العرب ولبنان.. نحو تصحيح الأوضاع
أخيرا، وبعد 27 يوما من الهجوم الإسرائيلي على لبنان، اجتمع وزراء الخارجية العرب في بيروت في لفتة تضامن ومساندة للحكومة اللبنانية.
وكذلك لفتة اعتذار للشعب اللبناني عمّـا بدر من بعض العرب سابقا من مواقف، اعتُـبرت بصورة ما تأييدا ضمنيا أو على الأقل تغاضيا عن الحرب الإسرائيلية على بلدهم وكرامتهم.
بالرغم من أن اللّـوم والضغط الشعبي العربي العام لتأخّـر التحرك العربي الرسمي يظل صحيحا وفي موضعه تماما، ويظل أيضا أحد أسباب تغيير كثير من المواقف العربية، التي لم تكن على مستوى الحدث عند بدايته، ولم تقدر قيمة المقاومة اللبنانية وأهميّـتها، فإن مجرّد انعقاد اجتماع لوزراء الخارجية العرب في بيروت تحت النار وفي لحظة زمنية محمّـلة بالضغوط العسكرية والدبلوماسية والسياسية على لبنان، الذي بدا وحيدا ويائسا في وجه عاصفة عاتية ومُـجرمة قد حمل دلالات مهمّـة أقلّـها أن العرب لا يتحمّـلوا انكسار لبنان أو ضياعَـه مرّة أخرى وأهمّـها أن لبنان له أن يحتمي بعروبته لا أن يفـرّ منها، والتي عليها أن تُـضيف له لا أن تكون خَـصما منه ومن أهله، ناهيك عن تراجع حقيقي لهؤلاء الذين لم يتفهّـموا الطبيعة العدوانية الإسرائيلية، وأرادوا أن يغسِـلوا أيديهم منها سابقا.
قراران مهِـمّـان
وللمرة الأولى، وبالرغم من عدم صدور بيان يلخّـص ما توافَـق عليه الوزراء العرب، بدا الاجتماع على غير العادة، أي اقل توترا وأقل اختلافا وأكثر توافُـقا، وتحديدا فيما يرونه الخطوة الأصحّ في ظل الظروف الراهنة، والمتمثلة في دعم النقاط السبعة للحكومة اللبنانية، التي قدمها رئيس الوزراء السنيورة أمام مؤتمر روما قبل ثلاثة أسابيع، ونالت إجماعا وزاريا لاحقا بمن فيهم وزراء حزب الله.
الخطوة الأبرز في اجتماع الوزراء العرب تتمثّـل في أمرين: الأول، تكليف عمرو موسى بالإعداد لقمّـة عربية وِفقا لاقتراح سعودي رحّـب بعقدها في مكّـة المكرّمة أو في أي مكان آخر، شريطة أن يُـعـدّ لها وفق إستراتيجية عربية واضحة، وهو ما لم يعترِض عليه أحد، ودون تحديد سقف زمني مُـعيّـن لعقدها.
والنقطة الثانية ذات طابع عملي بحت، وهي إرسال وفد ثلاثي يمثّـل رؤية عربية واحدة، يمكن صياغتها باختصار في ضرورة تعديل مُـسودّة القرار الفرنسي – الأمريكي المطروح على مجلس الأمن، وبحيث يأخذ في اعتباره مطالب لبنان السّـبعة، سواء بشأن الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من النقاط الحدودية التي احتلتها وعودة النّـازحين إلى مُـدنهم وقُـراهم الجنوبية، وبسط سيادة الدولة اللبنانية مُـمثلة في جيشها في الجنوب ما بين نهر الليطاني والخط الأزرق، الذي يحل محلّ الحدود الدائمة مع الدولة العبرية، والعودة إلى تفعيل اتفاق الهدنة لعام 1949، ووضع مزارع شبعا تحت الوِصاية الدّولية بصورة مرحلية، إلى حين البتّ في أحقية السيادة اللبنانية عليها.
مهمة مزدوجة
بهذا الاتفاق العربي اللبناني، تصبح مهمّـة الوفد العربي الثلاثي المُـكوّن من عمرو موسى، ووزيري خارجية قطر والإمارات العربية، مُـهمّـة مُـزدوجة، فهي عربية ولبنانية في آن واحد، كما أنها اختبار جدي للقائمين عليها ولقُـدرتهم على إقناع القِـوى الدولية، صاحبة القرار في مجلس الأمن، في أخذ الخُـصوصية اللّـبنانية في الاعتبار من جهة، وضرورة إسْـباغ قَـدْر من التّـوازُن على مُـسودّة القرار الدولي من جهة أخرى، وبحيث يكون قرارا دوليا يفتحُ باباً للحلّ، وليس أبواباً للجحيم للُـبنان وللمِـنطقة معا.
