها المركزية تحقيق العدالة الاجتماعية وإحراز تقدم تعود ثماره على الجميع، وبحسب هذه القراءة لأوضاع البلاد، ليس استشراء الفساد واضمحلال الشفافية وتراجع الكفاءة، إلا نتيجة التفاوت بين طبقات المجتمع ومناطق البلاد.
ويميّـز هذا البرنامج الانتخابي بين التحديات الداخلية والتحديات الخارجية، من دون أن يفصل بينهما، فعلى المستوى الأول، يشير إلى أن المغرب سيواجه في السنوات القادمة مصاعب على مستوى تدبير الموارد الطبيعية، بفعل تزايد الطلب على الطاقة والضغط المتنامي على الموارد المائية وتراجع المساحات الزراعية لصالح التمدد العمراني، والرد على هذا التحدي، يتطلب إصلاحا سياسيا شاملا يعزز الخيار الديمقراطي، ويتخذ منه محركا أساسيا لحشد إمكانات الإنتاج والاستثمار والمعرفة.
وأما على مستوى التحديات الخارجية والالتزامات، التي تكبل القرار الوطني للمغرب، إضافة إلى تزايد استحقاقات الانفتاح الاقتصادي وما يسببه من منافسة قوية للإنتاج المحلي، فإنه أمر يتطلب رفع جودة منظومة التعليم والنهوض بالبحث العلمي وإطلاق دورة جديدة للتنمية الاقتصادية قادرة على بناء اقتصاد المعرفة والابتكار.
ويتمسك حزب العدالة والتنمية على مستوى العلاقات الدولية بالحقوق الوطنية الثابتة للمغرب، سواء على مستوى الصحراء في الجنوب أو سبتة ومليلة في الشمال. ولتقوية الإشعاع الخارجي للمغرب، يدعو الحزب إلى تعزيز الدور العربي والإسلامي والإفريقي للمغرب، والنهوض بالسياسة الخارجية وتأهيل الجهاز الدبلوماسي، بالإضافة إلى الاهتمام بالمغاربة المقيمين في الخارج وتعزيز ارتباطهم ببلادهم.
لكن تحقيق الأهداف السابقة، يتوقف أمره على مضاعفة المجهود الوطني في مجال التنمية البشرية، وفي هذا المستوى، يَـعِـد البرنامج الانتخابي للعدالة والتنمية بتحسين المستوى الصحي عموما وصحة الأم والطفل خصوصا، ومكافحة الإدمان والمخدرات وتوسيع ممارسة الرياضة وتأطير الشباب ومكافحة الفقر وتأمين مستوى عيش كريم وتعزيز التكافل الاجتماعي. فهل يمنح الشعب المغربي ثقته إلى حزب العدالة والتنمية؟ وهل تتحول الأقوال إلى أفعال؟
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.