العمل الإنساني في حالات الحرب
لا ترمي اللجنةُ الدولية للصّليب الأحمر بموفديها في مناطق النزاع دون سابق إنذار، بل تحرص على إخضاعهم لتدريبات مكثفة ليستعدوا جسديا ونفسيا لمآسي الحرب ومخاطرها ومفاجآتها.
وتؤكد اللجنة أنها لا تسعى إلى تكوين موظفين من نوع “رامبُو” بل تريدهم أن ينجحوا في السيطرة على أعصابكم كيفما كانت الظروف…
لم يعُد ارتداءُ زي اللّجنة الدولية للصليب الأحمر يكتفي بالنوايا الحسنة للمُرشحين أو إعجابهم بالمبادئ الإنسانية للجنة، بل أصبح يتطلبُ استعدادات جسدية ونفسية لمواجهة التحديات التي باتت تفرضها النزاعات المسلحة الحديثة على نشاطات منظمات الإغاثة.
ويوضح ريمون ديمول، المشرفُ على تدريبات موفدي اللجنة في جنيف، أن شارة اللجنة الدولية للصليب الأحمر كانت تحظى باحترام الأطراف المتناحرة في مختلف أنحاء العالم قبل عشرين عاما، وأن مُوظفي اللجنة كانوا يتمتعون بحرية التنقل في مناطق النزاع. لكن الوضع تغير الآن بحيث أصبح على موفدي اللجنة التفاوض يوميا حول تحركاتهم وعملياتهم في المناطق المتضررة.
ويضيف السيد ديمول في تصريح لـ”سويس انفو” أن المخاطر التي يواجهُها موظفو الإغاثة صارت جسيمة اليوم، خاصة وأن الضحايا الذين سقطوا في صفوف المنظمات الإنسانية أثناء عدد من الصراعات المعاصرة فاق الخسائر البشرية في صفوف الوحدات العسكرية أو المسلحة.
ولتقديم صورة واضحة عن واقع الحرب والنزاعات المسلحة لِمن يتطوعون للعمل الإنساني، تحرص اللجنة الدولية للصليب الأحمر -التي تتخذ من جنيف مقرا لها- على إخضاع مندوبيها المُقبلين في مناطق الحرب لتدريبات معنوية أكثر منها جسدية.
المُثل والواقع!
وتشمل هذه الاستعدادات سلسلة من التمارين الإفتراضية التي تضع المُتدربين في مواقف مُختلفة تتطلب تصرفا حكيما وأعصابا هادئة إلى أقصى حد، مثل ضرورة التفاوض مع أطراف النزاع حول تجاوز نقط التفتيش، أو الوقوع في كمين، أو تقييم احتياجات مستشفى تعرض للقصف، أو زيارة المُعتقلين.
وتتوصل اللجنة الدولية للصليب الأحمر سنويا بحوالي 4000 طلب ترشح للعمل في صفوفها لكنها لا تنتقي منها سوى 250 شخصا كموفدين مقبلين.
وتثير مُثل اللجنة حماس الكثيرين من أمثال المعلمة السويسرية السابقة سينتيا برايتلر من كانتون فالي والبالغة من العمر 27 عاما. وتقول سينتيا: “نحن محظوظون في سويسرا لأننا نعيش في بلد جميل وينعم بالسلام، لكن هنالك أناسا آخرين لا يتمتعون بنفس الحظ. وإذا كان بوسعي تخفيف آلامهم، أريد إذن الذهاب إليهم ومساعدتهم.”
ولكي تتمكن سينتيا من تحقيق أملها، التحقت بفريق يضم خمسة متدربين آخرين. ويواظب الفريق على التوجه إلى إحدى ضواحي جنيف على متن سيارة “جيب” تحمل شارة الصليب الأحمر ولا تحمل سلاحا آخر سوى خريطة طرقات.
الهدوء والوضوح ميزتان أساسيتان
ولعل أبرز المسؤوليات المُلقاة على عاتق موفدي اللجنة الدولية للصليب الأحمر خلال أداءهم لمهامهم على الميدان إبلاغ الأطراف المتناحرة بوضوح وبهدوء أن اللجنة تتواجد في منطقتهم لمساعدة كافة ضحايا النزاع بدون استثناء وبغض النظر عن الطرف الذي تقف الضحايا في صفه.
وفي هذا السياق، يقول باولو سيشي، وهو موظف اللجنة الذي قام بدور زعيم المتمردين في التمرين الافتراضي الذي شاركت فيه سينتيا “مازال هذا الفريق يحتاج إلى استيعاب رسالة ومُثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر بشكل أكثر وضوحا”.
وبعد يوم من التمارين الافتراضية على الميدان، يتعين على المندوبين حضور جلسة لتقييم نشاطاتهم تحت إِشراف جوزيان فريدريش، مندوبة سابقة للجنة الدولية للصليب الأحمر قضت سنوات طويلة في إفريقيا. وتريد السيدة فريدريش أن يقدم المتدربون تقريرا كاملا ومفصلا عن أهم ما شهدوه خلال اليوم.
وقد ارتكب فريقُ سينتيا بعض الأخطاء خلال التمارين الافتراضية حيث نسي اثنان منهم الإشارة إلى أن السيدة الجريحة التي وجدوها على الطريق أصيبت بعدما داست على لغم. وبما أن اللجنة- في إطار التمرين الافتراضي- لا تعلم أن المنطقة بها ألغام فيجب إخبارها بذلك لتُبلغ المعنيين بالأمر.
وواجه الفريق لحظة حاسمة خلال نفس التمرين عندما حاول أحدُ الجنود الحكوميين في إحدى نقط التفتيش الصعود إلى سيارتهم رافعا السلاح في وجههم. وكان على فريق المتدربين التقيد بسياسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تنص على الالتزام بالحياد وعدم المساس بأي سلاح.
ويوضح المشرف على التمارين الافتراضية ريمون ديمول أنه يتعين على المندوبين -في حال تعرضهم لموقف مماثل- السيطرة على أعصابهم “دون التخاذل أمام السلاح”. ويضيف ديمول في تصريحه لـ”سويس انفو” أن اللجنة لا تريد تكوين موفدين من نوع “رامبو” بل أشخاص قادرين على الاحتفاظ بهدوءهم طالما ارتدوا زي اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
سويس انفو
تتوصل اللجنة الدولية للصليب الأحمر بحوالي 4000 طلب ترشح سنويا تنتقي منها 250 فقط
تحتفظ اللجنة بوضع محايد وتساعد كافة ضحايا الحرب في كل انحاء العالم
تقوم اللجنة بزيارة أسرى الحرب وتساعد النازحين من جراء نزاعات مسلحة على إيصال رسائل إلى أسرهم
يواجه موظفو الإغاثة مخاطر متزايدة خلال الصراعات المعاصرة حيث يزيد حجم الخسائر البشرية في صفوفهم عن تلك المسجلة في صفوف الوحدات العسكرية
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.