ورغم صعوبة المهمّـة المنتظرة في نيويورك، فثمة بشائر بأنْ يحدُث قَـدْر من التفهّـم الدولي للمطالب اللّـبنانية – العربية. ففرنسا، على لسان دوستو بلازي، وزير خارجيتها، أعلنت أنها تؤيّـد تعديل مسودّة المشروع ليحصُـل على تأييد لبنان.
كما أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية أنها تتفهّـم نتائج ما جرى في الجامعة العربية، ولكن دون وعدٍ بمُـراعاة التّـعديلات المطلوبة لبنانيا، وهو ما عبّـر عنه الرئيس بوش، بأنه يتفهّـم الاعتراضات على مشروع القرار، ولكن ينبغي إقراره. ومع ذلك، فقد جرى تأجيل التصويت على مشروع القرار لمدّة يوم على الأقل، في إشارة عملية على أن الانقسام في مجلس الأمن قد حدَث بالفعل والكُـل ينتظر ما في جُـعبة الوفد العربي.
نحو نتائج ملموسة
بيد أن دواعي الحِـكمة تستدعي القول أن ترجيح نجاح الوفد العربي في إحرازِ نتائجَ ملمُـوسة تُـرضي لبنان والعرب معاً وبصورة كليّـة، يبدو أمرا صعبا نِـسبيا، ولكنه ليس مستحيلا، وذلك نظرا لإصرار واشنطن على أن تُـعوِّض هزيمة إسرائيل عسكريا بتحقيق مكاسب سياسية وأمنية، لم تكن تحلم بها، وأيضا لأن التّـوازن العام في مجلس الأمن ولدى القِـوى الخمس، صاحبة حق الفيتو، يبدو أكثر مَـيلا إلى مُـسودّة القرار من أن يتِـم تعديله كليا. لكن الرّغبة العامّـة في أن يكون القرار الدولي صادرا بالإجماع يعطي فرصة لأن يجري تعديله جُـزئيا ليُـرضى بعضَ مطالبِ لبنان، وبذلك يجعله مقبولا عربيا أيضا.
والواضح هنا، أن خِـيارات العمل أمام الوفد العربي لا ترقى إلى نسْـف مسودّة القرار كُـلِـيّا، وإنما تعدِيل بعض بُـنوده، وربّـما إضافة بُـندين أو ثلاثة أخرى، خاصّـة ما يتعلّـق بمزارع شبعا وانسحاب القوات الإسرائيلية من الأرض اللبنانية، ووِقف الهجوم الإسرائيلي، وهى أمُـور من شأنها أن تؤثّـر لاحقا على مُـسودّة القرار الدولي الثاني، الخاص بفكرة نشر قوات دولية في الجنوب اللبناني، والتي يُـقال في شأنها الكثير، بداية من كونها قوة دولية رادِعة، ونهاية بتوسيع قوات الأمم المتحدة العاملة بالفعل في الجنوب اللبناني، من حيث العدد والإمكانات والصلاحيات.
قرار حكومي جريء
ويُـلفت النّـظر هنا أن قرار الحكومة اللّـبنانية استدعاء الاحتياطي والاستعداد لنشر قوات الجيش اللبناني في الجنوب في حدود قوة قِـوامها خمسة عشر ألف جندي، وما تلاه من مُـوافقة حزب الله على هذه الصيغة، التي تعني عملياً ابتعاد قوات حزب الله خلف نهر الليطاني في اتجاه الشمال، ومن ثم إمكانية القول بأن لبنان قد استعاد بَـسط سيّـادته كامِـلة على أراضيه، ونفّـذ بالتالي القرار الدولي 1559، وهو ما يوفّـر إجمالا حجّـة قوية لدى الوفد العربي، بأن المطلوب دوليا يُـمكن أن يتم بقرار لبناني توافقي، وهو ما يجب أخذه في الاعتبار، وبما يُـبرِّر تعديل مسودّة المشروع الفرنسي – الأمريكي.
هذا التنسيق بين الحكومة اللبنانية بكل أطيافها وبين الجامعة العربية، يمثّـل سابقةً مُـهمّـة في العمل العربي المشترك، وستزداد قِـيمتُـها إذا ما نجح الوفد العربي بالفعل في تعديل مُـسودّة القرار على نحوٍ يُـحقِّـق بعض مطالب لبنان، وعند ذلك، يُـمكن القول أن الجامعة العربية تستطيع أن تُـلبّـي طموحات عربية، شريطة أن تكون هناك رُؤية واضحة وتناغُـم بين الأعضاء جميعا والأقطار كلّ على حِـدة، وآليات عمل مُـناسبة وتحرُّكات مدروسة. وعندها أيضا، يُـمكن أن يكون التحرّك العربي الجماعي، الذي جاء متأخِّـرا نِـسبيا، قد أزال عن نفسه بعض المسؤولية الجسِـيمة لما جرى بلبنان وشعبه طوال ما يقرب من شهر دام بكل المقاييس.
د. حسن أبوطالب – القاهرة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.